وفاءً لهم

نقابة المحامين تحتفل بشهداء الجيش اللبناني
إعداد: باسكال معوض بو مارون

 

العماد قهوجي كما الجيش سياج الوطن المحامون سياج القانون

اعتبر قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّ ما بين المؤسسة العسكرية ونقابة المحامين أكثر من رابط وأبعد من علاقة، فالأولى هي سياج الوطن والثانية هي سياج القانون.
كلام العماد قهوجي جاء في احتفال أقامته نقابة المحامين في مقرّها (بيت المحامي) داعية إلى اعتبار السادس من أيّار يومًا وطنيًا لشهداء الجيش اللبناني.


الحضور
لبّى دعوة نقيب المحامين جورج جريج إلى الاحتفال، عدد من الوزراء والنوّاب الحاليين والسابقين، وشخصيّات قضائية وعسكرية ونقباء المحامين السابقين إلى أعضاء مجلس النقابة الحاليين والسابقين.
تعاقب على الكلام في الاحتفال كل من: المحامي الدكتور جورج يزبك، وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، المحامي الدكتور وسيم منصوري، نقيب المحامين جورج جريج، وكانت الكلمة الأخيرة للعماد قهوجي.
بعد النشيد الوطني، تحدّث المحامي يزبك الذي رأى أن رئاسة الجمهورية مغيّبة، وهي تصارع للبقاء، تمامًا كما يصارع عسكرُنا بلحمهم الحيّ في الجرود العالية. واعتبر أن عيد الشهداء في السادس من أيار الذي «صودر» كان من ضحايا الوضع القائم.

 

درباس: صمود الجيش دينٌ علينا
وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس  ألقى كلمة أكّد فيها أن «صمود الجيش هو دينٌ علينا» مشدّدًا على أن «هذا الوطن ذو التضاريس الصعبة والمسالك الوعرة والذرى البيضاء والأرز الحاضن للأبد، مسوّر بسياجٍ من خير الأجناد، الذين ربّاهم آباؤهم على التضحية وقدّموهم حماية للحدود والورود وحبّات التراب، وجهّزوهم بالسلاح الأمضى، البسالة التي قاتلوا بها وما زالوا، فاستحقوا أن يكونوا محل ثقة من أهل المال والسلاح، وتقبّلوا العطية واستقبلوا السلاح من يدٍ أيقنت أنها تسلّمها لزنودٍ أمينة وخبيرة وجديرة».
وتوجّه إلى الجيش بالقول: «جرحكم جرحنا وقلقكم يؤرق وَسائدنا ولن يبخل الوطن على أبنائكم الرهائن بأي ثمنٍ من أجل تحريرهم من محنتهم التي طالت، فليس أحد أَولى منّا بحماية من نذروا أنفسهم لحمايتنا. وفي هذه الذكرى أحيي شهداء نهر البارد الذين طهّروا بدمائهم شمالنا من عصابة فتح الإسلام وعصابات الإرهاب كلها، وكانوا مع رفاقهم بقيادة الرئيس ميشال سليمان والشهيد فرنسوا الحاج والجنرال قهوجي، يرفعون عن تلك المحافظة وقصبتها طرابلس تهَم التعصّب والانغلاق، وذلك بالتعاون مع الأهالي الذين كانوا لهم خير ظهير ونصير. ولبيتِ المحامي أقول هذا القصر كعبتنا».

 

منصوري: أحياء عند ربّهم والوطن
المحامي منصوري قال: «هم أحياء عند ربّهم يرزقون، هم أحياء عند الوطن لا يموتون، هم للوطن المفضّلون الحقيقيون، ولكن هل كان الوطن بحجم تضحياتهم؟ هل تحمّلنا مسؤولياتنا الوطنية مثلما تحمّل هؤلاء الأبطال الأبرار؟».
وأشار إلى أن «العقيدة العسكرية التي أثمرت ثالوث «الشرف والتضحية والوفاء» هي عقيدة تصحّ في الجغرافية اللبنانية المتمثّلة بالتفاف جميع الفرقاء السياسيين حول مؤسسة الجيش، لكنها عقيدة غريبة عن أصحاب الجغرافيات الموبوءة والمستجدّة في البيئة العربية التي تحاول نشر ثالوث «العار والخديعة والانتحار»، معتبرًا «أن المؤسسة العسكرية تمثّل مجتمعًا متكاملاً وكأنها صورة مصغّرة للبنان في تعدديتها المناطقية والطائفية والفكرية...».
وشكر الدكتور منصوري نقيب المحامين على الجهود التي يبذلها في رفع شأن نقابة المحامين، معتبرًا أن الاحتفال باليوم الوطني لشهداء الجيش اللبناني في بيت المحامي، دليل على أن الوحدة الوطنية متلازمة مع القانون، وهما جسد واحد لا يتفرقان، فالقانون هو الضامن الوحيد للوحدة الوطنية، والحوار بين مختلف الأطراف هو الحصانة لهذه الوحدة. لذا، ولكي نكون على قدر تضحيات الجيش، لا بد من الإشارة إلى ضرورة تفعيل عمل المؤسسات، كل المؤسسات...
وختم بالقول: «لا أعتقد أننا نستطيع تقديم أي شيء لمن قدّم لنا حياته، جسده، روحه. أمام الشهداء نقدّم التحية للجيش، ننحني لهم، نقبّل جباههم وجباه الوطن عبرهم».

