- En
- Fr
- عربي
ثقافة و فنون
شعراء الفرنكوفونية
“من كانت بالأمس فيء النهار ونور الليل, طرية كدمعة على اليد, متحمسة ومدهوشة دائماً كأنها للتوّ وصلت الى الدنيا...
مَن كانت بالأمس ملء العافـية ثم العذاب فالعافية فالعذاب, هل يعزّينا بقاء شعرها وقد ذهبت؟
من يملأ هذه الفجوة الكبيرة السوداء؟
الشعر؟ أي شعر يستطيع أن يملأ فراغ كائن نحبّه؟
بل هو هنا, هذا الشعر, ليزيدنا ألماً, وقهراً, وتذكيراً, ليزيدنا كفراً!”.
بهذه العبارات عبّر الشاعر أنسي الحاج عن مشاعره لغياب الشاعرة ناديا التويني, التي كانت ملتقى قطبين: الماضي والمستقبل. الماضي بكل ما يعنيه من حنين وجذور تمتد عميقاً في التاريخ وعميقاً في الذات... والمستقبل بكل ما يعنيه من حلم وطموح وانفتاح وفضول. وقد كان الشعر لها وسيلة من وسائل تحقيق الحلم, حلم الإنعتاق من شراسة الواقع وبشاعته. وكان هناك ما يجبرها على الشعر: إنه خوفها من الخوف, ومن الواقع, ومن الموت. حتى كاد الشعر, مع الصلاة, أن يصبح لغتها الوحيدة.
من الظلمة الى النور
ناديا التويني الشاعرة اللبنانية بالفرنسية, إبنة الشوف, ولدت في بيروت عام 1935, والدها السفير السابق محد علي حماده, وشقيقها النائب والوزير مروان حماده. تلقّت علومها في كلية البنات في بيروت وفي الأكاديمية الفرنسية في أثينا, وفي الجامعة اليسوعية في بيروت. عام 1954 تزوجت في أثينا من الصحافي, والوزير السابق, ومندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة غسان التويني.
جالدت حتى ارتفعت مجاميعها أثراً شعرياً لن يمحى أثره: النصوص الشقراء (1963) عمر الزبد (1965) حزيران والكفارات (1968) قصائد في سبيل التاريخ (1982) حالم الأرض (1975) لبنان, عشرون قصيدة لحب واحد (1979), وثائق عاطفية لحرب في لبنان (1982).
ناديا التويني عصفورة جنة, حطّت على ربوع لبنان, وغنّت سحابة عمر العصافير, وحنّت الى الجنة, وطارت عام 1983. وقد رثاها الشاعر جورج شحاده بهذه الأبيات:
“حلوة كالزمن كانت وأكثر
بيدين فيهما كلّ الشغف
وكان في العينين حزن الربيع.
مدّدوها تحت كومة رمل
وكان في الأشجار بعض نَسَمْ
فلم يكن من بعد شيء
إلا صدى نبراتها في الذاكرة”.
الحب والطبيعة والموت
تعددت مواضيع شعر ناديا التويني, وتنوعت, ومن أبرزها: الحب, والطبيعة, والموت. وقد لا تخلو قصيدة من قصائدها إلا وتلتمع فيها ذكرى هذه المسميات التي تشكل مع الشاعرة ذاتاً تتواصل وتتناغم مع ذاتها. من هنا صعوبة التنسيق التي “تطالعنا لدى الإلتفات الى تسمية الموضوعات الرئيسة في مجمل نتاجها. إذ أن قصائدها تتداخل في موضوعاتها حتى تصبح قصيدة واحدة هي ناديا التويني ذاتها. ثم إن الغرابة في الفكرة وفي العبارة, وهي التي تجعل من قصيدة الشاعرة نهجاً بعيداً عن المألوف في الشعر, تسهم في إيجاد هذه الصعوبة. وبالرغم مما سبق, يمكن التلميح في النتاج الى موضوعات منها الحب, وهو نداء عال تصعّده بإتقان. والشاعرة كلمة تظللها التساؤلات, وتتداخل فيها الأشياء والرموز والتصوّرات الخاصة, والعوالم السحرية اللامألوفة, حتى تصبح شكلاً آخر للحب, أو شكلاً خاصاً: في طريقة التعبير على الأقل”. ورغم الهروب العام من التصريح به, يظل للحب عندها شكل مألوف وحضور مميّز في بعض القصائد.
كما يلفتنا لدى شاعرتنا إنطلاقتها من أطر الطبيعة, والتوقّف على بعض ظاهراتها. فهي تعتبر الطبيعة وسيلة لا مقراً أو منبعاً وصفياً إتباعياً. إذ أن الوصف بمعناه الكلاسيكي يختفي عندها فتتكاثر الرؤى الخاصة الممزوجة بذات الشاعرة وتحولاتها.
والطبيعة عندها, رغم تفرّعاتها, تصب دائماً في البحر, أو في الليل, أو في الريح, وترافقها أسراب من العصافير التي ترمز إما الى الرحيل, وإما الى الطفولة والبراءة, وإما الى عوالم سحرية تنشدها الشاعرة ولا تطالها.
