أسماء لامعة

يتقن فن الاصغاء، هادئ يهوى الشعر والكتابة والأفلام
إعداد: تريز منصور

رياض سلامة مبتكر الهندسات المالية ومبتدع الحلول في الأزمات:
لبنان الأحب إلى قلبي وعقلي

يتقن فن الاصغاء، متحفظ، خجول، هادئ، يهوى الشعر والكتابة والسباحة ومشاهدة الأفلام، همه الأكبر سلامة الليرة اللبنانية والرفع من شأنها، سعى جاهداً الى حمايتها بفضل خبرته وكفاءته، فمنعت هندساته المالية المبتكرة حصول الإنهيار النقدي في أصعب الظروف التي عاشها لبنان. فمنذ العام 1993 يدير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، محطات - أزمات مفصلية تكررت ولأسباب مختلفة، ليؤكد الدور المحوري الذي اضطلع به المصرف بقيادة الحاكم، كصمام أمان، وكخط دفاع.

 

من هو؟
والده توفيق سلامة إبن عائلة عريقة من انطلياس هاجرت الى ليبيريا في أفريقيا، وأسست متاجر كبرى وهامة. والدته السيدة رنيه رومانس سلامة، التي اشتهرت بأعمالها الخيرية والاجتماعية، وكانت عضواً فاعلاً في الصليب الأحمر اللبناني، وقتلت العام 1982.
ولد رياض سلامة في أنطلياس العام 1950 في عائلة مؤلفة من ثلاثة أولاد، منى (زوجة جو عيسى الخوري)، رمزي (رسام وروائي، من أهم رواياته «Le Cynique»)، ورجا رجل أعمال.
تربى في منزل جده في أنطلياس، وأشرفت على دروسه أخت والدته السيدة لورا تابت زوجة رجل الأعمال السيد فؤاد تابت، لأن والديه كانا مغتربين في ليبيريا ولم يعودا إلا عندما أصبح في الثامنة عشرة من عمره. وبالتالي فقد أمضى طفولته ومطلع شبابه بعيداً عنهما. وكانت الفترات القليلة التي قضاها معهما هامة جداً بالنسبة اليه. ولعل أبرز ذكرياته من تلك المرحلة تعود الى فترة الإجازات الصيفية التي كان يقضيها معهما في منطقة برمانا، حيث كان والده يملك «سيدرز أوتيل». ومن الذكريات المحزنة التي تركت آثارها السلبية في نفس سلامة، الهزة الأرضية العام 1956 وأحداث العام 1958 وحرب 1967.
في شبابه تملكه حلم التفوق في المباريات الرياضية، إذ كان يمارس رياضة كرة الطاولة «Ping Pong» وقد وصل الى مراكز متقدمة فيها. أما على مقاعد الدراسة فلم يكن تلميذاً متفوقاً، والنتائج التي حققها كانت معتدلة.
تلقى رياض سلامة علومه في مدرسة الجمهور، ومن ثم التحق بالجامعة الأميركية في بيروت (AUB) وحاز إجازة في إدارة الأعمال. وهناك التقى بندى كرم ونشأت بينهما علاقة حب تطورت الى تأسيس عائلة، مؤلفة من أربعة أولاد: إبنه نادي، وبناته نور (متزوجة)، رنا وريم.
إشارة هنا الى أن زوجته ندى سلامة كاتبة ومن مؤلفاتها «فن تزيين المائدة».

 

الإنطلاقة الأولى
في عالم المال

إثر تخرجه من الجامعة الأميركية، عقد رياض سلامة لقاء عمل مع مدير شركة (ميريل لانش المالية الأميركية) أهّله للتوظيف في هذه المؤسسة العالمية. وكان مسؤولاً عن عملية شراء الأسهم وبيعها، وما هي إلا فترة قصيرة، حتى اشتهر بصدقيته ونصائحه التي كان يزوّد الزبائن إياها لشراء الأسهم المناسبة وكيفية تداولها.
وهكذا أصبح رياض سلامة مقصد رجال الأعمال العرب، وأشهر موظف في مؤسسة «ميريل لانش» خارج أميركا، بحيث أنه حقق أعلى نسبة تداول في الأسهم. ومما ساعده في تلك الفترة، التدفقات المالية الكبيرة عند رجال الأعمال العرب، والتي تحتاج بطبيعة الحال الى توظيفها في مؤسسات مالية.
وعلى الرغم من اندلاع الحرب في لبنان العام 1975، استمر رياض سلامة في عمله في بناية ستاركو، ومن ثم انتقلت مكاتب المؤسسة الى منطقة الحمرا - أوتيل كفالييه، وبعد ذلك الى الشانزيليزيه في باريس، واستمر زبائنه يتصلون به ويتزوّدون نصائحه مستفيدين من خبرته. ولقد حاز عدة جوائز كأفضل وأكبر متداول للأسهم في العالم عدة مرات.

