- En
- Fr
- عربي
عبارة
ليست بلادنا أرضًا خصبة لما يُسمّى الارهاب. كما أنّ شعبنا ليس مفطورًا على الإجرام، وعائلاتنا لم تنشأ على الضّرب خبط عشواء عند أيّ ردّة فعل. نحن لا نقصد أنّ توجيه العنف نحو الطّرف المقابل، بعد أن نحدّده أصلًا وفصلًا، واتجاهًا وموقعًا، أمر مبرّر في ظلّ التشريعات والقوانين والمؤسسات، إلاّ أنّ توجيه ذلك نحو البشر المجهولين، كائنين من كانوا، هو قمّة الظّلم، وعنوان القهر والاستخفاف بنعمة الحياة.
ولمّا كانت المنطقة المحيطة بنا تعجّ بالأحداث والتطورات، وتفيض فيها التيّارات والاتّجاهات المتضاربة، ولمّا كان الإرهاب كالوباء، ووسيلة انتشاره هي الهواء والرّيح، فالجدير بالقول أنّ البقاء في منأى عن الهبوب صعب إلى حدّ بعيد. لكنّ الواضح والثّابت هو أننا جاهزون دائمًا للمواجهة، ومستعدّون للدّفاع عن أمن البلاد وسلامة العباد، وأنّنا، كما أعلن قائد الجيش في أكثر من مناسبة، في حرب مفتوحة مع هذا الإرهاب.
ليس للإرهاب أرض محدّدة، ولا منبت معروف، إلاّ أنّه يسعى إلى فرض الرّأي على الجميع، ويميل إلى السّيطرة على المساحات كلّها، من خلال الترويع وسفك الدماء. وهو في تناقض واضح مع من حوله لأنّ الدمار رفيق دائم له، وأكثر ما يبدو متناقضًا مع مجتمعنا اللبناني، هذا المجتمع الذي نشأ منذ البداية، وترسّخ عبر الزمن، على التنوّع والانفتاح والحريّة. مذاهب شتّى، ومشارب متنوّعة، وهيئات متعدّدة... كلّها حالات مقبولة شرط أن تحافظ على السّمات الأساسية التي ترعى الجميع، ألا وهي قبول الآخر، والمشاركة معه في المواطنية حقًّا وواجبًا، مع التمييز بين الحرّية والفوضى، وبالتّالي بين الحرّية والاستبداد.
بين هذه التّشعبات، وعبر تلك الدّروب، الأمن هو الخطّ الأحمر، خصوصًا في عرف الجيش، هذه المؤسسة الّتي تتوزّع وحداتها بين أمن الحدود وأمن الدّاخل، وقد تكون خطوط الخارج متداخلة مع خطوط الدّاخل، لصغر المساحة وقصر المسافات، أولًا، ولعدم براءة عدوّ الخارج من اعتداءات الدّاخل، ثانيًا. أليس عدوّنا هو المتضرّر الأوّل من السّلام إذا عمّ في مجتمعنا، ومن الاستقرار إذا حلّ، ومن التقدّم والعمران إذا تواصلا؟ أمِن مصلحة هذا العدوّ العنصري أن يزدهر في جواره وطن يتنوّع أبناؤه كتنوّع الزّهور، وتتداخل أحياؤهم، وتتكامل مصالحهم، ويستمرّ تعاونهم، ويرفرف فوق رؤوسهم علم واحد يخلصون له، ويستشهدون في سبيله؟
والمرفوض والمستغرب، أن يكون بين سكّان البلاد قلّة تسمح لها نفسها بالمشاركة في أفعال السّوء، الأفعال التّي تقتل وتدمّر، وتضرب الحضارة، وتميل بالتّاريخ الوطني إلى الوراء، من دون تمييز بين فلان وفلان. وفي مقابل الإرهابي المجرم الذي قد يقتل أمًّا ربّته ورعتهُ عن طريق متفجّرة عمياء، وقد يشوّه جسد أخ رافق طفولته، هناك جندي يقف له بالمرصاد، جندي يضحي ويبذل الغالي والنفيس من أجل سواه، فنراه يندفع في سبيل إنقاذ امرأة مجهولة وكأنّها أمّه، ويأخذ بيد أخ له في المواطنيّة والإنسانية، لم تلده أمّه ولم يعرفه أبوه.