“صار الله لا يبالي
يحضر فقط
عندما تتبرّج الأرض
وتثور الشواطئ على الريح”.
والموت عند ناديا التويني, هاجس الهواجس, والطيف المتسرّب الى مسارات الأعراق ومدامع العيون ومسارب الكلمات. فهو يتآلف مع الرحيل والحزن والخوف والفراغ ليشكل موضوعاً رئيسياً من موضوعات نتاجها. لأن جميع هذه المسميات تتوحد في موقف الشاعرة منها, وفي انعكاسها على حياتها. فالرحيل هو موت الراحل في المكان, والحزن هو موت الفرح في القلب, والخوف هو موت الأمل والشجاعة, والفراغ هو موت الكفاية والإمتلاء في النفس.
تنتمي ناديا التويني شعرياً الى السوريالية, صورة, وكلمة, وإطاراً, وبحثاً عن كشوفات شعرية جديدة, “وثورة كلية على المفاهيم الشعرية الماضية. ولكن سرياليتها لا تستر أنغامها الدافئة, وغنائيتها المتفجرة المنصبّة في حنايا الكلمات. من هنا بروز شخصيتها الشعرية المميزة التي إذا انطلقت من إطار مدرسي محدد فهو لا يحتويها كلياً, بل تظل موشومة فيه بعلامات الفرادة”.
ولقد أحبّت ناديا التويني لبنان الى درجة غنّته, ولكنها لم تبكه حتى في أحلك ساعات إحترابه وحروبه, وهو الذي يتراءى في جميع أوصافها للطبيعة وللإنسان, لطبيعة الإنسان, كأنما الإنسان لبنان. الفرنسية لسانها واللبنانية جنانها.
تحية الى فيروز ومنحوتة لماجدة الرومي صيف عاليه الفني 150 فناناً أحيوا السيمبوزيوم الدولي الرابع
للعـام الرابـع على التوالي, شهدت بلدة عاليه خـلال شهري تمـوز وآب “سيمبـوزيوم عالـيه الدولي للرسـم 2002”, الذي بـات تقليـداً سنوياً تحـييه البلدية بالإشـتراك مـع جمعـية الفنانين اللـبنانـيين للرسـم والنحـت, لإبراز الوجـه الحضـاري والـفني لعـروس المصـايف.
خلية فنانين ومتحف دائم
تحوّل الشارع السياحي في مدينة عاليه, وتحديداً في الجهة المقابلة لساحات المهرجانات, الى خلية نحل تعج بعشرات الفنانين وسط أجواء إستثنائية في موسم الصيف لجهة كثرة المعارض والنشاطات الثقافية والفكرية والفنية والإجتماعية. أما كيفية إختيار موقع “السيمبوزيوم” في الشارع السياحي للمدينة فيعود الى نبض الحياة فيه وعجقة المارة والسوّاح التي يشهدها يومياً.
خلال جولتنا في أرجاء المعرض إلتقينا بالفنان عارف الريس المشرف على أعمال “السيمبوزيوم”, فأشار الى أن عدد الفنانين المشاركين بلغ نحو 150 رساماً لبنانياً وعربياً وأجنبياً, موزعين على مجموعات بمعدل 30 الى 40 فناناً كل أسبوع وفق جدول زمني أعدته البلدية للمشاركين يحددون خلاله مواعيد المشاركة. ولهذه الغاية استنفر المجلس البلدي لتأمين الدعم الإداري المطلوب, وكل مستلزمات الحياة اليومية والراحة التامة للفنانين الى جانب عدة العمل وكل مستلزمات الرسم.
وسيقدم كل فنان في نهاية المعرض عملاً أو أكثر يوضع لاحقاً في المتحف الذي تنوي لاحقاً البلدية إقامته في مدينة عاليه.
وأضاف الريس بأنه تُركت لكل فنان حرية اختيار موضوع لوحته, إلا أن معظم الفنانين استحوذتهم الطبيعة اللبنانية وتحديداً طبيعة عاليه, فراحوا يرسمونها لوحات فنية تجذب العين وتدهش العقل. واحتضنت الصالة التي تقع في الطبقة الأرضية لموقع السيمبوزيوم, مجموعات من اللوحات كانت بمثابة معرض مفتوح للزوّار الذين توافدوا من كل حدب وصوب. وأشار الى أن الزوّار يمكنهم شراء نتاج الفـنانين من اللوحات خلال السيمبـوزيوم ما عدا الـلوحة المخصـصة لبلدية عاليـه والتي سيحتضنها المتـحف لاحـقاً.
أعمال الفنانين في السيمبوزيوم تنتمي الي التيارات المعاصرة للحركة الفنية اللبنانية, وتعكس تنوعاً فنياً من شأنه أن يسلّط الأضواء على المواهب الفنية الشابة خصوصاً تلك التي لم تتمكن بعد من إقامة معارض خاصة بها لارتباط السوق التجـارية بشروط فنـية معينة.
