صحة ووقاية

يغيّر حياة المصابين به وحياة من حولهم
إعداد: روجينا خليل الشختورة

الألزهايمر: هل من وسائل للتعامل معه؟

ليس كلّ نسيانٍ فقدانًا للذاكرة، فكلّنا نصاب بحالات من النسيان، قد تختلف نسبتها من شخص الى آخر، وعندما يكون ذلك بسبب انشغالنا بأمور الحياة وهمومها، فهو غير خطير ولا يستدعي القلق، بالرغم من أنّ ذلك قد يتسبب بإحراجنا أمام الآخرين.
أما إذا كان نسيان المعلومات يؤثر على أداء الوظائف العادية كنسيان إسم الزوجة أو نسيان طريق العودة إلى المنزل، فذلك يعني مشكلة مرضية ويتطلب الاستشارة الطبية.


الذاكرة
إنّ عملية تخزين المعلومات في الذاكرة هي عملية كيميائية بيولوجية معقدة جدًا، شبيهة بنظام الحاسوب الآلي الذي يحتوي على ذاكرتين، إحداهما تسمى القرص الصلب الذي يحتفظ بالمعلومات بشكل دائم، والأخرى ذاكرة مؤقتة لا تحفظ المعلومات ولكنها تتعامل معها في لحظتها. فدماغ الإنسان لا يستطيع حفظ المعلومات الهائلة التي يحصل عليها إذا لم يكن هناك سبب يتطلب ذلك. فالتجارب الحية الغنية بالصور والأصوات والمشاعر وتحليل المواقف، تحفظ في القرص الصلب ويسهل على الدماغ تذكرها خلافًا لأمور أخرى، كالأرقام مثلًا، والتي تحفظ بشكل مؤقت. من هنا، ومع التقدم بالسنّ، تعود إلى الإنسان الذكريات التي مرّ عليها الزمن ويصبح من الصعب عليه تذكر أمور مستجدّة حتى ولو كانت أكثر أهمية من تلك القديمة.
تعتبر مادة «الأسيتيلكولين» في جسم الإنسان المسؤولة عن تحويل الذاكرة المؤقتة إلى ذاكرة دائمة، ولكن من أهمّ أسباب الإصابة بفقدان الذاكرة، النقص في الناقلات العصبية. وعلى الرغم من أنّ هذا النقص لا يظهر إلا بعد عدة سنوات من بدء الإصابة به، إلا أنّ أعراضه تبدأ بالظهور عادة عند الإنسان عند بلوغه سنّ الخمسين، وذلك بسبب اختلال قدرة الدماغ على الأداء بشكل طبيعي وعدم القدرة على التركيز والحكم والتفكير والاستيعاب، وهي حالات خطيرة قد تؤدي إلى ما يسمى الألزهايمر (الخرف) الذي يؤثر على النشاطات اليومية.

 

مرض «الزهايمر»

مرض خرف الشيخوخة - «ألزَهايمَر» هو داء يصيب المخ ويتطور ليفقد الإنسان ذاكرته وقدرته على التركيز والتعلّم، حتى أنه قد يؤدي إلى تغييرات في شخصية المريض، فيصبح أكثر عصبية أو قد يصاب بالهلوسة أو بحالات من الجنون المؤقت.
ويعتبر تشخيصه وعلاجه من الأمور الصعبة، وهو يصيب نصف الذين يعيشون حتى سن الـ85، بحسب الإحصائيات الأميركية، وتؤدي نسبة 15% من حالات فقدان الذاكرة إلى مرض «الزهايمر». وعلى الرغم من الدراسات العديدة التي تجرى على هذا المرض، يبقى الغموض مكتنفًا أسبابه. ولكن من المؤكد أنه مرض يصعب علاجه والشفاء منه، ويؤدي في النهاية إلى خسارة خلايا الدماغ وتدهورها، وقد يؤدي إلى الوفاة خلال فترة تراوح بين ثماني وعشر سنوات.

