- En
- Fr
- عربي
نهج لبناء الإقتصاد الوطني : دراسة في فكر “فريدريك ليست”
“... ولكــــن, قبل كــــل شيء يجب ان يكون عندنا الكفايـــة مــــن الروح الوطنية كي نــــزرع ونعتني, اليوم, بالشجرة التـــي سوف تعطي ثمارهــــا الوافرة, غداً, للأجيال القادمة ...”.
فريدريك ليست, ص. 315.
..." Mais, avant tout il faut avoir assez d’esprit national pour planter et pour étayer aujourd’hui l’arbre qui offrira ses fruits les plus abondants aux générations futures...."
F. LIST, p.315
تجاهل علماء الإقتصاد فريدريك ليست Friedrich List) ) ولم ينصفه حقل “الفكر الإقتصادي”. وإذا خصص لــــه رينيـه غونـــار GonnardRenè)) مكاناً مسهباً في كتابه “تاريخ المذاهب الإقتصادية”([2]), حيث عرض فيه المسائل الرئيسية لمؤلفاته, مركـزاً على الدور الذي يعطيه “ليست”List)) لمكانة الوطن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة(koumène) ([3]) “والفارق الكبير الذي يعطيه بين النظرة إلى مصلحة الفرد وتحقيق رفاهيتة الخاصة وإشباع حاجاته الحاضرة وبين المصلحة القوميـــة وحاجات الجماعة الحالية منها والمستقبلية, أي مصلحة الأجيال القادمة”([4]). وكذلك يصوب غونار على نظرية “ليست” حول ضرورة تنمية قوى الإنتاج (Les forces productives) من أجل بناء الإقتصاد الوطني. ولكن إنصاف غونار لإرث “ليست” يبقى حالة إستثنائية في المؤلفات الإقتصادية المتخصصة. كذلك شــومبيتــر(Schumpeter) ([5]) يختصــر إرث “ليست” علــى أنــه “مرافعة”Plaidoyer) ) عن مصــالح معينة. أمـا الآخـرون, أمثال: هنري دينيزH. Denis) )([6]) وإميل جيمس E. James) )([7]), لقد جعلوا منه بطلاً للحمائية([8]), ليس أكثر, وإقتصروا على عرض نظرياته بصفحة أو صفحتين من مؤلفاتهم.
الأدهى من ذلك, كان الإقتصاديون, في بعض الحالات, يتحاشون ذكره بسبب إستعمال إسمه ونظرياته من قبل النازيين الألمان([9]). في حين كان آخرون يقدمونه كقومي متعصب لدرجة نتسائل فيها ما إذا كان هؤلاء الإقتصاديون يخلطون بين “ليست” ومُنظّر القومية الإقتصادية الألمانية فيشتهFichte) ) ولكن رغم وطنية “ليست” وشجبه “للإقتصاد السياسي اللاقومي” فإن شعاره الذي يبدأ به كتابه هو “الوطن والإنسانية” (la patrie et l'humanité! ), وهذا يتناقض كلياً مع الإتهامات غير المجدية التي ينسبونها إليه بجعله منظّراً للقومية الألمانية المطلقة وسياسة الإكتفاء الإقتصادي الذاتي L'autarcie) ), إذ لم يكن مثله الأعلى “الدولة التجارية المغلقة” التي نادى بها فيشتهFichte) )([10]). ونستطيع أن نذهب أكثر من ذلك في الدفاع عن الميول الإنسانية عند “ليست” إذ في الفصل المخصص لدور الإقتصاد السياسي من كتابه([11]), يعطي بعداً إنسانياً وأخلاقياً لعلم الإقتصاد حتى يمكننا القول أنه كان ملتزماً في دفاعه عن حقوق الفرد ورفاهيته حينما يهاجم نظرية مالتوس Malthus) )([12]) متهماً مذهبه “بإستبدال الحسابات بالرحمة وتحويل قلوب الناس إلى حجارة”([13]).
وفي كل الأحوال يختصر الإقتصاديون الغربيون صورته على أنه المنظر للحمائية التي نادى بها حكام أكثر الأوطان الأوروبية الكبرى([14]). وإذا كان لنا أن نصف “ليست” على حقيقته فهو ليبرالي بالمعنى الفلسفي والسياسي للكلمة, وطني Patriote) ), داعياً للتصنيع, وتطوري بالمعنى الإقتصادي لهذة الميزات([15]). وقد حمل بشدة على مبدأ التبادل الحر Libre échange) ) بين كافة دول العالم دون النظر الى الظروف الخاصة بكل دولة. فحرية التجارة الدولية التي كانت تتلاءم مع دولة غنية متقدمة كإنكلترا في ذلك الوقت ــ حيث كانت الصناعة فيها قد تقدمت واستقرّت ولم يعد يخشى عليها من منافسة صناعة بلد آخر ــ لا تتلائم مع حالة بعض البلاد الأخرى التي تكون “مهيأة” للتميز في الصناعة([16]), ولكنها تأخرت تاريخياً في بدء نهضتها الصناعية عن الدول المتقدمة صناعياً, وبالتالي تصبح الحماية الإقتصادية بالنسبة لها أمراً ضرورياً. وعلّل “ليست” مبدأ حماية الدولة بحاجات الإقتصادات القومية الناشئة التي لم تستكمل بعد عناصر قوتها وعنفوانها, لأنه لو سُيّرت هذه الإقتصادات وفقاً لمبادىء الحرية الإقتصادية لما امكن للصناعة فيها ان تنشأ, لأن السلع الإنكليزية المتقنة الصنع والرخيصة الثمن والتكاليف ستغمر أسواقها وتمنع صناعاتها من النشوء([17]).
وقد شبّه “ليست” هذه الإقتصادات بالطفل الذي يحتاج إلى الحماية والرعاية, ولذلك يكون من الضروري أن تلجأ الدولة إلى اتباع سياسة حمائية خاصة لحماية الإقتصاد الناشىء من المنافسة الأجنبية, لفترة مؤقته لحين بلوغ الصناعة فيه طور الرشد, وحتى تستطيع أن تنافس الصناعات التي سبقتها في النشوء في البلدان المتقدمة كإنكلترا, اذ ان المنافسة الحرة لديه لا يستفيد منها إلاّ الأقوياء والأمم المتقدمة([18]). ولذلك فان نظرية “ليست”List) ) في الحماية تعرف بنظرية “حماية الصناعات الناشئة”, وبهذا إستوحى من نظرياته أكثر إقتصاديي العالم الثالث المختصين في التنمية الإقتصادية لبلادهم, وعلى أساس نظرياته بنى الإقتصادي التشيلي راؤول بريبيش Raoul Prebisch) ) مطالبته, في عام ,1960 بحق الدول النامية في حماية صناعتها الناشئة([19]
حياة المفكر
ولد فريدريك ليست Friedrich list) ) في مدينة روتليجن Reutligen) ) التابعة لمقاطعة وورتمبرغ Wurtemberg) )([20]) في ولاية بافاريا La Bavière) ) عام 1789 وتعلّم في جامعة توبنجن Tübingen) )([21]) حيث عمل في ما بعد أستاذاً للإقتصاد السياسي (1817), ودخل الحياة العامة كخصم عنيد لسياسة الضرائب الجمركية المفروضة بين “الدويلات الألمانية”([22]), ولهذا أبقته آراؤه الحرة والقومية على خلاف دائم مع حكومة بلاده مما أدى به إلى السجن (1822) واللجوء إلى فرنسا, ومن ثم إلى السجن ثانيةً (1824), بعد عودته, ومن بعده النفي إلى أميركا التى وصلها عام 1825, فأقام بين الألمان البنسلفانيين في مدينة ريدنغ Reading) ), وتولى رئاسة تحرير مجلة Reaginger Adler) ), وهي أسبوعية أميركية ألمانية, وكان لها يومذاك صوت مسموع في شؤون بنسيلفانيا؛ ولم تلبث إتجاهاته في السياسة التجارية أن ربطت بينه وبين “جمعية بنسلفانيا لتشجيع الصناعات والفنون الميكانيكية” والتي كانت تحت الإشراف القوي لهنري كاري (H. Ch.Carey) ([23]) ولآخرين...
وبالرغم من أن كاري كان له النصيب الأوفر في تحرير النشرات فإن ليست List) ) كانت عنده القدرة على الكتابة النابعة عن تجارب أوسع في الإقتصاد والسياسة, وكان طوال إقامته في أميركا (18251832) هو الداعية الأول للسياسة الصناعية([24]), وكان موضع تقدير وإحترام رجال الصناعة في بنسلفانيا كما قابل كبار السياسيين الأميركيين في ذلك الوقت.
وقد تولى فريدريك ليست رئاسة كلية لافييت La Fayette) )([25]) وأخيراً عاد إلى ألمانيا كمواطن محايد وكعضو في السلك القنصلي للولايات المتحدة الأميركية بالتعيين من أندرو جاكسون([26]), عام 1831, في هامبورغ Hambourg) ) وعمل في بادن بادن Baden Baden) )([27]) حتى عام ,1834 ثم في ليبزغ Leipzig) ) من عام 1834 إلى 1837 وأخيراً في مدينة شتوتغارت Stuttgart) ) من عام 1837 إلى عام 1845, وبعد عودته من سفره إلى النمسا وهنغاريا متعباً ومريضاً ويائساً ومفلساً مادياً, مات منتحراً بالسم عام 1846 في كوفستين Kufstein) ) في النمسا, وذلك حسب الرواية الرسمية([28]).
تطور المفكر الثقافي
لا نبالغ إذا قلنا أن فريدريك ليست عاش من أجل أفكاره التي دافع عنها حتى موته. وكان هدفه إخراج ألمانيا من ظروف التبعية والخضوع التي فرضها تقسيمها السياسي إلى دويلات, وضعفها الإقتصادي مقارنةً بقوة بريطانيا الإقتصادية. لم يكن يكفي لمواجهة هذا الوضع النضال ضد المنافس الأجنبي ــ كما فعل ليست List) ) ــ ولكن كان عليه تدمير البنية الإجتماعية الموجودة في ذلك الوقت والتي كان من مصلحتها الحفاظ على الوضع السائدLe maintien du statu quo) ) , أي كان عليه إزالة العوامل المحافظة المتحالفة مع الإقطاعية السائدة في الدويلات الألمانية المتناحرة([29]).
إنه من السهل في الواقع تتبع التاريخ الثقافي لليست؛ ففي الرابعة عشرة من عمره ترك المدرسة لكي يعمل مع والده في دباغة الجلود Mègisserie) ) , وتابع دراسته بمفرده وحصل على وظيفة في الإدارة الحكومية لدولة وورتمبرغ Wurtemberg) ) وترقى إلى رتبة سكرتير عام 1816([30]). وفي شبابه قرر, عندما رأى المستوى المنخفض الذي هبطت إليه الحياة في ألمانيا, أن يدرس الإقتصاد السياسي, وحصل على منصب أستاذ لهذه المادة في جامعة توبنجن Tübingen) ) , وأعفي من مركزه بعد عامين بسبب أفكاره الإقتصادية وآرائه السياسية.
بالطبع, لم يكن علمه لنيل “شهادة” ولم يكن “طموحه وظيفة”([31]), قراره كان أن يعلم أخوانه المواطنين أصول “الإقتصاد السياسي الوطني” الذي يمكن بواسطته “النهوض برفاهية وثقافة وقوة ألمانيا”([32]), وقد إنتهى إلى أن مفتاح كل مشاكل ألمانيا هو دعم مبدأ القومية, ويقول :”لقد رأيت بوضوح أن المنافسة الحرة بين أمتين في أعلى مستوى من المدنية يمكن أن تكون نافعة إذا ما كانتا على درجة متقاربة من التطور الصناعي, وأن أية أمّة تكون, لسوء الحظ وراء غيرها في الصناعة والتجارة والملاحة, يجب قبل كلّ شيء أن تقوّي قواها الذاتية؛ وذلك كي تعد نفسها لتدخل في منافسة حرة مع الأمم الأكثر تقدما ([33]), وبإيجاز إنني أميز الفرق بين الإقتصاد السياسي الذي لا قومية([34]) أو لا وطنية فيه([35]) Cosmopolitical) )([36]) وبين الإقتصاد السياسي الملتزم وطنياً, وفهمت أن ألمانيا يجب أن تلغي رسومها الداخلية وأن تتخذ سياسة تجارية موحدة نحو الأجانب لكي تتمكن من أن تصل بالتطور التجاري والصناعي إلى ذات المستوى الذي وصلت إليه الأمم الأخرى نتيجة لسياستها التجاريه”([37]).
