موقع العرب في الخريطة الدوليّة

موقع العرب في الخريطة الدوليّة
إعداد: أ.د نسيم الخوري
باحث وأستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

المقدمة

يقودنا واقع العرب الراهن الدموي المتشظّي إلى طرح فكرة إخراجهم أو خروجهم من مصطلح "الوطن العربي" التاريخي إلى مصطلح "العالم العربي" وهما مصطلحان لم يبلغا الإكتمال، مع التنبيه إلى مخاطر ما يعنيه التمييز الراهن بين الوطن والعالم من فروق هائلة في تحديد الهويتين المفترضتين في المستقبل. وللوصول إلى تحقيق كلتا التسميتين أو الهويتين، كانت تؤرقهم وتترصّدهم، على الدوام، أحداث وحروب كثيرة وأعباء وأزمات حضارية وتحدّيات كبرى مستنسخة عبر قرن تقريبًا امتدّ منذ إلغاء دولة الخلافة الإسلامية واستبدالها مع مصطفى كمال أتاتورك بالجمهورية التركيّة (3 آذار/مارس 1924) حتى إعلان "داعش" دولة الخلافة الإسلامية ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة المسلمين (29 حزيران/يونيو 2014 ).

لم يبلغ هذا الواقع المرير أو يستقرّ خلال هذا الزمن الطويل على معنى الأمّة أو الوطن أو حتّى العالم المتجانس كي لا نقول الموحّد، على الرغم من مقوّماته الحضارية وأبعاده وحضوره الفاعل والمتفاعل مع العالم. يمكن الافتراض أنّ العرب قد خسروا قرنًا من المراوحة أو الإنشداد الفكري بين الشرق والغرب أو بين العروبة والدين مع ما تحمله هذه الكلمة الأخيرة بدورها من رؤى متعدّدة واتّجاهات أو اجتهادات مذهبية كثيرة. وقد يتضاعف احتساب هذه الخسائر، خلال هذا القرن، إذا اعترفنا بأنّ الكشوف العلميّة الاتّصاليّة قد تمكّنت من شدّ الكرة الأرضية بهدف تخليصها من ظلالها، وبأننا بلغنا زمنًا باتت فيه الشركات العملاقة العابرة للقارّات تتجاوز قدرات الدول والحكومات، على أكثر من مستوى، الأمر الذي يجعل الواقع العام محفوفًا بالضبابيّة والفوضى والعجز عن إيجاد ملامح جديدة لصورة العالم المقبل.

 

كيف؟

يحصل هذا الأمر وهو مستمر بوتائر سريعة، في زمنٍ وصل فيه البشر إلى ابتكارات حضارية جريئة تبدو فيها الأرض مسطّحة أو تميل إلى التسطيح بعدما كانت كرويّة، وهذا يعني، بالطبع، الدلالة على تأثير تقنيات حضارة التواصل والتبادل الواسعين والقويين في جعلنا نتصوّر العالم بشعوبه وحضاراته ممدودًا كما البساط، خصوصًا وأنّه عالم يعجّ بالصور والمعلومات والثقافات والتجارة والاقتصاد والأسواق الحرّة الواسعة التي ما عادت تشبع اتّساعًا. وقد يبلغ هذا الطموح حدود سقوط الحواجز بين الشعوب ومن الأذهان والقواميس، بالمعنى الحضاري، حتّى ولو أنّ تجربة خروج بريطانيا المفاجئة للعالم من منظومة الوحدة الأوروبيّة قد حصلت مؤخّرًا لدوافع اقتصاديّة وسياسيّة أو إرهابيّة أو نزوح نحو التشدّد في الخطاب أو الموقف السياسي من الشعوب الأخرى وغيرها من الأسباب التي لا مجال لها في هذه الورقة. وعلى أيّة حال، هذا المناخ يكاد يكون المحرّك السياسي للحملات الانتخابيّة الرئاسيّة التي تتبعها الأحزاب أو الدول سواء في أوروبا أو أميركا بشكلٍ عام.

ونجد أنفسنا، بالمعنيين الوطني والقومي، مشدودين حكمًا إلى البحث مجدّدًا في جدوى فكر التأرجح أو الحيرة أو التوفيق أو ردود الفعل السريعة بين الشرق والغرب أو بين الوجهة الدينية وضروراتها وديمومتها، ووجهة التحديث والحداثة التي أفرزتها أساسًا الثورة الصناعية الغربيّة وصولًا إلى "صدمة" كشف الأغطية عن المجتمعات الراكدة لدعوتها بجاذبيّة التواصل الرائعة إلى الانفتاح على العالم عبر تشريع النوافذ Windows في معظم الإتّجاهات والثقافات.

وهنا تلتبس الأمور كثيرًا عند التحديق في مدى الكوارث ومشاهد العنف الهائلة في البقع أو الدول العربيّة المغرية تاريخيًا للدول العظمى في الشرق الأوسط من ناحية، مقابل فتور الجاذبيّة العالميّة الناشئة والمحيّرة حيال هذا القسم من العالم. صحيح أنّ العالم كلّه تقريبًا يشارك بشكلٍ أو بآخر، في تحالفات متعدّدة لوقف العنف، ولكنّ زمن العنف يبدو بطيئًا متثاقلًا، وتظهر تلك الدول وكأنّها متروكة للمزيد من الدماء ونبش الأحقاد الدفينة، أو أنّها أصيبت عبر تطوّرها بما يشابه أسطورة "سيزيف" اليونانية هذا البطل الذي يدفع بالصخرة جاهدًا نحو القمّة لكنها تنزلق من بين يديه قبل بلوغها، فيتدحرج وراءها نحو القعر ليعاود رحلات الدفع والهبوط المتكرّرة فلا يكفلها سوى التمسّك الضروري والطبيعي بالقديم والاحتماء بعصوره ومنجزاته الدينية والعلمية وشهرها شواهد لا جدوى منها في وجه العالم.

 

وهنا يمكن طرح سؤالين كبيرين:

الأوّل: أين يقع العرب اليوم فوق الخريطة الدوليّة الممدودة أمام إنتباه الدنيا؟

 

والثاني: كيف لنا أن نفهم أو نفسّر شراسة الإمعان في الحروب المشبعة بالعنف والإجرام وتكديس السلاح في ما يتجاوز أو يقفز فوق معظم القيم الإنسانيّة والقوانين والمنظّمات والأعراف الدولية، التي حاولت بعد الحربين العالميتين تهذيب الحروب وتشذيب مدى عنفها أو لجم شراستها بين قوّة الحق وحقّ القوّة؟

 

تتحوّل إشكاليات السؤالين والأسئلة الكثيرة المتفرّعة عنهما في سياق هذا البحث، إلى التفكير بالمظاهرالعمرانية والثقافية الكثيرة والجميلة في تشابهها الملحوظ بين العرب والعالم عبر الإقبال الهائل على شراء المعدّات المعاصرة وتشييد المدن وتجديدها لتزهو عند حدود الأشكال والحضارات بمعناها الخارجي من دون النفاذ الواضح نحو ما تختزنه تلك التجارب والأفكار المتعدّدة التي تحمل الكثير من قوّة المضمون والتحدّيات الثقافية المحكومة بالتحوّلات الدائمة المقيمة في الأفكار والقناعات والابتكارات.

تتحوّل الحضارة العمرانية أحيانًا إلى نوعٍ من تشابه في بناء ناطحات السحاب وتحديث الحياة الاجتماعية، لكنّها قد تبقى مهدّدة باستبدادية غير واضحة المعالم في ضرورات الاستيراد والاستهلاك وصرف الميزانيّات والطاقات التي يمكن الركون إليها بوصفها طاقات كفيلة بتأمين الاستقرار لكنها تدفع قطعًا إلى البحث عن طاقات بديلة عندما يحاول العالم الغربي التملّص من تأمينها. بالمقابل، كان العقل العربي يعمل جاهدًا محاولًا فهم هذه المستوردات حتّى العسكرية منها وتفكيكها وتطويرها، وبغفلةٍ عمّن صنّعها وعرضها وصدّرها. قد يفكّر المرء أنّها محاولات كانت تدرج، عبر العقود الطويلة، في خانة الصراع العربي "الإسرائيلي" التي تدهورت اليوم إلى حدود وصلت فيه إلى ما دون الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" الذي يتهدّده بدوره نوع من التراجع المستمرّ في تلطيف العدائية والجنوح نحو التسويات غير المتكافئة كي لا نقول السلام المعقّد المعالم والنتائج.

وكان من المقدّر أن يوصلنا البحث، تلبية لحاجات الطموح العلمي والتقني والتحدّيات السياسيّة والعسكرية إلى مراحل متقدّمة، لكنّ النتائج، جاءت للمفارقة العظمى، بعيدة من الإسهام في سقوط بعض هذه الأنظمة، بل إلى تحطيم جغرافياتها وبعثرة مجتمعاتها وتحويلها إلى أرضٍ خراب، ودفعها عقودًا إلى الوراء عبر"ربيع العرب" الذي أغرى طموحات الشرائح من أجيال التواصل في التغيير، مع أنّ الأحداث القاسية كانت قد تأسّست فوق سقوط العراق (2003)، وخصوصًا بعد قتل الكثير من العلماء أو تشريدهم نحو المجتمعات الغربيّة المتعدّدة، أو تهميشهم لأسباب ومغريات وأهداف واسعة.

بهذا المعنى تفاقم طغيان مشاهد التخريب والإرهاب والقتل متلازمًا مع الأفكار والخطب والاجتهادات الغريبة المثقلة بالأحقاد في أرض العرب كظاهرة باتت مطلوبة ومزمنة ومألوفة، تختلط فوقها الهويات الإثنية والدينية والمذهبية عربيّةً كانت أو إسلامية غربيّة أو شرقية. وبانت الصورة العامّة للسياسة العالمية أو للنظام العالمي الجديد في موقعٍ من التحالفات المعلنة أو الخفيّة التي لا تحسم ما يحصل فوق أرض العرب، بانتظار أن تفرج الدماء العربيّة المهدورة عن فكرة جديدة سواء كانت مجتمعًا أو وطنًا أو أمّة أو عالمًا بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع.

تلك حروب لا هوية لها. ليست هي بالحروب الكبرى أو التقليدية المعلنة ولا هي بالحروب الباردة المعروفة الأسباب والأحداث والنتائج، هي ليست حروبًا أهلية أو طائفية محضة أو حروبًا عالمية صغيرة بنسخٍ متعددة فوق أرضنا وقد أسماها غسّان تويني لبنانيًا "حروب الآخرين على أرض لبنان". إنّها شيء من هذا كلّه مزدانًا بالفوضى الشاملة، وترهّل الحكمة، إلى حدود القول أنّ العالم، بغربه وشرقه بمعناه السياسي وبأنساق العيش فيه وأطماعه، صار مشغولًا بالإرهاب والتكفير والأصوليات الدينية والتطرف ويقيم في تطلّعاتها وتحدّياتها فلا يستقرّ، خصوصًا بعدما قرعت أبوابه من مختلف الجهّات.

وما يزيد أو يفاقم غموض هذه الحروب وعبثيتها، السقوط الجميل للحدود المرسومة بين دول العالم وشعوبه المشغولة بتواصلها وألعابها، بعدما دفع العالم الكثير من الدماء والكوارث والضحايا، قبل أن يتمكّن من ترسيم هذه الحدود ورفعها بعد الحربين الكبيرتين ليعود العقل، لا إلى ابتكار أفكار حضارية تليق بالقرن، بل إلى التلويح بدفن تقسيمات سايكس/ بيكو، مثلًا، والتبشير بحللٍ وأفكار وخرائط جديدة ومتعدّدة قد تكون أشرس في وقف التطوّر. تتغيّر الأسماء لكن التاريخ العربي يبدو وكأنّه محكوم ليعود بأوضاعه ومستقبله عربيًا وإسلاميًا حيثما كان.

