باختصار

مواطن وأخوه
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

الجندي اللبناني يعرف تماماً، بحكم تربيته العسكرية، وبحكم الخبرة التي اكتسبها من خلال المهمات العديدة التي نفّذها حفاظاً على الأمن والاستقرار، كيف تطل الفتنة على بلادنا بين الفينة والفينة، مذكّرة بوجودها، محاولة الحصول على شكل من أشكال الإقامة، خصوصاً وأنّها تقدّمت بطلبات من هذا النوع على مدى السنين، ولم تنل الموافقة، ولن تنال.
وهو يستحق التهنئة على معرفته، لأنّ للفتنة تلك أساليب متخفيّة، وطرقاً خبيثة، وقفّازات تزداد نعومة مع الأيام، بحيث يكون من المفترض أن تنجح أحياناً بالتّورية والخداع. لكنّ ذلك لا يكفي، والمطلوب أن نسير بمعرفتنا إلى أهالينا في أي موقع يكونون، ومع أي قناعات يعيشون. فأن تنتقل وحداتنا العسكرية للفصل بين الأخوة من وقت إلى آخر، عمل بات من الواجب أن تنتهي الحاجة إليه، وأن يتم استبداله بتغطية مهرجان ثقافي ومشاركة في احتفال فنّي، أو مباشرة قطاف موسم زراعي ومواصلة إطفاء حريق في غابة بعيدة.
وحداتنا تلك هبّت مؤخراً لإعادة الأمن إلى النفوس في شمالنا الغالي، بعد موجات من الشائعات، وسيول من العبارات المغلوطة. وقد لبّت وحداتنا بذلك نداء الواجب، ودعوة المواطنين أيضاً، ونجحت في مسعاها من دون تأخير، ولكنّ للفتنة «مطرة» دموية ساخنة أولى وسريعة، تسبق في الغالب المظلاّت التي ترفعها الأيدي المخلصة للحماية والمساعدة، من هنا ما سقط من ضحايا. وليس من الممكن أن تكون البندقية العسكرية منصوبة في كل مكان وزمان وكأنّنا في مجتمع أمني مقفل لا حراك فيه ولا كلام. وأرضنا، على العكس من ذلك، في شوق للعودة إلى صورتها المعروفة، صورة الحرية والسلام. إنّ باعة القهوة في الشوارع القديمة يعلنون ذلك وهم يعزفون بفناجينهم النحاسية النغمة التراثية التي اعتادت عليها آذاننا، وباعة المشمش الطيّبون يقولون ذلك أيضاً وهم ينادون على حبّاتهم الحزيرانية الحمراء. ما دخل هؤلاء يا ترى، بمحاولات الفرز بين الأخوة، والتفرقة بين مكونات المجتمع التي لا يقوم من دونها هذا الوطن، لا بل يفقد مبرّر وجوده، وعلّة تميّزه بين الدول والشعوب؟
وحداتنا العسكرية تسرع إلى إعادة الهدوء في الأحياء التي نحبّها، وهيبة الجيش وصدقية قيادته، وموقعه في قلوب الناس، ورمزيّة الوحدة الوطنية المتمثلة في أفراده، هي الأسلحة الشرعية التي يُعتمد عليها. إلاّ أنّ المطلوب أيضاً هو أن نتوجّه إلى أهالينا في كل مدينة وقرية وعائلة، بالقول: فناجين القهوة وعربات المشمش هي نفسها في كلّ الأحياء.