والواقع أن وجهات النظر هذه, تتماثل مع الهدفين الأساسيين للسياسة المركنتيلية والمقصود بها الوحدة القومية للدولة, وذلك بتقوية وتماسك قواها الذاتية, وتدخل الدولة بوضع سياسة إقتصادية, من أجل تنمية وتقوية موارد الوطن الإنتاجية من صناعية وتجارية ومالية وعسكرية([38]).
ثم يتـابع حديثه, فيقول: “وعندمـا زرت الولايـات المتحدة في ما بعد, تركت كل الكتب جانباً لأنها كانت ولا شك ستخدعني, وأحسن ما يطالع الإنسان عن الإقتصاد في العالم الجديد هو أن يدرس صور الحياة نفسها, فهناك يمكن له أن يرى الأرض الجدباء تتحول إلى ولايات قوية منتجة؛ والنجاح الذي يتطلب قروناً في أوروبا, يسير في العـالم الجديد بسرعة, وهـو مـا يظهر جليـاً لأعين المراقب. لقد درست كتـاب الحياة هذا بـإعجـاب وتقدير, وقـارنته بدراساتي السابقة وتجـاربي ومشاعري, وكانت النتيجة إيجـاد طريقة لا تقوم على أساس سياسة عالمية جوفاء, بل على أساس طبيعة الأشياء La nature des choses) ) , على دروس التاريخ, وعلى أساس إحتياجات الأمم([39]).
ولكن إعتقادنـا الراسخ يشير أن “ليست” كـون وجهـات نظره فـي السيـاسة والإقتصـاد حين كان يعيش في ألمانيا, وبسبب معتقداته تلك فُصل من أستاذيتة في الجامعة ونفي من بلاده. ولكن البيئة التي إختلط بهـا في الولايـات المتحدة سـاعدته على بلورة معتقداتـه. فليست صدفة, أنه إرتبط بصداقة مع مـاكنلي Mc Kinley) ) ــ أب القومية الأميركية ــ ضـد عدوهمــا المشترك, إنكلترا, وأيضـاً, وبـالأخص العلاقة التي ربطته ببطـل مــا سمـي بــالنهج الأميركـي L'American System) ) ــ شـارل أنجرسول Charles Ingersoll) ), رئيس “جمعية بنسلفانيا لإنماء الفنون والصناعات” (La Société Pennsylvanienne pour l'Avancement des Arts et des Manufactures) ([40])
بعدها أصبح “ليست” List) ) عضواً في الجمعية المذكورة حيث لوحظ تصميمه ومواهبه, كلف بالإجابه على “مبــادىء الإقتصاد السياسي” لتوماس كــــوبر Thomas Cooper) )([41]) أحد محازبي “التبادل الحر” Libre -échange) ). إجابات ليست هذه, صدرت في كُتيب عبر بصورة واضحة عن مذهب ليست وفكره في حمائية الإقتصاد الوطني, ونشر على نطاق واسع تحت عنوان: “مجمل الإقتصاد السياسي الأمريكي”([42]). ورغم أن الكُتيب يُظهر تأثير صور الحياة والآراء الأميركية في أعمال ليست إلا أنها لم تكن سبب تطور نظرياته الإقتصادية. هذه النظريات بدت واضحة حينما أجاب ليست, عام 1837, على موضوع طرحته أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية الفرنسية Académie des Sciences Morales et Politiques) ) منذ عام 1834: “حينما يطرح وطن معين, موضوع تبني نظام حرية التجارة ويسعى إلى تعديل تشريعاته الجمركية في هذا الإتجاه, ما هي الإجراءات التي يجب أن يأخذها بعين الإعتبار من أجل التوافق الأكثر إنصافاً بين مصالح المنتجين الوطنيين ومصالح جماهير المستهلكين؟”([43]). فإطروحة “ليست” هذه, والتي حملت عنوان: “نهج طبيعي للإقتصادي السياسي”([44]), فازت في المرتبة الأولى بمبارات الأكاديمية وبعدها أعيدت وتوسع بها ونُشِرت باللغة الألمانية تحت عنوان: “نهج قومي للإقتصاد السياسي” وذلك عام 1841([45]).
رغم نجاح “ليست” List) ) الإجتماعي والفكري والمهني في أميركا فإنه كان قبل كلّ شيء وبعده, ألمانياً, وكان يحس بأنه منفي غير سعيد في منفاه, وقد طلب الجنسية الأميركية ليتجنب الإضطهاد الذي كان قدره في وطنه و “مكافأة” له على وطنيته. كان يعجب بالموارد الكبيرة غير المستغلة, الموجودة في الولايات المتحدة, وفي ذات الوقت يحسدها عليها وكان ينظر ذات النظرات إلى الطاقات الشابة الوثابة التي تتوافر للبلاد في جملتها, ثم نجاحها في الوصول إلى الوحدة السياسية, ثم كل هذه الإمكانيات غير المحدودة لمستقبل الولايات المتحدة كقوة عالمية, والذي توقعه ليست بأن هذه البلاد ستتفوق, على الأرجح, خلال جيلين, على بريطانيا في الصناعة والثروة والتجارة والقوة البحرية([46])؛ ولكن ليست كان ينظر إلى كل هذه الأشياء ــ كما ينظر أيّ مغترب قسرياً عن وطنه المتخلف إلى الدول المتطورة ــ نظرة مفعمة بالآمال بالنسبة لوطنه ألمانيا, والذي كان حينذاك غير موحد, إذ كان يتكون من 500 مقاطعة قبل الثورة الفرنسية عام 1789([47]) و39 دولة بعد مؤتمر فيينا Les Congrés de Vienne, 1814-1815) )([48]) هذا من حيث التقسيم السياسي لألمانيا أو بالأحرى التمزق السياسي, أما من حيث الإنقسام الإقتصادي فقد كان الوضع أكثر سوءاً, إذ كانت كل مقاطعة في بروسيا نفسها لها نظامها الجمركي الداخلي [49]وفي كامل بروسيا كان هناك سبع وستون “تعريفة” جمركية مختلفة. أما من الناحية الإجتماعية فقد كانت ألمانيا ــ مهد المادية التاريخية ــ تعيش صراعاً طبقياً وتناحراً لم يعرفه أي بلد أوروبي آخر.
وكانت لبروسيا حدود مشتركة مع باقي الولايات الألمانية تمتد لألف ميل وتمس ثمانٍ وعشرين ولاية مختلفة ؛ وكان ليست List) ) ــ دون تقدير منه للصعاب التي لا يمكن التغلب عليها بسهولة ــ يحلم برؤية ألمانيا جديدة أكبر وأعظم من ألمانيا التي يعرفها, على أن تتوافر في داخلها تجارة حرة مع حماية خارجية, كما يتوافر لها أيضاً نظام داخلي ووطني للسكك الحديدية والبريد, وأخيراً أن تنهض لتكون قوة أوروبية عظيمة. وقد عاش “ليست” يشاهد جزءاً من برنامجه يتحقق, وكانت جهوده هي التي دمرت الكثير من الموانع التي تحد من التجارة الداخلية أكثر مما فعلت المؤثرات السياسية للثورتين الأميركية والفرنسية.
ونجحت أيضاً دعايته التي لا تفتر من أجل بناء السكك الحديدية([50]), ووصلت إلى الكثير من النتائج المادية قبل أن تسبب إنهيار صحته وتعجل بوفاته؛ على أن “ليست” List) ) لم يعش ليرَ ثورة عام 1848؛ ولم يعش ليشهد نجاح بسمارك([51]), ولا تكوين الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بالرايخ الثاني([52]), ولكن مع مرور الزمن ثـَبـُتَ أن ليست List) ) كان واحداً من أوائل الذين صنعوا الوحدة الإقتصادية الألمانية, كما أنه كان واحداً من أوائل الذين أوضحوا الضرورة الإقتصادية لتكوين ألمانيا الكبرى, هذه التي إستعملت إسمه لتصبح موضع تهديد وإرهاب للعالم المتمدن فيما بعد([53]). ولكن مفهومه للنهوض بألمانيا من تخلفها الإقتصادي “أصبح جزءاً أساسياً من خطاب علم الإقتصاد المعاصر (الداعي إلى الحمائية), ولكنه أعطى مفعولاً عنيفاً في ألمانيا: فقد أضيف إلى قوة خارقة من الوطنية والقومية دفعت به نحو إرادة النهوض الإقتصادي والتحول السياسي لألمانيا([54]).
“إرادة القوة” والنهوض بالإقتصاد الوطني
إن إرادة النهوض بالإقتصاد الوطني تسيطر على كل الفكر الإقتصادي لليست List) ) . هذه الإرادة التي تحكم إتجاهات ليست السياسية والتجارية تأخذ شكل “إرادة القوة”, حتى أنه ربط بين “القوة” وبين “الرفاهية” أو “الرخاء”([55])؛ وفي هذا المجال يعود إلى خط المدرسة المركنتيلية بالرغم مما يبديه من إعتراضات, وإنصرافه إلى الإتجاه المضاد.
هذه الإرادة جعلت من ليست List) ) رجلاً ناشطاً قبل أن يكون منظّراً. النظرية لا تهمه إلاّ كأداة في خدمة الهدف. فصحة النظرية يثبتها فقط وضعها على محك التجربة الحاضرة والماضية, إستناداً إلى الأغراض Les objectifs) ) التي خُصِصَت لأجلها([56]). هذا النوع من الذرائعية
([57]), جعلت منه متملكاً لمذهب إقتصادي ناشيء من عقلانية القرن الثامن عشر, ممزوج بالمثالية الألمانية ومخصّب بالرومنطيقية, هذا التشبع بالمفهوم الرومنطيقي الألماني للدولة([58]) يصبح العامل المحدد حينما يتعلّق الأمر بالصلات بين الأفراد وبين ذلك الكيان الذي نسميه الأمة([59]). فالأمة ــ أي أمة ــ بالنسبة لليست ـ هي مجتمع منفصل (عن المجتمعات الأخرى), يتكون من أفراد لهم حكومة واحدة وقوانين عامة واحدة, وحقوق ومصالح متماثلة, ولهم تاريخهم ومجدهم, ولهم دفاعهم الموحد, ووسيلة تأمين حقوقهم وحياتهم وثرواتهم؛ وهم بهذا يوجِدونَ جسماً واحداً حراً, ويتبعون فقط السبيل الذي تمليه عليهم مصالحهم بالنسبة لغيرهم من المجتمعات المستقلة, كما تتوافر لهم القوة لتنظيم مصالح الأفراد ليمكن ايجاد أكبر ما يمكن من الرفاهية والرخاء في الداخل, وأقصى ما يمكن من الأمن والسلامة من جانب الأمم الأخرى([60]).
ثم يضيف لـيــســت: “والغرض من إقتصاديات هذا الجسم الموحد الحر, ليس فقط الثروة كما هي الحال بالنسبة للفرد, ولا في الإقتصاد العالمي بمجمله, بل القوة والثروة, لأن الثروة الوطنية تزداد وتُؤَمن بواسطة القوة الوطنية([61]), كما أن القوة الوطنية تزداد وتؤمن بواسطة الثروة الوطنية, ولهذا فان مبادئها الرئيسية ليست فقط إقتصادية بل وسياسية أيضاً, وقد تتوافر للأفراد ثروة كبيرة, ولكن اذا لم تتملّك الأمّة القوة لحمايتهم فانهم قد يفقدون في يوم واحد ما جمعوه في عصور طويلة, كما يفقدون أيضاً حقوقهم وحريتهم وإستقلالهم”([62]).