 

جريج: يوم يختصر الأيام
من جهته رأى نقيب المحامين في كلمته أن «هذا اليوم يختصر كلّ الأيام، فشهيد الجيش شهيد لبنان، شهادة الجيش لا تحتاج إلى إثبات، ليست مختبرًا لتحديد فئة الدم، هو دم كل لبنان. ليست فاتورة تلفون أو كهرباء أو مولد لإثبات محل الإقامة، جيش لبنان مقيمٌ في لبنان، في الداخل وعلى الحدود، في طرابلس وفي الضاحية، في البقاع وفي عرسال. والشهادة ليست سجلاً عدليًا في مخفر فرن الشباك، إنها الشهادة التي تعرّف عن ذاتها بذاتها. هوذا اليوم الوحيد الذي لا نقطع فيه قالب حلوى، بل نذكر شهداء الواجب، وأسرى الواجب في الجرود. هوذا اليوم الذي لا مكان فيه ليهوذا، لا بيع فيه ولا شراء، لا بالذهب ولا بالفضة، أمانة لا خيانة. هوذا اليوم الذي لا خلاف عليه، ويوم يصبح الخلاف على الجيش «أمر اليوم»، ينتهي لبنان».
وقال النقيب، «نقولها بصوتٍ عالٍ: نعم نريد دولة اليوم، ورئيسًا اليوم، لأن غدًا قد يكون متأخرًا أو قد لا يأتي أبدًا. نريد وعدًا كوعد الجيش، يحلّ فجرًا لا عند المغيب. يهبط في وضح النهار ولا يتسلّل في عتمة الليل. الجيش حاجز نعم، لكنه حاجز ضد التقسيم والترحيل والتهجير. الجيش جهوزية، والمواجهة مع اسرائيل ليست زوبعة في فنجان، أو صاعقة في سماء صافية، بل هي عقيدة قتال ضدّ كلّ عدوٍ متربّص بلبنان»، مشيرًا إلى أنّه «بفضل هذا الجيش كانت الشهادة التي لم تفرّق بين الرتب العسكرية، جنودًا ورتباءً وضباطًا. فالجيش أساس في قيام الدولة، بل أساس في طرح جدلية بناء الدولة بعيون النسور الثاقبة، بدم جنودنا الشهداء، وأرواح أسرانا الغالية، بمؤسساتنا الصامدة، بنقابة محامينا، بهيئات مجتمعنا المدني، سنتمكن من بناء هذه الدولة، ومن الوقوف أمام قوة الحياة التي تدب في عروقنا، وفي جذور هذه الأرزة التي اسمها لبنان».
وأكّد أن «الجيش، مؤسسة لا خصخصة فيها، ولا شراكة معها، بل هو كالدين لا إشراك فيه. هو كلبنان، مسجد كبير وكاتدرائية كبرى، ومساحة مدنية لمن لا يرغب ببيوت الله. جيش قوي، لا يضعف مع السياسة ولا يقوى بها، السياسة تزول، والجيش باقٍ. الجيش والسياسة، ربما، فسياسة الجيش هي تعبير الصامت الأكبر عن مفردات العمل الوطني بكل مكوّناته، من الحفاظ على الديمقراطية إلى ضمان الأمن والاستقرار».
وشدّد النقيب جريج على أن «لا التزام من الجيش أمام السياسيين، والذراع التي تمتدّ إليه تشلّ.. جيشٌ صاحب قلبٍ كبير، لكنه لا يعرف البكاء مهما كان الأسى... وعندما أوليَ القيادة، كان يدرك العماد قائد الجيش أن لا محل للضعف عند القادة، كان يدرك أن لبنان أولاً، والشخص يأتي بعد الوطن».
وختم بالقول: «في لبنان اليوم جمهورية من دون رئيس لكن لا يمكن أن أرى بلدًا من دون جيش، مع عميق تقديري لهذا المنصب الشاغر وقد بحّ صوتنا مطالبين بإعمال الدستور وانتخاب رئيس...»

