مخيّم الحربية

هل تعود عقارب الساعة إلى الوراء؟!
إعداد: ليال صقر الفحل

اليوم الرابع

 

اجتمعوا إناثًا وذكورًا على رأي واحد، ليت الضباط المسؤولين يمدّدون فترة المخيم، لا نريدالعودة! جئنا بعضنا مقتنع وبعضنا الآخر متردد، وانتهى بنا المطاف متمنّين أن تطول فترة إقامتنا في المخيم، يا ليت عقارب الساعة تعود إلى الوراء...


ميشال، بيرلا، كريستيان، آدم، حسين، عمر، نانسي، ناتالي، مارك، كارل... وطلاب غيرهم كانت لي متعة مرافقتهم والانتقال معهم من ملعب إلى آخر ومن باحة إلى أخرى. تحدثنا عن الأيام التي أمضوها في المخيم وعن «الزوادة» التي سيحملونها معهم. ثمة إجماع بينهم: لم نكن نعلم كم يتعب العسكري ليؤمّن راحتنا، اختبرنا عن قرب معنى أن يكون الإنسان منذورًا لوطنه وشعبه. واختبرنا كيف يجمع الجيش أبناء الوطن على اختلاف انتماءاتهم ويجعلهم كتلة متراصة من الرجال يوحدها هدف سامٍ. في هذا المخيم تعلّمنا أن حب الوطن يبدأ من حب أبنائه جميعًا، وأنّ حماية هذا الوطن تبدأ من وحدة أبنائه. «هذا أكثر بكثيرٍ من التدريبات العسكرية التي تابعناها بمتعةٍ رغم قسوتها» يقول مارك.

ويتابعون تعليقاتهم: أكلنا من طعامهم أطباقًا وأصنافًا اختلفنا مع أهلنا عشرات المرات ولم نرضَ أن نتناولها، هنا تناولناها برضى وللمفارقة كان مذاقها لذيذًا... لم ننم سوى بضع ساعات رغم أننا كنا بحاجةٍ للنوم فقد أنهكت التدريبات قوانا، لكننا لم نتذمر. تصببنا عرقًا وأردنا الاستحمام لكن لم يسمح لنا بذلك سوى في أوقات محددة، ومع ذلك غمرنا الرضى. عطشنا لكننا لم نشتكِ. أما أصعب ما كنا نحسب له حسابًا فهو حرماننا هواتفنا الخلوية، لكننا لم نأبه لذلك. مرت الأيام بسرعة البرق وليتها كانت أطول. هنا يوضح أحدهم: «سألنا إذا كان بإمكاننا العودة مجددًا إذا أُقيم مخيم ثانٍ عما قريب، لكنّ الضباط المسؤولين قالوا لنا إذا سمحت الظروف بإقامة مخيمات أخرى في المستقبل، فالمجال سيكون مفتوحًا لطلابٍ جدد نظرًا لكثافة الراغبين في المشاركة».
 
إلى المشاغل در
انتهت جولتنا مع الطلاب الذين كان عليهم أن يلتحقوا بالمشاغل وفق البرنامج المقرر: مشغل الأسلحة، حيث أسلحة من عيارات مختلفة من بينها القاذف المضاد للدروع، الرشيش ماغ، الرشيش Saw، المقنبلة ATK، الهاون 81 ملم، البندقية م16... وكلّها أسلحة كان يتناوب التلامذة على استخدامها (من دون رصاص وذخيرة طبعًا) وتفكيكها وإعادة جمعها تحت إشراف مدربين من الضباط والعسكريين الذين كانوا يعطون التلامذة الوقت المناسب لإتمام كل الخطوات. وأكاد أحسم أنها التجربة التي أعجبت الذكور بدرجة امتياز، كانوا منصتين بكل جوارحهم للشروحات، متمسّكين بالأسلحة لا يتخلون عنها بسهولةٍ عندما يحين دور زملائهم في استخدامها.

في مشغل الإسعافات الأولية أُوكلت مهمة التدريب لضباطٍ وعسكريين من قسم الخدمات الطبية في لواء الحرس الجمهوري، وتناوب المشاركون على مهمات ثلاث، كانت: حمل المريض على محمل وتثبيت الحالة، ومن ثم إيقاف نزيف وتثبيت كسور، وأخيرًا مهمة الإحياء القلبي الرئوي CPR.

مشغل القتال المتقارب، أُوكلت مهمة التدريب فيه للرائد ديمتري صقر من المديرية العامـة للأمــن العــام ولعــددٍ من الرتباء المدربيـن من الجهـاز عينـه، فتناوبـوا على إعطــاء الدروس القتاليـة في: الـHand to Hand Combat، الـMuay Thai، الـMMA، الـCickboxing، الـBoxing، والـSelf Defence. راقبتهم من مسافة قريبة، يتلاكمون ويرمون بعضهم بعضًا أرضًا، ثم يمد الواحد منهم يده لخصمه ليساعده على النهوض بروحٍ رياضية.

اهتم ضباط وعسكريون من المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام بتوعية الطلاب حول أنواع الألغام وأشكالها المتعددة وكيفية التصرف عند الوجود في بقعة مشبوهة مرددين معظم الوقت عبارة اعتدنا سماعها عندما تذكر كلمة ألغام: « لا تقترب، لا تلمس، بلّغ فورًا». وتضمّن مشغل الألغام أيضًا شرحًا لكيفية التصرف عند حصول إصابة من جراء الألغام، فضلًا عن أنواعها.
 
يا معهد الحرب الأشمّ
طغت أصوات الذكور القوية على أصوات الإناث الناعمة وهم يرددون نشيد الكلية الحربية فيما كانوا ينفّذون تمرين المرصوص. في مشغل المرصوص أُتيح للطلاب أن يتناوبوا على إعطاء أوامر تأهب، مكانك، قدم سلاحك، استرح...بكلّ جدية واتزان. في بعض الحالات كان الضابط المدرب يوجه ملاحظات قاسية. نسأل أحد الطلاب: هل يزعجك أن توجّه إليك هذه الملاحظات؟ تأتي إجابته فورية: «ملاحظات الوطن عالراس».

أخيرًا إلى مشغل مشبه الرمي Simulator حيث شاشة ملونة تُظهر أهدافًا مبينة وواضحة، التلامذة في وضعية انبطاح جاهزون للرمي تحت إشراف ضباط وعسكريين مدربين يعطون الملاحظات ويدققون في الخطوات تمهيدًا لحسن الرمي وإصابة الأهداف. أهداف غير حقيقية نعم، وأصوات رماية عالية غير حقيقية نعم، لكن الحقيقي في التجربة كلها كان التفاف التلامذة على حب المؤسسة والأمل بلبنان الذي أحياه هذا المخيم في قلوب الشباب.
 
صورة جيش يزرع الأمل
نقلت وسائل إعلام محلية ووكالات أنباء عالمية وقائع المخيم، وجالت في المشاغل سائلة مدربين وطلابًا عن انطباعاتهم وتجربتهم لتنقل إلى العالم صورة الجيش اللبناني المناضل من أجل وطنه وشعبه. الجيش الذي أقر المساواة بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات، والمؤمن بالانفتاح على الثقافة والتطور وتبادل الخبرات، والجيش الذي يرفد شبابه بالأمل والعنفوان والعزيمة مهما قست الظروف.

نغادر الكلية الحربية بجرعة أمل وفرح ونردد مع السيدة فيروز: «قلتلن بلدنا عم يخلق جديد، لبنان الكرامة والشعب العنيد»...