وهنا ملاحظة لغوية طريفة ذات مدلول حضاري قفزت أمامي حول هذا الفعل الماضي الناقص أعني "كان".

تنتسب كان مثل أخواتها أمسى، أصبح، أضحى، صار، ما زال، ما برح، ما انفك...الخ إلى ما يعرف بالعربيّة بالأفعال الماضية الناقصة. وبالمقاربة الأفقيّة البسيطة، يمكن السؤال عن معنى الفعل الماضي الناقص الذي نجده ربّما ينتظر الحاضر أو المستقبل كي يكتمل أو يلحق به، لكن أن يجتمع هذا الماضي بنقصه وتعثّره أو بطئه ليجذب الحاضر والمستقبل إلى خانته فمسألة تحتاج إلى ما يتجاوز الرياضيات الحديثة بحثًا عن إيجاد البراهين المنطقيّة. قد يفترض الباحث أنّ الزمان عرف إكتماله، بهذا المعنى، مع بدايات الأديان التوحيدية، وبشكلٍ خاص مع الإسلام الذي أخرج العرب من حياتهم القبلية التي اكتسبت وهجها وحضارتها سمات خاصّة، بما فيها تساوق الماضي والحاضر والمستقبل الذي يستظلّ زمن الوحي. لكن مع تحوّل العالم في ما يسمّى عصر العولمة إلى مساحة شاسعة، وبمتناول الجميع، لعرض الأفكار والمبتكرات والتحدّيات، تضاعف التحدّي الحضاري بين حدّي الحوار والصراع بهدف إيقاظ الصراعات المتنوّعة والتي لا حدود لمخاطرها. لم يجد العرب سوى العوربة كردّة فعلٍ غير قادرة على صدمة العولمة.

 

1- العولمة والعوربة

يمكن الإقرار، بأنّ العالم قد تمّت إعادة رسمه، في عصر الفضاء، بظاهرتين متناقضتين غير مسبوقتين من التحدّيات القويّة والخيارات الكبرى التي تهزّ الدول والسلطات التقليديّة من جذورها، وخصوصًا تلك الأنظمة الشمولية منها حتّى ولو زجّتها تلك الخيارات في ميادين الحروب الانتحارية. الظاهرة الأولى هي اللحاق السريع بالعصر والمضي فوق جادّات التواصل والمعرفة والتفاعل العام مع مفاهيم الحريّة والديمقراطية ومشتقّاتهما، أو رفض هذا الخيار الذي يعني الاحتماء الأقوى بالماضي في ظاهرة ثانية. ويبدو أنّ الالتحاق اللطيف غير المكلف بمن يصنع ثورات "الدوت كوم" والانخراط مع من يشارك فيها من الشعوب، بصرف النظر عن جغرافياتها وحضاراتها وإستراتيجياتها وثقافاتها ولغاتها، ظاهرة عمّت العالم وأورثت ازدواجيات ومفاهيم جديدة بين الأجيال قديمها وحديثها. لقد بدت العولمة وكأنّها قفزت بأجيال الشباب فوق الأدبيات المتجدّدة حول الغرب والشرق والماضي والمستقبل في المجتمع الواحد بصرف النظر عن نظمه أو تقاليده. حلّت العولمة ومشتقّاتها وأدواتها عنوانًا واسعًا ومقبولًا لمفاهيم المستقبل ومعانيه بدءًا من أواخر القرن المنصرم وتحديدًا في القرن الواحد والعشرين مع انحسار مخاطر الهجوم النووي بين الدولتين العظميين، أعني أميركا والاتحاد السوفياتي، اللتين كانتا مشغولتين بالحفاظ على عظمتيهما وأسرارهما عبر ما عرف بالـ Arpanet آنذاك.

وكان يفترض، إبّان الحرب الباردة بين الجبّارين، الخروج من مركزية المخابرات الأميركيّة وما تحويه من أسرار ووثائق، درءًا للمخاطر والتهديدات النووية، فكان مشروع لامركزيّة المعلومات التي عرفت بالـArpanet الرباعيّة التي توسّعت مراكزها وتعدّدت ثمّ فتحت النوافذ الاتّصالية على مصراعيها بعد تنقية مضامينها أمام الجمهور العالمي منذ نهايات الـ1962. يمكن القول أنّ عصر الإنترنت يحمل البصمات العسكرية التي اجتاحت مجتمعات العالم وأشاعت التلاقح والتفاعل، ودفعته بسرعة فائقة نحو الانبهار بعالم فضائي إعلامي جديد يصعب بل يستحيل إنكاره ومنحه عناوين وشعارات ومواقف سياسية غابرة، وما عاد ممكنًا الفرار من جاذبيته وأجهزته الاتّصالية للاحتماء أو التشاوف فقط بمنجزات الأزمنة الماضية.

يغيّر الإعلام الفضائي الواسع المشهد العالمي بالكامل بعدما حقّق الإنسان عناصر وجوده الأربعة الفلسفيّة.

 

كيف؟

من المعروف فلسفيًّا أنّ عناصر الوجود البشري ترتكز على أربعة أساسيّة هي التراب والماء والهواء والنار. ويمكن الافتراض بأنّ الإنسان عبر تاريخ طموحه العظيم قد حاول تحقيق عناصره تلك بإستطالات ربّما تؤلّف جوهر الأفكار والمنجزات الحضارية العلمية والثقافية.

لقد كشف الإنسان الأرض عندما تعرّف إلى جغرافيتها اليابسة حتّى طوّع البقع العذريّة منها وعرفها بحدودها وحواجزها ووعورتها، وسخّرها وطوّعها لمصالحه وحضاراته ساحبًا حتّى ما بجوفها لتطوره وبناء حضوره، ثمّ عبر بعدها البحار والمحيطات بعدما خضعت الأرض لقدرته، مسخّرًا ما في أعماقها أيضًا وحدّدها وطوّعها كما الأرض بالحروب والقوانين والحدود الإقليمية والمنظّمات الدولية. وكان لا بدّ له تحقيقًا لاستطالاته في الكشف، من العبور نحو التحليق في الفضاء بمعنى الهواء تحقيقًا لعنصر وجوده الثالث ليزرعه بالأقمار والمواقع الطيّعة لحرب النجوم، وامتلاك السيطرة على مقدّرات الدنيا بطرائق وتقنيات وكشوف اتصال وبث معاصرة جعلت من المستحيل، حتى الآن، وضع قوانين نهائية تحدّد هذا الفضاء أو ترعى خصوصيات الشعوب الأرضية والمائية المعروفة أو تساير هوامش الثقافات والدول والأنظمة والهويات الضيّقة أو العالمية. وللمفارقة، لم يتمكّن الإنسان في تداخل رحلاته الطويلة الثلاث المتكاملة من التخلّص من عنصر النار (عنصر وجوده الرابع) الذي كان وسيبقى العنصر القاسي المقيم عبر استطالاته المحكومة بالحروب الدائمة وابتكارات الأسلحة عبر التاريخ.

أيقظت العولمة بوجهها الأخير الفضائي، إذًا، وهي توقظ الشعوب تباعًا، مناخًا من الجدل العربي العام طاول الكثير من الكتّاب وأساتذة الجامعات والسياسيين الذين هزّتهم تلك الظاهرة التي لم يكن ميسّرًا تلافيها، وخصوصًا عبر تدفّقات وسائلها الإعلامية الجاذبة والمغرية للأجيال بمختلف أعمارها. وهنا يمكن أن نسوّق ملاحظة جديرة بالبحث وهي أنّ تداخلًا بات ينضج ملحوظًا بين الأجيال إذ قرّبت المسافات والأزمنة التي كانت في بداياتها تنعت بكونها غربيّة بالمعنى السياسي والتاريخي، وقرّبت المسافات أيضًا بين الأجداد والأبناء والأحفاد بفضل قوّة العولمة وأجهزة التواصل الدائمة التطوّر أو عبر تداخل الشاشات ومضامينها وبرامجها بين الشرق والغرب.

ومن الملاحظ أنّ المناخ العام كان مشوبًا بحجج الرافضين لهذه المظاهر الجديدة المتمكّنة من الثقافة (بمعناها الفرنسي أي العادات والتقاليد والقناعات وسبل العيش والحياة وغيرها) لكونها تأتي من الغرب ومن أميركا تحديدًا، وهو الذي ظهر في ابتكار العرب لمصطلح جديد مناهض ورافض للعولمة هو "العوربة" التي كان وقعها صادمًا وغريبًا ومغريًا ومشدودًا بين أنواع ثلاثة من الأفكار في الكثير من الدول العربيّة: القبول الكامل والرفض الكامل غير المبرّر، والتوفيق بين الرافضين والقابلين، والمعلوم أنّ الفكر التوفيقي هو من أسوأ أنواع الفكر.

 

عُقدت حول العوربة والعولمة مؤتمرات وكُتب عنهما الكثير. وكان معظم ما كتب بالعربيّة، يرجّح الآراء التي تدين العولمة، وتتطلّع إلى العوربة كمنقذٍ من براثن العولمة الزاحفة بمظاهر "استعمارية" جديدة. وقد يكون مفيدًا سوق بعض الأمثلة والعناوين([1]) التي تفصح عن معنى العوربة في زمنٍ بدأت فيه فكرة العروبة والقوميّة العربيّة بالانزياح والتشتّت، ولربّما وصلت هذه الأفكار إلى حدود الضمور والانقراض، مع أنّ هناك فروقات ظاهرة جوهرية بين العروبة والعوربة التي راحت تتسلّح بالدين بأشكالٍ حادّة:

أ- "العوربة والأسلمة في مواجهة الأمركة والعولمة" هو عنوان المؤتمر الضخم الذي أقامه مجمع اللغة العربيّة في القاهرة (10 أيّار/مايو 2005) بمشاركة أكثر من مئة باحث ومفكّر في محاولة جادة للإحاطة الثقافية التأصيلية لمصطلح "العولمة" الذي دخل أدبياتنا كمصطلح إعلامي وسياسي وإستراتيجي واقتصادي، ولم يدخل أدبياتنا العربيّة والإسلاميّة كمصطلح ثقافي أو أدبي أو فني الأمر الذي اعتبر العولمة نوعًا من "أمركة" العالم وتحويل ثقافاتها إلى عنصر دائم للرؤية الأميركية التي تملي الأوامر والتعليمات فى رؤية مصلحية مأزومة، وصبغه وصهره بإعادة التعبئة الاتّباعيّة، وفق سلسلة قاسية وحازمة من الأوامر والنواهي، وعلى من يخالف أو يتباطأ أن يتحمل التبعات بالحرب والتدمير الشامل". وعلى الرغم من اللون السياسي الذي ظهر في الآراء، خلص المؤتمر بعد عشرين جلسة إلى عدة توصيات أهمّها "صياغة مشروع عربي لعتق الثقافة العربية من هذا الاجتياح وتلك الأعباء في الهيمنة الأميركية التى تضع نيرها على عنق مجموعة من (المارقين) الذين يؤدّون ما يطلب منهم، ويعملون معاولهم تهديمًا في تراثنا ومبادئنا ولغتنا وحضارتنا وديننا".([2])

