- En
- Fr
- عربي
سؤال وجواب
القضاء التام على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي من أبرز التحديات العالمية التي تتصدر أولويات التنمية المستدامة. فالهدف الثاني من الأهداف العالمية يتمحور حول مكافحة الجوع وضمان التغذية السليمة والزراعة المستدامة بحلول العام 2030. ومع تزايد النزاعات والأزمات في العالم وتغيّر المناخ، أصبح تحقيق هذا الهدف أكثر تعقيدًا، ما يستدعي تضافر الجهود الدولية والمحلية لتجاوز العقبات وتحقيق الغاية المرجوة.
في ما يأتي سوف نتناول الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، ماهيته ومضمونه، إلى التحديات التي تعيق تحقيقه. كما سنتطرق إلى كيفية إسهام الزراعة المستدامة والمنظمات الدولية والحكومات والأفراد في تحقيق هذا الهدف بغية القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي في مختلف أنحاء العالم.
ما هو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة؟
يسعى الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة إلى القضاء التام على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي بالإضافة إلى تحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة. وهو يركّز على جعل العالم خاليًا من الجوع بحلول العام 2030.
وجدير بالذكر أنّ مسألة الجوع وانعدام الأمن الغذائي تفاقمت بشكلٍ مثير للقلق منذ العام 2015، نتيجة مجموعةٍ من العوامل منها الوباء والصراعات وتغيّر المناخ وعدم المساواة في الموارد. وبحسب تقرير الأمم المتحدة حول أهداف التنمية المستدامة الصادر في العام 2023، فإنّ حوالى 735 مليون شخص أي ما يمثل 9.2% من سكان العالم قد عانوا الجوع المزمن في العام 2022، وتمثّل هذه النسبة ارتفاعًا صادمًا مقارنةً بالعام 2019. إضافةً إلى ذلك، واجه نحو 2.4 مليار شخص انعدام الأمن الغذائي بنسبةٍ تراوحت بين المعتدل والشديد، وبزيادة 391 مليون شخص مقارنة بالعام 2019، وهو تصاعد مثير للقلق ويشير إلى نقصٍ كبير في الغذاء. إنّ هذا الارتفاع المستمر في معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي، الذي ينمّيه تفاعل معقّد بين عدة عوامل، يتطلب اهتمامًا فوريًّا وجهودًا عالمية منسّقة لمواجهته.
كيف نعرّف الجوع؟
الجوع إحساس جسدي غير مريح أو مؤلم ينتج عن عدم كفاية استهلاك الطاقة الغذائية، ويصبح مزمنًا عندما لا يستهلك الشخص كمية كافية من السعرات الحرارية بشكلٍ منتظم لعيش حياة طبيعية ونشطة وصحيّة. على مدى عقود، استخدمت منظمة الأغذية والزراعة مؤشر انتشار نقص التغذية لتقدير مدى انتشار الجوع المزمن في العالم، وبالتالي يمكن الإشارة إلى «الجوع» أيضًا باسم نقص التغذية.
ماذا يعني انعدام الأمن الغذائي؟
انعدام الأمن الغذائي هو عدم حصول المرء على ما يكفي من الغذاء الآمن والمغذّي بشكلٍ منتظم من أجل النموّ والتطور الطبيعي وعيش حياة نشطة وصحية. وقد يكون ذلك بسبب عدم توافر الغذاء و/أو نقص الموارد للحصول عليه. وإذ تتفاوت حدة انعدام الأمن الغذائي، فإنّ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تقيس نسبته باستخدام مقياس تجربة انعدام الأمن الغذائي المبيّن أدناه:
لماذا يُعدّ القضاء على الجوع أمرًا مهمًا لتحقيق التنمية المستدامة؟
يُعتبر الجوع من الأسباب الرئيسية للأمراض وسوء التغذية. فعندما لا يحصل الأفراد، وخصوصًا الأطفال، على ما يكفي من الغذاء، يتعرضون لمخاطر صحيّة كبيرة، مثل تأخّر النمو وضعف المناعة. لذا، فإنّ تحسين التغذية يسهم في تخفيض معدلات الأمراض وزيادة الإنتاجية.
كذلك، يُسهم القضاء على الجوع في تعزيز النمو الاقتصادي؛ فالعمال الأصحاء هم أكثر فعالية في العمل، ما يحسّن الأداء الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة. من جهةٍ أخرى، يعكس الجوع عدم المساواة في توزيع الموارد، ويُعتبر القضاء عليه خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الاستقرار السياسي، إذ إنّ المجاعات تؤدي إلى عدم الاستقرار والصراعات.
