هو وهي

نتمنّى لكم تقاعدًا سعيدًا... وإليكم ما يجب فعله لذلك
إعداد: ريما سليم ضوميط

التقاعد من العمل فرصةٌ ذهبيّة ينتظرها معظم الأزواج، لكنّه في الوقت نفسه سيفٌ ذو حدّين، فهو يمكن أن يكون فرصةً للاسترخاء وممارسة الهوايات والعيش بحريّةٍ، كما يمكن أن يتحوّل إلى بابٍ للخلافات الزوجيّة والاكتئاب والفراغ القاتل، فكيف نحسن استغلال هذه المرحلة من العمر؟

 

حسابات الحقل وحسابات البيدر
يؤكّد الاختصاصي في علم النفس المؤهّل عمّار محمّد أنّه في مرحلة الشباب وما يرافقها من تعبٍ وجهدٍ على صعيد تحقيق الطموح المهني وتأمين مستلزمات الأسرة، يتطلّع الزوجان بشوقٍ إلى مرحلة التقاعد، باعتبارها الطريق إلى الراحة والإعفاء من المسؤوليات المهنيّة والأسريّة. وفي أثناء رحلتهما إلى التقاعد، يبنيان الكثير من التوقّعات والآمال على المرحلة المقبلة، إلّا أن حسابات الحقل غالبًا ما تكون مخالفة لحسابات البيدر، حيث يجهل معظم الأزواج المطبّات التي عليهم اجتيازها في طريقهم إلى الراحة المنشودة. فالزوجان الّلذان شغلا حياتهما لسنوات طويلة في روتين الذهاب إلى العمل والاهتمام بشؤون الأولاد وتأمين مصاريف المدارس والجامعات، يواجهان الكثير من الصعوبات في الانتقال إلى مرحلة الفراغ والتأقلم مع واقع الاستغناء عن خدماتهما.
في ما يلي، يعرض المؤهل محمّد أبرز المشاكل التي تواجه الزوجين في مرحلة ما بعد التقاعد ويشرح كيفية معالجتها.
 
متلازمة الزوج المتقاعد
قد يجد المرء في الأيام الأولى من تقاعده فرصة للتعويض عن ساعات النوم وأوقات الراحة التي حُرم منها سابقًا، إلّا أن الأيام والأسابيع اللاحقة سوف تحمل معها الكثير من الملل والشعور بالفراغ. كذلك فإنّ الزوجين الّلذين لم يكن لديهما الكثير من الوقت لقضائه سويًّا، باتا يقضيان معًا النهار بأسره، لذلك، وبسبب الصعوبة في ملء ساعات الفراغ الطويلة، يجد الزوجان نفسهما في جدال متكرّر حول أمورٍ تافهة لا تستحق الخلاف.
في هذا الإطار، يشير المؤهل محمّد إلى ظاهرة في علم النفس تسمّى «متلازمة الزوج المتقاعد» التي تصيب المرأة بالتوتر والاكتئاب بمجرد أن يتقاعد زوجها من العمل ويقضي معظم وقته في البيت. والسبب هو أن المرأة في العادة تقضي معظم وقتها بمفردها في المنزل، وبالكاد تلتقي وزوجها خلال النهار، الأمر الذي يؤدي إلى شعورها بالضيق من وجود «شخص غريب» برفقتها لدى تقاعد زوجها. ووجد الباحثون أن هذه المعاناة تكون أكثر شدّة بالنسبة إلى المرأة العاملة التي تعاني ضغوط وظيفتها الخاصة، ولا تملك ما يكفي من القوّة والنشاط للتعامل مع الطلبات الزائدة للزوج المتقاعد.
وهنا ينصح المؤهل محمّد الزوجين بعدم ملازمة المنزل، وبالخروج معًا بنزهاتٍ والمشاركة في نشاطات يوميّة كممارسة رياضة المشي، فذلك يحميهما من الأمراض الناتجة عن الكسل وعدم الحركة. كما يفترض بالزوجين إغناء حياتهما الاجتماعيّة من خلال تعزيز علاقاتهما بالجيران والأصدقاء. ومن المفيد أن يتّفقا مع أزواجٍ في سنّهما على تخصيص لقاءات أسبوعيّة للخروج معًا أو قضاء سهرات منزليّة. ولا يمنع أيضًا أن يكون لكلّ من الزوجين صداقاته الخاصة، فيخصّص الرجل مثلًا يومًا للخروج مع أصدقائه، وفي المقابل، تستضيف المرأة جاراتها أو تخرج مع صديقاتها للتسوّق.
 