ب- "العوربة والعولمة": سلسلة مؤتمرات عربيّة، دعت إلى ايجاد صيغة تجميعية للدول العربية لمواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها في إطار العولمة، وحضّت التجارب في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد المغاربي والأردن "إلى ضرورة ظهور تكتلات عربية تجمع بين الدول العربية بهدف بلورة مشروع حضاري عربي يأخذ العرب من خلاله دورًا في إطار العولمة التي تؤدي إلى بروز نظام عالمي جديد... فهل يملك مشروع "العوربة" الذي نبشر به وندعو إليه قدرة على تجاوز التصادم الحضاري وإقناع الآخرين بأنّه مشروع حضاري وليس مجرد مخطط عدائي مصادم...مع أنّ موضوع العولمة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية للإنسان العربي؟...لا يمكن للفكر أو العقل العربي أن يظل بعيدًا عن هذه الظاهرة التي تركت تأثيراتها على العالم العربي الذي يمكن أن تكون له رؤيته الخاصة لهذه الظاهرة الخطيرة انطلاقًا من حق الشعوب في أن تكون لها مشاركتها في بناء الحضارة الإنسانية وذلك امتدادًا لمكاسبها الحضارية في الماضي".([3])

ج- في 28 نيسان /أبريل 2009 عقدت الجامعة الأردنية في عمّان، ندوة على مدى ثلاث جلسات ناقش فيها 12 أكاديميًا "دور العولمة وأثرها في العلوم الإنسانية والعروبة، وانقسمت الآراء المصرية بين مؤيّدٍ أو رافض بالمطلق، إلى آراء مسالمة تقع أيضًا في الخانة التوفيقية بينهما.([4])

د- وتدليلًا على صدمة العولمة الواسعة، نقع على عناوين كثيرة للمؤتمرات والدراسات والمحاضرات التي تطرّقت بحماسة عربيّة ممانعة لمعضلة العولمة تبرز تلك جليّة في نماذج مثل: "العوربة في مواجهة إلحاح العولمة"، "العوربة قبل العولمة"، "العوربة مقابل العولمة"، "العوربة والعولمة والخيار"، "إشكالية الهوية في الجزائر بين الأمزغة (من أمازيغ) والعوربة والعولمة"،"رؤى تربويّة وتعليميّة متجدّدة بين العوربة والعولمة"، "بؤس العولمة"، "العولمة والعوربة وفكر الإنتحار القومي".([5])

 

جاء في نصّ بعنوان "العوربة تصرع العولمة بأدواتها": إنّ العوربة الإعلامية انتصرت مرحليًا على العولمة، من حيث أنّها وحدّت الشارع العربي على الأقل وجدانيًا وسياسيًا ضد السياسات الغربية الجديدة شبه الاستعمارية، ووسعت الاهتمام بقضايا العرب الرئيسة من المحيط إلى الخليج، وصهرت الهموم السياسية العربية في بوتقة واحدة... لكنّ نجاح العوربة كان سياسيًا فقط. أمّا ثقافيًا، وهو الأخطر والأهم، فقد راح الإعلام العربي يضطلع بدور عولمي واضح، بحيث أصبحت بعض وسائل الإعلام العربية، السلاح الأمضى في أيدي سادة العولمة لنشر فكر العولمة عربيًا وصهر العرب في البوتقة الغربية... وترافق التضاد السياسي بين الغرب والعرب مع تهافت ثقافي عربي كاسح على منتوجات العولمة الإعلامية الغربية... فقد أفرز عصر الفضاء إقبالًا هائلًا على الفضائيات التي بدت في معظمها غربيّة التوجّه في الشكل والإخراج كما في المضامين وطبيعة البرامج المستنسخة للهياكل الإعلاميّة الغربيّة من منوّعاتٍ وموسيقى ومسابقات وترفيه ورقص، وبدت المذيعات العربيات حاملات مواصفات غربيّة ومزايدات على الغرب في مواصفات الموضة والجمال وحسن المظهر... وفي هذا انتصار ساحق للتغريب جعلنا نقفز إلى الديمقراطية إعلاميًا... وكأنّه مطلوب منا أن نتحول إلى أمة (مقلّدة) كما ألمح إلى ذلك البروفسور والإعلامي الأميركي المعروف عبد اللـه شلايفر عندما قال:"إنّ التأثير الإعلامي الأميركي حوّل العرب إلى أمة (تتمثّل) بمايكل جاكسون".([6])

 

أين وصلت أدبيّات العوربة وأنشطتها وأفكارها من العولمة؟

ذابت العوربة وانطفأت في محيطات العولمة التي أغرقت الأرض بفيضان التواصل وما عاد أصحابها يذكرونها، لكنّ الشاشات التي جمعتها اللغة العربيّة مثلًا، بتنوّعاتها وعاميّاتها وبرامجها (وهنا تركيز على دور وسائل الإعلام وسلطاتها)، انقسمت بين فضائيات متماهية مع مجتمعات الغرب بشاشاته وبرامجه مقابل فضائيّات تتسلّح بصيانة اللغة والمحافظة على القيم والمبادىء، لتصل إلى مرحلةٍ خطرة من الصراع، راح عبرها الكثير من الأنظمة العربيّة يتنافس عبر الشاشات الدينيّة المحضة في خلافات مذهبيّة قديمة تجعلها تبدو وكأنّها نسيت الغرب أو هي لا تتنافس معه وحسب، بل تتصادم مع الفضائيات العربيّة الأخرى المشدودة بشكلٍ حادّ بالمغالاة في انعكاس حاد لهوّة عربيّة عميقة بين الشاشات المحليّة والإقليمية.

 

2- ظاهرة ربط العولمة بالحروب

استهلك مصطلح العولمة الكثير من تفكير البشر وحبرهم ولمّا يزل، لكنّ اللافت أنّه مصطلح مطّاط عالمي على الرغم من هويّته الأميركيّة. كان يصعب هضمه أو ضبط تداعياته التغيّرية بالمعنى النقدي العلمي لا من العرب والمسلمين وحدهم، ولكن من الكثير من الشعوب الأخرى أيضًا، لأنّه حوّل الكرة الأرضية بأنظمتها وسلطاتها وشعوبها إلى "عالمٍ مسطّح"([7]) اختلطت فيه المواقع والثقافات وهو ما سيستوقف الباحثين في تأريخهم للقرن الحادي والعشرين أمام ألفيّة جديدة قائمة على الكومبيوتر المختلف الأحجام والمتعدّد الوظائف، والذي يتجاوز باعتباره نقطة الانتباه والجذب والتحدّي والتطوّر الأكثر وقعًا ربّما من هجمات 11 أيلول/سبتمبر أو حرب العراق أو غيرهما.

لقد أورث تزاوج التكنولوجيا مع الأحداث فتح الطريق أمام الهند والصين والكثير من بلدان العالم لأن تصبح أكثر انخراطًا في عالم التوريد الواسع للصناعات والخدمات. ولربّما تحوّل العالم المكشوف جاذبًا يفرض السرعة التي تفرضه الـMouse أي الفأرة التي تحتضنها قبضة اليد أو الحضارة التواصلية المقيمة بكلّ ما فيها تحت نقرة الإصبع (السبابة) بعد إنزلاق السهم فوق الشاشات، لا للحفاظ على المواقع، بل للقبض على العصر بحيث يصبح على البشر ونظمهم السياسية التكيّف معه بطريقةٍ مستقرّة لا فرار منها([8]). لا مغاور أو كهوفًا في العالم أمامنا في الشاشات، ولا نتؤات أو حواجز أو تقاليد أو حدودًا تحجب العين أو العقل والطموح، بل الانصراف الطبيعي إلى إعادة تأسيس المجتمعات وعرض مشاهد حروبها وحتّى تدميرها أو محو تواريخها ونسف آثارها وتراثها بالحروب "الضروريّة" لمعامل السلاح ومخازنه، تحت لافتة فكرتين أساسيتين هما التغيير والتحوّل الدائمين، ولو بالقوّة النابعة من داخل، ومحاولة بسط المعرفة واللغة الإنكليزية سوقًا سهلًا ولا متناهيًا لتطلّعات البشر. وعندما تتأهّب الدول العظمى للتغيير في أرجاء العالم تسبقها لغاتها نحو الميادين.

 

وهنا يطرح السؤال: ما علاقة الحروب بالعولمة؟

هذا سؤال واقعي والمفارقة اللافتة بدرجةٍ أقوى، هي أنّ العولمة بحضورها النظري، ارتبطت ولادتها بكتابين نشرا بالإنكليزية، وترجما إلى العديد من اللغات الأخرى في العالم. الأوّل لمارشال ماكلوهان (1911 ـ 1980) أستاذ الإعلام الكندي ومطلق "القرية الكونية" تسمية عالميّة في كتابه: "الحرب والسلام في القرية الكونية"، والثاني لزبيغنيو بريزنسكي (مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيمي كارتر بين 1977 و1981)، بعنوان "الدور الأميركي بين جيلين على ضوء الثورة التقنيّة"([9]).

يركّز المؤلف الأول على تجربة الحرب الأميركية في فيتنام والدور الهائل الذي أدّاه التلفزيون الذي أخرج الناس من خانة المشاهدين إلى ميدان المشاركين في الآراء والمواقف، ليختلطوا أو يندمجوا بشكلٍ كامل بالعسكريين حيث صارت الحروب العسكرية والإعلاميّة تمشي معًا ولو افترقت بخطواتٍ تمهيدية أو لاحقة. وذهبت الشاشات والوسائل الإلكترونية في زمن السلام تنحو لإنهاض المناطق غير الصناعية من العالم. هكذا، بدت بصورها الحيّة محفزات قويّة للتغيير الاجتماعي في العالم ولو هي خرجت من قلب الكوارث والدماء المهدورة. وظهر، في الوقت نفسه، في أميركا شعار "ثورة الاتصالات التي طوّرت الرغبة في الإنفاق والمسؤولية الاجتماعية الجماعية، والتقرّب من حاجات الشباب ورفضهم، وكشف الأغطية بقوّة عن عصر الأحكام الفردية والتبشير الزاهي بكلّ ما يؤلف مجتمعًا جديدًا"([10]). وصارت فكرة "القرية الكونية" فكرةً متنقّلة تحتل الأذهان والأساطير والجامعات والأبحاث الجامعيّة، مشكّلة منذ ظهورها الفكرة الجاهزة تمامًا لرسم ملامح بذرة السوق العالمية الواسعة التي تدحض الأفكار الجامدة الكليّة التي كانت تزيد من تأكيد فشلها الأزمات العالمية المتنامية وتداعياتها الواسعة النطاق.

فضّل برزنسكي، في المؤلَّف الثاني، استعمال تعبير أشمل هو "المدينة الكونية" على "القرية الكونية" في ردّة فعل حادّة على المفهوم المهتزّ للجماعة، وفي مناهضة لمسائل القرابة والعلاقات الحميمة التي تنتجها غالبًا الحياة في القرى والأرياف، وهذه أمور غير واقعيّة بالنسبة إلى المحيط الدولي. وقد يكون من العدالة استبدال تسمية "القرية الكونية" بالمدينة المتوحّشة احترامًا لما تحمله القرى من وداعة وهدوء وقيم وبساطة، حتّى ولو كانت المدن الكبرى مزدانة بالمساحات الخضراء تظلّلها الأبراج الشاهقة والواسعة والمتداخلة لكنّ جوانبها المظلمة تحمل الكثير من سوء العدالة وتفاوت الرفاهية، والبؤس والانتحارات البطيئة.

لقد حوّلت مقولات الاختلاط بين التلفزيون والكمبيوتر والاتصالات التقنية العالم إلى جبال شاهقة من العلاقات البشرية المتوترة والعصبية والمتحركة التي تسهم في إزالة الفروق بين القرية والمدينة. يبدو الناس، وبفعل تكنولوجيا المعلومات، وعلى الرغم من دوافعهم الفطرية للارتباط بالآخرين، أكثر طواعيّةً لطاقاتهم الاتّصالية ولو أدّت إلى تجاوز عاداتهم أو تليينها عندما تحضر الأسباب القوية لذلك، ويصبحون أكثر قابليّةً لاختراق الموانع الصلبة حتّى الارتباطات الدموية والقرابة منها، بهدف الإنخراط بالعصر أو اللحاق به، يحدوهم الميل الحار على تعلّم لغات وعادات جديدة، في زمن باتت المعلومة الشائعة تسبق الفكر، وتستقطب الرأي العام، ولربّما "تولّد الحدث" بعدما كانت تلحق به ([11]).

