اقتصاد ومال

مواسم أتلفت وأخرى تعطلت
إعداد: تريز منصور
تصوير: طلال عامر

الزراعة بعد الحرب

مشاكل متراكمة وفقر ومديونية وقنابل عنقودية

 

ال«فاو»: قيمة الخسائر 280 مليون دولار

لم يخلُ قطاع في لبنان من بصمات الإعتداءات الإسرائيلية التي خلّفت وراءها تركة كبيرة وكبيرة جداً. إذ كان لكل قطاع نصيبه من الدمار والخسائر المباشرة وغير المباشرة. القطاع الزراعي أصيب بالصميم، إذ مُني بخسائر أنهكت قوى المزارعين المنهكين أصلاً بسبب المشاكل المتراكمة منذ سنوات، فأصبحوا بلا حول ولا قوة، ينتظرون من الدولة دعماً يعيد الأمل إلى حياتهم. الخسائر كبيرة وقد قدرّت دراسة قامت بها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» بـ280 مليون دولار أميركي، هذه الخسائر طالت الأراضي الزراعية والمعدات والإنتاج. فقد خسر المزارعون أسواق تصريف إنتاجهم الخارجية، كما خسروا ثقة المتعاملين الأجانب والعرب معهم، ولكنهم ربحوا وديعة القنابل العنقودية، التي عطلت معظم أراضي الجنوب اللبناني، معطلة معها عمل المزارعين ولقمة عيشهم الوحيدة. المزارعون يصرخون من أقصى الجنوب الى البقاع والشمال والجنوب صرخة واحدة: أنقذوا مواسمنا، ثبتوا أقدامنا في أرضنا، وادعموا المزارع لكي يدعم بدوره الأسواق اللبنانية والاقتصاد الوطني.
«الجيش» قابلت المعنيين في هذا القطاع بقاعاً وشمالاً وجنوباً، وعادت بوصفهم لواقع الحال، معطوفاً على نتائج دراسة لل«فاو».

 

الترشيشي: المزارعون طالبوا بسلة حوافز لم يتحقق منها شيء

رئيس نقابة الفلاحين والمزارعين وعضو غرفة التجارة والصناعة في زحلة السيد إبراهيم الترشيشي قال: «إن الحرب الإسرائيلية التي استهدفت لبنان طوال 33 يوماً، تسببت بخسائر فادحة في القطاع الزراعي، قدّرت ووفق إحصاءات أولية وغير دقيقة بـ5 مليار ليرة في منطقة البقاع، خصوصاً وأن الحرب جاءت في ذروة موسم الإنتاج والحصاد. تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في منطقة البقاع 250 دونم من الزراعات المروية، وأكثر من 150 ألف دونم من الزراعات البعلية. وتبلغ قيمة القطاع الزراعي في البقاع نحو 200 مليون دولار، وهو يوفر العمل ل04 في المئة من البقاعيين غير الموظفين. المساحات التي تضررت بشكل مباشر هي أراضٍ زراعية خصبة يتم زرعها بالقمح والبطاطا والخس والبطيخ الأحمر والأصفر، والبقول على أنواعها (بقدونس، روكا...)، والبندورة والفواكه. أما الأضرار غير المباشرة، فقد لحقت بالبيوت البلاستيكية، التي أتلف جزءاً كبيراً منها (10-50%)، لا سيما أن المزروعات في داخلها تحتاج الى العمل اليومي، مثل رش المبيدات الزراعية، والري وغير ذلك.

