- En
- Fr
- عربي
خصوصية الحياة العسكرية
مميزٌ بين أهله ومجتمعه، منضبط في عمله ووقور في خدمته... إنّه الجندي اللبناني الذي ما يلبث أن يرتدي البزة العسكرية حتى يصبح مقيدًا بعددٍ من الضوابط، ترعاها القوانين والأنظمة، وتراقب تطبيقها وحدات من الجيش أُوكلت إليها هذه المهمة.
نستعرض في ما يأتي أهم قواعد الهندام العسكري وسلوك العسكريين وأهم المحظورات والممنوعات، فضلًا عن النشاطات والأمور التي تتطلب إذنًا مسبقًا.
تحدّد الأنظمة والقوانين في الجيش صورة العسكري كعنصرٍ ينظر إليه المجتمع على أنّه مميز، وهو يراقب تصرفاته على هذا الأساس. لذلك، يتوجّب عليه التقيّد بتعليمات قيادة الجيش من حيث الحفاظ على هندامه نظيفًا ومرتّبًا وغير مخالف للقوانين، حليق الذقن، منظّم الشاربين، قصير السالفين وشعر الرأس، أظافره قصيرة وبزّته رسمية وقانونية (لا تعديل في مقاساتها).
ويمنع عليه صبغ شعره واستخدام المادة المجمّدة للشعر (جل)، كما أنّ تسريحة شعره لا يجب أن تتأثر بصيحات الموضة الآنية. أما الأوشام، فممنوعة بعد تطوّعه، وإذا وُجدت قبل التطوع عليه التصريح عنها.
في ما يتعلق بالعسكريين الإناث، يُمنع عليهنّ المبالغة في التبرّج، ويتوجّب عليهنّ ربط شعرهنّ بحيث لا يغطّي ياقة البزة. ويمنع على العسكريين، ذكورًا وإناثًا، حمل أي شارة دينية باعتبارها من المعتقدات الشخصية، إلى وضع الحلي باستثناء خاتم الزواج والحابس (للإناث). والنظارات الشمسية لا تليق بالبزة العسكرية، لذلك فإنّ من يضطر لاستخدامها يحتاج إلى ترخيص مسبق.
الوقار والهيبة
يحدَّد وقت إسدال الأكمام أو طيّها سنويًا، كما يُمنع المشي بطريقةٍ غير عسكرية... أما غطاء الرأس، فيجب أن يوضع طالما أنّ العسكري في مكان غير مسقوف أو في الآليات العسكرية. وبالنسبة إلى الضباط فعليهم وضعه أيضًا في أثناء الاحتفالات الرسمية اعتبارًا من ساعة وصول علم الجيش إلى حين انتهاء الاحتفال.
يجب أن يتميّز سلوك العسكري بالوقار والاحترام وخصوصًا في أثناء ارتدائه البزة. مثلًا، لا يتسلى العسكري بالسبحة، فذلك لا يليق بلباسه، وعليه الامتناع عن تدخين النرجيلة في الأماكن العامة ومضغ العلكة واللهو بسلسلةٍ، والتدخين أو الأكل خلال نوبة الحرس أو على الحاجز أو عند أداء أي مهمة. وبالإجمال، عليه الامتناع عن أي عمل من شأنه إثارة اشمئزاز الناس أو امتعاضهم.
صفة عسكري لا تمنح صاحبها حقوقًا تسمح له بالتهرّب من القوانين أو دفع الديون والمستحقات المالية، بل إنّ عقوبته تكون مضاعفة في حال المخالفة، إذ يحاسَب مدنيًا وعسكريًا على السواء، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى التقيّد بقوانين وزارة الدفاع، وخصوصًا عندما يكون خارج البلاد.
من جهة أخرى، على العسكري احترام نظام التراتبية المنصوص عنها في القانون، وتُعد التحية من أهم مظاهر احترام هذا النظام. فعلى كل عسكري أن يؤدّي التحية لكل من يعلوه رتبة، فهذا ما يعبّر عن تهذيبه وحفاظه على روح الجندية ومظاهرها. حتى في الاتصال العسكري، يجب ألّا يتخطّى العسكري أصول نظام التراتبية، وعليه أن يكون موضوعيًا، يحترم رتبة المخاطَب (إذا كان أعلى رتبة) ويبتعد عن المماطلة واستخدام العبارات غير الضرورية.