 

3- مثلّث الحرب والسلم والإعلام

هناك ربط تاريخي محكم بين زوايتي الغريزة والعقل أو بين الحرب والسلم ليكتمل المثلّث ويصلب، بعدما شغل الإعلام الزاوية الثالثة. كانت الحروب ولمّا تزل تحمل هويّة واحدة هي القتل. وتسقط في أثنائها المشاعر والقناعات والمواقف التي تصاحبها من بعيدٍ أو قريب إقرارًا بعدم جدواها. إنّها التحقيق العملي للهواجس العنفية والغرائزية التي يألفها المقاتل متلذّذًا بتبادل النيران التي تخيّم على الجميع موتًا وبكاءً وتشويهًا وتدميرًا من ناحية، لكنّها تتّخذ لونًا آخر عندما تضع الحروب أوزارها عبر الاحتفالات بالنصر وتوزيع الأوسمة ورفع النصب التذكارية التي غالبًا ما تترجم المجد العسكري شواهد على التاريخ.

يمكنني كباحثٍ متخيّل الآن، وأنا أتصدّى لفهم أو هضم هذا العنف والإرهاب القائم في الشرق الأوسط، أن أجازف في الافتراض (كي لا أجزم) بأنّه قد لا يمكن التخلّص من الحروب لأنّها ترتبط بتطوير الإنسانية وإنضاج حكمتها وحفر عبرها ودروسها، لكنّني أعتقد أن الحروب تسكن عقل الإنسان وهي تستغرق معظم النشاط البشري إلى حدود تسمح بالربط المتخيّل تاريخيًا بين عبسة قايين الأسطورية في وجه أخيه هابيل، وسقوط القنبلة الذريّة فوق هيروشيما (1945). وها نحن نجد أنفسنا في بلاد الشام التي قتل فيها هابيل وفق الأسطورة أو مدونات اليعقوبي والمقدسي وابن جبير والبلاذري وابن بطوطة وفيها التدوينات أن قايين وهابيل أقاما في سوريا، الأوّل في "قينيّة" والثاني في"مقرى"، وأنّ العاصمة السوريا دمشق هي أقدم مدينة في التاريخ يرتبط اسمها ببداية الخليقة مع أنّها لم تشهد إجرامًا ووحشيةً كاللذين نشهدهما فيها اليوم من قتل وذبح وتهجير لسكانها، وتهديد لجيرانها وللمستقبل العربي بشكلٍ عام([12]).

يحفل التاريخ، بالمقابل، من هذه الزاوية الأليمة، بكتب المذكّرات والمسامحة التي يبرّر فيها القادة والسياسيون (والإعلاميون اليوم)، الضحايا والآلام والإعاقات التي أورثوها بحروبهم والتي قد تقرأها الأجيال المتعاقبة بنهمٍ واحتقار وضياع أكيد بين السرد الموثوق والمحرّف أو الناقص والكاذب للوقائع والأحداث. وتذهب الأمور أحيانًا إلى حدود اعتذار الأبناء والأحفاد عمّا ارتكبه أجدادهم من المصائب والندوب القبيحة عبر خوضهم للحروب التي أفلت، وهي لا تدخل خانة النسيان، فتبقى جروحها ودماؤها طريّة في ندوب قدامى المحاربين، الجسدية والنفسية، أو مع عائلات الشهداء ولو حفرت أسماؤهم في الساحات وأمام أعمدة المتاحف وعلى اللوحات في المواقع العسكرية التي سقطوا فيها.

يمكننا التذكير هنا بمثال قريب، هو الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى فيتنام (23أيّار/مايو 2016)، وهي الثالثة بعد زيارتي بيل كلينتون العام 2000 وجورج بوش الإبن في الـ 2006 في أثناء الغزو الأميركي للعراق، وكذلك زيارته في 27 أيار/مايو 2016 مدينة هيروشيما اليابانية التي شهدت أول هجوم نووي في التاريخ من الولايات المتحدة، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي يقوم بهذه الخطوة التي تحمل دلالات تاريخية ورمزية مهمة على ما نحن فيه في ظلّ حالة من انعدام الثقة والتوجس والخوف السائد من أهوال الماضي. صحيح أنّ الزيارة جعلت من إرث الحرب جزءًا من الماضي لا يمكن إدراجه في خانة التطبيع كما حصل مع زيارته إلى كوبا أو إيران، لكنّ الذهاب نحو آسيا وتعزيز العلاقات التجارية معها جاءا شعارًا واضحًا لأوباما منذ بداية عهده في البيت الأبيض، وهو ما يفصح عن إستراتيجية نقل مركز ثقل السياسة الخارجية الأميركية نحو آسيا لأسباب اقتصادية وعسكرية، وفي طليعتها الحشود العسكرية لبكين في بحر الصين الجنوبي، تحت وطأة الأزمات المتلاحقة في الشرق الأوسط، وهو ما يضمر الكثير من النزاعات والحروب المستقبليّة.

قد يكون مارشال ماكلوهان مستشرفًا في ربطه فكرة "القرية الكونيّة" بشاشة التلفزيون، وربّما اعتبره البعض "نبي" الربط بين الحرب والإعلام، غير أنّ سقوط جدار برلين كان، المحطّة الأبلغ في زواج الحرب والإعلام، لأنّه كان النتوء العالمي الأخير الذي يجب إزالته لكونه الشاهد الضخم على الانقسام الحضاري ومآسي الحربين الكونيتين. كان هذا الجدار يسدّ القدرة على التفكير في العالم كمساحة واحدة أو سوق عالمية لأنّه طبع العقل العالمي بالوقوع الدائم في تبنّي الخيار بين الشرق والغرب أي بين الاتحاد السوفياتي وأميركا. وكان التلفزيون الغربي بصوره الزاهية وبرامجه المتنوّعة هو السجّادة التي أسهمت في سقوط الجدار أو أسّست لسقوطه بعدما عبر من فوقها الأميركي، من دون دماء، ليلهب مشاعر الروس وشعوب المنظومة الاشتراكية وطموحاتهم، ويسمّر انتباههم ويقظتهم على فضائل الوفرة في الحريات وصورة الرغد والديمقراطية في الغرب.

بهذا المعنى يمكننا أن نرى الوجه المظلم لحدث القرن أو سقوط البرجين عندما نقرأ نصًّا قابلًا للمجادلة: "إنّ العالم أصبح مكانًا أفضل للعيش بعد 11/9، لأنّ كلّ تفجّر للحريّة كان يحفّز تفجّرًا آخر، ولتلك العملية بحدّ ذاتها تأثير تسطيحي عبر المجتمعات، يقوّي الموجودين في الأسفل ويضعف الموجودين في الأعلى ... وعندما يظهر معيار اقتصادي أو تكنولوجي إعلامي... يتمّ تبنيّه بسرعةٍ أكبر بكثير بعد زوال الجدار"([13]).

قد يكون سقوط البرجين قد عبّد، بالفعل، الطرق الوعرة أمام توسيع الاتحاد الأوروبي الذي قفز إلى 28 بلدًا بعدما انضمت إليه كرواتيا في الـ2013، بعدما كان 15 بلدًا قبل سقوط الاتحاد السوفياتي الذي وجد عظمته مدفوعةً إلى الانهيار السريع وإعلان إفلاسه وتحوّلات مجتمعاته. وبالاختصار، كان لثورة المعلومات الدور البارز في تحقيق النصر الأميركي، بإجهاض الأممية الشيوعية كفكرة إذ لم يبق سوى كونيّة واحدة في الأفق هي أميركية تسيطر على الأسواق العالمية للاتصالات... بما خلق ثقافة جماهيرية لها سلطة يتأهّب العالم لتقليدها والتطلع الدائم نحوها"([14]). وفي المقابل، قد يكون من المبكر التكهّن بحجم المتغيّرات وتداعياتها التي ينتظرها الاتّحاد الأوروبي والتي بدأت، كما أشرنا، بالصدمة التي فاجأت أوروبا التي لم تتمكن من استيعاب تصويت الناخبين البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي بعد إستفتاء 23/6/2016، بما شكّل صدمة هائلة للاقتصاد الدولي وتهديدًا كبيرًا لمستقبل تكتّل الاتّحاد المهدّد بالتفكّك بعد عمليّة اندماج ناجحة دامت لعقود.

وكان أول تحقيق للغة العولمة ملامح السوق الشاملة أو سوق العولمة والأفكار التي هجمت بها الشركات الرأسمالية الكبرى لتشريع فيضانها وفق حدود الدول، وأصبح في الإمكان تحقيق الأمبراطورية الكونية التي جاءت نتيجة تضافر جهود العلماء والتقنيين لتفرز الأسواق الهائلة لرؤوس الأموال، ومنتجات الخدمات اللانهائية التي جعلت من العالم مركزًا واحدًا للعرض Market Place، وقادت هذه النظرة في العولمة إلى ترسيخ حرية التعبير التجارية، وبدت معها الكرة الأرضية في خدمة الاعلان لغة العالم الجديدة أو السوق البشري الشاسع([15]).

 

4- ملامح التغيير العامّة

ظهر الصراع بين العالمية والخصوصية وبين سلطات الدول والحكّام وأمزجة الشعوب أو بين "ديانة" الآباء و"ديانات" الأبناء بالمعاني الثقافية والحضارية والقناعات ولمّا يزل. وظهرت الآراء المتعدّدة في العولمة التي تحمل مخاطر التفكيك وإعادة التركيب على مختلف المستويات والتي قد تبلغ حدود الفوضى التي يصعب الخروج منها بسهولة. إنّها الفوضى الشديدة التصويب على الغايات والأهداف من دائرة اللاعبين العالميين الجدد، الذين يرسون في بقعهم الوطنية خلف شاشاتهم، ويفكرون على مستوى العالم في تقديم المعلومات المكثّفة السهلة، وجعلها مناحي عصرية للمتغيرات المتلاحقة المنتظرة في العالم. صحيح أنّ الطابع الاقتصادي والعسكري يساعد في تفسير تلك المتغيّرات، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ وجهتين غير منفصلتين تسهّلان تلك العمليّة الانتقالية في العالم:

الأولى شاهدة على الإنبهار الساحر والممعن بتقنيات التواصل والصور وإغراق الأسواق وانشغال الثقافات بها وشيوع مبدأ التنافس العالمي بين الشركات العابرة للقارّات والمتجاوزة لكلّ الحدود في ابتكار أجيال من الوسائل الاتّصالية القصيرة الأعمار التي تتبدّل في كلّ عام. تأثّرت بها شعوب العالم، بمن فيهم العرب والمسلمون، بعدما باتت أجهزتها دليلًا على المعاصرة واللحاق بالعصر. وصارت العمليّة التواصليّة والثقافة والأبحاث خاضعة لصفتي المصادفة والمشاعيّة. المشاعية حيث لم يعد بإمكان العالم وضع قوانين تضبط فوضى الإختلاط والبث والتفاعليّة في ميادين التبادل المعرفي، والمصادفة التي وسّعت ميادين المعرفة من دون أن تزيل ضرورات الاختصاص العلمي الدقيق. فأيّ مقتنٍ أو حاملٍ لهاتفٍ أو أي شاشة تواصلية، هو صاحب قدرات فائقة لا للتعرّف على الدنيا والتواصل بين البشر ولا لتصوير الحاضر والماضي لقطةً لقطة وحسب، بل لخلق مشاعر اتّصالية قويّة لديه بأنّه مالك للعالم.