أما الجزء الثالث من الأضرار فناتج عن عدم تمكّن المزارعين من زراعة بعض الأراضي، التي يتم زرعها في موسم الصيف (أي بين تموز وآب)، الأمر الذي نتج عنه غياب أنواع عديدة من المزروعات وإرتفاع أسعارها. فمثلاً وصل سعر الخسة الواحدة إلى 3000 ليرة لبنانية. ويمكن القول إن الحرب الإسرائيلية على لبنان، حرمت 400 مزارع من تصدير أكثر من 50 ألف طن من الخضار والفواكه الى الدول العربية، كمصر والأردن والسعودية والبحرين ومسقط والكويت». وأضاف السيد الترشيشي: «لقد واجه المزارعون مشاكل عديدة مختلفة من جراء الإعتداءات الإسرائيلية، أهمها: فقدان المحروقات، غياب اليد العاملة الأجنبية والتي استعيض عن جزء منها باليد العاملة اللبنانية (طلاب الجامعات...)، وهجرة السياح وخسارة الأسواق، بحيث أن معظم الدول المستوردة للسلع اللبنانية، اكتشفت أسواقاً جديدة كالصين مثلاً، التي تتوافر فيها جميع السلع، وبأسعار زهيدة. أما المشكلة الأساسية التي أدّت الى إرتفاع أسعار السلع الزراعية فهي كلفة النقل، فالبضائع كانت تنتظر من ينقلها، خصوصاً مع غياب مادة البنزين، وبالتالي ارتفع سعر الشحنة الواحدة إلى دبي مثلاً من 8000 درهم الى 16 ألف درهم».

وعن دور الدولة في معالجة آثار الحرب على القطاع الزراعي قال الترشيشي: لم نرَ أية التفاتة من الدولة تجاه القطاع الزراعي، وكأنه لم يمر على المزارعين حرب مدمرة. علماً أن هذه الحرب قد أثبتت أهمية القطاع الزراعي في لبنان، كونه يؤمّن الغذاء للمواطنين. وكنا قد طلبنا من الدولة سلة حوافز، تناولت وقف العمل باتفاقية التيسير العربية لمدة وجيزة على الأقل، خصوصاً وأنها تؤثر بشكل يومي على المزارعين، والتراجع عن قرار تخفيض الدعم بنسبة 20 في المئة الذي اتخذه مجلس الوزراء، ودفع الرديات المتعلقة بمشروع «إكسبورت بلاس» والبالغة نحو 30 مليون دولار، وكذلك تسكير حساب القمح. كما إننا طالبنا بإنشاء صندوق خاص بالتعويضات، يتم تمويله من المنتوجات الزراعية المستوردة، وتشرف عليه لجنة مؤلفة من هيئات تشمل مختلف القطاعات. ويمكننا التأكيد أن الإنجاز الوحيد الذي قدمته الدولة للمزارعين هو إعفاؤهم من الرسوم المتوجبة على زيادة الوزن، وهذا القرار لم تلتزمه أية دولة عربية باستثناء الأردن. وختم الترشيشي بالقول: «إن وزير الزراعة كان قد وعد باستقبالنا والاستماع الى مشاكلنا ومطالبنا، ولكنه قدم إستقالته قبل أن يحصل ذلك».

 

صفي الدين: مشكلة القنابل العنقودية قد تدوم لثلاث سنوات

رئيس تجمع مزارعي الجنوب السيد هاني صفي الدين إعتبر إن أبرز المشاكل التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية في الجنوب هي مشكلة القنابل العنقودية التي تشكل خطراً كبيراً على المزارعين وتعرقل عملهم في أراضيهم. وقال: «الجيش اللبناني حاول ويحاول بصورة مستمرة تنظيف الأراضي من هذه القنابل، لكن العمل بطيء جداً، نظراً إلى إمكاناته المحدودة، وإلى الحجم الهائل لهذه القنابل. وبالتالي فإن هذه المشكلة سوف يعانيها القطاع الزراعي في الجنوب لمدة قد تتعدى ثلاث سنوات». أما في ما خص حجم الخسائر التي أصابت هذا القطاع في منطقة الجنوب، فقال صفي الدين: «تضاربت الأرقام بين إحصاءات للبلديات التي قدرت الخسائر بـ450 مليون ليرة لبنانية، وإحصاءات التجمع (بناء على عدد المزارعين) التي قدّرت هذه الخسائر بـ100 مليون ليرة لبنانية. ووفق تقديراتنا فإن نسبة الإنتاج الزراعي قد إنخفضت نحو 30 في المئة. علماً ان الجنوب كان ينتج نحو 250 ألف طن من الحمضيات و100 ألف طن من الموز، وفي أراضيه نحو 100 ألف شجرة زيتون». وأشار صفي الدين الى أن «موسم الزيتون لم يتأثر كثيراً بالحرب إذ استطاع المزارعون التعويض نسبياً وجني المحصول، علماً إن العمل كان محفوفاً بالمخاطر بسبب القنابل العنقودية، ويبقى أن يستطيعوا تصريف انتاجهم من زيت الزيتون».