وبالإضافة إلى هذا: “فكما أن القوة ترتبط بالثروة فان الثروة تزيد من القوة, وهكذا فان القوة والثروة تنتفعان على قدم المساواة من التنسيق بين الزراعة والتجارة والصناعة في داخل حدود الدولة([63]), ولا يمكن أن تتوافر للدولة القوة والثروة اذا لم يتوافر هذا التنسيق([64]).
ولما كانت القوة الإنتاجية هي مفتاح سبيل الأمن القومي والسلامة الأهلية “فانه ليس من حق الحكومة بل ولا من واجبها وحدها أن تنهض بكل شيء يمكن أن يزيد من ثروة وقوة الأمّة, ولكن اذا لم يمكن ادراك هذا الغرض بواسطة الأفراد فانه يكون من واجب الحكومة أن تحرس التجارة بإسطول, لأن التجار لا يستطيعون حماية أنفسهم, ومن واجب الحكومة أن تحمي نقل البضائع بالقوانين البحرية لأن التجارة المنقولة (التصدير) تعاون قوة الأسطول كما يحمي الأسطول التجارة المنقولة؛ ولهذا يجب أن تدعم مصالح التجارة وصناعة السفن بكل الصناعات الأخرى, وأن تنشأ من أجلها الجسور والقنوات والخطوط الحديدية([65]), وأن تحمي المخترعات الجديدة بإستصدار القوانين التي تسجلها وتحميها, وهكذا حتى تصل الى وجوب حماية الصناعات بواسطة فرض الضرائب الجمركية وذلك متى كان رأس المال الأجنبي والكفايات الأجنبية تمنع وتعطل المواطنين من تولي هذه الأعمال والنهوض بها([66]).
والثـــروة لا نفـع لها ولا فــائدة تجنى منها ما لم تتوافر معها “وحدة الأمة وقوتها” لأن وحدة الوطن هي الشرط الأساسي لكل إزدهار ورخاء مستديم([67]), ولهذا فان إخفاق ألمـانيــا في تحقيق الوحدة السياسية أو في إيـجاد سياسة تجارية موحدة جعلها غير قادرة, لأجيال متتالية, على الإحتفاظ بمكانتها بين الأمم في الوضع الذي يفرضه لها نصيبها من المدنية. “ولقد وصلت ألمانيا عدة مرات إلى حافة الإنهيار الإقتصادي نتيجة للمنافسة الحرة مع الدول الأخرى, وتبعاً لهذا فقد أدركت الحقيقة التي تقول أنه في ضوء الظروف الحالية للعالم يجب أن تعمل كل أمة كبيرة للحصول على الضمانات التي تؤكد إستمرار رخائها وإستقلالها, وهي لا تصل إلى هذا الاّ عن طريق إستقلال واطّراد تحسين مواردها وازدياد قوتها”([68]). “وليست الرسوم الجمركية وقوانين الحماية المقيدة التى توضع لتطور مثل هذه القوى والموارد وليدة عقول مخاطرة, ولا هي نتيجة التدرج الطبيعي لإختلاف المصالح وتباينها, ولا هي صور لكفاح الأمم المرير بعد أن تستقل وتتحرر من مؤثرات عنيفة أو من نفوذ قوي”([69]), وليست هي وليدة شيء من هــذا القبيل. بــل اذا نظرنا إلى الأمر محاولين أن نعبّر عنه بكلمات قليلة أخرى فمن الممكن أن نقول: “أن الحرب, أو حتى احتمال الحرب, هو الذي يجعل المنشآت الصناعية من ألزم الضروريات لكل أمة تقف في المرتبة الأولى بالنسبة لغيرها من الأمم”([70]), كما أنه من الحماقة, بل ومن الغباء, أن تجىء أمة في هذا العصر الحديث “فتسرّح جيوشها وتدمر أسطولها وتهدم حصونها”([71]), ذلك لأنه يكون من الخراب المدمر أن تضع أمة سياستها الإقتصادية على أساس تقديرات غير مؤكدة لقيام حالة سلم واستقرار وتفاهم عالمي الأمر الذي لا وجود له إلاّ في عقول أصحاب مدرسة “التجــــارة الحـــرّة”([72]), والمركنتيلية الحديثة والعولمة والمثالية الخيالية.
الحرب والحمائية في مذهب لــيــســـت List ) ) الإقتصادي
إن قدرة الأمّـة على الإشتباك في حرب انما تقاس بمعيار قدرتها على الوصول إلى الثروة, ولهذا فان الإمكانيات لتطور القوة الإنتاجية هي هدف الوحدة القومية والسياسة الحمائية([73]). وقد تنتج السياسة الحمائية لبعض الوقت ـ ولبعض الوقت فقط ـ مستوى منخفضاً للمعيشة, ذلك لأن الرسوم والحواجز الجمركية تؤدي إلى إرتفاع الأسعارظ([74])؛ ولكن هؤلاء الذين يناقشون مسألة رخص أثمان البضائع الإستهلاكية على أساس أنها وسيلة عامة لتقدير نفع التجارة الخارجية “لا يجهدون أنفسهم ولا يعنون إلا قليلاً بالتفكير في قوة وشرف ومجد الأمة”([75]), ويجب أن يدرك هؤلاء أن الصناعات التي تحميها الدولة هي جزء أساسي من الشعب الألماني؛ “ومن هو الذي يمكن أن يتعزى عن فقد ذراعه إذا عرف أنه في سبيل هذا قد حصل على قميصة بسعر يقل أربعين في الماية عما كان يشتريه به من قبل”([76]).
ويجب أن ندرك أنه كلما عظمت القوة الإنتاجية للأمة كلما ازدادت قوتها في الميدان الدولي, أي من ناحية علاقاتها بغيرها من الدول, وكلّما ازداد في الوقت نفسه استقلالها في وقت الحرب, ولهذا فإن المباديء والأصول الإقتصادية لا يمكن أن تنفصل عن النتائج والعقبات السياسية والإقتصادية التي تكون لها أو تتسبب عنها([77]).
“وفي الوقت نفسه الذي يكون فيه للعلم الفني والآلي مثل هذا التأثير الكبير على أساليب الحرب, وعندما تتوقف كل العمليات ذات الطابع الحربي على الأحوال الإقتصادية للدولة, وعندما يتوقف الدفاع الناجح بدرجة كبيرة على ما اذا كان أفراد الأمــة في جملتهم موسرين أو فقراء, موفوري الذكاء أو بالغي الغباء, متفرقين أو متماسكين, وعندما يكون ولاء الأفراد متجهاً كله إلى الوطن الأم أو متجهاً بعضه إلى الدول الأجنبية, وعندما تتباين القدرة على إعداد الأفراد للدفاع عن البلاد بين الكثرة والقلّة, في مثل هذا الوقت الذي هذه صفاته يجب أن تقدر قيمة الصناعات من وجهة النظر السياسية”([78]).
وكان يتوافر للــيــســت تفهم كبير للعوامل التي تدخل في نطاق الإمكانيات العسكرية, وقد كتب: “ان حال الأمم اليوم هو نتيجة تجمع كل الإختراعات والمكتشفات والتطورات التي جاءت بها الأجيال السابقة والتي عاش أهلوها قبلنا؛ إن كل أمّــة عندما ننظر إليها وحدها تعتبر منتجة فقط في الناحية التي عرفت كيف تنتفع بما جاءت به الأجيال السابقة فيها, ثم زادت من هذا بامكانياتها الخاصة؛ هذه الإمكانيات التي يمكن تطورها ما في أرضها من موارد وما لموقعها الجغرافي من أهمية, ثم أن تزيد بعد هذا مما يتوافر لها داخل حدودها من سكان وقوة سياسية وثروة, وأن تمد من نفوذها الثقافي والتجاري والسياسي على غيرها من الأمم التي تقل تقدماً وحضارة عنها وعلى الأخص في الشؤون ذات الصبغة العالمية([79]).
ولا شك في أن مثل هذه المعتقدات والآراء توجد خطوة سهلة ميسورة لاتباع سياسة توسعية في قارة أوروبا واتساع استعماري في ما وراء البحار؛ ولم يتردد ليست في إتخاذ هذه الخطوة, إذ رغب في وجود ألمانيا متحدة تمتد من مصبات نهر الراين إلى حدود بولونيا([80]), ومن البلقان إلى البلطيق, وقد اعتقد “بأن أسس البناء المعنوي للأمة بما يصحب هذا من تطور ثقافي ونهضة علمية فنية, بل وأساس التطور المادي والقوة السياسية لها, انما هو أن يتوافر لهذه الأمة العدد الكبير من السكان, والمنطقة الفسيحة من الأرض مع دخل ثابت من الموارد الطبيعية, ولهذا فان الأمّــة المحدودة السكان والمحدودة المساحة لا يمكن أن تتوافر لها آداب أو ثقافة أو مؤسسات للنهوض بالفنون والعلوم, كما لا يمكن للأمة الصغيرة أن تزيد من تطور وتقدم مواردها الإنتاجية المختلفة إلى أقصى مدى لهذا التطور”([81]), ومن هنا كانت الأمم الصغيرة تعجز عن الإحتفاظ بإستقلالها الا بصعوبة كبرى, ولكنها لا تستطيع أن تعيش الا بالتحالف مع الدول الكبرى, الأمر الذي يتطلب منها التضحية بسيادتها القومية([82]).
التوسعية والمجال الحيوي في فكر “ليست”
على أن هذا الذي سلف ذكره لا يختلف كثيراً عن التعريفات الألمانية خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية “للمجال الحيوي”([83]) كما يتضح من برنامج ليست, ذلك البرنامج الذي وضعه لألمانيا الكبرى, فقد وقف في جانب انضمام الدانمارك وهولندا([84]) وسويسرا وبلجيكا للإتحاد الجرماني, وقد بنى هذا بالنسبة للدول الثلاث الأولى على أساس الجنس واللغة وعلى أساس الإقتصاد والستراتيجية؛ كما أن الحاجة ملحة الى الدانمارك وبلجيكا وهولندا كي تستطيع ألمانيا أن تسيطر على مصاب الأنهار الألمانية مع الساحل البحري من مصب الرين إلى بروسيا الشرقية, ويضمن هذا للأمة الألمانية ما تحتاجه الآن “من مصايد الأسماك ومن الأسطول والتجارة البحرية والمستعمرات”([85]), كما أن إنضمام هذه الدول الثلاث مضافاً إليها سويسرا يضمن لألمانيا حدوداً طبيعية([86]) من البحار والجبال, “وهذا ضروري من الناحيتين الإقتصادية والسياسية”, كما أن على ألمانيا أن تقوم بتسرب Infiltration ) ) سلمي في أرض الدانوب وفي تركيا الأوروبية, وهذه المناطق هي الحدود الطبيعية لألمانيا. ثم انه من مصلحتها أن يتوافر الأمن والنظام في تلك المناطق([87]).
ويجب أن يتوافر في الأمة القوة للتأثير في حضارة الأمم الأقل منها تقدماً, ويجب أن تستطيع الزيادة في تعداد سكانها والفائض في رأس المال المادي والمعنوي والذي ينصرف من هذه الأمة إلى أمم أخرى تتوافر فيها إمكانيات العمل, فان كل هذه الزيادة تكون قد ضاعت على الأمة الأصلية وتحولت إلى فائدة القوميات الأخرى, وهذه حقيقة واضحة لا شك فيها بالنسبة للهجرة الألمانية إلى الولايات المتحدة, “وأي نفع إذا ما توافر الرخاء بدرجة كبيرة للمهاجرين الألمان في أميركا الشمالية!!! انهم من ناحية العلاقات الشخصية يعتبرون قد فقدوا القومية الألمانية تماماً, ولا تحصل ألمانيا من انتاجهم المادي إلا على الثمار التي لا أهمية لها, ان من الخطل أن يظن الناس بأن اللغة الألمانية تظل لغة الألمان الذين يعيشون في عمق الولايات المتحدة, وأنه من الممكن بعد وقت ما انشاء ولاية ألمانية هناك”, وفي النهاية يعني هذا أنه يجب أن يكون لألمانيا مستعمرات خاصة بها في جنوب شرق أوروبا وفي الأميركيتين الوسطى والجنوبية, وأن تدعم هذه المستعمرات بكل موارد الأمة بما في هذا من شركات إستعمار قوية “مع نظام قنصلي ودبلوماسي قوي”. وكان “لــيست” على دراية تامة بأن برنامجه للإتساع في القارة الأوروبية والمستعمرات وراء البحار لا يمكن ادراكه بدون الحرب, وكان أولئك الذين يدعون لايجاد تنظيم أهلي لألمانيا يعرفون ما قاله ليست بأن المستقبل قد يجىء بحروب قومية ولكنها ستكون هي التي تعبىء الموارد المعنوية للأمة الألمانية لدعم الإقتصاد الوطني.