أمّا الوجهة الثانية فتبدو في وقوع العالم بشكلٍ لطيف وغير منفّر في قبضة العين العالمية التي ترصد كلّ ما يكتب أو ينشر في العالم، وهي العين المتأرجحة صورتها بين تذكية الإرهاب والإرهابيين وملاحقتهم، أو النيل منهم وإعمال الفكر في عمق التاريخ العربي والإسلامي لتذكية الأحقاد المذهبية والحزبية...هكذا يتناقش الناس بسذاجة أحيانًا حول وجود تلك العين التي ترصد العالم في سماء وادي السيليكون([16]) في الولايات المتّحدة الأميركية، ويعتقدون بأنّ هذه الحريّة المشابهة للفوضى العارمة هي "أفخاخ" شديدة الانضباط وخاضعة لمنظومات شديدة التعقيد والتطوير وتجديد البرمجة المفصّلة. تفتح هذه المنظومات الأبواب لمفاهيم الحريّات والديمقراطيات وحقوق المرأة والطفل ومعظم أساليب التحديث وإمكاناته من ناحية، والمفصّلة في تقارير التنمية الأميركية، لكنها، من ناحية أخرى، قد تفتح العيون والسجون والقمع والترويج لأساطير تتناول شعوبًا وأنظمةً ما زالت متشبّثةً بجذور الماضي أمام قوّة التواصل والانصراف نحو المستقبل.

 

5- موقع العرب في "القرية الكونية" الجديدة

افترقت صورة العرب والمسلمين عن غيرهم من الشعوب في الوجهتين خلال العقد الأخير، وخصوصًا، في كيفيّة تلقّيهم لصدمة تكنولوجيا المعلومات وطرائق استعمالها وممارستها. لقد أمعنت الفصائل الإسلاميّة الدموية الإرهابية والتكفيرية التي انتشرت منذ سنوات خمس تحديدًا، في تحميل فظاعاتها وصورها التدميرية القاسية من ذبحٍ وحرق وتفجير ملامح التواريخ الغنيّة الغابرة، وتدمير التماثيل القديمة والمعاصرة وبيع النساء وتجنيد الأطفال...الخ. وعمدت إلى بثّها باستعراضيّةٍ لافتة بحماسة ودقّة ومهارة تقنيّة عبر ساحات العالم وتحت أنظار البشر. وبلغت درجة التباهي بالعنف والإرهاب وتظهيره، وكأنّه إستراتيجية مطلوبة أو مصنوعة عالميًّا ومستوردة وهي بحاجة إلى عقود لحصرها والتخلّص منها. كان من نتيجة ممارساتها في التوحّش التشويه لإنسان الزمان والمكان العربي بكلّ ما يعنيه ويختزنه من ناحية، وتصليب الشراسة والمشاعية في القتل والتخريب وتوظيفه إلى درجة قض المضاجع الغربية والتهديد بالحروب "المقدّسة" المقبلة المستعادة من الشرق إلى الغرب، مع وعيهم النسبي بكونهم خاضعين، كيفما اتّجهوا للمراقبة الدائمة عبر التقنيات عينها من ناحية أخرى.

 

يطرح هذا الإفتراق السؤال الآتي:هل تغيّر موقع العرب في العالم؟

يمكن مقاربة هذا الطرح من الزوايا الآتية:

أ- الزاوية الأولى: قريبة وملتهبة بأحداثها ونتائجها وخرائبها منذ الـ2003 في العراق صعودًا نحو الـ2011 تاريخ بدايات "ثورات الربيع العربي". تضعنا هذه الزاوية في ظلّ تشابك وتعقيدات وإفرازات تتجدّد بين الشرق والغرب كما بين الإرهاب والعالم. ويظهر العرب فيها وكأنّهم محاصرون في اختيارات صعبة تشوّه الإسلام من ناحية وصمه ظلمًا بالإرهاب، وتؤلّب المسلمين في البحث الغريب عن الدين بنسخه الكثيرة والمقترحة لأنّه مسائل لا تؤدّي سوى إلى الدروب والأجوبة الدموية المستحيلة.

البحث عن التغيير بالقوّة لا ينتبه إلى كوننا نعيش في ملامح حرب عالمية ثالثة غير معلنة قد تناسب هويتها الجديدة ملامح عصر العولمة الذي يجذبنا لأن نفتن فيه ونعيشه وكأنّنا نقبض على العصر كلّه، لكنّنا لا نهضمه ونعجز عن متابعة ابتكاراته ومقتنياته الاتّصالية ونوازعه. هكذا يستمرّ المسلمون والعرب بتوجّهاتهم وتطلّعاتهم التاريخية وبأصواتهم المتعدّدة والمتشابهة منقسمين يتوحّدون بين نقد الغرب ورفضه أو قبوله وتحدّيه، ويكابدون بسياساتهم المشتّتة وأنظمتهم المتحيّرة وحضارتهم الكوارث التي قد تتجاوز كثرتهم. هم للأسف، حيال أزماتٍ فكرية وحضارية كبرى تجعلهم مجددًا بين دولتين عظميين واحدة أميركية وأخرى روسيّة تحاول استعادة عظمتها المفقودة من أرضهم العائمة بالنفط والغاز، والتقاتل لإستعادة مجد النصوص والأفكار من ناحية، المشغولين بلعبة التقنيات والمستوردات العالمية والهائمين، في الوقت نفسه، بين مفاهيم الحداثة والتحديث والتراث والمعاصرة والغير والتغيير للإبقاء عليهم بلادًا من الكنوز الأرضية المهدّدة بالنفاذ والجمود المفروض بين استبدادية الانتاج واستبدادية الاستهلاك.

ما يستحقّ التأمّل هنا أنّ الحلول الافتراضية تبدو مسنودة بشكلٍ دائم إلى فكرة القدريّة النهائيّة بالمعنى المألوف التي لا تحتاج إلى براهين، والتي لم يستطع التفكير السائد العام التخلّص منها، مع أنّها فكرة نلحظها تتمدّد في الأذهان وترتاح في القناعات أمام قساوة القتل والإبادات والتدمير. ولا ننسى أنّها فكرة قد تختصرها حكمة إغريقية قديمة جديرة بالتأمّل ترى "أنّ الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب عليهم، وإنّما تسلّط عليهم أنفسهم"([17]).

ب - الزاوية الثانية: وترتكز إلى تحقيق للفرضيّة التي ترمي بأثقال الحضارة المشرقية وأعبائها فيتم خلط السياسة بالدين والإسلام بالمسلمين بما يجعلهم في قلب العالم وخارجه في الوقت نفسه، تغذّي حالتهم تلك السهولة في يقظة مذاهبهم ومدارسهم واجتهاداتهم ونزاعاتهم. ويمكن أن نحشو هذه الزاوية بالمعادلة الآتية:

يتعاظم الخوف من الإرهاب فيوحّد البشر اليوم وفيهم المسلمون أكثر من أيّ زمنٍ مضى. ربّما هي المرّة الأولى التي يفقد فيها الفكر قدرته تحت وطأة المشاعر والانطباع الحماسي العام الذي لا يتجاوز الفكر أو التفكير لكنّه يلغيه أو يفرغه من كلّ قيمة إنسانية. هذه المعادلة تبرز أهميّتها بل خطورتها عن طريق تقويم الفكر الفلسفي، مثلًا منذ الهند والإغريق وصولًا إلى حضارة العرب والإسلام ولّد هذا الفكر تثاقفًا مثمرًا وغنيًا Acculturation بين الشعوب والحضارات وتأثيرًا متبادلًا، وكان العرب مبدعين في المجالات كلّها تفكيرًا وإنتاجًا أو عن طريق النقل والترجمة، لكنّ الفلسفة عجزت عن إيجاد الأجوبة النهائية للأسئلة الكبرى، وفشلت فشلًا ذريعًا في توحيد البشر وراحت تتواضع نحو مسائل عصرية مثل البيئة والصحة والرياضة أي أنّها خرجت من مقولة كانت: "أنا أفكّر إذًا أنا موجود" لتنزل إلى مقولة الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر: "أنا موجود إذًا أنا أفكر" والتي حملت رفضًا عارمًا للحرب العالميّة الثانية. وفشلت الأديان حتّى التوحيدية منها والفكر الديني، وسقط الفكر الإلحادي بدوره في توحيد البشر، ومثلهما اهتزّت صدقيّة العلم الذي شارف المستحيل في توحيد البشر عبر وجهه القبيح النهم في صناعة الأسلحة وتغذية الحروب وتسخير المعارف والتكنولوجيا لأغراض الهجوم والعنف والبراعة في القتل.

قد تبرز إحدى المعضلات التي نعانيها اليوم، بعد انكشاف المجتمعات وسقوط الأغطية والأساطير مع زوال الحدود والحواجز الثقافية واللغوية بين الشعوب، في عصرٍ من متعة التواصل الإنسانيّة بين أهل الكوكب حيث نرى التكنولوجيا تنجح إلى حدّ كبير في تقريب البشر افتراضيًا وثقافيًا كما في جعل الغرائز العنفية تتقدّم في مسيرتها العقول والعبر.

ج- الزاوية الثالثة: كيف نفسّر هذا التوغّل في العنف؟

تندرج معظم الأفكار المتطلّعة إلى توحيد البشر في خانة المستحيلات، لكنّ الظاهرة اللافتة التي يمكن السؤال عنها هي: هل صارت صناعة الأسلحة الفتّاكة وامتلاكها يتقدّمان بوتيرة جهنّمية تعوّض عن أحجام العنف الذي أورثه ويورثه حظر استعمال السلاح النووي في النفوس؟

للجواب على هذا السؤال نستعيد ما قاله روبرت أوبنهايمر المعروف بـ"والد القنبلة النووية" بعد الانتهاء من صنعها: Now I am become Death, the destroyer of worlds، أي "الآن أصبحت أنا الموت مدمّر العالم"، وهذا قول صحيح بعدما جرّبت البشرية أن تدفع خلال وقتٍ قصير ما دفعته في الحرب العالمية من ضحايا وخراب([18]). وهنا يجب التمييز بين الرغبة في إشباع الغرائز بالتدمير، والقرار المشبع بالتدمير الذي أبعد المسافة بين الرغبة والقرار، فصارت شاسعة، بما قد يفسّر مضاعفات العنف في الحروب التقليدية.

 

كيف؟

تتكرّر ظاهرة الحروب بوتيرة أقوى من السابق إذًا، ويطول أمدها وتتجاوز حسابات الأكلاف والخسائر فيها على حسابات النصر التقليدية. فالتكنولوجيا والبرامج التطويرية الدائمة لعالم الأسلحة سهّلت وتسهّل الحروب، بعدما كبحت جماحها القنبلة النووية التي فرضت معادلة التوازن بين القوى من دون اللجوء إلى استعمالها. وهذا يعني أنّ الرغبة في التدمير النووي لم تختف نهائيًا، بل قيّدتها الإرادة الدولية بعد هيروشيما من أجل وضع حدّ نهائي لأيّ قرارات قيامية سوريالية أو جنونية تخطر في بال سلطان أو حاكم "عظيم" مسّه جنون العدميّة. ولربّما يكون هذا التقييد الصارم، السبب النفسي الدولي اللاواعي، الذي يضاعف من قوة الجيوش والتفنّن في صناعة الأسلحة التدميرية واستعمالها بلذّةٍ تورث الخرائب وتدفع بالعنف إلى القمم الدموية.

