- En
- Fr
- عربي
وجهة نظر
العولمة باتت واقعاً لا يمكن تجاهله أو إغفاله
ألقى معالي وزير الدفاع الوطني محمود حمود محاضرة حول العولمة في كلية القيادة والأركان, وذلك بحضور قائد الكلية العميد الركن أمين حطيط ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان, وقد تابع المحاضرة ضباط دورة الأركان السادسة عشرة.
العقيد الركن سايد خير الدين قدّم المحاضر مرحباً به على منبر الكلية ليمد طلابها من خبرته وثقافته.
مفهوم العولمة
استهل الوزير حمود محاضرته بتناول مفهوم العولمة مشيراً الى أنه لم يتم بعد الاتفاق حول تحديده وتشعباته... لافتاً الى ضرورة التهيؤ لملاقاة ظاهرة العولمة التي تتشعب تأثيراتها, عبر التعاون والتكتل والتكامل.
واستعرض المحاضر جملة من الوقائع والملاحظات حول ما يسود الساحة الدولية منذ سنوات, فتطرق الى رواج مفهوم “اقتصاد السوق” وثورة المعلومات والإنترنت وبروز ظاهرة التكتلات الاقتصادية ونشوء المنظمة العالمية للتجارة ونشوء أسواق عالمية جديدة في آسيا, إضافة الى القضايا التي اتخذت طابعاً عالمياً (البيئة, المخدرات, الإرهاب...), واستنتج من كل ذلك أن ظاهرة العولمة لم تعد عابرة في العلاقات الدولية, بل أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله أو إغفاله.
وأضاف قائلاً: “في اعتقادي أن العولمة لها من مفهوم كلمة “النظام بعض ضوابطه (التي قد نوافق عليها أو لا نوافق) ولها من صفة “العالمية”: الإنتشار والاتساع والتعميم على الجميع (كما في منظمة التجارة العالمية والإنترنت... والأسواق المالية الدولية), ولها من “الجدة” أنها تستعمل وسائط التكنولوجيا والإتصالات مما يخلق لها ديناميكية متسارعة أو متسرعة أحياناً يصعب ضبطها والسيطرة عليها كلياً.. وفي هذا الأمر ما يبهر أحياناً ويثير التخوف أحياناً أخرى ويستدعي اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على الهوية والإنتماء الوطني والتراث الثقافي.. إذ يخشى أن تتحول هذه الظاهرة إذا لم يتم وضع قواعد وضوابط لها الى أداة تستعملها الدول المتقدمة ومؤسساتها لفرض قوانينها على الدول النامية أو بعضها, أو هي تؤدي بطبيعتها ولو على المدى المتوسط من الزمن الى تعميم نمط من الثقافة وأسلوب من الحياة وطريقة في التفكير, تلغي أو تضعف الإنتماء الى حضارة أو تراث أو لغة...”.
في القسـم الثاني من محاضرتـه, عـدد الوزير حمود السبل التي يراهـا الأفضل لكي تتعامل من خلالها المنطقة العربية مع واقع العولمة من دون أن تتصادم معه. وعالج على التوالي العولمة في مجالات: الاقتصاد والإتصـالات والمواصلات والمال والأعمال.
العولمة الاقتصادية
في مجال العولمة الاقتصادية قال الوزير حمود: “إن أول ما يتبادر الى الذهن أن المنطقة العربية الممتدة من المغرب الى الخليج وهي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية, تشكل تجمعاً يربط بين أعضائه التاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة, وهي روابط أمتن وأعمق مما بين دول أوروبا التي وصلت الى الاتحاد الأوروبي وما زالت تتوسع لتشمل كل أوروبا. وفي هذا التجمع موارد بشرية وطبيعية متنوعة بعضها استراتيجي (كالنفط والغاز وبعض المعادن) يسيل له لعاب الآخرين. وفيها العنصر البشري (الذي يبلغ تعداده ما يزيد على 350 مليوناً) والذي يشكل طاقة انتاجية واستهلاكية هامة في أي حساب...