عداء “ليست” لبريطانيا وإستراتيجيته لجعل “ألمانيا متحدة” قوة أوروبية
كانت انكلترا بالطبع هي التي وقفت في طريق الأطماع الألمانية, إذ كانت الخصم الأول لسياسة توازن القوى التي عبأت “الدول الأقل قوة لتقوم بوقف تدخل الدول القوية في أراضيها”, وقد وقفت بريطانيا, كقوة استعمارية لها قيمتها وأهميتها, في منأى من أي تهديد. هذا المركز الذي وصلت اليه كان نتيجة تطور صناعتها, ولهذا “فانه اذا أرادت الدول الأوروبية الأخرى أن تساهم في العمل النافع بزرع الأراضي المهملة وتمدين الشعوب البربرية, أو الشعوب التي كانت متمدنة يوماً ثم إنحطّت إلى البربرية, فانها يجب أن تبدأ بتطوير قواها الصناعية الداخلية وأسطولها البحري”.
وكانت إنكلترا أيضاً هي التي وقفت كالتمثال الحجري الضخم تسد الطرق البحرية للعالم جاعلة من الصعب على أي أمة أخرى أن تحصل على القوة البحرية الضرورية لتحقيق أهدافها, وقد كتب “ليست” عن السيطرة الإنكليزية على البحار: “لقد تملّكت بريطانيا مفتاح كل بحر ووضعت حارساً على كل أمة, بتأسيسها القواعد البحرية في القارات كافة وسيطرتها على مداخل البحار, فكانت تسيطر على البحر المتوسط بجبل طارق, وتسيطر على البحر الأحمر بعدن, وتسيطر على الخليج الفارسي ببوشر وكراتشي. ان كل ما كانت تحتاجه بريطانيا هو أن تمتلك الدردنيل وبرزخ السويس وقناة بنما حتى يكون في استطاعتها أن تغلق أو تفتح كل بحر وكل طريق بحري تبعاً لرغباتها الخاصة”([88]).
ولم يكن في استطاعة أي أمة أن تنجح في تهديد بريطانيا وذلك لقوتها البحرية والتجارية العظيمة, ولقوتها الإستعمارية, اللهم الا اذا حصلت على مساعدة كبيرة من الأمم الأخرى؛ “والدول التي هي أقل قوة من انكلترا في البحر تستطيع أن تقف منها موقف المساواة عندما تتجمع قواتها البحرية معاً في مجموعة واحدة”, ولما كانت كل أمة من هذه الأمم لها “مصلحة في صيانة ورخاء القوى البحرية للأمم الأخرى” فانها يجب أن تعمل كلها ــ لتكون معاً قوة بحرية متحدة ــ في اتجاه منع السيطرة الإنكليزية على الطرق البحرية في العالم “وبخاصة السيطرة على البحر المتوسط”([89]).
ومن الحكمة أن تكوِّن الأمم التي في القارة كتلة أوروبية هدفها وقف قوة بريطانيا عند حدها؛ “واذا استطعنا أن نقدر المصالح المشتركة للأمم التي تعيش في القارة ــ هذه المصالح التي تتعارض مع السيادة البحرية التي لبريطانيا ــ استطعنا أن ندرك أنة ليس هناك ما هو أكثر ضرورة لهذه الأمم من اتحادها معاً, وأنه ليس هناك ما هو ضار بها أكثر من هذه الحروب التي تدور في قلب القارة, ويؤكد لنا تاريخ القرن الماضي أن كل حرب قد أثارتها دول القارة بعضها ضد بعض كانت نتيجة لشيء واحد هو زيادة صناعة وثروة وملاحة ومستعمرات الدولة البحرية التي لها السيادة؛ أي بريطانيا”([90]).
ولكن التفكير الستراتيجي لـ”ليست” لم يكن قصير المدى ولا محدود الأفق, ولا تقف أهدافه حتى عند حدود قارة أوروبا, كان “ليست” في تحديقه نحو المستقبل يرى اليوم الذي سيخفق فيه العلم الأميركي “ذي الأشرطة والنجوم” لا العلم البريطاني, على البحار. ويكون اذ ذاك من الضروري على الأمم الأخرى التي تغطي سطح الكرة الأرضية أن تقوم بتدابير لتحد من قوة الولايات المتحدة: “وستمكّن ذات الأسباب التي رفعت بريطانيا العظمى الى مركزها الحالي ــ وربما كان هذا في مدى القرن التالي ــ ستمكن من رفع الولايات المتحدة الى درجة متطورة في الصناعة والثروة والقوة تزيد عما لبريطانيا الآن, وسيكون الفرق بين الولايات المتحدة وبريطانيا يومذاك أكثر من الفرق بين بريطانيا وهولندا الصغيرة اليوم؛ وسيزداد مع الأيام تعداد سكان الولايات المتحدة إلى مئات الملايين من الأنفس, وستنشر الولايات المتحدة معاهدها وتعاليمها وحضارتها في الأميركيتين الوسطى والجنوبية كما انتشر هذا كله الآن في المكسيك, الأرض التي تجاورها تماماً, وسيتاح لمئات الملايين الذين يسكنونها من تحسين موارد القارة الأميركية, هذه الموارد التي تزيد بدرجة كبيرة عما في قارة أوروبا من موارد الثروة الطبيعية, وستتفوق القوة البحرية للعالم الغربي كذلك على بحرية بريطانيا بذات الدرجة التي تزيد بها سواحل وأنهار العالم الجديد على سواحل بريطانيا وأنهارها في الطول والامكانيات”([91]).
“وهكذا فان الحاجة التي تفرض الآن على الفرنسيين والألمان ضرورة تكوين تحالف قاري ضد السيادة البريطانية ستفرض ــ هذه الحاجة نفسها ــ على الإنكليز في المستقبل غير البعيد ضرورة انشاء اتحاد اوروبي ضد السيادة الأمريكية؛ وهكذا تضطر بريطانيا أن تتلمس وأن تجد في قيادة القوى المتحدة في أوروبا ما تحتاجه من الأمن والوقاية ضد سيطرة أمريكا, وستجد في هذا ما يعوضها عن سيادتها التي تكون قد فقدتها”. ولهذا فان من صالح انكلترا أن تعمل لإكتساب صداقة الدول الأوروبية وأن تعوّل على أن تكون الأولى وسط مجموعة من الدول تقف كلها بعضها من بعض موقف المساواة([92]).
وقد تكون وجهات نظر “ليست” عن بريطانيا دراسة طريفة من الناحية السيكولوجية, وربما تكون أكبر قيمة عندما ننظر اليها على التحديد من وجهة نظر السيكولوجية الألمانية, إذ أُعجب “ليست” ببريطانيا. والواقع أن القليل من الرجال في الأمم الأخرى نظروا إلى بريطانيا ذات نظرة الإعجاب هذه؛ ولكنه من ناحية أخرى كان يخاف بريطانيا ويكرهها. واذا قدّرنا أنه هو نفسه كان يقاسي الكثير من مركّب النقص الذي أوجده فيه ما لقيه من اضطهاد على أيدي الموظفين الألمان, فليس من المدهش أن نجده يؤمن بأن بريطانيا تشترك ايجابياً في العمل لفشل كل الخطوات التي تستهدف اتحاد ألمانيا, ولهذا فقد اشتبك في نقاش عنيف مع الكثيرين من الإنكليز وبخاصة أولئك الذين كانوا ما زالوا يتبعون تعاليم آدم سميث Adam Smith ) ), الذي كان قد مات منذ زمن بعيد.
وقد نزل “ليست” أرض بريطانيا آملاً في أن يمهد الطريق لحلف ألماني ــ بريطاني, ولم يذهب خالي الوفاض بل أعد مذكرة طويلة عن هذا الحلف قدمها الى الأمير آلبرت, وإلى السير روبرت بيل رئيس الوزراء اذ ذاك, واللورد كلارندون وزير خارجية بريطانيا في حينه, كما قدم نسخة من مذكرته لملك بروسيا, وقد لقيَ “ليست” تشجيعاً من بنسين سفير بروسيا في لندن بل ومن بعض الدوائر البريطانية أيضاً, ولكن بيل, لم يقبل الفكرة, وهكذا رجع “ليست” الى ألمانيا في الخريف متهدم الصحة .. محطماً معنوياً, وعلى حافة المرحلة التي أدت الى انتحاره الذي حدث في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1846.
والواقع أنه توجد في مذكرة “ليست” بعض الأخيلة والتصورات في تقدير قيمة وظروف الحلف الإنكليزي ــ الألماني, ولكن ما من شك في أن هذه المذكرة توضح تفهماً دقيقاً للحقائق الستراتيجية التي كانت تواجه كلتا الدولتين في منتصف القرن التاسع عشر؛ وكبداية لايضاح هذا فإن “ليست” قد تنبأ بما وصل إليه السير هاليفورد ماكيندر([93]) بعد أكثر من نصف قرن من الزمان من أنه ليس للسيادة البحرية التي لبريطانيا كيان أبدي؛ كما فكر في أن تطور استخدام البخار في الخطوط الحديدية وفي السفن البحرية قد يعطي دول القارة الكثير من النفع بالنسبة للجزر البريطانية التي لم تكن تملك إذ ذاك شيئاً من هذا, كما قدر أن القوى المشرقة للأمم الأخرى وعلى الأخص الولايات المتحدة يكمن فيها ما يدل على أن السيطرة على البحار قد تكون موضع تهديد, وأنه بدون السيطرة على البحار لن يكون هذا النفع الذي تتمتع به بريطانيا بسبب موقعها البحري مستطاعاً في يسر. وقد تنبأ “ليست” أيضاً بأن الإتحاد حاصل بين الشعوب اللاتينية والسلافية عن طريق حلف فرنسي ــ روسي, وآمن بأن بريطانيا وألمانيا يجب أن تعملا للموازنة ضد مثل هذا الإرتباط بأن تتوليا قيادة الشعوب الأوروبية.
وكان “ليست” يؤمن بأن القوة المتحدة والتي تكوّنها الروسيا وفرنسا معاً ليس فقط ستهدد مصالح بريطانيا في أوروبا والشرق, بل وأنها على التأكيد ستدمر ألمانيا, ولكن بإتحاد ألمانيا وبريطانيا معاً ستستطيع بريطانيا أن تنتفع بقوة برية في القارة, كما أن ألمانيا سترحب بالإمدادات التي تجيئها من قوة ساحلية بحرية؛ وكل ما تطلبه ألمانيا من بريطانيا هو أن تتفهم مصالحها وأن تعاونها في فرض ضريبة معتدلة وقائية لحماية ألمانيا المتحدة, الأمر الذي بدا لــ”ليست” أنه ثمن صغير تدفعه بريطانيا من أجل الصداقة الألمانية. وإذا كان هذا سيقاوم من قبل أصحاب رؤوس الأموال التي تستثمر في الصناعة الإنكليزية, فمن الضروري أن تدرك بريطانيا حقيقة أهم وأكبر , وهي أن مركزها كقوة عالمية سيدعم ويقوى بل ويمتد.