 

أسبابه
لم تُعرف حتى الآن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى مرض «ألزهايمر». ولكن نتيجةً للأبحاث المستمرة، أمكن التعرّف إلى مجموعة من العوامل التي يمكن أن تتشارك لتؤدي في النهاية إلى هذا المرض. والمؤكد علميًا أنه بمجرد ظهور المرض تكون قد سبقته عملية موت وتحلل طويلة تمتد لسنوات، لخلايا المخ المنوط بها حفظ المعلومات واسترجاعها.
ومما لا شك فيه أنّ تقدم السن هو أكثر العوامل المشجعة لظهور المرض، حيث أن غالبية المرضى يصابون به بعد عمر الخامسة والستين. وتزداد فرصة المرض بنسبة الضعف كل خمسة أعوام تالية لهذه السن حتى تصل لأعلى نسبة (50%) عند عمر الـ85.
وقد لوحظ أنّ فرصة ظهور المرض تصبح ضعفين أو ثلاثة عند الأشخاص الذين أصيب أحد والديهم أو أجدادهم أو أجداد أجدادهم بهذا المرض مقارنة بالأشخاص الآخرين.
من جهةٍ أخرى، هناك دلائل قوية على أنّ إصابات الرأس الخطيرة تزيد من فرص الإصابة بالمرض.

 

مراحله
في المرحلة الأولى، يبدأ المريض بنسيان مواعيده.. ولا يتنبّه إلى مرور الوقت، ولا يتذكر أحداث الماضي القريب. بعدها يميل إلى العزلة والانطواء ويتفوّه بجمل لا معنى محددًا لها وينسى الكثير من الكلمات التي يعرفها.
في المرحلة الثانية، يعجز المريض عن القيام بأمور يدوية مثل شبك الأزرار، كما يجد صعوبة في فهم الكلمات، ويصبح بحاجة إلى من يساعده في الحركة، ويعاني نوبات الغضب والإحباط.
أما في لمرحلة الثالثة، فلا يستطيع المريض القيام بما يقوم به الإنسان الطبيعي في دورة المياه، ويصبح عاجزًا عن القيام بأيّ عمل من دون مساعدة الآخرين.. وتكون هذه المرحلة أصعب مرحلة يمر بها مريض «ألزهايمر». فكيف يجب التعامل معه بعد الآن؟

 