 

ماذا يحصل اليوم؟

العالم كلّه يخاف الإرهاب، بل يتجاوز خوفه إلى الخوف الجدّي من أن يكون السلاح النووي أو فتاته قد بات بحوزة بعض الدول أو الفصائل الإسلامية الإرهابية التي لا تقرّ بالقوانين والأنظمة الدولية الكافرة، بما يضاعف هذا الخوف أو يتجاوزه، إذ يقرع الإرهابيون عواصم العالم بتفجيراتهم المتلاحقة.

 

6- الإنهيارات بين دولة الآباء ودول الأبناء

عندما سقط الاتّحاد السوفياتي كان من الفطنة التفكير بمستقبل العرب المتحالفين معه وتوقّع سقوطهم المماثل، لكن هذه المعادلة قد تفقد الكثير من المنطق السياسي لدى تطبيقها على الدول العربيّة المتحالفة مع أميركا التي لم تسقط عمومًا بل هي تلعب بحلفائها تقدّمًا وإنكفاءً. لهذا لا أرى من المنطق، ولا أعرف كيف نصنّف تلك الاجتهادات والتناقضات السياسية والإعلامية التي رافقت وأعقبت زيارة الرئيس باراك أوباما الأخيرة إلى المملكة العربيّة السعودية وإجتماعه إلى زعماء دول الخليج.

قبل الغوص في هذه الانقسامات في الرأي بسلبياتها وإيجابياتها، يفترض القول أنّ تاريخ العلاقات بين الدول الكبرى في العلوم السياسية لا يقرّ بالقطيعة النهائية حتّى ولو كان عبر الخرق والخرق المضاد، كونه تجارب محكومة بالمصالح والأفخاخ والأبواب المشقوقة لتبادل المغانم والأسرار وتحقيق التوازنات. وعندما تختلف الدول في ما بينها حول مسألة معينة أو تتناصح أو تتعارض، علينا ألاّ ننسى قطعًا حجم التراكمات الإيجابية التي تتجاوز أحيانًا المصالح العامّة بين هذه الدول بل تتجاوز أمزجة رؤساء هذه الدول. لذا ليس من العلم ولا من اللطافة قبول خلط بعض المفكرين العرب في تحليلاتهم فهمًا لعدم التقاطع بين النظرة الأميركية والنظرة العربيّة إلى "الثورات" العربية وتداعياتها الحادّة والقاسية العاصفة ببلدانٍ عربية محدّدة، بينما هي أقلّ عصفًا وإجرامًا في دول عربية أخرى. وهنا لا بدّ من سؤال شديد الأهميّة:

لماذا يختلط الدمار وتتفاقم المعضلات وتنهار إستراتيجيات التفاوض أو أفكار الحلول في العراق وسوريا وليبيا واليمن تحديدًا لتصل كما هو ظاهر أحيانًا إلى حدود المستحيلات وخلق الرعب في الدول الأخرى المستقرّة نسبيًا؟

وذلك لأنّ سقوط الاتحاد السوفياتي كان يعني انتظار سقوط حلفائه. هذا السؤال لم يحظ بالكثير من الاهتمام بهويات هذه الدول السياسية ومنها العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس ومصر وموريتانيا وغيرها من دول الإقليم التي يداهمها القلق على المستقبل. كانت عبر تواريخها المعاصرة روسيّة السياسة والإيديولوجيا إلى حدّ كبير في التوجّه نحو الشرق وتحديدًا نحو الإتّحاد السوفياتي. لم تكن سياسات تلك الدول تولّد سوى الغضب في وجدان الغرب خصوصًا وأنّ تحالفاتها المناوئة للغرب كانت قويّة بسبب نكبة فلسطين وسياسات الغرب المزدوجة التي لطالما كانت تصبّ في مصلحة "إسرائيل". كانت تلك السياسات تبدأ بالسلاح وسياسات الاستعداء والاستقواء لأميركا والغرب عمومًا، وتأخذ أوجهًا اشتراكيّة متعدّدة في الثقافة والتربية والتعليم والاقتصاد بما يجعلها سياسات غامضة وفي الوقت نفسه تبدو حافلة بالألغاز وعدم الوضوح بين الشرق والغرب. بالمقابل كانت الدول العربيّة الأخرى، على تفاوت في المستويات والقوّة والثروات في ما بينها، على إرتباط وثيق وواضح بالولايات المتّحدة الأميركية والغرب عمومًا. وقد ساد هذا المناخ طيلة الحرب الباردة التي قسّمت العالم إلى محورين عظيمين مباشرةً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ولربّما يكون هذا الإنقسام هو الذي انعكس بحدّة على فرقة بين البلدان العربيّة وعداوات وظهور ملامح الاستحالة في وحدتها. ولنتذكّر أنّ أميركا كانت، منذ أن وضعت الحرب الثانية أوزارها، قلقة أو مسكونة بإرادة تفكيك الاتّحاد السوفياتي عبر إستراتيجيات ومراحل تفكيك العقل الإلحادي وسقوط النظام الشيوعي، ممّا يعني بالتالي حتميّة انتظار المتاعب للأنظمة المتحالفة معه.

ولو ذهبنا في التحليل دعمًا لهذه الفرضيّة، نجد بأنّ الأب يحتلّ مكانة الجسر في العقل العربي. وعندما يسقط الآباء يصبح الأبناء مهدّدين بالسقوط من بعدهم في الأزمات خصوصًا إن كانوا تابعين لآبائهم في تدبير أمورهم وأزمنتهم، ويعانون طراوة وضعفًا في الرأي والقرار، وضحالة التجربة والخبرة حتّى ولو كانوا في أعمارٍ متقدّمة. وما ينطبق على الأفراد قد ينسحب على الدول العظمى في علاقاتها وتحالفاتها مع الدول الصغيرة كما العربيّة الواقعة على خطوط الفيالق والهزّات الدائمة بحيث تتقدّم المصالح، وتتغيّر بموجبها العلاقات الدوليّة.

أفكّر هنا بعامل حاد عجّل ربّما من إسلامية تركيا والبلدان العربيّة الإسلامية بما يتجاوز كارثة 11 أيلول وتفجير البرجين، هو يقظتها على غفلة، لتكتشف، بعد 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 عند انهيار جدار برلين، يقظة المسيحيين المكبوتة من حولها في روسيا وبلدان المنظومة الإشتراكية وأوروبا الشرقيّة المتطلّعة مجدّدًا نحو الغرب، والتي راح أهلها يدخلون الكنائس البيزنطيّة المهجورة راسمين إشارة الصليب بعد سبعة عقود. لقد سمع العالم في ضجيج انهيار الجدار في برلين صلوات البابا يوحنا بولس الثاني البولوني الأصل ونبراته الحادّة في ضرورة إضاءة الكنائس في العالم وقرع الأجراس في أقاصي آسيا. كانت لحظة حملت أيضًا تاريخًا من الحروب والإستراتجيات الخفيّة الأميركية والغبطة الغربيّة بسقوط الاشتراكية ومحاولة تعميم العظمة الأحادية على العالم. تفرّعت الدروب الوعرة في السياسة العالمية في الزمن الذي خرجت فيه المجموعات الإرهابيّة من أسرّة جغرافياتها وتواريخ أنظمتها القاسية لترميها في الفوضى المنظّمة العارمة بلا هويات مستقبلية.

ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين صورة الغرب بالأمس وصورته اليوم لوجدنا متغيّرات ومفارقات هائلة. لقد برزت الانتقادات لأميركا ودول الغرب وبنسبٍ مختلفة وبقوّة من معظم الدول العربيّة التي أنهكت على خطوط الصراعات بين الشرق والغرب لأسبابٍ متعدّدة:

أ- يعود السبب الأوّل إلى الغرب في سياساته المتعارضة وعجزه الذي قد يعود إلى تدهورٍ في مستوى قياداته، انعكس تدهورًا في السياسات والمواقف. وهذا ما لم نجده في الاتّحاد السوفياتي ولا في روسيا التي يبدو فيها بوتين يقود سياسات يمكن وصفها بالنموذجية والقويّة من حيث رفضها وتمرّدها المتعدّد الطرق والاتّجاهات والصيغ. لقد اتّكأ الرجل على الكنيسة، بعد سقوط العقيدة، وهو يجتهد في إيقاظ الروح القومية ونسج عظمة دولته الجديدة على القاعدة المناوئة والمفاوضة للغرب في الوقت نفسه، في أمكنة العالم كلّه بما يكفل له قاعدة نفوذ إقليمية ودوليّة صاعدة.

ب- قد تكون تلك الانتقادات الحادّة للغرب وأميركا والتي وصلت إلى حدود التمرّد أيضًا والعدائية المتفاقمة نتيجةً للأوضاع الداخلية والإقليمية التي تعانيها الدول العربيّة على جميع المستويات، والتي يتحمّل أعباءها الغرب بوجه عام بعدما فتحت "الثورات" العربيّة نوافذ الإقتتال المذهبي المظلم والمتراكم في أرض الأديان، ومنها تدفقت أجيال المذاهب والفقهاء والأحزاب والأفكار والاجتهادات.

ج- هناك مفارقة نشهدها إذا ما تذكّرنا تلك الموجات المتمرّدة والعدائيّة التي صاحبت حركات الاستقلال في الدول العربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية حيث أفرز ذلك التاريخ حركات شعبية وزعماء كبارًا قادوا الاستقلال ضد الاحتلال أوما كان يعرف بالاستعمار. بالمقابل وبعد "ثورات الربيع العربي"، وبفضل وسائل التواصل العارمة، قد نجد اليوم الكثير من الشعوب العربيّة التي نأت بنفسها عن السياسة تتطلّع إلى المجتمعات الأميركية بعين الرضى والجذب، بينما يكمن الرفض والغضب لدى العديد من حكّام العرب والمسؤولين الرسميين والنخب العربيّة. والأخطر من ذلك أنّنا قد نلمس مناخًا رسميًّا ودينيًا متفشّيًا يرفض الديمقراطيّة والحريّة وغيرها من شعارات التغيير باعتبارها بمنجزاتها ومؤسسّاتها ذات طبيعة وجذور غربيّة مستوردة.

ولو أخذنا تركيا مجدّدًا كمثال، نجدها علمانيّة بالكامل مع أتاتورك. أقامت نظامًا ومؤسّسات فصلت الدين عن الدولة وشرّعت للأحزاب والحياة البرلمانيّة والإنفتاح على الحداثة وحريّة الرأي والصحافة إلى حدٍّ كبير لكنها أبقت الجيش كمحافظ كبير على العلمانيّة. يسقط هذا المثال مع أردوغان اليوم بعدما كان يشغل الجوهرة المشرقيّة الثمينة في التاج الخاص بالحلف الأطلسي، حيث كانت بمثابة القائدة لذاك الحلف بالنسبة لأميركا وألمانيا تحديدًا وللغرب عمومًا، وهي بهذا المعنى، كانت حتّى الأمس القريب تشبه الهند في المقام الذي كانت تشغله في وجدان الأمبراطورية البريطانيّة، لكنّها بعدما حشرت نفسها كثيرًا في تداعيات الربيع العربي اكتشفت بعد الانقلاب الأخير المجهض على أردوغان، أنّ أميركا ما عادت الحصن المنيع الذي كانت تستند إليه، وبأنّ وقوفها المزمن على أبواب الغرب، يدفعها أكثر فأكثر إلى سياسة التحدّي والغضب والتمرّد على أوروبا والغرب عبر سياسة تشريع الأبواب كلّها للعبور نحو أوروبا. بذلك تبدو تركيا وكأنّها تنحو لشغل الحجر الدفاعي الشرقي الروسي في وجه هذا الغرب.

وإذا ما دفعنا التفكير أكثر إلى الأمام، يمكننا التقدير أنّ مطالبة أردوغان الملحّة بتسليم خصمه غولين المقيم في أميركا والمتّهم الأوّل بتدبير الانقلاب، ربّما يفضي إلى ترحيله أو تقريبه إلى مصر، الأمر الذي يذكّرنا بترحيل الإمام الخميني إلى فرنسا الذي عاد ظافرًا من هناك إلى طهران معلنًا الثورة الإسلامية.