ولكن “ليست” أخفق فيما أخفق فيه كثيرون, ولم يستطع أن يجد الصيغة التي تمكن من تحقيق تحالف انكليزي ــ ألماني؛ والواقع أنه سواء أكان للخير أم للشر, وللنفع أم للضرر, فانه لم يكن هناك من سبيل للإتفاق والتفاهم بين الدولتين على مصالح مشتركة بينهما, فضلاً عن وجود الكثير من العوامل المعنوية والنفسية التي كانت تسد طريق أي تفاهم تعاوني بينهما. ويرجع اخفاق “ليست” أيضاً الى أنه لم يكن ليستطيع في أشهر قليلة أن يزيل الضرر الذي سببه هو في أعوام بالدعاية المستمرة ضد بريطانيا.
خطوط السكك الحديدية وأهميتها العسكرية والإقتصادية
من إسهامات “ليست” في الستراتيجية الحديثة مناقشته لتأثير السكك الحديدية على تنقلات القوات العسكرية, وقد اتجه عن رغبه إلى دراسة موضوعات السكك الحديدية أثناء اقامته في أميركا عندما أسس إحدى أولى شركات سكك الحديد هناك Philadelphia and Reading Railroad Compagny ) )([94]). وإشترك في تنظيم شركة (شولكيل) للملاحة والخطوط الحديدية والفحم والتي كانت محاولة سابقة للتنظيم الحالي في مقاطعة ريدنغ Reading ) ), اضف ان الخطوط الحديدية كانت واحدة من هواياته التي شغف بها طيلة حياته.
وتملأ كتاباته عن السكك الحديدية مجلدين كاملين من مجموعة أعماله, وفي السنتين 1835 و1836 أصدر “جريدة السكك الحديدية” والتي خصصها للحديث عن إنشاء الخطوط الحديدية في ألمانيا, ولم يقم بجهد في أي أمر آخر كما في موضوع الخطوط الحديدية الألمانية. ذلك لأنه رأى ــ وكان مصيباً في رأيه ــ أن شبكة الخطوط الحديدية التي تتجمع في تنظيم وطني ستكون واحدة من القوى التي تدعم الوحدة الألمانية.
وكان من الضروري توقع عناية “ليست” بالتأثير الإقتصادي للسكك الحديدية, ومع أنه كان أصدق تقديراً من كل معاصريه في هذا الموضوع, الا أن الذي يثير الدهشة هو تفهمه العميق للتأثير الستراتيجي الذي سيكون لهاّ مستقبلاً, فقبل إستخدام السكك الحديدية كان موقف ألمانيا الستراتيجي أضعف المواقف في قارة أوروبا, ولذلك كانت هي ميدان القتال التقليدي لأوروبا, وقد رأى “ليست” قبل أي فرد آخر أن الخطوط الحديدية هي التي ستعدّل من هذا الوضع, وستجعل من موقع ألمانيا الجغرافي مصدر قوة بدلاً من كونه العامل الأساسي لضعفها العسكري, فسيمكن جعل ألمانيا موقعاً دفاعياً قوياً في قلب القارة, وستكون سرعة التعبئة وسرعة نقل الجنود من منتصف ألمانيا الى أي منطقة على حدودها المختلفة ذات فائده كبيرة لألمانيا أكثر مما لأي دولة أوروبية أخرى, هذا فضلاً عما للخطوط الداخلية من نفع إقتصادي كبير.
وقد كتب “ليست” أن شبكة جديدة من الخطوط الحديدية ستحول كل أرض ألمانيا إلى حصن قوي كبير يمكن الدفاع عنه بواسطة الكتلة البشرية التي تعيش فيها بأقل نفقات وبأقل اضطراب للحياة الإقتصادية في البلاد, وسيمكن عندما تنتهي المعركة اعادة الجنود الى مناطقهم بذات السهولة. ولكل هذه الأسباب وغيرها رأى “ليست” أن شبكة الخطوط الحديدية التي رسمها لألمانيا في عام 1833 ــ والتي هي سكك الحديد الحكومية في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ــ ستمكن جيش ألمانيا المتحدة في حالة الغزو من الأنتقال من أي نقطة في داخل البلاد إلى أي نقطة أخرى على الحدود بسرعة تُمكّن من مضاعفة الإمكانيات الدفاعية للدولة, وبذلك يمكن وقف عمليات الغزو المستمرة لألمانيا منذ مائتي سنة. وإذا كان هذا العامل سيجعل ألمانيا أقوى عشر مرّات في الدفاع فسيجعلها أيضاً أقوى عشر مرّات في الهجوم لو قامت بحرب هجومية, وان كان “ليست” قد ظن بأن هذه الحرب الهجومية غير متوقعة من جانب ألمانيا.
وفي اشارة لأهمية انشاء الخطوط الحديدية في ألمانيا يقول “ليست”: “ان كل ميل من الخطوط الحديدية تمده قبلنا أي دولة مجاورة يعطيها أفضلية علينا” ذلك لأنه “من الضروري أن نقرر بسرعة ما إذا كنا سنستخدم الأسلحة الدفاعية التي جاءتنا عن طريق التقدم التقني المتواصل أم نظل كما نحن, وذلك كما تُرك لآبائنا الأولين ليقرروا ما اذا كانوا سيستخدمون البنادق أم يبقون على تسليحهم بالقوس والسهم”.
ولكن “ليست” كان مخطئاً عندما ظن أن الخطوط الحديدية ستمكن الدول الأوروبية من أن تخفض أحجام جيوشها, فعلى النقيض من هذا, كما أوضحت الحرب الفرنسية ــ الألمانية في ما بعد, يسرت الخطوط الحديدية كل المشكلات العسكرية للأمدادات والتموين, ومكنت من تحرك جيوش كبيرة العدد بما تحمل من كميات كبيرة من الذخائر مما لم يكن لأي فرد في ما قبل أن يصدقه أو حتى يظنه مستطاعاً. وكان “ليست” أيضاً مخطئاً في تفكيره بأن انشاء الخطوط الحديدية سيجعل “العمليات الهجومية” غالية الثمن, وأن خطر الحرب سيقل بسببها. إلاّ إذا نظرنا لفكرته من زاوية إزدياد إمكانية الفتك المرتفع بالأرواح وهذا يمكن أن يكون رادعاً للحرب كما هو الحال في إستراتيجية الحرب الحديثة للدول الكبرى.
ولكنه كان على حق في تأكيده أن الخطوط الحديدية أقل تعرضاً للتدمير الحربي بالنسبة لما يلحق المنشآت العسكرية الدائمة, وهذه حقيقة أكدت عليها عمليات التدمير الجوي التي قام بها الألمان في إنكلترا, والعمليات الجوية التي قام بها الإنكليز والأميركيين في قارة أوروبا طوال الحرب العالمية الثانية. وهذا ما يفسر الأهمية التي توليها الدول, في الستراتيجية العسكرية الحديثة, لوسائل النقل السريعة التي تسمح في تخبئة الجنود وحمايتهم من هجوم مفاجيء, وفي نفس الوقت, في نقلهم بسرعة إلى مكان العمليات.
على أنه حتى قبل أن يكون لألمانيا نفسها شبكة من الخطوط الحديدية كانت أحلام “ليست” قد سارت به شوطاً بعيداً إلى ما وراء حدود ألمانيا متوغلاً في قلب باقي قارة أوروبا بل وفي آسيا, والواقع أن “ليست”, على ما يبدو, كان هو صاحب فكرة الخط الحديدي إلى بغداد, وفي مشروعه للحلف البريطاني ــ الألماني اقترح أن تدعم مواصلات بريطانيا إلى الهند والشرق الأقصى خطوط حديدية تمتد من القنال الإنكليزي إلى بحر العرب ؛ وقد كتب أن النيل والبحر الأحمر يمكن أن يكونا قريبين جداً من الجزر البريطانية كما كان الراين والألب في عصر نابليون, وأن يكون الطريق إلى بومباي وكالكوتا سهلاً ميسوراً كالطريق إلى لشبونة, ويمكن أن يتم هذا بمد شبكة الخطوط الحديدية البلجيكية الألمانية إلى البندقية ثم عن طريق البلقان والأناضول إلى الفرات والخليج العربي وتنتهي إلى بومباي, وأن يتجه خط فرعي سوري ليربط الخط الرئيسي مع القاهرة والسودان, وعلى أن يسير خط للمواصلات البرقية ملاصقاً للخط الحديدي وبذلك يكون “داوننغ ستريت” (مركز رئيس الوزارة البريطانية) على إتصال مباشر بجزر الهند الشرقية كما يتصل بجزر جيرسي وجونرسي في القنال الإنكليزي. وقد صور “ليست” أيضاً مشروع انشاء الخط الحديدي عبر قارة آسيا إلى الصين.
والواقع أنه لم يظهر في هذه المشروعات ما يمكن أن يعتبره “ليست” مخاطرة, أو أنه واسع الأطماع, وكانت, في تقديره, مثلها مثل المشروعات التي كانت تناقش في ذات الوقت في أميركا لمد الخطوط الحديدية من ساحل المحيط الأطلسي إلى ساحل المحيط الهادىء.
وكان من رأي “ليست”, أنه يجب, لضمان الأمن السياسي للأراضي التي ستمر عبرها هذه الخطوط الحديدية المقترحة, أن تشترك ألمانيا وبريطانيا في تحالف ايجابي في مناطق مصالحهما, كما أن امتداد حكم ألمانيا إلى كل تركية الأوروبية سيمنع تدخل أي دولة معادية للإمبراطورية البريطانية “لتعطيل مواصلات بريطانيا مع الهند والشرق الأقصى”. ويضيف “ليست” قائلاً “ان الملايين السبعين أو الثمانين من الألمان سيتمكنون من ضمان هذا الموقف, وعلى بريطانيا, من جانب آخر, أن تسيطر على كل آسيا الصغرى ومصر ووسط آسيا والهند, وهذه كلها منطقة فسيحة أكثر من أن توازن التهديد الذي ستجيء به قوة العالم الأميركي”.
وكان اقتراح “ليست” لسيطرة ألمانيا على تركية الأوروبية يرتبط بالطبع برغبته في رؤية هجرة واسعة المدى إلى مناطق الدانوب والبلقان, وبلا شك فإن كل خططه من أجل انشاء الخطوط الحديدية كانت إلى حد ما مرتبطة بآماله في ألمانيا الكبرى الموحدة وقد كتب عن هذا: “إن شبكة الخطوط الحديدية والضرائب الجمركية هما التوأمان السياحيان اللذان يولدان معاً ويرتبطان وثيقاً بروح واحدة ويدعم كل منهما الآخر ويتجهان إلى ذات الهدف العظيم ألا وهو توحيد الشعوب الألمانية في أمة ألمانية موحدة, قوية وموفورة الثروة, ولا يمكن بدون الضرائب الجمركية حتى مناقشة الخطوط الحديدية الألمانية فضلاً عن انشائها, وسيمكن بمعاونة الخطوط الحديدية الألمانية وحدها أن يتقدم الإقتصاد الإجتماعي للألمان إلى الذروة, وعن طريق هذه العظمة الوطنية وحدهـا يمكن لشبكة الخطوط الحديدية أن تحقق امكانياتها كاملة”.
تأثير الفكر الإقتصادي لــ”ليست” على بناء الوحدة الإقتصادية الألمانية عندما مات “ليست” في عام 1846 كان القليل من الاتجاهات التي قضى حياته يعمل لها قد أوشك أن يدرك نصيباً من النجاح.
كانت بريطانيا قد ألغت قوانين الحبوب([95]) وكانت الولايات المتحدة قد بدأت في تنفيذ تعريفة ووكر الجمركية([96]), وكان هذا يعدل من مبادىء السياسة الوقائية, كما أنه كان بلا شك خطوة نحو حرية التجارة, وكانت الصناعة قد تقدمت ببطء في ألمانيا, وكانت شبكة الخطوط الحديدية موجودة فقط على الورق, وكانت السياسة التحفظية لا تزال تحكم منطقة شرق الرين, وكنتيجة لهذا كله فان وحدة ألمانيا لم تكن قريبة المنال, وقد حمل “ليست” معه الى العالم الآخر نظرياته في الضرائب الجمركية تاركاً للمؤرخين أن يقدروا أهميتها في إيجاد ما سمي بعد هذا بالامبراطورية الألمانية.