التدخّل في خصوصيّة الآخرين
في أثناء وجوده الدائم في المنزل، يجد الرجل نفسه في وضع لم يعتد عليه من قبل، فهو مسجونٌ معظم الوقت، يراقب تصرّفات الآخرين وأفعالهم، فيعتاد يومًا بعد يوم على التدخّل في خصوصيّة أفراد الأسرة، مبديًا رأيه في كلّ شاردةٍ وواردةٍ، وخصوصًا في أمور تدبير المنزل والطهو وزيارات الجيران، ما يؤدّي إلى نشوب خلافات زوجيّة بشكلٍ مستمر.
وهنا، ينصح المؤهل محمّد الزوج بعدم هدر وقته في مراقبة أفراد الأسرة، والاستعاضة عن ذلك بممارسة هوايات مفيدة كالمطالعة والرياضة المناسبة لسنّه. كما ينصحه بتقديم يد العون لزوجته بدلًا من انتقادها، فيساعدها مثلًا في شراء متطلبات المنزل وحاجياته، وقد يفيده الذهاب إلى السوبر ماركت سيرًا على الأقدام لأنّ ذلك يمنحه النشاط والحيويّة، ويتيح له التعرّف إلى محيطه عن كثب.
 
الانقطاع عن المجتمع
من المشاكل التي ترافق التقاعد، شعور المرء، وخصوصًا الرجل، أنّه فقد جزءًا هامًا من هويّته الذاتيّة التي غالبًا ما تحدّدها وظيفته في الحياة. وهنا يشعر بالخيبة والإحباط من جرّاء الصدمة التي أصابت «الأنا» في داخله فجرحت كبرياءه وأدّت الى اهتزاز ثقته بنفسه ونظرته إلى ذاته، فتراه يتقوقع داخل سجنٍ طوعي لإحساسه بأنه انسلخ عن مجتمعه. لذلك، فإنّ دعم المرأة لزوجها مهم جدًّا في هذه المرحلة، إذ عليها أن تتفهّم قلقه وهواجسه، ومن المفيد جدًّا أن تعبّر له عن حبّها باستمرار، وأن تسعى إلى التعويض عن سنوات انشغاله في العمل من خلال مشاريعٍ أسريّة تجمع العائلة في أجواء سعيدة.


خسارة الدخل الشهري
بعد إحالته على التقاعد، يخسر المرء راتبه الشهري، ما يولّد مشكلةً جديدة لجهة تحديد المصاريف والحدّ من الإنفاق. لذلك ينصح المؤهل محمد الزوجين بتنظيم أمورهما الماديّة مسبقًا من خلال تحديد ميزانيّة منزلهما وفق قيمة مدخولهما الشهري بعد التقاعد، والتخلي عن المصاريف الإضافية التي لا داعي لها، وبذلك يمكنهما التأقلم مع الوضع المادّي المستجد والاستمتاع بتقاعد مريح.
ويختم الاختصاصي في علم النفس حديثه بالقول أن الإنسان يتقاعد من وظيفته في العمل وليس من دوره في الحياة، لذلك يجب على المتقاعدين الاستفادة القصوى من الفرصة المتاحة لهم للقيام بمختلف الأمور التي كانوا يحلمون بتحقيقها عند بلوغهم سن التقاعد. والأهم من ذلك أن يسعوا للحفاظ على صحّتهم من خلال إجراء الفحوصات الطبيّة الروتينيّة كي يتمكّنوا من الاستمتاع بتقاعدٍ سعيد.