هل يمكننا المجادلة من أنّ بعض الدول العربيّة والإسلاميّة التي أسهمت في سقوط نظام الإلحادية أن يدفع من الضحايا والخرائب والدماء والصراعات ما كانت تشتهيه أميركا أن يُدفع من الاتّحاد السوفياتي مباشرة في صراع الجبّارين التاريخي؟ لربّما يصحّ هذا التفكير تفسيرًا لشراسة الحروب الدائرة في أرض العرب، وذلك بالمعنى اللاواعي، إن سمحنا لأنفسنا بتطبيق نظريّة اللاوعي على الأفراد كما على الدول في صراعاتها المزمنة. وفي نهاية المطاف، تكاد الدول حيال قراراتها الكبرى أن تختصر بقرارات مركزيّة تعود إلى مجموعة من الحكّام الأفراد. وهنا يفضي بنا البحث إلى نافذة كبرى هي كيفية صناعة الرأي العام وقولبته في عصر العولمة، حيث يخيّل إلينا أنّ الحكام والشعوب هم في نسقٍ واحد بينما الواقع مغاير لذلك كليًّا.

 

7- أين موقع العرب اليوم على الخريطة الدوليّة؟

وهل ينبغي للعرب اقتباس عناصر النهضة الغربيّة؟

طرحت في العام 1923، مجموعة من الأسئلة المشابهة، أي منذ قرن تقريبًا على نخبة من المفكرين العرب، وهي أسئلة تتكرّر وكأنّها لم تفقد أهميّتها، لكننا نراها، للمفارقة، تتجدّد بالمعاني والهموم الفكريّة نفسها، وكأنّ التاريخ العربي يدور في مواقعه الفكرية حول نفسه، دائم الانشغال بمسائل الهوية والنهضة والعروبة والغرب والشرق. وعندما نتصفّح أجوبة البعض نجده يكتب اليوم وكأنه مقيم في ما بيننا([19]).

نقرأ للأديب ميخائيل نعيمة: "إذا كان لما تعودنا أن ندعوه "رقيًا" أو "تقدمًا" من معنى، فمعناه يجب أن يقاس بالسعادة الناتجة عنه. ولا مقياس للسعادة، في نظري، إلا واحد. وهو مقدار التغلب على الخوف بكل أنواعه، خوف الجوع والألم والفاقة والعبودية وكل ما هناك من ضروب الخوف. لأنّ التغلب على الخوف يولّد تلك الطمأنينة الروحية التي لا سعادة دونها. فإذا كانت المدنية الغربية، كما نعرفها، تساعد على استئصال الخوف أكثر من المدنية الشرقية فهي حرية بالحفاظ والتقليد. وحري إذّاك بالشرق أن يتبنى من الغرب برلماناته ومعاهده العلمية والمدنية وأن يتزيا بأزيائه الأدبية وألا يقف في تقليده عند حد..."

الدكتور طه حسين، قال: "أفهم أن تلقى مثل هذه الأسئلة في هذه الأيام التي نعيش فيها لأنّ الشرق العربي كله مضطرب اضطرابًا شديدًا لم يكن لنا به عهد من قبل، فمن المعقول أن نسأل عن مصدر هذا الاضطراب وعن قيمته وعن نتيجته... الاضطراب مصدره أنّ العرب في حالة انتقال من مرحلة لمرحلة، فمتى لم نكن في مرحلة انتقالية؟ لكن يبدو أنه انتقال من سيئ إلى أسوأ... يجب أن نندفع في الطريق العلمية الغربية اندفاعًا لا حد له لأنّ العلم قد أصبح غربيًا وليس لنا فيه نصيب قومي. وعلى العكس من ذلك في الفن والأدب والحياة الاجتماعية, فلنا فنوننا وآدابنا ونظامنا الاجتماعي. وواجبنا هو أن نحتفظ بشخصيتنا قوية واضحة في هذه الأشياء، وألا نقتبس من أدب الغرب وفنه ونظامه الاجتماعي إلا ما يمكّن شخصيتنا من أن تنمو وتتطور وتحتفظ بما بينها وبين العالم المتحضر من الاتصال".

وعن اقتباس عناصر المدنية الغربية في الأدب والسياسة والاجتماع، كتب أنيس خوري المقدسي: "نعم للإقتباس ولا.. نعم إذا أريد بالعناصر الغربية محاسن ما عند القوم من أسباب المدنية والعمران كأسباب الصناعة والإدارة والعلوم الطبيعية. ولا إذا كان المراد تقليد المدنية الغربية تقليدًا أعمى يذهب بشخصيتنا القومية ومحاسن عواطفنا الشرقية...يجب أن يُقتبس النور أنّى يكن، في الغرب أو في الشرق، في الشمال أو الجنوب، والحقيقة مفيدة أينما ظهرت، والمهم أن نسعى وراءها بشرط أن تقوى بذلك شخصيتنا، وإلا أضعنا أنفسنا بالتقليد وفنينا في سوانا".

أمّا جبران خليل جبران، فقد أجاب: "إنّ الشرق بكليته ذلك الممتد من المحيط إلى المحيط، قد أصبح مستعمرة كبرى للغرب والغربيين. أمّا الشرقيون الذين يفاخرون بماضيهم ويتباهون بآثارهم ويتبجّحون بأعمال جدودهم، فقد صاروا تابعين بأفكارهم وميولهم ومنازعهم للفكرة الغربية والميول والمنازع الغربية... في عقيدتي أنه ليس بالإمكان تضامن الأقطار العربية في زمننا هذا، لأنّ الفكرة الغربية القائلة بميزة القوّة على الحق، والتي تضع المطامع الاستعمارية والاقتصادية فوق كل شيء، لا ولن تسمح بذلك التضامن طالما كان لها الجيوش المدرّبة والبوارج الضخمة لهدم كل ما يقف في سبيل منازعها استعمارية كانت أم اقتصادية. وكلنا يعلم أنّ كلمة ذلك الروماني "فرّق تسد" لمّا تزل قاعدة مرعية في أوروبا. ومن نكد الدنيا، ومن نكد الشرق والغرب معًا، أن يكون المدفع أقوى من الفكر، والحيلة السياسية أفعل من الحقيقة... وما عسى ينفعكم التضامن في الأمور العرضية وأنتم غير متضامنين في الأمور الجوهرية، وماذا تجدي الألفة في المزاعم وأنتم متباينون في الأعمال؟

يجيب الشاعر جميل صدقي الزهاوي: "...وأخاف أن يمنعنا التعصب الأعمى والجهل البليد من أن نحذو حذو الغربيين فيزداد البون بيننا مع الزمان وتطول شقة الخلاف. هم يرتقون أكثر ممّا هم عليه اليوم ونحن نبقى في مكاننا واقفين... فثمة موقف ممانع أقرب لنبذ الغرب كل الغرب، والاعتماد على الذات بكل خواصها التراثية". وفي المقابل أجاب مصطفى صادق الرافعي بما هو أقرب إلى الأصولية الفكريّة: "أنّ نهضة هذا الشرق العربي لا تعتبر قائمة على أساس وطيد إلّا إذا نهض بها الركنان الخالدان: الدين الإسلامي واللغة العربية(٢٠) وما عداهما فعسى ألا تكون له قيمة في حكم الزمن ...وإذا كان لابد للأمة في نهضتها من أن تتغير فإن رجوعنا إلى الأخلاق الإسلامية الكريمة أعظم ما يصلح لنا من التغير.

ويعقّب معروف الرصافي كاتبًا: "إنّ المسلمين اليوم وقبل كل شيء في أشد الحاجة إلى إصلاح ديني عام وذلك لا يكون إلّا بعدما يأخذ القوم قسطهم من التربية والتعليم حتى ينشأ فيهم جيل مستعد لقبول الإصلاح. فإذا تمّ للقوم إصلاحهم الديني ... فقد تم اتحادهم الذي هو أكبرعامل في بلوغ غايتهم".

تتشابه الأفكار والكتابات والأبحاث وكأنّ التاريخ يتحرّك في الكشف عن حلولٍ لمعضلات ومآس تبقى بحاجةٍ إلى الكشف عبر قرن تتكرّر فيه الأزمنة والأزمات، ويبدو أقساها وأغربها زمن الانكشاف الراهن الغامض لمواقع العرب ومعضلاتهم فوق الأرض مهما اختلف حولها أهل الدين أو العلم من كونها كروية كانت أم مسطّحة.


[1] راجع لمزيد من العناوين والتفاصيل حول"العولمة والعوربة":

https://www.google.com.lb /webhp?sourceid=chromeinstant&ion= 1&espv=2&ie=UTF8#q=%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%B1% D8%A8%D8%A9+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9 %85%D8%A9&start=0

[2] شاركنا في هذا المؤتمر الحادي والسبعين لمجمع اللغة العربيّة في القاهرة (10 أيّار/مايو 2005) من بين مائة وخمسين من كبار العلماء والمستشرقين وأساتذة الجامعات من مختلف دول العالم إلى أعضاء المجمع والأعضاء المراسلين، راجع:

http://alshareyah.com/% D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8% A8%D9%8A%D8%A7%D9%86/107-%D8% A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9 %81-%D8%A7%D9%8 4%D8%AA%D8%A8%D9%8A %D8%A7%D9%86/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8 %AF%D8%AF -9/531-qq-qq.html

[3] الدكتور مانع سعيد العتيبة، المستشار لرئيس دولة أبوظبي، القاها في اطار أعمال المؤتمر الذي نظمته كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة الامارات بمدينة العين في الفترة بين 23 و 24 آذار/مارس 2008.

www.wam.ae/ar/news/ general/1395233533353.htm

راجع أيضًا: فيصل أحمد السرحان، "دور العلاقات العامّة في عمليّة صناعة القرار (دعوة الأردن للإنضمام إلى مجلس تعاون دول الخليج العربيّة)، أطروحة أعدّت لنيل شهادة الدكتوراه اللبنانيّة في الإعلام، إشراف الدكتور علي رمّال، المعهد العالي للدكتوراه، الجامعة اللبنانيّة، 2016، بإنتظار جلسة المناقشة.

[4] صحيفة الغد الأردنيّة، 22 حزيران/يونيو، 2009.

[5] للمزيد من التفاصيل:

https://www.google.com.lb/webhp? sourceid=chromeinstant&ion=1&espv=2&ie=UTF8#q=%D8%A 7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%A9+%D9%88%D8% A7%D9%84%D8%B9%D9%8 8%D9%84%D9%85%D8%A9&start=0

[6] فيصل القاسم،www.voltairenet.org/article141373.htm

[7] توماس فريدمان، "العالم مسطّح"، تاريخ موجز للقرن الواحد والعشرين، دار الكتاب العربي، بيروت ، لبنان، 2006.

[8] المرجع نفسه، ص1.

[9] Marshall McLuhan & Quentin Fiore: War and peace in the global village and Zbigniew Brzinski:Between two Ages. America’s Role in the Technotronic ERA

- Guerre et paix dans le village planétaire, Laffont, Paris, 1970   وتر جم هذان المؤلفان إلى لغات كثيرة ومنها الفرنسية:

- La Révolution technétronique, Calmann-Lévy, Paris, 1971.

[10] E.B. Weiss: “Advertising nears a big speed-up in Communications innovation”, Advertising Age,19 mars        

.1973, London, p. 84

[11] نسيم الخوري، "فنون الإعلام والطاقة الإتّصاليّة"، دار المنهل اللبناني، بيروت، لبنان، 2005، ص: 87

[12] توماس فريدمان، المرجع نفسه، ص57. ويقارن فريدمان بين سقوط جدار برلين في 9/11/1989 مع 11/9/2001 تاريخ الهجمات على نيويورك وواشنطن بالمصادفة السحرية الرائعة في التاريخ.