انطلاقًا مما تقدم، يُعتبر القضاء على الجوع هدفًا رئيسيًا من أهداف التنمية المستدامة، ويتداخل مع أهدافٍ أخرى مثل القضاء على الفقر وتعزيز التعليم. لذا، فهو ليس ضرورة إنسانية أساسية لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة فحسب، وإنّما هو أيضًا عنصر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة على جميع الأصعدة. فمن خلال تحسين الصحة وتعزيز الاقتصاد والعدالة واستقرار المجتمعات، يمكن للعالم أن يخطو خطوات كبيرة نحو مستقبلٍ أفضل للجميع.
ما هي التحدّيات الرئيسية التي يواجهها تحقيق الأمن الغذائي في العالم؟
يواجه العالم تحدّيات عديدة تعرقل تحقيق الأمن الغذائي، من بينها التغيّر المناخي الذي يؤثر سلبًا في الإنتاج الزراعي، نتيجة التغيرات في أنماط الطقس وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات، ما يهدد المحاصيل ويقلل من الإنتاجية. كما تشكل ندرة المياه تهديدًا خطيرًا إذ تستهلك الزراعة نسبةً كبيرةً من المياه العذبة، ومع تلوث الموارد المائية، يصبح إنتاج الغذاء أكثر صعوبة.
من التحديات أيضًا، النمو السكاني المتوقّع أن يصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول العام 2050، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء، وبالتالي إلى ضغط إضافي على الموارد الطبيعية. في المقابل، يُشكل الفقر وعدم المساواة عاملَين أساسيَّين في نقص الوصول إلى الغذاء وفي توزيعه بشكلٍ غير متكافئ، في حين تدمر الصراعات والنزاعات البنية التحتية الزراعية وتؤدي إلى نزوح السكان، مما يُفاقم أزمة الأمن الغذائي. إضافةً إلى ذلك، فإنّ انتشار الآفات والأمراض الزراعية وتطوّر مقاومتها للمبيدات يؤثّران في إنتاجية المحاصيل. كما تواجه سلاسل التوريد تحدّيات في الحفاظ على جودة الغذاء ونقله، ما يؤدي إلى الهدر الغذائي وزيادة الاعتماد على الواردات. من جهةٍ أخرى، تسبب السياسات الزراعية والتجارية غير المتوازنة اختلالًا في الإنتاج الغذائي العالمي، فيما تسهم القيود التجارية في تقلبات أسعار الغذاء. أخيرًا، فإنّ نقص الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا الزراعية يحدّ من تحسين الإنتاجية وتطوير محاصيل مقاومة للظروف البيئية الصعبة.
كيف يمكن للزراعة المستدامة أن تساعد في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة؟
تُعدّ الزراعة المستدامة عنصرًا أساسيًا في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وفي بناء مستقبل غذائي آمن. فهي تعتمد تقنيات حديثة مثل الزراعة الدقيقة والعمودية لتحسين إنتاجية المحاصيل من خلال إدارة فعّالة للموارد مثل المياه والأسمدة، كما تسهم في الحفاظ على التنوّع البيولوجي عبر تشجيع زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل واستخدام ممارسات زراعية صديقة للبيئة، ما يحسن مرونة النظم الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الزراعة المستدامة صغار المزارعين عبر تعزيز قدراتهم الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة، مما يساهم في خفض معدل الفقر وتحسين سبل العيش في المجتمعات الريفية. كما تؤدي دورًا محوريًا في التكيّف مع تغيّر المناخ عبر تقنيات تحافظ على الموارد الطبيعية وتقلّل من انبعاثات الكربون. وتعمل الزراعة المستدامة أيضًا على تقليل الهدر الغذائي عبر تحسين كفاءة الإنتاج وإعادة تدوير النفايات الزراعية. وهي تسهم في تعزيز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية من خلال بناء أنظمة غذائية محلية قوية وتعزيز الوعي حول أهمية الممارسات الزراعية المستدامة.
ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومات لدعم تحقيق الهدف الثاني؟
هناك مجموعة من الإجراءات المترابطة والشاملة يمكن أن تتخذّها الحكومات لتحقيق هذا الهدف، منها:
- تعزيز الإنتاج الزراعي وتبنّي سياسات زراعية مستدامة من خلال دعم المزارعين، لا سيما أصحاب الحيازات الصغيرة، وتوفير التدريب والتكنولوجيا المتقدمة والبذور المحسّنة والمدخلات الزراعية الأخرى.
- إدارة الموارد المائية بكفاءة من خلال تطوير أنظمة ري متقدمة ومستدامة، وحماية مصادر المياه من التلوّث، إضافةً إلى الاستثمار في البنية التحتية المائية مثل السدود وشبكات الري، وتشجيع تقنيات الري الحديثة كالتنقيط والري بالرش.