أما من ناحية تنفيذ الأوامر العسكرية التي يطلبها الأعلى رتبة، فلا يمكن للمرؤوس الاعتراض عليها إلا بعد تنفيذها وضمن مهلة محدّدة لذلك، وعدم التنفيذ يعرّض المرؤوس لعقوباتٍ تأديبية تختلف باختلاف أهمية الأمر.
الخدمة والمأذونيات
تختلف ظروف خدمة العسكري بين وحدة وأخرى، ولكنّ القانون يحدّد نسبة الجهوزية بـ٦٥٪ من عديد الجيش، وهي ترتفع بحسب الظروف لتصل في الحالات القصوى والاستثنائية إلى ١٠٠٪.
أما نوبات الحرس فهي محدّدة إجمالاً: ثلاث ساعات مقابل ست ساعات استراحة، لكن في حالات النقص في العديد أو الظروف المستجدّة، تختلف المدة وقد يصبح الأمر معكوسًا وتتقلص ساعات الاستراحة إلى ثلاث فحسب.
جدير بالذكر في هذا السياق، أنّ بعض الوحدات المتقدمة في الجرود والأماكن المقفِرة، قد يبقى عديدها في المراكز بين ١٥ و٣٠ يومًا أحيانًا، بسبب اشتداد العواصف وصعوبة الظروف المناخية وتراكم الثلوج.
«تحدّد قيادة الجيش نسبة عامة لمنح المأذونيات ونسبة خاصة لبعض أنواعها الأخرى...» وبالتالي، فإنّ العسكري لا يستفيد من المأذونية متى يحلو له ذلك، إذ عليه مراعاة نسبة الجهوزية المحدّدة في وحدته أو قطعته وظروف عمله. وإذا كانت مختلف المؤسسات تعتمد المبدأ ذاته في هذا الشأن، فإنّ ما يميّز الحياة العسكرية في هذا الخصوص، أنّه لا يمكن للعسكري الاعتراض على وقف العمل بمأذونيته متى اقتضت الحاجة، أو الاعتراض على عدم منحه المدة التي طلبها، أو حتى عدم منحه المأذونية بالمطلق. كما أنّه يُمنع دمج مأذونيتين أو أكثر من النوع ذاته أو حتى من أنواع مختلفة، وإن رتّب عليه ذلك العمل يومًا واحدًا فقط في الأسبوع، وأيًا كانت المسافة بين مركز خدمته ومنزله. وفي حال اقتضت الحاجة (حال الاستنفار أو حال أمنية طارئة) يمكن للعماد قائد الجيش وقف منح المأذونيات جميعها أو استدعاء المأذونين كليًا أو جزئيًا.
بعد تسريحه من الخدمة، يبقى المسرَّح لمدةٍ معيّنة من ضمن عديد الاحتياط، ولا يمكنه رفض الالتحاق إذا تمّ استدعاؤه حتى وإن كان يعمل عملًا آخر، إلّا إذا وُجدت أسباب صحية قاهرة أو إذا كان خارج البلاد.
ليس «كل ممنوع مرغوب»
«العسكري ليس لديه مطلق الحرية في تصرفاته»، وعلى هذا الأساس فهو يجد نفسه أمام عدد كبير من المحظورات، وإن خالف إحداها تعرّض لعقوباتٍ تأديبية مختلفة.
يُحظّر على العسكريين: الانتساب إلى الأحزاب والنقابات والجمعيات، وحضور اجتماعاتها، ممارسة أي عمل مأجور خارج نطاق وزارة الدفاع الوطني، الإضراب عن العمل أو التحريض عليه، تنظيم عرائض جماعية أو توقيعها، التماس توصية لمصلحته أو لمصلحة سواه أو التماس امتيازات أو إكراميات، السكر وتعاطي ألعاب الميسر والمراهنة والامتناع عن إيفاء دَيْن.
وثمة محظورات أخرى، لكنّها لا تعود كذلك في حال الحصول على إذنٍ أو ترخيص، ومن أهمها: نشر المقالات أو إلقاء المحاضرات أو الإدلاء بتصريحاتٍ إلى وسائل الإعلام، الانتماء إلى هيئة دينية أو اجتماعية أو عائلية، إدخال أي أجهزة إلكترونية غير مسلَّمة من الجيش إلى مراكز الخدمة، التبرع بالدم، الزواج، الحصول على جواز سفر أو بطاقة هوية مدنية، مواجهة السلطات الحكومية، الاشتراك في امتحانات التوظيف التي تجريها الحكومة، تصحيح العمر والكنية أو تغيير المذهب، التقدم إلى المحاكم عندما تكون مؤسسات وزارة الدفاع طرفًا فيها، والاشتراك في تمارين أو مباريات مع فرق رياضية مدنية. ولا بد أيضًا من الحصول على ترخيص في حالات كثيرة منها: إقامة ولائم وحفلات لمجموعةٍ من العسكريين في مكان عام، تلبية دعوات إلى مناسبات تُقام في حضور رسميين أو سياسيين أو حزبيين وتشكيل وفود لزيارتهم، الوجود في مراكز الانتخاب، استقبال بعثات عسكرية أو دبلوماسية أو سياسية من دون تكليف رسمي، نشر الصوَر أو النشاطات العسكرية في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي...