ولكن تأثير “ليست” الفكري ما لـــبــث أن شقّ طريقه, الطريق الذي سار فيه الرجل نفسه في حياته. فبعد موته بعامين اثنين كانت الحركات الثورية تجتاج ألمانيا, وكان هذا إيذاناً بميلاد الأمل بأن الشعب الألماني سيكون دولة وطنية تحت سلطة متحررة, وهو أمر كان “ليست” يرحب به, ذلك لأنه كان مؤمناً بحكومة دستورية حرة من الطبقة الوسطى مع ضمانات كافية لحرية الأفراد.
ولكن ثورة عام 1848 أخفقت وأفسحت الطريق لسياسة الدم والحديد, “فإن الكثيرين من المواطنين الألمان الذين لهم طابعهم التحفظي والتقليدي قد تقبلوا تعاليم “ليست” الإقتصادية وان كانوا في ذات الوقت قد رفضوا نصائحه السياسية “عن التحرر وحقوق الفرد”, كما أن عدداً كبيراً من رجال الصناعة الألمانية ــ بغض النظر عن الآراء القومية أو السياسية ــ قدروا ما لمسوه من توافر وسيلة مخففة لمتاعب المنافسة البريطانية, أما أولئك الذين تقدمت بهم السن من الجيل التالي وعاشوا في وقت ازداد فيه تمجيد القومية, فانهم اتجهوا تدريجياً لتقبل كل الآراء التي جادل ليست من أجلها طويلاً, وفي عام 1880 كانت الحكومة الألمانية تحت القيادة الاسمية لبسمارك تسير بقدم ثابته في الطريق الإقتصادي الذي أضاءه فريدريك ليست([97]).
والحقيقة أن بسمارك وخلفاءه قد ساروا إلى أبعد مما كان “ليست” يمكن أن يسير,أي في اتجاه القومية الإقتصادية والكفاية الإقتصادية الذاتية كسياسة وطنية لألمانيا. لقد كان “ليست” يعارض دائماً فرض رسوم على الواردات من المواد الغذائية ولكن النظام الجمركي الألماني في تطوره طوال حكم الإمبراطورية استهدف في صورة عامة حماية ملاكي الأراضي ورجال الصناعة, الذين كانوا يقفون جنباً إلى جنب متعاونين في الإقتصاد القومي وفي سياسة الجندية والبحرية والإستعمار. ولربما كان “ليست” فكّر في فرض رسوم جمركية على الحبوب, ولكن من الصعب القول أنه كان يعترض على روح وأغراض خطاب المستشار كابريفي في مجلس الرايشتاغ في العاشر من كانون الأول 1891 عندما قال: “ان كيان الدولة ووجودها سيكونان في خطر عندما لا تكون في موقف يمكنها من الإعتماد على مواد تموينها الخاصة, وإعتقادي القوي هو أننا لا نستطيع الحياة دون ان ننتج من القمح ما يكون كافياً عند الطوارىء, أي في حال الحرب, لإطعام سكانها الذين يتزايدون, وأومن بأن السياسة الحكيمة لألمانيا هي أن تعتمد على زراعتها الخاصة أكثر من إعتمادها على تقديرات غير موثوق بها لمعاونات من طرف ثالث في حالة الحرب. ان إعتقادي الذي لا أتردد في التمسك به هو أنه في حال أي حرب مقبلة ستلعب تغذية الجيش والأهلين دوراً حاسماً”([98]).
وقد وضع الكثير من اتجاهات السياسة الإقتصادية للرايخ الثاني([99]) على أساس الحقيقة التي لا شك فيها وهي أنه, عاجلاً أم آجلاً, ستشتبك ألمانيا في حرب لتدافع عن كيانها ولتكسب لها مكاناً بارزاً تحت الشمس. وللتأهب لمثل هذا الحادث آمن الساسة الألمان بأنهم يجب أن يعتمدوا على قوة ألمانيا الموروثة أكثر من إعتمادهم على النوايا الطيبة لجيرانهم, وأكبر من إعتمادهم على مواصلاتهم غير المؤكدة مع ما وراء البحار .. وقد يكون سياسيو عصر ألعسكريتاريا الألمانية قد أجرموا بتغيير طابع وصورة بعض آراء “ليست”, ولكن لو كان ليست قد عاش لكان قد تفهم تماماً اللغة التي تحدّثوا بها, ولكان قد تفهم أيضاً دوافع الكفاية الذاتية التي كانت هدف سياسة الإقتصاديات العسكرية التي إتبعها النازيون, وان كان بلا شك قد عارض اغفال هملر لحقوق الإنسان.
ومن سوء الحظ أيضاً أن “ليست قد وضع الأساس لبعض الأفكار الرئيسة في العقيدة الألمانية وفي الإشتراكية القومية مثل: “المجال الحيوي”, “الإتساع الإستعماري”, “عدم أبدية الحدود”, “ارتباط الألمان المغتربين بوطنهم الأصلي في ألمانيا”, “الرغبة في تكوين كتلة في قارة أوروبا ضد القوة الأميركية ــ الإنكليزية”.
لقد كان “ليست” صورة بارزة في ميدان العمل لإحياء “سياسة التجارة” في العصر الحديث, ومهما كانت فضائل أو سيئات هذه السياسة في القرنين السابع عشر والثامن عشر, فان الصورة التي شهدها القرن العشرون لها تعتبر قوة ملتهبة لعالم شهد حروباً مميته لم يشهدها في القرون الأخرى.
إن “سياسة التجارة” الحديثة أكثر خطورة من سابقتها؛ ذلك لأنها تعمل في مجتمع أكثر تنظيماً وارتباطاً وتشابكاً, انها الخيوط المتشابكة التي تكون الحرب وتعمل لها إلى حد كان من الضروري أن يخجل أصحاب هذه السياسة من القدامى, لقد جندت (قوة الدولة) لزيادة قيمة وايضاح بهاء ورونق (دولة القوة), ولقد قويت كل الآراء والنظريات القديمة ودعمت بآراء ونظريات جديدة مستحدثة؛ وهكذا يعرف العالم اليوم “المقاطعة”, “الحصار الإقتصادي”, “تدمير البنية التحتة”, “تحديد الأنصبة في التعامل” “الكوته”, “تحديد التموين بالبطاقات”, “تخزين المواد الخام والمخزون الستراتيجي”, ثم “المنح المالية التي تعطى لدولة ما لتشتبك في الحرب ضد دولة أو مجموعة أخرى من الدول”.
وتبعاً للإتجاه الإقتصادي القومي في السنوات الخمسين التي بدأت عام 1870 جاءت صور جديدة الى العالم “الإقتصاد الجماعي المطلق”, “الحكومة المطلقة”, “الحرب الشاملة” وقد جاءت كل هذه الصور متشابكة بعضها ببعض إلى حد أنه من المحال معرفة ما هو السبب؟ وما هو التأثير؟ فبإسم الأمن القومي امتدت السلطة السياسية إلى كل نواحي النشاط البشري وخصوصاً الإقتصادي.
وكنتيجة لا يمكن تجنبها جاء انفجار عام 1914 وانفجار عام ,1939 وحروب ما بعد الحرب الكبرى تأخذ في أكثر الأحيان الطابع القومي, كحروب الشرق الأوسط والخليج وأميركا الوسطى وإلى آخره من الحروب التي ليست في الواقع إلاّ حروب تكمن خلفها الأسباب الإقتصادية من أسواق ومواد أولية, أو بإختصار النفوذ إذا رجعنا إلى فكرة القوة في أوروبا في القرن التاسع عشر.
الخلاصة
إن تفكير فريدريك ليست الإقتصادي الألماني كان يقوم على أساس حقيقة أنه كان مواطناً لدويلة من دويلات ألمانيا الممزقة, وكان همه الرئيسي, إن لم نقل الوحيد, هو توحيد ألمانيا إقتصادياً أولاً وسياسياً ثانياً. وبإيحاء منه تأسس التجمع العام للصناعيين والتجار في عام 1819. هذا التجمع أدى فيما بعد إلى الإتحاد الجمركي بين المقاطعات الألمانية Zollverein)) لذي يعتبر المرحلة الحاسمة نحو الوحدة الإقتصادية الألمانية. ونشر كتابه:
“Systéme national d'économie politique” في عام 1841 وأصبح مشهوراً لمعارضته العنيفة لنظرية ريكاردو للتبادل الحر ومدافعته عن الحمائية, خصوصاً ضرورتها في مرحلة التصنيع الأولى للإقتصاد الوطني.
لقد فهم “ليست” ان قوّة الوطن تبنى على أسس اقتصادية, لذلك وقف في جانب تنظيم اقتصادي يواجه احتياجات وطنه أكثر من أي نظام آخر. من هنا نجد تفسيراً للموقف الحاد الذي تبنّاه في مواجهة المدرسة الإقتصادية البريطانية, رافضاً جميع الأفكار الإقتصادية البريطانية, معتبراً إياها جزءاً من سياسة السيطرة التي تتبعها بريطانيا بالذات, بما تمتلكه من قدرة على منافسة البلدان الأقل تطوّراً منها. لذا يرى ان الإختلاف في الوضع الإقتصادي للأمم. يفرض على الضعيفة منها سياسة حماية قطاعات إقتصادها, لأنها والحالة هذه لا تكون قادرة على منافسة البلدان الأكثر تطوّراً منها.
وإذا كنا نريد أن نأخذ درساً من أفكار “ليست” فأوّلها ان الهمّ الأساسي الذي يجب أن يحضى باهتمام الإقتصاديين في بلادنا, يتعلّق بمصلحة الوطن لا الأفراد, لأن الوطن وحده يبحث عن كيفية خلق الثروة, بينما الأفراد يبحثون عن الثروة فقط. وبالتالي فإن مصلحة الافراد ورفاههم مرتبطان بمصلحة الوطن ورفاهه.
[1] نستعمل هنا وطني وقومي بمعنى واحد, بلا أحكام تسويغية أو تقديريّة: الأمة هي التي تقبل في عدادها كلّ أفرادها, وكذلك القبيلة والشعب. المسألة, هنا, مسألة معايير ومقادير لا مسألة تقويم. أُنظر: د. خليل أحمد خــلــــيــل, معجم مفاهيم علم الإجتماع, معهد الإنماء العربي, بيروت, لبنان, 1996, ص. 136.
[2] René GONNARD, Histoire des doctrines économiques, Paris,1930
[3] معمورة, الجزء المسكون من الأرضدkoumène ou ècoumène:
[4] د. عادل أحمد حشيش, تاريخ الفكر الإقتصادي, دار النهضة العربية, بيروت, 1974, ص.247.
[5] Joseph Alois SCHUMPETER, History of Economic Analysis, Allen Unwin, London,1954.
[6] Henri DENIS, Histoire de la pensée économique, P. U. F., Paris,1974, pp. 474 - 475.
[7] Emile JAMES, L'Histoire des théories économiques, Flammarion, Bibliothèque de philosophie scientifique, Paris,1950.
[8] الحمائية Protectionnisme)) و مذهب الحماية الجمركية: مذهب إقتصادي يراد به حماية السوق الوطنية من المنافسة الأجنبية أو يراد به زيادة حصيلة الضرائب الجمركية للدولة وذلك اما بحظر استيراد بعض البضائع أو باخضاعها لرسوم جمركية باهظة.
[9] Gérard Destanne de BERNIS, Préface, in Monique ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, Friedrich list, Presses Universitaires de Grenoble, 1982, p. 3, note 1. Cf. aussi p.137.
[10] Johann Gottlieb FICHTE (1800), Der geschlossene Handelsstaat. Dans ses Werke,,t. III, Leipzig, 1910. Traduction française, L'Etat commercial fermé, Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence, Paris, 1940.
[11] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT (1851) , Ed. Gallimard, Coll. Tel, n° 297, Paris, 1998, pp.234 - 249.