 

شخصية مميزة
بعد أن ذاع صيته، إتصل به محامي الرئيس الشهيد رفيق الحريري الخاص، باسيل يارد، وطلب منه توظيف بعض الأموال الخاصة بالحريري. وهكذا حصل، ومن ثم تعرّف اليه الرئيس الشهيد الحريري، فوجد فيه صفات لامعة، أحبها ورحّب بها، لدرجة أنه عرض إسمه كحاكم لمصرف لبنان العام 1993.
نشأت بين الرجلين علاقة صداقة واحترام، فكان الرئيس الحريري يستشيره في أمور كثيرة ويقف عند رأيه ويستمع الى تحاليله المقنعة، لا سيما في القضايا المالية التي خضّت لبنان عدة مرات.
تأثر رياض سلامة بوالده الذي كان يتمتع بحكمة وعقلانية، وكان يقول له دائماً «الحياة صعبة، والنجاح لا يأتي إلا بعد الجهد والمثابرة والسهر». وبدوره نقل هذه المبادئ الى أولاده، حريصاً على نشوء علاقة صداقة بينه وبينهم، وعلى متابعة خطواتهم المدرسية والجامعية.
رياض سلامة متواضع جداً مع عائلته الكبيرة وأقاربه، يهوى المطالعة والكتابة ومشاهدة الأفلام في منزله على شاشة كبيرة.
يملك رياض سلامة «كاريزما» تسحر الحاضرين، وشخصية مميزة تستدعي الاحترام. لا يتخذ القرارات بشكل عشوائي بل يُشبع القضايا درساً وتمحيصاً وتحليلاً قبل اتخاذ القرار النهائي.
مستمع جيد، قليل الكلام، متحفظ ومتوازن.  يلجأ الى المشي والسباحة كل يوم مما يتيح له مجال التفكير الهادئ والعميق. يحرص منذ بداية حياته المهنية، على أن يكون أول الواصلين الى مكتبه وآخر المغادرين. ويحكى أنه كان يبقى في مكتبه في مصرف لبنان، خلال إنجاز عملية شراء «الميدل إيست» حتى الساعة الثالثة فجراً.
جدد له لحاكمية مصرف لبنان ثلاث مرات بعد أن أثبت خلال 13 عاماً أنه رجل دولة بكل ما في الكلمة من معنى. فعرف كيف يقيم التوازن والتوافق بين فسيفساء الأديان. إنه رجل غير مرتهن لأحد، ولم ينزلق في المهاترات السياسية.
وعلى الرغم من الضعف الذي تشكو منه بنية الاقتصاد الوطني، وعلى الرغم من استمرار تراجع الوضع المالي على وقع تزايد حجم المديونية، إستطاع رياض سلامة، الحفاظ على الاستقرار النقدي في أصعـب الأوقات، والحفاظ على سلامة الوضع المصـرفي وتمكينـه من مواجهة الضغوطات واحتواء الصدمات، بأقل خسائر ممكنة، مع الابتعاد دائماً عن إتخاذ أي من التدابير الاستثنائية التي لجأت اليها عدة بلدان أخرى في ظروف مماثلة.
فعلى الرغم من الدمار والتخريب المدروس وضـرب الصناعة والزراعة وإحكام الحصار، بقي كل شيء هادئاً وطبيعياً في نظام لبنان المالي، وفي عمل مصارفه وسعر صرف نقده. إنه إنجاز كبير لبلد كل رأس ماله ثقة المواطنين والمغتربين والمستثمرين العرب والأجانب. إنه ردّ على أهداف اسرائيل التي كانت تعتزم توجيه ضربة لاقتصاد لبنان، لا يستطيع النهوض منها قبل سنوات طويلة. وقد حقق رياض سلامة هذه النتائج بفضل كفاءته العلمية والعملية، فعمل على تحقيق أهدافه، عبر التدابير الاحترازية ومن خلال الهندسات المالية المتنوعة، التي تتطلب خيالاً وقدرة على الإبتكار، ونظرة متكاملة الى متطلبات كل مرحلة وفقاً للمعطيات المتوافرة فيها. ولا شك أن مثل هذه السياسات ما كانت لتنجح لولا علاقات التعاون والثقة المتبادلة التي أرساها حاكم مصرف لبنان مع قادة المؤسسات المصرفية.
إن نجاح السياسات النقدية والمصرفية التي انتهجها مصـرف لبنـان بقـيادة ريـاض سلامـة، لم تحقـق الإستقرار النقدي الذي كان عاملاً مهماً في اجتذاب الاستثمارات وفي تعزيـز المدخـرات الوطنـية وحسـب، بل كان ايضاً عاملاً في تقـدم القـطاع المصـرفي وتطوره وفي تحديث منتجاته وخدماته، وفي تحفيزه على التوسع خارج الحدود، ليكون اليوم أكثر القطاعات المصرفية العربية إنتشاراً.
لكل هذا، من الطبيعي أن يحظى رياض سلامة بمبادرات تكريم وتقدير ومن بينها تكريمه من خلال مجلة «يورو موني» كأفضل حاكم بنك مركزي في العالم.
ويبقـى القول، إن همّ رياض سلامة اليوم حماية الليرة اللبنانية، وهو لن يتراجع عن هذا الهدف مهما اشتدت الصعاب والصدمات الخارجية، والخلافات السياسية الداخلية. إنه متفائل ومؤمن بمستقبل لبنان، البلد الأحب الى قلبه وعقله.