من أهم الضوابط المفروضة على العسكريين والموظفين المدنيين التابعين لوزارة الدفاع: عدم التحدث بأمورٍ سياسية أو عسكرية وعدم توجيه الانتقادات، عدم المشاركة في التظاهرات، عدم رفع لافتات أو شعارات على سياراتهم من دون إذن مسبق، عدم القيام بأي نشاط سياسي، عدم تقديم دروع الوحدات أو شعاراتها إلى مدنيين أو سلطات أجنبية من دون موافقة قيادة الجيش وعدم قبول هدايا إلا إذا كانت رمزية مقدَّمة فقط من سلطات رسمية على أثر تنفيذ مهمة معينة.
إجمالًا، لا يسري في الجيش مبدأ «كل ممنوع مرغوب»، فالعسكري يمتنع عن التصرفات المخالفة للأنظمة والقوانين، وإن وُجدت بعض المخالفات فالعقوبة دائمًا بالمرصاد.
يعاقَبون ويكافأون بحسب أعمالهم
العقوبة التأديبية هي تدبير ردعي تفرضه السلطة العسكرية المخوَّلة بذلك على كل عسكري يرتكب مخالفة ما. أما المكافأة فهي تعبير عن تقدير العسكريين فرديًا أو جماعيًا، لقيامهم بأعمالٍ باهرة أو مميزة أو تتجاوز المألوف، قد تصل إلى حد الاستشهاد. في ما يأتي، لائحة توضح درجات العقوبات والمكافآت وأنواعها، والتي تختلف بحسب نوع العمل الذي قام به العسكري:
• العقوبات التأديبية
- العقوبات المعنوية.
- العقوبات المقيّدة للحرية.
- العقوبات الإضافية:
* حسم جزء من الراتب (للرتباء والأفراد).
* خفض المأذونية أو إلغاؤها.
* التشكيل التأديبي.
* الإرسال إلى مفارز التأديب (للرتباء والأفراد).
* التغريم المادي.
* قطع تعويض الاختصاص.
* تأخير الترقية.
* الشطب عن جدول الترقية.
* خفض الرتبة.
* فقدان الرتبة.
* التسريح التأديبي.
• المكافآت
- المكافآت الفردية:
* التهنئة الشفوية.
* التهنئة الخطية.
* مأذونية المكافأة.
* الجوائز المالية (للرتباء والأفراد).
* التنويه.
* الأوسمة.
* شارة التميز.
* الأقدمية للترقية للضباط.
* الترقية الاستثنائية للرتباء والأفراد.
* الترقية الاستثنائية للضباط عند الاستشهاد.
- المكافآت الجماعية:
* التهنئة الشفوية.
* التهنئة الخطية.
* التنويه.
* وسام الحرب.
* شارة التفوق.
* شارة التميز.
...وضغوط نفسية
لا تخلو ظروف أي عمل من الضغوط النفسية، ولكن في الجيش تختلف الأمور بحسب اختلاف وظيفة العسكري. ففي الوحدات المقاتلة، يكون العسكري متأهبًا ومستعدًا لأي عمل حربي قد يحدث في أي وقت وفي أي مكان. وفي الحروب يجد العسكريون أنفسهم في حال ضغط نفسي كبير خصوصًا عند استشهاد أحد زملائهم أو عند اختطافهم وتعذيبهم، ما يستوجب الخضوع لعلاجٍ نفسي عند انتهاء الحرب. وفي الوحدات الثابتة أيضًا ضغوط نفسية، رغم أنّها لا تشبه الضغوط التي يواجهها المقاتل في الميدان.
وفي المجتمع، يشعر العسكري بضغطٍ إذ يعتقد أنّه مراقَب حتى بعد انتهاء دوام خدمته، من الجيران والأقرباء ومن الوحدات التي تُعنى بمراقبة كيفية تطبيقه للقوانين. لذلك، فإنّ الضغوط على العسكري كثيرة وتبلغ ذروتها في الحرب.