إشكاليات

هل بات قريبًا اليوم الذي يودّع فيه اطفالنا الحقيبة الثقيلة؟
إعداد: دموع يوسف الحلاق

بفعل التطوّر السريع الذي شهدته، دخلت التكنولوجيا الحديثة بقوة في مختلف الميادين والقطاعات، ومن بينها قطاع التعليم الذي استفاد من الإنجازات المذهلة في العالم الرقمي.
لقد باتت الحواسيب اللوحية بديلًا من الكتب في العديد من الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وكذلك في بعض البلدان العربية مثل الإمارات والسعودية إضافة إلى لبنان، وإنما ضمن نطاق محدود.
فهل بات قريبًا اليوم الذي يودّع فيه أطفالنا الحقيبة الثقيلة؟

 

التعليم لم يعد كما كان
دخول التكنولوجيا إلى مجال التعليم حتّم تعديلات مهمّة في النظم التعليمية، إن لناحية طرق التدريس أو لناحية الوسائل المستخدمة في العملية التعليمية، وأيضًا في ما يتعلق بدور المعلّم في هذه العملية. وقد أجريت دراسات عديدة في السنوات الأخيرة حول الآثار المترتّبة على استخدام التكنولوجيا في التعليم، وما توفّره من إيجابيات، إضافة إلى ما قد يعترضها من معوقات، خصوصًا في ما يتعلق بقدرة المعلّمين على التكيّف مع الأجهزة التكنولوجية الحديثة، وضرورة تدريبهم على استخدامها...
ومن أبرز الإيجابيات التي تمّ التركيز عليها، سهولة الحصول على المعلومات وتوظيفها في أكثر من مجال، وتشويق التلامذة وتعزيز دافعيتهم للتعلّم، وإتاحة مجال أكبر لتفاعلهم مع المعلّم ومع المعلومات، خصوصًا أنهم يستخدمون التكنولوجيا الحديثة في حياتهم اليومية ويبرعون في التعامل معها.

 

وداعًا أيتها الحقيبة الثقيلة
يضاف إلى ما سبق ذكره، أن اعتماد أجهزة الكومبيوتر اللوحية كبديل من الكتب، يحلّ مشكلة كبيرة يعانيها معظم التلامذة، وهي مشكلة الحقيبة المدرسية الثقيلة التي يسبب حملها آلامًا في الظهر، وقد تؤدي إلى تشوّه العمود الفقري.
لكن، وعلى الرغم من هذه المزايا الإيجابية، ثمة تحفظات على استبدال الكتب المدرسية بالحاسوب، على اعتبار أنّ الكتاب كان وسيبقى الوسيلة التي لا يمكن الاستغناء عنها في التعليم. علاوة على ذلك, فإنّ الوسائل الرقمية تحدّ من دور المعلّم وتغيّر العلاقة بينه وبين التلامذة في الصف. ويرى البعض أنه لا يمكن الاستغناء عن دور المعلّم، خصوصًا أن التلميذ سيجد نفسه غير قادر على التمييز بين المعلومات الصحيحة وتلك الخاطئة، وبين ما هو حقيقي وما هو خيالي، كما أن الإسراف في الاعتماد على العالم الرقمي يحدّ من التواصل الاجتماعي مع الرفاق والأهل وسواهم، وهذه مشكلة مطروحة بشكل جدي في عصرنا. فالادمان على استخدام التكنولوجيا الحديثة يدفع الكثيرين، خصوصًا الشباب، إلى العزلة والعيش في عالم افتراضي. وثمة مشاكل تقنية لا يمكن إغفالها أيضًا، فالأجهزة الإلكترونية تطرأ عليها أعطال أحيانًا، أما الكتاب فقد يدوم لسنوات وقد ينتقل من فرد إلى آخر.

 

ماذا عن القراءة؟
إلى ما سبق ذكره، ثمة الكثير من الأسئلة حول دور التكنولوجيا في التعليم، ومنها مثلًا ما يتعلق بالقراءة. فهل يتّجه الجيل الجديد نحو القراءة الإلكترونية؟
في كندا, أجرى تييري كارسنتي وهو بروفسور في جامعة مونتريال, دراسة حول أسلوب القراءة لدى الشباب، وكانت النتيجة أنّهم يفضّلون القراءة الإلكترونية على القراءة التقليدية. وهذا ما جعله يعتبر أنّ التكنولوجيا الحديثة تشجّع الشباب على القراءة، ليس فقط قراءة صفحات التواصل الاجتماعي، بل أيضًا قراءة الكتب.
كذلك أجرى عدد من الباحثين الكنديين والنروجيين دراسة أخرى لمعرفة أي نمط من أنماط القراءة يوفّر اكتساب المعلومات بشكل أفضل. شملت الدراسة صفًا طُلب من نصف تلامذته قراءة نصّ ورقي، بينما قرأ النصف الآخر نصًا إلكترونيًا. وبعد الانتهاء من قراءة النصّ, أجاب التلامذة عن مجموعة أسئلة حوله، واتّضح أنّ الذين قرأوا النص الورقي اكتسبوا المعلومات الموجودة فيه أكثر بكثير من أولئك الذين اعتمدوا القراءة الإلكترونية. وقد أكّدت هذه الدراسة أنّ الكتب التقليدية هي أفضل لفهم ما نقرأه. وتوصّل الباحثون إلى النتيجة الآتية: صحيح أنّ الأجهزة الرقمية الإلكترونية تتيح قراءة سريعة، لكنّ العقل لا يخزّن من المعلومات المقروءة سوى القليل, وذلك بخلاف القراءة في كتاب تقليدي، والتي تنشئ خريطة ذهنية، ما يسهّــل تلقــي المعلومــات وفهمهــا بسهولــة.
أخيرًا، مواكبة التكنولوجيا وتوظيفها في التعليم أمر ضروري، لكن لا بد من المحافظة على الكتاب التقليدي وعدم تهميشه.