 

جوائز
1- إختــارت مؤسـسة «يورو موني» للأبحــاث البريطانيــة المتخصصــة في الاقتصــاد، الصــادرة في لندن، والتي تتابع إقتصادات العالم داخل الدول، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسلّمته العام 1996 جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي عربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حينذاك كان أصغر حاكم مصرف مركزي على الإطلاق.
وقالت المجلة عنه، إنه طبّق سياسة أتاحت لليرة اللبنانية أن تستعيد قيمتها أمام العملات الأخرى. وهذا النجاح برز من خلال التحسن الذي طرأ على سعر الصرف.
2- العــام 2003، إختــارت مؤســسة «يــورو مــوني» أيضــاً، رياض سلامــة كأفضــل حاكــم بنـك مـركزي للعام، وقـدّمــت له الجائـزة في دبـي.
3- قدّمت «منظمة مصرفيون من أجل مستقبل أفضل»، وهي منظمة مصرفية أكاديمية دولية، مركزها فرنكفورت - ألمانيا، جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي للعام 2004، وقد إختارته من بين 20 حاكم مصرف مركزي في العالم.
4- بعـد اختـياره لثـلاث مـرات على التوالي كأفضـل حاكم مصـرف مركـزي في الشـرق الأوسط، إختـارت مجلة «يرو موني» حاكم مصرف لبـنـان رياض سلامـة أفضل حاكم مصـرف مركزي في العالم للعام 2006، كونه «واجه تحديات كثيرة شائكة إستطاع أن يتخطاها بنجاح»... «وبقيــت أسواق لبنان المالية صامدة، ولم يحدث أي تهافت على المصارف، لسحب ودائع أو بيع مبالغ كبيرة من العملة اللبنانية».
ولقد تسلم سلامة جائزته في احتفال ضخم، أقيم في فندق «رافلز بلازا» في سنغافورة ، خلال إجتمعات صندوق النقد والبنك الدوليين في حضور أكثر من 400 مدعو.
5- حائز عدة جوائز كأفضل متداول للأسهم في العالم.

 

جائزة المصرفيين العرب
منحت جمعية المصرفيين العرب في شمال أميركا ABANA، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جائزتها السنوية لسنة 2007، تقديراً منها لأدائه المميز على رأس الحاكمية منذ تعيينه العام 1993، وتكريماً للقطاع المصرفي اللبناني، وذلك خلال حفل عشاء دعت اليه في نيويورك.