.
العماد قهوجي: يوم الشهداء أقدس الأقداس

استهلّ قائد الجيش كلمته بالقول: «بين تاريخ الوطن ودماء الشهداء حكاية لا تنتهي، عمادها الشرف وغايتها التضحية ومبدأها الوفاء. فحيثما سقط شهيد ارتفع علم جديد، وكلما سقط شهيد، شمخت أرزة جديدة في وجه الرياح والعواصف. بين المؤسسة العسكرية ونقابة المحامين أكثر من رابط وأبعد من علاقة، فنقابتكم هي سياج القانون، والجيش هو سياج الوطـن. ونقابتكم هي صوت الحق، والجيش هو المؤتمن على صون الحق. من هنا كان الدور المميّز لمحاميّ لبنان ولنقابتهم الكريمة في دفاعها الصلب عن حقوق اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، أو في مساندة المؤسسة العسكرية في مهمّاتها الوطنية، فأنتم رسل الحق، وكلمتكم حكمٌ مبرمٌ ونهائي، ضدّ شهود الزور والمفترين والمجرّحين».
واعتبر العماد قهوجي «أن يوم الشهداء بالمطلق هو أقدس الأقداس عندنا، فكيف حين يجمع تاريخًا نضاليًا عريقًا طويلاً، مجبولاً بدماء الأبطال، أبطال الصحافة في عيدهم اليوم، والذين نستذكر معهم قافلة من الصحافيين الذين استشهدوا على مذبح الوطن، دفاعًا عن النموذج اللبناني والكلمة الحرّة في لبنان. لقد أردتم كرجالٍ للحق والقانون، أن تكرّموا شهداء الجيش في رحاب عيد شهداء لبنان، فشكرًا لكم، وتحية من كل ضابط وجندي، لأنكم تؤكّدون مجددًا رسالتكم الوطنية ووقوفكم إلى جانب الجيش، واعتزازكم بتضحيات شهدائه، تمامًا كما أثبتّم على الدوام أنكم سياج القانون، وخير مؤتمنين على إرث مدينة الشرائع بيروت؛ بيروت الثقافة والحضارة، وبيروت الكلمة الحقّة، تلك التي انطلقت من شرفاتها ذات يوم إلى العالم، محمّلة بكنوز المعرفة والحرية والإبداع».
وتابع العماد قهوجي معلنًا أن «في هذا اليوم لا يفوتني أن أقولها بالفم الملآن، إن يوم الشهداء هو اليوم اللبناني بامتياز كالإستقلال تمامًا. ولذا أتوجّه عبر منبركم الكريم هذا بكل مشاعر الوفاء، إلى كل شهيدٍ عسكريٍ ومدنيٍ، جنديًا كان أم صحافيًا أم مدنيًا عاديًا، سقط في ساحات الشهادة على أرض الوطن فداءً لكرامته، متعهّدًا أمامكم وأمام أرواح الشهداء الطاهرة، السير على منهج الشهادة الدائمة من أجل لبنان وكرامته وحريّته وتعدّديته، ونموذجه الفذّ في هذه المنطقة والعالم بأسره. واسمحوا لي أن أتوجّه بشكلٍ خاص هذا اليوم إلى الأبطال الأحياء، أسْرانا المخطوفين لدى التنظيمات الإرهابية، لأؤكد تكرارًا أن قضيتكم هي أمانة في عنق الجيش، ولن نوفّر وسيلة في سبيل عودتكم سالمين موفوري الكرامة إلى ذويكم، وعائلاتكم وإلى مؤسستكم العسكرية».
وأشار قائد الجيش إلى أنّه «لا بدّ في هذه المناسبة الوطنية العزيزة، من التأكيد أن المواجهة التي يخوضها الجيش اليوم ضدّ الإرهاب، لا تقلّ خطورة عن مواجهته الدائمة ضدّ العدوّ الإسرائيلي. فإسرائيل والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وتعبيران مختلفان عن حقيقةٍ واحدة وجوهرٍ واحد، وهما النقيض الواضح للمجتمع اللبناني القائم على التعدّد والحوار والاعتراف بالآخر. لقد سعى الإرهاب خلال السنوات الفائتة ولا يزال، وبمختلف مصادر قوته، إلى إلحاق لبنان بالساحات الإقليمية المشتعلة من حوله، مستفيدًا مما يجري في المنطقة من فوضى أمنية، وصراعات سياسيّة وتشابك للمصالح الدولية، وفِتن طائفيّة ومذهبيّة، لكن الجيش كان له دائمًا بالمرصاد، إذ استطاع بفضل تماسكه وتضحيات رجاله، إلحاق الهزيمة العسكرية بهذا العدوّ، ومحاصرته على الحدود الشرقية والقضاء على خلاياه الإرهابية في الداخل».
وطمأن العماد قهوجي «من على منبر هذا الصرح الكريم - بيت المحامي، جميع اللبنانيين إلى مناعة الجيش في مواجهة التحديات، فالانجازات التي يحقّقها يوميًا، والالتفاف الشعبي العارم حوله، والثقة الدولية بدوره الوطني، والتي ترجمت على أرض الواقع، بالشروع في مدّه بالمساعدات العسكرية النوعيّة، لَهي خير دليلٍ على ذلك. وأكّد مرة أخرى، بأن الجيش لن يسمح بوجود أي موطىء قدم للإرهاب في لبنان، وأنّ التجاذبات السياسية الداخلية والإرباك الحاصل في عمل مؤسسات الدولة، لن تثنيه عن القيام بواجبه المقدس في الحفاظ على استقرار لبنان وتجنيبه العواصف الإقليمية، مهما تطلّب ذلك من أثمانٍ وتضحيات».
وختم: «دمتم أصدقاءً للجيش وحراسًا لرسالة الحق والقانون في خدمة الوطن والإنسان».