وقال الريس أن أعمال سيمبـوزيوم عالـيه على مدى الأربع سنوات تزيـد على الـ240 عملاً فـنياً منـحوتاً, وهـذا الرقم لا نجده حتى في أرقى الدول الأوروبية.
ودعـا الفنـان عارف الريس في الختام كل متـذوقي الفـن والجمال الى زيارة السيمبوزيوم الذي يشكل تظاهرة ثقافية وفنية وحضارية.
مشاركون وأعمال
على الرغم من أن السيمبوزيوم هذا العام خصص للرسم, إلا أنه ثمة منحوتة واحدة للفنانة ماجدة الرومي بإزميل النحات السوري لؤي درويش وبدعوة من المجلس البلدي في عاليه.
درويش شرح سبب إختياره للفنانة ماجدة الرومي موضوعاً لعمله الفني قائلاً: “ماجدة الرومي هي أول سفيرة عربية لمنظمة “الفاو”, وكل دول العالم كرّمتها إلا الوطن العربي, أضف الى ذلك ما قدمته هذه الفنانة الى لبنان والعرب, وأيضاً لأنني أحبها”.
وعن مشاركته في سيمبوزيوم عاليه للمرة الأولى قال: “السيمبوزيوم من أجمل التجمعات التي رأيتها في حياتي, فيه الإلفة والجمال والإبداع والكل يعمل بقلب واحد. أما عاليه, فهي متحف طبيعي غير محدود بجدران نتمنى من خلالها, أن يتحوّل لبنان الى متحف إقليمي في العالم العربي”. وفي الختام, نوّه بجـهود رئيس بلدية عاليه وجـدي مـراد الشخصية في إقامـة سيمبوزيوم سنـوي للنـحت والرسم يحتاج الى جهـود دولـة لناحية التكالـيف الباهظة, التي تقـدّر بآلاف الدولارات, لإنجاح هـذا العمـل على كـل المستـويـات.
الفنان المصري شاكر بهي الدين المعداوي, فنان تشكيلي ومدرّس في جامعة طنطا كلية التربية النوعية يزور لبنان للمرة الأولى, إلا أنه سمع الكثير عن روعة آثار قلعة بعلبك, فبادر الى زيارتها فور وصوله. وعن مشاركته في سيمبوزيوم عاليه قال: “لقد رشحتني وزارة الثقافة المصرية للمشاركة في معرض عاليه الى جانب فنانين آخرين من مصر. وخلال فترة إقامتي في لبنان سوف أعرض كل الأعمال التي سأنجزها والمستوحاة من الطبيعة المحيطة بمكان المعرض من خلال رؤية مصرية ممزوجة بالتراث المصري المرتبط بالتطورات العالمية في مجال الفن التشكيلي”. والفنان شاكر المعداوي متأثر جداً بالسيدة فيروز ونجد هذا التأثر واضحاً وجلياً في عدد من لوحاته التي يوجه من خلالها تحية لها.
وعن العمل الفني عموماً قال المعداوي: “العمل الفني الواضح هو عمل سطحي, أما العمل الجيد فيدعو الى التأمل والنقد والى خلق رؤية فنية جديدة”.
أخضر وأزرق وفجر
“وتبقى الجذور التي تجمع بين الأخضر الشارق والأزرق البارق لتلد عروساً ترقص على فجر جديد”. إنها لوحة الفنان التشكيلي باسم أبو نجم من منطقة غابون قضاء عاليه وهو يزاول مهنة الرسم منذ عشر سنوات, ويقيم معرضاً دائماً في غاليري “لوبورتريه” (Le Portrait) في بحمدون. وعن السيمبوزيوم قال: “إنه يهدف الى تبادل الخبرات بين الفنـانين والى خلق شيء جديد للمجتـمع كي يبـقى ويستـمر”.
أما الفنان روجيه حبيب نوهرا فقدم لوحة زيتية رأى فيها عاليه متوجّة بإشراقها ونهضتها. فمنها تشرق الشمس حاضنة في ربوعها الرسم والنحت, وهي تمتد على شكل بساط ريح حاملة في طياتها الأمل باقة ورد.
والفنان روجيه نوهرا من بلدة حمانا, وصف الأجواء بالمريحة جداً والمعرض بأنه تكريم لكل الفنانين المشاركين. وتمنى على كل البلديات أن تحـذو حذو المجلس البلدي في عاليـه ورئيس بلديتها.
ختام جولتنا في السيمبـوزيـوم كان مع الفـتى وسـام سليمان وعمره 13 عاماً. إنـه أصغر المشاركين, تعلم الرسم على يد الفنان السوري “سوز” ويعتمد على مخيلته في تنمية موهبته. وسام اختار أن يرسم السيمبوزيوم وقـد رآه قرية نموذجية. والفـنان اليافع الذي يجد في الرسم هواية تحقق حلماً, يقـول أنـه لن يحترفه في المستقـبل بـل سيتـجـه الى التخصـص في مجـال علـمي.
أخيراً إشارة الى أن سيمبوزيوم عاليه استمر ستة أسابيع امتدت من 7 تموز الى21 آب.