[13] Michel Foucher: “La nouvelle planète”, Libération, 15 Décembre 1990, Paris, p. 21

[14] Jürgen Habermas: L’espace public. Archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise, trad. par Marc B. de Launa, Payot, Paris, 1978, p.9

هناك من يعيد تاريخ دمشق إلى عهد آدم الذي كان يقيم في ضاحية من ضواحيها تُسمى "بيت أبيات"، فيقولون إنّ حواء أقامت في قرية أخرى ما زالت قائمة حتّى اليوم هي"بيت لهيا" أو بيت الآلهة الذي ورد كثيرًا في وسائل الإعلام منذ  الـ2011، ويُجمعون على أنها كانت مكان ولادة إبراهيم الخليل وموطنه الأصلي. ولقد سقنا هذه الملاحظات للربط بين ما يحدث بين التاريخين القديم والحديث. راجع سفر التكوين، وأيضًا:

http://www.josephzeitoun.com/2014/11/%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB/

[15] سيليكون فالي أو وادي السيليكون (بالإنجليزية: Silicon Valley) هي المنطقة الجنوبية من منطقة خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المنطقة أصبحت مشهورة بسبب وجود العدد الكبير من مطوّري ومنتجي دائرة تكاملية، وحاليًا تضمّ جميع أعمال التقنية العالية في المنطقة، حيث أصبح اسم المنطقة مرادفًا لمصطلح التقنية العالية.

على الرغم من وجود العديد من القطاعات الاقتصادية المتطورة تكنولوجيًا إلا أنّ سيليكون فالي يبقى الأول في مجال التطوير والاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة ويسهم في ثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية. يضمّ وادي السيليكون كلّا من وادي سانتا كلارا بما فيها مدينة (سان خوسيه)، بيننسولا الجنوبية و(ايست بيه) الجنوبي. وفيه مجموعات كبيرة جدًا من كبرى شركات التقنية تتخذ من وادي السليكون مقرًا لها كما أنّ شركات جديدة تتأسّس هناك بتواتر صاروخي رغم الكلفة المرتفعة للأراضي؛ وذلك بفضل البنية التحتية الفائقة التطور والطاقات البشرية الاستثنائية التي تتميز بهما هذه المنطقة من جهة، وطبعًا بفضل البعد النفسي المهم الذي تحمله عملية اختيار وادي السليكون كمقر للشركة.راجع:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88 %D8%A7%D8%AF%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9% 84%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86

[16] نشرنا في مجلّة الدفاع الوطني، كانون الثاني/يناير 2015، ص5، دراسة مطوّلة بعنوان:" العرب بين التغيير والغير"، أقفلناها بهذه الحكمة الإغريقية، وما الإشارة إليها هنا إلاّ لتوضيح الإستمرار في السياق البحثي والفكري عينه.

[17] روبرت أوبنهايمر ( 22نيسان / أبريل 1904 – 18شباط/فبراير 1967) فيزيائي أميركي وعالم ومدرّس الفيزياء النظرية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي. هو مدير مشروع مانهاتن لتصنيع السلاح النووي الأول في الحرب العالمية الثانية حيث أصبح بعدها الرئيس المشرف السرّي لتطوير الأسلحة، ورئيس اللجنة الأميركية للطاقة النووية. وقد استخدم منصبه للضغط والتحكم في استخدامات الطاقة النووية وتجنب سباق التسليح النووي مع الاتحاد السوفياتي حصل على جوائز عدّة من الرؤساء الأميركيين ومنهم جون كينيدي. راجع لمزيدٍ من التفاصيل :

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8% B1%D9%88%D8%A8%D8%B1%D8%AA_%D8%A3%D 9%88%D8%A8%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8 A%D9%85%D8%B1

[18] نشرت مجلّة "الهلال" المصرية في العام 1923 الأجوبة ثم جمعتها ونشرتها في كتيب بعنوان "فتاوى" كبار الكتاب والأدباء في مستقبل اللغة العربية"،في العام نفسه. وأعادت وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر طباعة الكتيب ونشره وتوزيعه مع مجلّة الدوحة، كانون الأوّل/ديسمبر 2013.

[19] على الرغم من قناعتنا بأهميّة اللغة العربيّة في ترتيب الشعوب الناطقة بها بكونها مؤشّرًا قويًّا للحضارة ننبّه إلى أنّ اللغة العربيّة اليوم تتحوّل إلى أداةٍ للتعبير وخصوصًا في مواقع التواصل الإجتماعي وهي تلحق بظاهرة كتابتها من اليسار إلى اليمين أو ما دعا إليه سعيد عقل من"ليتنة العربية" من Latinisation بمعنى كتابتها كما اللغات اللاتينية. ولهذا نورد مايلي:

ناقشنا في العام 2000 أطروحتنا الثانية في الدكتوراه وكانت عنوان المخطوطة أساسًا بعنوان:" الإعلام العربي وإنهيار السلطات"، وعندما عرضناها للنشر لم يقبل بها ناشر، لأنّ عنوانها قد يبقيها في مستودعات الناشر لأنّ الأنظمة العربيّة سترفض توزيعها بالطبع. وكان الحلّ بإعتماد العنوان الجديد: "الإعلام العربي وإنهيار السلطات اللغوية" الذي استوجب العمل على تعديلات مضنية للمقاربات الدينية والسياسية وتلوينها بكونها سلطات لغوية، على إعتبار أنّ الجيوش(في بلدان العرب) ورجال السياسة والدين والقضاة والمحامين وأساتذة الجامعات والمعلمين هم الذين يحملون بعد الأهل السلطات اللغوية والتربوية بمفاهيمها وأصولها وحدودها وحتّى بأزيائهم المحدّدة. وصدرت الأطروحة في سلسلة أطروحات الدكتوراه، عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 2005 وأعيدت طباعتها. ويبقى السؤال عن تمكّن عصر التكنولوجيا والمعلومات من بداية تحويل العربية والكثير من اللغات من أدوات للتفكير إلى أدوات للتعبير: راجع: نجوى عادل طه، "تحوّلات اللغة في الشبكات الإجتماعيّة"(الفايسبوك نموذجًا)، رسالة أعدّت لنيل شهادة "الماستر" في علوم الإعلام والإتّصال، إشراف البروفسور نسيم الخوري، كليّة الإعلام، الجامعة اللبنانيّة، 2016.

The Arab's situation on the International map

The Arab’s current bloody and fragmented reality leads us to bring forward the notion of expulsing them or expulsing themselves out of the historic term of the “Arab Nation” and into the term of the “Arab World” which are both immature terms while warning of the dangers emanating from what the current distinction means between the notions of “Nation” and “World” and the huge differences in determining both presumed identities in the future.
The Arabs were constantly worried by many wars and incidents in addition to cultural burdens and crisis as well as cloned major threats during almost a century which stretched between the collapse of the Islamic State’s Caliphate and the rise of the Turkish Republic under Moustapha Kamal Ataturk (on the third of March 1924) and the proclamation of the Islamic State’s Caliphate led by Abi Baker el-Baghdadi (on the 29th of June 2014).
We found ourselves, patriotically and nationally, unavoidably drawn to search once again in the usefulness of the concept of vacillation or confusion or the quick reactions that regulates the relations between the east and the west. We are furthermore drawn between the religious destination, its necessities and perpetuity and the modernization destination which was basically the result of the Western industrial revolution. These destinations led us to the shocking discovery that took place and uncovered the veils that hid stagnant societies and the calls to be more receptive by adopting the policy of openness toward other civilizations and cultures.
With the transformation that the world is encountering in what can be called as the era of globalization and its alteration into a vast open space that is available to anyone wishing to put forward his ideas, innovations and challenges, the civilizational challenge has grown larger between the edges of dialogue and conflicts of unlimited dangers.
The Arabs found nothing but the concept of the “Arabization” as a reaction to the concept of Globalization.
This study tackles the concept of “Arabization” in a time when the notions of Arabism and Arabic Nationalism are crumbling, and addresses the idea of linking between globalization and wars while studying thoroughly the triangle of war, peace and media and finishes by contemplating the features of change in light of the conflict between globalization and privatization.
This research also attempts to determine the location of the Arabs inside the new “global village” and shows that they are surrounded by tough choices that distort Islam, mixes between politics and religion and between Islam and Muslims and the growing fear from terrorism and the escalation of violence in a way that makes wars a recurrent phenomena.
Based on the following ideas, the study addresses the collapse of the Arab States which were once allied with the Soviet Union and raises questions concerning the Arab’s situation nowadays on the global map.

La place des Arabes sur la carte internationale

La situation actuelle des arabes, aussi sanglante que cruelle, nous mène à poser l’idée de les faire sortir ou de leur sortie des traits du terme «Nation/Pays arabe» historique pour se classer sous les traits du terme «Monde arabe». En effet, ces deux termes sont toujours incomplets, sans jamais oublier les dangers de la signification de cette distinction actuelle entre la nation et le monde en tant qu’énormes différences au niveau de la définition des deux identités dans le futur. En fait, pour accéder à la réalisation des deux termes ou identités, le trajet des arabes fut toujours bondé d’incidents, de guerres, de difficultés et de crises civilisés ainsi que de grand défis calqués, et ce datant d’un siècle environ qui a duré depuis l’annulation de la califat islamique qui fut remplacé par la république turque avec Mostapha Kamal Atatürk le 3 mars 1942, et la déclaration de «Daech» comme étant l’état de califat islamique et la reconnaissance d’Abou Bakr el-Baghdadi le 29 juin 2014.
C’est ainsi que nous nous trouvons obligés, allant des deux notions nationale et patriotique, de puiser à nouveau dans l’utilité de se balancer, de se réconcilier entre l’Est et l’Ouest, ou entre l’aspect religieux et ses nécessités, et l’aspect de la modernisation et de la modernité résultant de la révolution industrielle de l’ouest, arrivant au «choc» qui a dévoilé les sociétés en stagnation tout en les appelant à s’ouvrir sur le monde à travers la légalisation des débouchés vers la plupart des directions et des cultures.
Avec le changement du monde lors de ce qu’on nomme «l’ère de la mondialisation», vers un espace énorme à la portée de tout le monde afin d’exposer les idées et les défis, le défi des cultures a augmenté entre les limites du dialogue et des conflits dont les dangers n’ont pas de limites. Les Arabes n’ont trouvé autre que «l’arabisation» comme étant une réaction incapable de produire un choc quant à la mondialisation.
Cette recherche évoque la question de l’arabisme dans le temps où l’idée de «l’arabisation» et du nationalisme arabe a commencé à se dissiper. Elle évoque également le phénomène liant la mondialisation aux guerres, tout en mettant l’accent sur le triangle de la guerre, de la paix et des médias, pour définir ensuite les aspects du changement à l’ombre du conflit entre la mondialisation et la particularité.
Cette recherche essaie de définir la position des Arabes dans le nouveau «village global», et ce à travers différents angles: la guerre de l’Iraq, «les révolutions du printemps arabe» et le terrorisme, où les Arabes apparaissent comme s’ils sont coincés par des choix difficiles qui déforment l’Islam… ne pas distinguer entre la politique et la religion, entre l’Islam et les musulmans, et l’accroissement de la peur du terrorisme, c’est alors que le phénomène des guerres se répète et leurs durées se prolongent.
Allant de ce qui a été cité, la recherche traite les effondrements dont souffrent les pays arabes qui furent les alliés de l’URSS, tout en posant des questions sur la position des Arabes aujourd’hui sur la carte internationale.