طرق التعامل مع المريض
في ما يلي بعض الإرشادات التي يجب مراعاتها عند التعامل مع مريض «ألزهايمر»:
• يجب التكلم مع المريض بهدوء وبصوت واضح وبكلمات بسيطة وجمل قصيرة.
• يجب أن يكون للمريض روتين يومي مستمر يبدأ من الصباح وينتهي في المساء ولا يتفاوت من يوم ليوم مما يساعد في تهدئته.
• ينصح بزيارة المريض ومقابلته أولاده والأصدقاء المقربين، ولكن لا ينصح بالإكثار من زيارات الأشخاص الذين لا يعرفهم جيدًا ولا تربطه بهم علاقة قوية. كما ينصح الأطباء بزيارة الأطفال الصغار كبير السن المصاب بالخرف لأنه يحب رؤيتهم وممازحتهم، ولكن يجب تنبيههم إلى عدم الضحك من تصرفاته وتنبيههم إلى حالته.
• يفضل أن تكون الزيارات قصيرة حتى لا يتعب المريض ذهنيًا.
• تتغير طلاقة المريض وقدرته على التخاطب من فترة لأخرى، ففي بعض الأيام تكون جيدة وفي البعض الآخر متردية، خصوصًا في السنوات الأولى من المرض، لذلك يفضل استخدام لغة الإشارة البسيطة مثل الابتسامة وهزة الرأس والتخاطب بالعين مما يسهل على المريض فهم المراد.
• عندما يتكلم مريض الخرف أو يحكي حكاية حتى لو كانت مكررة عشرات المرات يفضل الاستماع إليه والابتسام له.
• يجب استخدام الكلمات اللطيفة والابتعاد عن الكلمات الجافة التي تجرح مشاعر المريض، وخصوصًا في السنوات الأولى عندما يكون على شيء من الوعي بمشكلته، فإن جرح مشاعره قد يصيبه بالاكتئاب.
• يجب إبعاد مصادر الضجيج عن غرفة المريض، وخصوصًا الراديو والتلفزيون.
• ليس من المستحب التحدث عن المريض مع الآخرين في حضوره فقد يفهم بعض الكلمات. وعندما يحاول إيجاد الكلمة المناسبة ولا يستطيع ويتردد بالكلام ينصح بمساعدته باقتراح كلمة معينة أو إعطائه خيارات، أو قلمًا لكي يكتب ما يريد.
• عندما تصبح ذاكرة المريض ضعيفة، قد يعيد السؤال مرات كثيرة، وفي مثل هذه الحالة يفضل أن نجيبه مرة أو مرتين ثم نحاول تغيير الموضوع بحيث لا يتعب من تكرار السؤال.
• يجب تشجيع المريض على ممارسة أي نوع من الرياضة، وإعطاؤه فرصة للتحدث والاستماع له حتى ولو كان كلامه مكررًا. كما أنّ القراءة تساعده إن كان يستطيع القراءة أو مشاهدة التلفاز.
• في بعض الأحيان قد يكون اصطحاب المريض في جولة بالسيارة مع أحد أبنائه أو أحد أقاربه في الحي أو الأماكن التي يحب زيارتها بمثابة دواء له.

 

طرق المحافظة على سلامة الذاكرة
تؤدي المحفزات الذهنية دورًا مهمًا في المحافظة على التركيز والذاكرة وسلامة وظائف الدماغ الذهنية، فقد أثبتت الدراسات أنّ الأشخاص الذين يتعرضون للتحديات الفكرية، كممارسة لعبة الشطرنج وحلّ الكلمات المتقاطعة، هم أكثر حظًا في الحفاظ على ذاكرتهم وقدرتهم على التركيز مع تقدمهم في السن. غير أنّ الإجهاد المزمن يأتي بنتائج عكسية، فقد أثبتت أبحاث أخرى أن الإجهاد المزمن يعيق التركيز ويضر خلايا الدماغ، ولعلاج مثل هذه المشكلة يتم الاستعانة بطرق التأمل وأساليب الحد من الإجهاد.
كذلك، يساعد تناول الفاكهة والخضار الغنية بالألوان مثل السبانخ والفراوله والطماطم والجزر والفلفل الأحمر والبرتقال والمانجو والمشمش والعنب الأحمر (تحتوي على عناصر طبيعية تزيد من نشاط الإنزيمات القادرة على شحن خلايا أعصاب المخ) في المحافظة على الأوعية الدموية وأنسجة الدماغ. كما يجب الابتعاد عن الأغذية الدهنية المشبعة، فارتفاع نسبة الدهون المشبعة والأحماض الدهنية في الدم يزيد من خطر الإصابة بمرض «الزهايمر»، أما الدهون غير المشبعة الموجودة في الأسماك فهي ضرورية لحماية نسيج الدماغ والوقاية من التدهور الذهني.
إلى ذلك، يجب تعزيز مستويات الفيتامينات داخل الجسم بتناول الأغذية التي تحتوي على فيتامينات «ج» و«هـ»، وقد يتطلب الأمر، عند التقدم بالسن، تناول المكملات الغذائية للحفاظ على الوظائف الدماغية، بالإضافة إلى ممارسة النشاط الرياضي اليومي، فالرياضة تحسن نشاط القلب وتخفض السمنة والسكري وضغط الدم، وبالتالي تفيد المخ.