[12] توماس روبير مالتوس (Thomas Robert MALTHUS, 1766-1834) درس الرياضيات والفلسفة. إنضم إلى الكنيسة الإنكليزية ثم أصبح أستاذاً للإقتصاد السياسي. إقترن إسم مالتوس بما كتبه عن السكان, حيث يرى أن قدرة الإنسان على إنتاج السلع الغذائية تقل عن قدرته على التكاثر. ويعبر عن ذلك بقوله أن السكان في أي مجتمع يزيدون وفقاً لمتوالية هندسية Selon une progression géométrique) ) ينما تزيد الموارد الطبيعية الضرورية لمعيشة الإنسان وفقاً لمتوالية حسابية .Selon une progression arithmétique) )لذلك تعمل الطبيعة على تحقيق التوازن بين حجم السكان وحجم الموارد عن طريق الأوبئة والحروب والكوارث الطبيعية (ويسميها مالتوس بالموانع الموجبة).
[13] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., pp. 244-246.
[14] Gérard Destanne de BERNIS, Préface, in Monique ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, Friedrich list, op. cit., p. 3.
[15] Daniel VILLEY, Petite histoire des grandes doctrines économiques, Editions M.-TH. Génin, Paris, 1964, p. 122.
[16] وقد كانت ألمانيا بلد فريدريك ليست في القرن التاسع عشر من الدول التي تدخل في عداد هذا الوصف.
[17] د. عادل أحمد حشيش, تاريخ الفكر الإقتصادي, دار النهضة العربية, بيروت, 1974, ص ص. 246247.
[18] د. عادل أحمد حشيش, تاريخ الفكر الإقتصادي, دار النهضة العربية, بيروت, 1974, ص. 247.
[19] راؤول بريبيش (Raoul Prebisch, 1901-1987) المستشار الإقتصادي للأرجنتين والسكرتير العام لمؤتمر هيئة الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (CNUCED, 1964-1969). في هذا المؤتمر بيّن أن هناك إتجاه ثابت نحو أن تتحول التجارة الدولية في غير صالح المنتجات الزراعية للدول النامية, وأنه من المفيد لهذه الدول أن تتجه نحو التصنيع في ظل الحماية الجمركية. كذلك قدم اقتراحات حول تحسين مداخيل البلدان المصدرة للمواد الخام وزيادة المساعدات والتوسع في إستيراد السلع المصنوعة من الدول النامية. د. عبد العزيز فهمي هيكـــل, موسوعة المصطلحات الإقتصادية والإحصائية, دار النهضة العربية, بيروت, 1986, الصفحة 667. أُنظر أيضاً:
Alain GELEDAN et alii (dirigé par), Histoire des pensées économiques, Les contemporains, Editions Sirey, Paris,1988,pp.514
[20] حول تطور مكانة فريدريك لـــيــــســـــت في الفكر الإقتصادي, أنظر:
Gérard Destanne de BERNIS, Préface, in Monique ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, Friedrich list, Presses Universitaires de Grenoble, 1982, pp. 3-01 & p. 32.
[21] Bouvier Jam, Frédéric list, sa vie, son oeuvre et son influence, Editions du Rocher, Monaco,1953.
[22] كان عدد الدويلات الألمانية يبلغ أكثر من مئة دويلة قبل العام 1789 (تاريخ الثورة الفرنسية) وبلغ 39 دويلة بعد مؤتمر فيينا ومعركة واترلوا عام 1815. وما يعنينا هنا أن ضمن هذا الإتحاد الكوفدرالي كانت كل دويلة تتمتع بحريتها الجمركية ولها تعريفتها الجمركية الخاصة بها.
Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, (Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT, Ed. Gallimard, Coll. Tel, n° 297, Paris, 1998, pp.39-40, note 1). من أجل الإطلاع على مراحل الوحدة الألمانية من الوجهة التاريخية. أُنظر د. حسين علي ظاهر, تطور العلاقات الدولية من وستفاليا حتى فرساي, دارالمواسم, بيروت, 1999,
ص ص. 224240.
[23] هنري شارل كاري (Henry Charles CAREY, 1793-1879), إقتصادي أمريكي كان أحد المدافعين عن التبادل الحر في البداية, ولكنّه دعا فيما بعد إلى حمائية تطبق على الزراعة والصناعة. هذه الحمائية حسب رأيه, سوف تحقق الإستقلال الإقتصادي للولايات المتحدة عن بريطانيا. وإعتبر أن بلاده يجب أن تكون قاعدة أو أساس لإقتصاد وطني قوي, قبل أن تواجه منافسة الدول الأكثر تقدماً. وعلى أساس نظريته بنى الإقتصادي التشيلي راؤول بريبيش
Raoul Prebisch) ) طالبته, في عام 1960, بحق الدول النامية في حماية صناعتها الناشئة. أنظر: زكريا فوّاز, “الغات في ضوء تطور الفكر والوقائع الإقتصادية”, مجلّة إتجــــاه, العدد التاسع, السنة الثانية, نيسان / أيار, 1998, بيروت, ص ص. 260277, الهامش رقم 20 & 21 & 22 وص. 266.
[24] Henri DENIS, Histoire de pensée économique, Presses Universitaires de France, Paris, 1974, pp. 474-574.
[25] الجنرال لافييت Général La FAYETTE,1757-1834) ) هو الجنرال الفرنسي الذي آزر الثورة الأمريكية, دعاه للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أُنتزعت من ليست جنسيته الوطنية (Bouvier Jam, Frédéric List, sa vie son oeuvre et son influence, op. cit., pp. 52-26)
[26] أنــدرو جــاكــسون (Andrew JACKSON, 176701845), أختير رئيساً سابعاً للولايات المتحدة عام 1828. وقد صوت الناخبون لجاكسون على أساس أن إختياره نصراً للرجل الأمين ضد جماعة من الأرستقراطيين والسيـاسيين الفـاسدين وكـان إختيـاره هو أول نجـاح للمجموعة الديمقراطية لتصل بممثلها إلى البيت الأبيض. عُرِف بإنتمائه العائلي المتواضع. إمتـاز بقوة شخصيته وبــإرادته للتوسع والحمـائية المغلقة للإقتصـاد.
ROBERT 2, 8ème édition, 1984, p. 918) )
[27] بادن بادن Baden Baden) ) ولاية ألمانية أرضها جبلية وتغطي الغابه السوداء جزءاً من أرضها, تشتهر بالمياه المعدنية والصناعات وقد أعلن فيها الحكم الجمهوري سنة 1919, في أعقاب الحرب العالمية الأولى وسكان الولاية حوالي المليونين. وبادن المدينة على الضفة اليمنى لنهر الراين ويسكنها حوالي أربعون ألفاً. وكانت بادن المدينة مسرحاً لكفاح الطبقات الذي إنتشر في أكثر بقاع أوروبا بين العام 1848 و1850.
[28] Monique ANSON-MEYER, Un économiste du développement au XIXème siècle, Friedrich list, Presses Universitaires de Grenoble, 1982, p. 30.
[29] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 30
[30] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p.23.
[31] حسب قول الدكتور جورج ديب. ذكرها د, أنطوان مسرّة, في تحقيق أجراه يقظان التقي, “أي دور لعبه المثقف اللبناني في ترسيخ الظواهر الطائفية ؟”, جريدة المستقبل, يومية لبنانية, الإثنين, 6 آذار, 2000. ص. 18.
[32] Friedric LIST(1841), Système National d'Economie Politique, Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT (1851) , Ed. Gallimard, Coll. Tel, n°297, Paris, 1998, p. 40 & pp. 259 – 296.
[33] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, Ed. Gallimard, Coll. Tel, n° 297, Paris, 1998, p. 41.
[34] قومي, قوميّة, أُمّة,] وطن[ Nation) National, Nationalisme, ): بالمعنى الإجتماعي السياسي الحديث, هي مجموعة من الشعب, أو أقوام (إثنيّة واحدة, بلا دلالة عرقيّة حصريّة) يعيشون في نطاق بلد جغراسيّ واحد, ولهم لغة قوميّة وثقافة أو ثقافات فرعيّة مشتركه. بتعبير آخر الأمّة هي المتحد الإجتماعي, الإيلاف الجامع للأفراد. القوميّة هي صفة القوم المجتمعين في متّحد, المؤتلفين في جماعات منتظمة وكامنة, المعبّرين عن كيانهم السياسي في دولة ] أو في وطن[ ذات سيادة؛ والقومي هو المنتسب إلى قوم وقوميّة, مثل الوطني المنتسب إلى وطن ووطنيّة. الشخصيّة القوميّة: جملة المزايا والسمات المشتركة بين أفراد متحدّ أهلي, التي تميّزهم وتطبعهم بطابع حضاري, ثقافيلغوي, معيّن. في ] علم[ الإقتصاد, يقال الدخل القومي على كلّ مداخيل الأمة؛ والحساب القومي على كل حسابات الأمة. نستعمل هنا وطني وقومي بمعنى واحد, بلا أحكام تسويغية أو تقديريّة: الأمة هي التي تقبل في عدادها كلّ أفرادها, وكذلك القبيلة والشعب. المسألة, هنا, مسألة معايير ومقادير لا مسألة تقويم. أُنظر: د. خليل أحمد خــلــــيــل, معجم مفاهيم علم الإجتماع, معهد الإنماء العربي, بيروت, لبنان, 1996, ص136.
[35] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 14.
[36] وردت الكلمة في نصوص ليست الأولى باللغة الإنكليزية والكلمة تعني في إستعمالاتها في القرن التاسع عشر “الشيء الذي يتبع العالم كلّه ولا يرتبط بالعادات المحلية أو القومية” ولو اخترنا كلمة تناسبها في علم الإقتصاد المعاصر وتؤدي نفس المعنى لكانت كلمة Mondialisée) )
أوMondialisation) ) أي “العولمـــة”. كان الإصطلاح “الإقتصاد السياسي اللاقـــومي” هو وصف ليســت لكتابات آدم ســميــث Adam SMITH) ), جان باتيست ســـي
Jean-Baptiste SAY) ) وغيرهم من الذين يسميهم ليســــت في كتاباته بإختصار بــ”المدرسة” L'Ecole) ) وهي المدرسة الليبرالية الكلاسيكية التي تحكمت في الفكر الإقتصادي في القرن التـاسع عشر وما يزال تـأثيرهـا مستمراً حتى اليوم. أُنظر:
(F. LIST, Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 41 & p. 43, note 5 & pp.233-942).
[37] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, Ed. Gallimard, Coll. Tel, n° 297, Paris, 1998, pp.41-42.
[38] أ نظر: زكريا فــواز (2000): “الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية : دراسة في فكر آدم سميث”, في الدفاع الوطني اللبناني, العدد ,33 حزيران 2000, قيادة الجيش البناني, مديرية التوجيه, اليرزة, لبنان, 2000, ص.ص.6063.
[39] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., pp.46-47.
[40] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 2. & Friedrich LIST (1841) Système National d'Economie Politique, op. cit. Préface de l'Auteur, p 47.
[41] Thomas COOPER (1759-1835), médecin et agitateur, est né britannique et mort américain. Sitot acheveés ses études de médecine ˆ Oxford, il se mêla de politique, et s'opposa ˆ Burke au sujet de la Révolution française. Dégoûté par les excès de la Terreur en France et de la Réaction en Grande-Bretagne, il décida de s'installer aux Etats-Unis pour se fixer finalement en Caroline du Sud. Devenu l'ami personnel de Jefferson, il s'engagea dans la campagne contre la hausse du tarif douanier en 1827 puis Thomas Cooper n'a pas soutint Calhoun lors de la querelle de l'annulation en 1832. véritablement écrit de traité résumant sa doctrine, mais on dispose de ses Lectures on the Elements of Political Economy (1826). F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 237, note 80.
[42] Friedrich LIST, American System (outlines of Political Economy) , in National Gazette of Philadelphia, 18 août - 27 novembre 1827, in M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., pp. 26-27.