وأضاف قائلاً: «إن معظم أهالي الجنوب يعيشون من إنتاجهم الزراعي، وهم اليوم عاجزون عن تأمين لقمة عيشهم. لقد قصدنا رئيس الحكومة ووزارة الزراعة، فوعدانا بتقديم المساعدات المالية للمزارعين، فور تأمينها من الجهات المانحة والمساعدة، ونحن ما زلنا ننتظر الإنتهاء من عملية تخمين الأضرار، التي تقوم بها وزارة الزراعة».
أما على صعيد التحركات الفردية التي يقوم بها التجمع لمساندة المزارعين، فقد أوضح السيد صفي الدين أنه «تمّ التوقيع على إتفاقيات مع جمعيات أهلية، مثل جمعية الإنماء والتعاون الإجتماعي (USAID) التي تقوم بدورات تدريبية للمزارعين حول زراعة الزيتون وتربية النحل، وندرس حالياً إقامة مشاتل لنصوب الليمون والموز...».

 

الحايك: المزارع اللبناني خسر الأسواق الخارجية وثقة المتعاملين

رئيس تجمع مزارعي البطاطا في منطقة الشمال (عكار) السيد عمر الحايك (رئيس بلدية الكويخات)، تحدث بدوره عن واقع القطاع الزراعي في الشمال الذي لا يختلف كثيراً عن الحال في البقاع والجنوب. بداية حدد حجم المساحات المزروعة على الشكل الآتي:
- 25 ألف دونم من البطاطا.
- 25 ألف دونم من الحمضيات.
- 10 ألف دونم من العنب.
- 15 ألف دونم من الخضار، 10,000 آلاف منها داخل خيم بلاستيكية، 15,000 آلاف دونم مساحات مكشوفة.
- 10 آلاف دونم من التنباك، ونحو 500 دونم من الدخان.
- 20 ألف دونم من أشجار الزيتون.

وقال: «إن 80 في المئة من أهالي عكار يعيشون من الزراعة. والمشاكل الزراعية التي كنا نعانيها سابقاً، تفاقمت من جراء الإعتداءات الإسرائيلية في الصيف الماضي، وأبرز هذه المشاكل، تصريف الإنتاج وإرتفاع الكلفة التي تفوق سعر المبيع. لقد تركت الحرب بصماتها وخلّفت وراءها خسائر غير مباشرة على عدة مزروعات كالخضار وفستق العبيد والتنباك، خصوصاً مع فقدان اليد العاملة الأجنبية، وإنعدام التصريف بنسبة %100 من جراء قطع الطرقات بفعل القصف، وخوف الشاحنات من التنقل في المناطق، وفقدان مادة البنزين، يضاف إلى ذلك عدم زرع بعض المواسم، وارتفاع أسعار المبيدات والبذور والأسمدة بنسبة تراوح بين 25 و100 في المئة، بسبب ارتفاع سعر صرف اليورو. ولقد بلغت نسبة الخسائر غير المباشرة في القطاع الزراعي في منطقة عكار نحو 50 مليون دولار، ولكن هذه الأرقام غير دقيقة بسبب عشوائية الإحصاءات التي جرت من قبل جهات مختلفة، كالمزارعين أنفسهم والتعاونيات والنقابات الزراعية وبعض الناشطين المنفردين، في حين لم تحرك وزارة الزراعة ساكناً، باستثناء الإحصاء الذي نقوم به ولم ينشر لغاية الآن».