وإذا كانت الدول العربية لم تتحرك في السابق نحو إقامة تكتل اقتصادي عربي بالرغم من توقيع اتفاقية للسوق العربية المشتركة عام 1964, فإن الأمر يختلف اليوم.. ولذا فإن بعض أجهزة الجامعة العربية بادرت بدرس مشروع إقامة سوق عربية حرّة ووضع التقرير أمام القمة العربية في حزيران عام 1996.. وقد صدر القرار بإقامة هذه السوق التي انضمت إليها أكثرية الدول العربية.. ولكن نجاح هذه السوق يستدعي المزيد من الجهود والجدية والإصرار عليها... وهنا تكمن أهمية مشروع التكامل الاقتصادي العربي في صورة سوق عربية مشتركة ترمي الى توطيد الأواصر بين الدول العربية على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة, وتعطي هذه الدول قدرة على الدفاع عن مصالحها وعلى المشاركة في حركة التحولات الاقتصادية الدولية.. وأهمها العولمة..”.
وأضاف قائلاً: “بانتظار استكمال جهوز الدول العربية بإدخال منتجاتها الى الأسواق الدولية وفتح أبوابها للمنتجات الأجنبية في إطار نظام تحرير التجار الدولية, فإن قيام سوق عربية مشتركة يعتبر سبباً رئيسياً وكافياً يدعو الدول العربية للتعجيل في إقرار هذه السوق. ومن بين أهداف قيام هذه السوق تحقيق حرية انتقال وتبادل السلع التجارية وحرية ممارسة الأنشطة الإقتصادية والتنقل الخ... في المنطقة العربية”.
العولمة في ميدان الإتصالات والمواصلات
في هذا المجال قال الوزير محمود حمود: هذا عالم واسع شاسع يهمني أن أشير فيه الى ما يلي:
- الإتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت.
- الاتصالات البريدية.
- الإتصالات الإذاعية والتلفزيونية والصحافية.
- المواصلات البحرية والبرية.
وإزاء الكم الهائل الذي نتلقاه من مختلف هذه الوسائل والتي جعلت العالم كله قرية كونية (Global Village) والتي لم نساهم في إنجازاتها بأي مجهود يذكر, فإننا نشعر تجاهها بعقدة لا يحلها إلا انكباب الدول العربية منذ الآن ومجتمعة على وضع برنامج مكثف على أكثر من صعيد (في المدارس والكليات والجامعات) وفي مراكز الأبحاث العلمية وفي إرسال البعثات الى الخارج للّحاق بركب التقدم المندفع بسرعة فائقة نحو مزيد من الاكتشافات والاختراعات, كما فعلت اليابان في أواسط القرن الماضي عندما استطاعت خلال عقدين من الزمان أن تنتقل من دولة زراعية الى دولة صناعية.
العولمة في ميدان المال والأعمال
الوزير حمود تابع قائلاً:
“أقصد بها من جهة الأسواق المالية الدولية وأدواتها المستحدثة والمستجدة.. وأقصد من جهة ثانية التجمع في إطار رساميل وشركات ومؤسسات كبرى.. كما هي الحال داخل التكتلات الأخرى في بعض الدول”.
واستطرد قائلاً: “وإزاء عولمة المال.. فالحذر مطلوب والتنبه واجب.. لأن المخاطر في استعمال أدوات الأسواق المالية الدولية كبيرة. وحتى الآن ليس لنا قدرة على تحمل هذه المخاطر. ولنا في أسواق شرقي آسيا وما حدث فيها عبر ودروس”.
وخلص الى القول: “المطلوب إذن من الدول العربية أن تعجّل في إقامة سوق حرة عربية لمواجهة التحولات العالمية في الاقتصاد والمعلوماتية وغيرهما لئلا يسبقها الزمن وتظل متلقية غير فاعلة على الساحة الدولية...”.
وختـم متسائلاً: “لماذا لا يكـون هناك مجلس دولي مهمته الإشـراف على مجريات الاقتصاد الدولي, بالتعاون مع مختلف الجهات والهيئات الدولية ذات الصلة بالقضايا الاقتصادية والمالية, وتتمثل فيه المجموعات الاقتصادية والقارية الفاعلة ويكون له من الصلاحيات ما يمكن من المساعـدة على حل قضايا الفـقر والبطالـة والغـذاء والبيـئة”.
وفي نهاية المحاضرة, شكر العميد الركن أمين حطيط باسم قائد الجيش الوزير محمود حمود على هذه المحاضرة القيّمة, كما دوّن وزير الدفاع على سجل الشرف كلمة نوّه فيها بالنخبة المميزة من ضباط الكلية من لبنان والعديد من الدول العربية الذين يتلقون الخبرة والعلم في كنفها.