[43] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 28. & Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., Préface de l'Auteur, p. 53
[44] Friedrich LIST, Le Système Naturel d'Economie Politique, Académie des Sciences morales et Politiques, Paris, 1837.
[45] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT, Ed. Gallimard, Coll. Tel, n° 297, Paris, 1998, 573 pages.
بعد ظهور كتابه هذا ونجاحه ــ إذ صدرت الطبعة الثانية منه بعد 4 أشهر من الأولى ــ بعد نجاحه هذا, أعاد له غليوم الأول جنسيته الألمانية .M. ANSON-MEYER, op. cit., p. 29.)
[46] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT, op. cit., p. 46 & pp. 206-207.
[47] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 14.
[48] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 18. & F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, Traduction de l'Allemand par Henri RICHELOT, op. cit., Préface, note 1, pp. 39-40.
[49] DREYFUS, Histoire des Allemagnes, Armand Colin, Collection U, Paris, 1972, p.189, in M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p. 18.
[50] كان ليست List) ) من مؤسسي إحدى أولى شركات سكك الحديد في أمريكا Railroad Compagny) Philadelphia and Reading ).. أنظر مؤلفاته بهذا المجال:
(M.ANSON-MEYER, op. cit., p. 27 & F. LIST, op. cit., pp. 48-49)
[51] بيسمارك Otto Von BISMARCK, 1815-1898) ) , مستشار بروسيا, ثم ألمانيا الموحدة (المستشار الحديدي) الذي خطط للوحدة الألمانية في سلسلة حروب متتالية (ضد الدنمارك ثم النمسا ثم فرنسا (فيما بين 1865 و1871). وخطط أيضاً لكلّ من استكمال الثورة الصناعية / العلمية لألمانيا وتوسعها الإستعماري البحري فيما وراء البحار. أُنظر: فيليب تــــايــــلـــور, ترجمة سامي خشبة, قــصــف العــقــول, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, سلسلة عالم المعرفة, العدد 265, الكويت, نيسان 2000, ص. 399, الهامش رقم 12.
[52] يقسم تاريخ ألمانيا كما يلي:
- لرايخ الأول الامبراطورية الرومانية المقدسة منذ إنشائها في القرن التاسع الميلادي إلى إنتهائها في عام 1806.
- الرايخ الثاني: وهو عصر الامبراطورية الألمانية من عام 1871 إلى عام 1919.
- جمهورية فيمار République de Weimar) ) وهي الجمهورية الألمانية من عام 1919 إلى العام 1933.
- الرايخ الثالث: وهي الدولة الألمانية من عام 1933 إلى العام 1945 عهد صعود النازية.
[53] أُعتُبِر ليست List )) في نظر الكثيرين من دعاة الإتساع الألماني ــ وحتى في نظر النازيين أنفسهم ــ كالقديس الذي يحمي الدولة.
[54] MILWARD & SAUL, The economic development of Continental Europe, 1780-1870, Allen & Unwin, London, 1973, pp. 368-370.
[55] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 96.
[56] M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., p.37.
[57] الذرائعية Pragmatisme) ) أو البراغماتية (المذهب البراغماتي): نظرية فلسفية في المعنى, والحقيقة, والقيمة, خلاصتها أن الآثار الملموسة إمبيريقياً والمتضمنة في فكرة ما أو في قضية معينة, هي التي تكون معنى القضية, وتعتبر في نفس الوقت معياراً لصدقها. وتنظر النظرية البراغماتية القيمية إلى المنفعة, على أنها المعيار الرئيسي لكل قيمة. ويعتبر كل من شارلز بيرس, وويليـام جيمس, وجون ديوي رواد البراغماتية الأول. أُنظـر: د. محمد عاطف غــيـــث, قاموس علم الإجتماع, الهيئة المصرية العامة للكتاب, مصر, 1979, ص.ص. 344 345.
[58] DROZ, Le romantisme allemand et l'Etat, Payot, Paris, 1966.
[59] RANDAK, Friedrich List und die wissenschaftliche wirtschafts-politick, Sonderreihe der Lists Gesellschaft, E. V. Kyklos Verlag, Bâle, 1976, p. 26. in M. ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, op. cit., pp.47-48.
[60] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., Livre II, Chapitre V, p.295.
[61] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p.307.
[62] F. LIST(1841), Système National d'Economie Politique, op.cit., p.96 & p.99 & 108.
[63] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 99.
[64] F. LIST) 1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 225.
[65] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 223
[66] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 225.
[67] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op.cit., pp.98-99 & p.281.
[68] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op.cit., p.41 p.98.
[69] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., pp. 97-98.
[70] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 303.
[71] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 302.
[72] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 302
[73] قارن بين رأي لـيـســت عن القوة الإنتاجية ورأي آدم ســمــيــث الذي يرى بأن قدرة أمة ما على الإنفاق على الحرب إنما تقاس أحسن ما تقاس بقدرتها الإنتاجية. أُنظر: زكريا فــواز
(2000): “الأسس الإقتصادية للقوة العسكرية: دراسة في فكر آدم سميث”, في الدفاع الوطني اللبناني, العدد 33, حزيران 2000, قيادة الجيش البناني, مديرية التوجيه, اليرزة, لبنان, 2000, ص. 65.
[74] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 106
[75] Friedric LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 119 & 140. Sur la Bourgeoisie commerçante, Cf. Monique ANSON-MEYER, un économiste du développement au XIXème siècle, Friedrich list, op. cit., p. 45.
[76] Friedrich LIST, Le système national d'économie politique, p. 119 & 140.
[77] F. LIST (1841) Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 99.
[78] Friedrich LIST, Le système national d'économie politique, p. 168-169 &.118-119.
[79] Friedrich LIST, Le système national d'économie politique, p. 113-114.
[80] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 297..
نستطيع ان نتهم كل نظرية إستخدمتها النازية إيديولوجياً بالسيئة ونستطيع أن نلطخ كل العلوم والحجج التي أجادت إستعمالها بكل العـــار... ولكن الوقائع تثبت في العصر الحالي أن كثيراً من النظريات التي أُتهمت في الماضي بالنازية تُستعمل ذاتها, في الوقت الحالي وفي بعض المجتمعات الغربية, وبطرق لا يشعر بها أحد بأنها هي نفسها التي إستعملتها الدولة الهتلرية. وبهذا الصدد أن كل التكتلات الإقتصادية الحالية نابعة من دوافع إقتصادية تحتم تكبير المساحة الإقتصادية للبلدان وحتى أن “التكتل الإقتصادي” أصبح ضرورة إقتصادية في العصر الحديث.
[81] F. LIST (1841) Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 296.
[82] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 296.
[83] “المجال الحيوي” إذا إستعملت ألمانيا النازية هذا المطلب وحاولت الحصول علية “بشرعية القوة” فإن دولاً كثيرة وصلت إلى نفس الهدف ولكن بطرق أخرى:
وضع اليد على بترول الدول العربية والتعامل مع هذه الدول أليس يعني نفس المنطق؟
التعامل الأمريكي مع دول أمريكا اللاتينية ألا يعني أن هذه الدول تعتبر مجالاً حيوياً للرأسمالية الأمريكية: من حيث المواد الأولية ومن حيث كونها سوق للبضائع الأمريكية؟
الضفة الغربية عدا المطالب الإسرائيلية في الأرض ألا تعتبر مجالاً حيوياً للإقتصاد الإسرائيلي: 1 من حيث اليد العاملة الرخيصة 2 من حيث أنها سوق للبضائع الإسرائيلية 3 من حيث كونها وسيلة للوصول إلى مجال حيوي أوسع وهو أسواق الدول العربية الأخرى...
[84] F. LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 297.
[85] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 298.
[86] كان يركز ليست على أهمية الحدود الطبيعية, ولسبب غير واضح كان ليست متأثراً بفكرة أهمية الأنهار كحدود طبيعية
(F. LIST, Système National d'Economie Politique, op. cit., p. 297)
[87] F. LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., pp. 296-298.
[88] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op.cit.,pp.156-157.
[89] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., pp.556-557.
[90] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., p.559 pp.545-562.
[91] Friedrich LIST (1841), Système National d'Economie Politique, op. cit., p.560.
[92] Friedrich LIST (1841) , Système National d'Economie Politique, op. cit., pp.560-562 cf. note 9.
[93] سير هيلفورد جون ماكيندر (18611947) جغرافي تعلم في أُكسفورد, اقترح في عام 1895 إنشاء جامعة لدراسة الجغرافيا الطبيعية والبشرية وقد أُجيب على إقتراحه وانشئت الجامعة في أكسفورد بعد عدة أعوام. وفي عام 1899 قاد رحلة كشفية إلى جبال كينيا ووصل إلى قمة “باتيان” على ارتفاع 17000 قدم من سطح البحر. تولى تدريس علم الجغرافيا في جامعة لندن ثم تولى رياسة مدرسة العلوم الإقتصادية والسياسية, ومن أشهر مؤلفاته “وادي الراين وتاريخه نشرت سنة 1908” ثم ثماني “محاضرات عن الهند سنة 1900”. أهم أعمال ماكيندر هي نظرياته في علم “الجيوبوليتكس” سياسة الكرة الأرضية, ولعلّه هو الذي أوجد هذا العلم وإن كان خير من انتفع منه وزاد من نطاق دراسته هو الجنرال كارل هوزهوفر الألماني.
[94] أنظر مؤلفاته في مجال السكك الحديدية: (M. ANSON-MEYER, op. cit., p.72 & F. LIST, op. cit., pp. 48-49)
[95] زكريا فــــواز (1998), “تنظيم التجارة الدولية في ضوء تطور الــفـــــكر والوقائع الإقتصادية”, في مجلة الحـياة النيابـيـة, المجلد(29), كانون الأول (ديسمبر) 1998, المديرية العامة للدراسات و الأبحاث, المجلس النيابي اللبناني, بيروت, ص ص. 5066. & زكريا فــــواز
(1998), ““الـــغــات” في ضوء تطور الــفـــــكر والوقائع الإقتصادية”, في مجلة إتـــجـــاه, العدد التاسع, نيسان / أيار 1998, ص. ص.260277.
[96] وضعت الولايات المتحدة أول تعريفة جمركية عام 1789 أصلاً للحماية وظلت الفكرة كذلك حتى عام 1816, وجاءت أول حركة وقائية هامة في الفترة من عام 1816 إلى عام 1828 لحماية صناعة النسيج في نيو إنغلند, وصناعة الحديد في بنسلفانيا كما كانت غير هذه من البضائع تتطلب الوقاية ضد سيل البضائع الأوروبية, وقد وصلت الرسوم إلى أعلى حد عام 1828 ثم عادت في عام 1832 إلى مستوى عام 1824؛ على أنه إذا كانت الضرائب الجمركية هي أهم أسباب حرب الإستقلال فقد بدا أنها ستكون السبب في أن تتعرض الجمهورية الصغيرة للثورة الأهليةً؛ وفي عام 1833 خفضت الرسوم بنسبة 20% لما كان عليه في العام السابق ثم إستمر التخفيض تدريجياً حتى عام 1842 وكان هذا كله بتدابير سياسية وإن كانت فكرة الحماية والوقاية للصناعات الأمريكية لم تغب قط عن التقدير؛ ولم يكن كالهون مخطئاً عندما قال إن قانون عام 1842 مر في دوائر الكونغرس لا لأن أرباب الصناعات يريدونه بل لأن السياسيين هم الذين أرادوه. وقد استمرّت تعريفة عام 1846 موضع التنفيذ حتى عام 1857 ثم خفضت إلى الحد الذي قيل عنه وبسببه أن الولايات المتحدة تقترب من مبدأ حرية التجارة كما كانت حالها في عام .1816
[97] C. J. HAYES, The Historical Evolution of Modern Nationalism, New York, 1931, pp.272-2723.
[98] W. H. DAWSON, The Evolution of Modern Germany, New York, 1908, p. 248.
[99] راجع الهامش رقم 51 حول تقسيم تاريخ ألمانيا إلى رايخ أول, رايخ ثانٍ ورايخ ثالث.