 

وعن مطالب المزارعين في عكار قال السيد حايك:
«إننا نطالب الحكومة اللبنانية بفتح الأسواق الى أوروبا بموجب اتفاقية الشراكة الأوروبية، وبدفع التعويضات المالية للمزارعين، وتفعيل الإرشاد الزراعي، والتنسيق الشامل والكامل بين وزارة الزراعة وبين التعاونيات والنقابات والجمعيات الزراعية، وإعادة النظر باتفاقية التيسير العربية، وبوضع خطة زراعية تهدف الى تطوير هذا القطاع الحيوي الذي يعيش منه وفق احصاءات وزارتي الإقتصاد والزراعة نحو 40 في المئة من اللبنانيين. إن وضع المزارعين اليوم سيء جداً، فمعظمهم يرزح تحت ثقل المديونية، المترتبة للمصارف وشركات الأسمدة والتجار. هذا بالإضافة إلى فقدان ثقة دول العالم بنا، لا سيما أن الإعتمادات كانت تفتح سابقاً مع تجار أجانب وفق ثقة متبادلة بآجال طويلة وبفوائد مؤجلة، فيما أصبحت اليوم تتم بالدفع سلفاً قبل عمليات الشحن».

 

إعفاء سلع زراعية مصدرة للسعودية من فحوص مخبرية
أصدر المدير العام لوزارة الزراعة غطاس عقل قراراً رقمه 1/436، يتعلق بإلغاء القرار 1/373 تاريخ 2005/10/19، الذي ينص على إخضاع الفاكهة والخضر والعسل المصدرة إلى المملكة العربية السعودية للفحص الجرثومي وغيره.

 

 ال«فاو»: أضرار فادحة لحقت بالأراضي والتجهيزات

أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) في تقرير نشر أخيراً، أن الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز الماضي، ألحقت خسائر بقيمة 280 مليون دولار بالقطاع الزراعي اللبناني. وذكرت ال«فاو» في هذا التقرير أن الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي اللبناني، من زراعة وصيد أسماك وأحراج، خلال الإعتداءات تقارب قيمتها 280 مليون دولار. وأوضحت المنظمة أن النزاع طاول مباشرة القطاع الزراعي حيث لحقت أضرار فادحة بالأراضي الزراعية والتجهيزات الزراعية ونفقت المواشي في المناطق التي تعرضت للقصف. وأشارت الفاو الى أن الزراعة تمثل حوالى 70 في المئة من دخل العائلات في جنوب لبنان. وقال التقرير: «إن أكبر الخسائر تزامنت مع موسم الحصاد، وأن المناطق التي قصفت هي من أفقر المناطق في لبنان.

وجاء في التقرير أن العديد من المحاصيل التي كان بعضها معداً للتصدير، قد أهدر. فقد تُلف قسم كبير منه في الأراضي بعد أن أرغمت عمليات القصف المزارعين على الفرار وشُلت حركة نقل المواد الغذائية الى الأسواق. وقال أيضاً إنه لم يعد من الممكن استغلال بعض الأراضي الزراعية، بفعل وجود قذائف غير منفجرة، موضحاً أنه في القسم الجنوبي من البلاد تطاول هذه الظاهرة 25 في المئة من الأراضي المزروعة. وأوضحت مديرة قسم العمليات الطارئة وإعادة التأهيل في ال«فاو» آن باور، «أن خسارة المداخيل الناتجة عن بيع المنتوجات الزراعية وعن المواشي زادت من عبء الدين على العديد من المزارعين الذين كانوا يسددون ديونهم في موسم الحصاد الممتد من أيار إلى تشرين الأول للحصول على سلفات جديدة للموسم المقبل». وأعلنت المنظمة أنها ستستثمر أولى الأموال المتوافرة لتنسيق نشاطات إعادة تأهيل القطاع الزراعي، موضحة أنها بحاجة الى حوالى 17 مليون دولار لمبادرات أخرى تحظى بالأولوية، مثل شراء بذور وأسمدة وأجهزة ري.