- En
- Fr
- عربي
كلمات ليست كالكلمات
نشرت إحدى الصحف كلاماً لوزير دفاع العدو شاوول موفاز, قال فيه إنه تحدث مع رائد الفضاء الإسرائيلي إيلان رامون قبل انطلاقه على متن المكوك كولومبيا, وقال له “إن السماء ليست آخر الحدود بالنسبة له ولدولة إسرائيل”. جاء هذا الكلام في معرض الفخر والزهو والإحتفال بأول رائد فضاء إسرائيلي, لكن اللسان زلّ باتجاه السياسة حين أعلن أن السماء ليست آخر الحدود بالنسبة لدولة إسرائيل.
النهاية المأساوية لكولومبيا كانت تراجيديا علمية في مجال غزو الفضاء, حيث انفجرت المركبة, كما هو معلوم, قبل هبوطها بـ16 دقيقة بعد رحلة دامت أكثر من 16 يوماً.
موفاز لا يعترف بالفضاء آخراً للحدود, فما يكون آخر الحدود يا ترى؟ هل ان العقلية الإرهابية التوسعية الإسرائيلية باتت تضمن سيطرتها على الأرض ولم يعد الفضاء نفسه آخر الحدود بالنسبة إليها؟ هل انّ تفوّق عالم وطيار إسرائيلي يعني تسييس هذا التفوّق العلمي وجعله عنصرياً ونازياً للتوسع أكثر فأكثر؟ لقد مزج موفاز العلم بالسياسة العدوانية, وجعل من التعاون العلمي مع الولايات المتحدة منطلقاً لهذيانه السياسي.
لكن موفاز كان صادقاً حين أعلن ما يخفيه قادة العدو من مبادئهم التوسعية. وكان موفاز صادقاً حين أكد عنصرية إسرائيل, وأن الأرض لا تتسع لها. كما أنه كان صادقاً حين ركز على عدم وجود حدود لإسرائيل, مذكراً بعدم وجود نص دستوري عن حدود دولة العدوان هذه, كما هو معمول به في دساتير دول العالم.
لكن, إذا كان هذا الكلام صادراً عن حالة من المفخرة والإعتزاز, فإن الواقع يختلف كثيراً. صحيح أن إسرائيل تحقق تفوقاً في السلاح والتكنولوجيا والإقتصاد والإعلام, وتجنّد جماعات ضغط في جميع أنحاء العالم متلقية تأييد عدد كبير منها, وأنها خاضت حروباً وكسبتها, لكنها في المقابل عجزت وتراجعت أمام قوة هائلة فاقت كل أسلحتها: إنها قوة الحق. هذه القوة تسلّح بها العسكري اللبناني والمقاوم اللبناني, وذلك حين واجه الجيش إعتداءات إسرائيل مستخدماً ما توافر له من إمكانيات, إضافة الى معنويات عالية, وإيمان عميق بعدالة القضية. كما أن المقاوم اللبناني ضرب الإحتلال بكل قوة, غير آبه لحسابات الإعلام والتكنولوجيا, وحين أصبحت المواجهة إنساناً مقابل إنسان, انتصر اللبناني واندحر الإسرائيلي عائداً الى قواعده.
واليوم تشكل الإنتفاضة الشعبية الفلسطينية ضد الإحتلال مأزقاً تاريخياً آخر لدولة إسرائيل, هذه الدولة التي تتحدث عن الديموقراطية وتكثر من الإنتخابات والتحالفات والإئتلافات والمعارضات... وغيرها من المظاهر الشكلية للديموقراطية, تراها في موقع سلطة الإحتلال والقمع وخرق حقوق الإنسان, وقتل المدنيين وتدمير المنازل وتهجير الناس, وضرب الإقتصاد والمؤسسات المدنية والبنى التحتية للسلطة الفلسطينية, ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف, وموصدة جميع الأبواب أمام الحلول السياسية من مقررات مؤتمرات سلام, الى “خارطات طرق”, الى مبادرات ميتشل وتينيت... رغم ذلك كله, لا زالت الإنتفاضة مشتعلة, ولا زال الإحتلال الإسرائيلي يواجه مأزقها, وهو لم يستطع رغم كل الإمكانيات المتوافرة له أن يطفئ جذوتها, والأهم من كل ذلك ما نشهده في وسائل الإعلام من صلابة موقف الشعب الفلسطيني في رفض الإحتلال, وإصراره على حقه الشرعي, ورفض كل الحلول الخارجية الخادعة, والمبادرات الإسرائيلية الكاذبة, التي تهدف الى وقف الإنتفاضة من دون تقديم أي حل سياسي عملي.
إضافة الى ذلك تواجه إسرائيل مآزق صعبة, فمن جهة تدعي الديموقراطية, وتطالب بإصلاحات للسلطة الفلسطينية, ومن جهة أخرى تمنع الإنتخابات وتسعى الى تكريس الإحتلال, وإلغاء حق تقرير المصير, وفرض قيادات موالية لها. وباسم الديموقراطية تجتاح الدبابات الإسرائيلية المدن والقرى, كما أنه باسم الإصلاحات يقتل الجيش الإسرائيلي المدنيين وينسف المنازل. كل ذلك افقد الشعب الفلسطيني الثقة بالخداع الإسرائيلي, وجعله يتمسك بانتفاضته وحقوقه.
نعم, موفاز يقول لإيلان رامون “إن السماء ليست آخر الحدود لدولة إسرائيل”, لكن الشعب اللبناني الأبي وجيشه الوطني طرد جيشها من أرضه, وها هو الشعـب الفلسطيني اليوم لا يزال على موقفه من التمسـك بانتفاضته حتى استعـادة حقوقـه المشروعة.