- تحسين البنية التحتية الزراعية وسلاسل التوريد لتقليل الفاقد والمهدر من الغذاء، وذلك عبر تطوير الطرق والمرافق التخزينية وشبكات النقل والتوزيع، لضمان وصول المنتجات الغذائية إلى الأسواق بحالةٍ جيدة، ما يقلّل نسبة الهدر ويزيد من توافر الغذاء.
- دعم المزارعين للوصول إلى الأسواق المحلية والإقليمية والدولية، من خلال تقديم الحوافز وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع التجارة الحرّة مع حماية المنتجين المحليّين.
- تقديم الدعم المالي والاجتماعي للفئات الأكثر ضعفًا عبر برامج الحماية الاجتماعية مثل شبكات الأمان الغذائي، وبرامج التغذية المدرسية، والمساعدات النقدية المباشرة، لتحسين وصول الغذاء للأسر التي تعاني انعدام الأمن الغذائي والفقر.
- دعم المؤسّسات البحثية وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا الزراعية لتطوير محاصيل مقاوِمة للظروف المناخية القاسية وزيادة إنتاجية الأراضي الزراعية.
- العمل على تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحدّيات المشتركة مثل التغيّر المناخي والأمراض النباتية العابرة للحدود، وذلك من خلال المشاركة في المبادرات الدولية لدعم الأمن الغذائي وتبادل المعرفة والتكنولوجيا مع الدول الأخرى.
كيف يمكن للأفراد المساهمة في القضاء على الجوع؟
يُمكن للأفراد أن يؤدوا دورًا فعّالًا في مكافحة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي في مجتمعاتهم من خلال تكامل الجهود في عدة مجالات من بينها:
- التبرع للمؤسّسات التي تعمل على توفير الغذاء للمحتاجين مثل برامج الإغاثة الغذائية.
- نشر الوعي حول قضايا الجوع وسوء التغذية.
- تعزيز العمل الجماعي وتحفيزه من خلال الحملات الاجتماعية والمشاركة في الفعاليات المجتمعية.
- دعم الزراعة المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي المحلي من خلال شراء المنتجات المحلية والعضوية من المزارعين الصغار.
- التثقيف الغذائي الذي يعزز معرفة المجتمع بأسس التغذية السليمة وأهمية النظام الغذائي المتوازن.
كيف يمكن للمنظمات الدولية المساهمة في تحقيق الهدف الثاني؟
تعمل منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي (WFP – Word Food Programme) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO- Food and Agriculture Organization) على تقديم المساعدات الغذائية للدول المتأثرة بأزمات الجوع، ما يسهم في تلبية الاحتياجات الفورية للمتضررين. بالإضافة إلى ذلك، تقوم هذه المنظمات بتطوير برامج تعليمية وتدريبية للمزارعين لتعزيز تقنيات الزراعة المستدامة، ما يؤدي إلى زيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل تأثير التغير المناخي على الزراعة.
كما يدعم الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD- International Fund for Agriculture Development) تحسين البنية التحتية الزراعية من خلال تمويل مشاريع تهدف إلى تحسين الوصول إلى الأسواق وتطوير أنظمة تخزين وتوزيع فعّالة، مما يساعد في تقليل الفاقد الغذائي، كما في رواندا مثلًا حيث يقوم الوسطاء بجمع الحليب من صغار المزارعين ونقله إلى مراكز التجميع للتبريد. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم المنظمات في تعزيز السياسات الغذائية المستدامة من خلال تقديم المشورة الفنية للحكومات والمشاركة في صياغة استراتيجيات طويلة الأمد للقضاء على الجوع.
وأخيرًا، تعمل المنظمات الدولية على جمع البيانات وتحليلها لتحديد المناطق الأكثر احتياجًا وتوجيه المساعدات بشكلٍ أكثر فعالية. من خلال هذه الجهود المتكاملة، تُسهم المنظمات الدولية بشكلٍ كبير في تحقيق هدف القضاء على الجوع وتعزيز الأمن الغذائي على مستوى العالم.
لمعرفة المزيد حول أهداف التنمية المستدامة:
موقع أهداف التنمية المستدامة في لبنان: http://sdglebanon.pcm.gov.lb/
موقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة: https://www.fao.org/home/ar
موقع البنك الدولي: https://www.albankaldawli.org/ar
موقع الإسكوا - المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2024: https://www.unescwa.org/ar/events-2024
موقع الإسكوا: https://www.unescwa.org/ar
موقع الأمم المتحدة في لبنان: http://www.lebanon.un.org
زيارة المكتبة المالية - معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي كورنيش النهر.