محاور ساخنة

“عبادة الشيطان" شكل من أشكال التمرد على السلطة
إعداد: ريما سليم ضومط

د. نبيل الخوري

معظم حالات الضياع سببها جهل الأهل أو استقتالهم من تأدية واجباتهم

 

“عبادة الشيطان” بدعة حديثة نسبياً رغم وجود جذور قديمة لها. انتشرت هذه البدعة أولاً في أميركا وأوروبا ثم انتشرت في مختلف القارات, فبرزت طقوسها الغريبة في مصر أواخر العام 1996, وتحدثت وسائل الاعلام عن القبض على أعداد كبيرة من المنتمين الى هذه المجموعة. كذلك أعلن عن ظهور فرقة جديدة لعبادة الشيطان في ماليزيا. وأشارت التقارير الى أن معظم أعضاء هذه الفرقة هم من المراهقين والشباب المتحدرين من عائلات غنية وفاسدة. وانتقلت هذه الظاهرة أيضاً بشكل مخيف بين الشباب في تركيا وبدأت الحكومة تكثف نشاطها للحد من انتشارها. وفي بلجيكا لم يكن الوضع بأفضل, إذ قامت مجموعة من هؤلاء باغتصاب الأطفال وقتلهم أمام الناس كقرابين لاسترضاء الشيطان.
عدوى عبادة الشيطان انتقلت أيضاً الى مجتمعنا, فأثارت الذعر في نفوس الأهالي نظراً لما تحمله من تهديد لشريحة كبيرة من أبناء هذا المجتمع. ولكي لا تصل بنا الحال الى ما بلغته من وضع مأساوي في دول أخرى, ظهر تحرك سريع لمكافحة الظاهرة الخطرة من قبل جميع المعنيين من أجهزة أمنية, الى عدد من المؤسسات التربوية والإجتماعية والدينية والإعلامية, حيث جنّد الجميع طاقاتهم لحماية شبابنا والحؤول دون الوقوع في المصيدة.

ومع ازدياد الضجة الإعلامية حول خطورة الموضوع, برزت تساؤلات عدة عن مدى صحة ما يثار بشأن الخطر الذي يهدد شبابنا وعمّا إذا كان هنالك مبالغة أو تضخيم للأمور, وأيضاً حول ما إذا كان شبابنا قد فقد حصانته في مواجهة البدع الشاذة, وبالتالي فعلى من تقع المسؤولية؟
هذه الأسئلة وغيرها حملتها مجلة “الجيش” الى المعالج النفسي الدكتور نبيل الخوري, عسى أن تساعد الإجابة عنها في توعية الأبناء والأهالي معا ًحول دور كل منهما في إبعاد خطر الإنجراف في التيار.

 

- “عبادة الشيطان” ظاهرة خطرة تطرق أبواب شبابنا اللبناني, فهل تعتقد أنها قد وجدت أرضاً خصبة في مجتمعنا؟
­ تكمن مشكلة المجتمع اللبناني في التقليد بشكل عام وتقليد الغرب بصورة خاصة. فاللبناني اعتاد نقل النماذج عن الآخرين وفقاً لاحتياجاته الخاصة, بصرف النظر عمّا إذا كان موضوع التقليد مناسباً لمجتمعه أم لا.
في الستينات ظهرت موضة “الميني جوب” فكنّا الأسرع الى نقلها, وبعدها موسيقى “الروك” فالنوادي الليلية وغيرها من العادات الغريبة عن مجتمعنا.
المشكلة أننا أصبحنا في منتصف الطريق ما بين الشرق والغرب, وقد أوجدنا جراء ذلك مزيجاً غريباً من تعقيدات الشرق وتداعيات الغرب ما أسفر عن بعض العادات والممارسات الغريبة, البعيدة عن طبيعتنا, والقريبة في الوقت نفسه من احتياجاتنا, الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن مجتمعنا هو بالفعل أرض خصبة لكل ما يأتي من الخارج ويتفاعل سلباً مع الداخل.
أما بالنسبة الى ظاهرة “عبادة الشيطان” فإنها ولا شك تندرج في الإطار نفسه, فهي موجة قادمة من الخارج وقد لاقت رواجاً بين عدد من المراهقين اللبنانيين, الأمر الذي يعتبر طبيعياً إذا ما نظرنا للمسألة بصورة موضوعية. “فعبادة الشيطان” شكل من أشكال التمرد على القيم والمفاهيم والمعتقدات الدينية السائدة, والمراهق متمرد بطبيعته, يسعى الى إثبات ذاته عن طريق الثورة على جميع أشكال السلطة, بما فيها الأهل والمدرسة والقانون وحتى الله نفسه.
هو إذاً ثائر يفتح جناحيه ليطير من القفص العائلي محاولاً الإثبات أنه كائن مستقل بذاته وليس مجرد استمرارية لأهله أو لعائلته. وعبادة الشيطان في هذه الحالة هي نزوة أو حالة نفسية يمر بها المراهق أو المراهقة لإظهار التمرد على أشده في شكل يسيء الى كل من يرمز الى السلطة, عدوّه الأول. لكن الخطورة في أن هذه النزوة قد تنتهي بضرر جسيم على صاحبها نظراً لما تحمله الظاهرة المذكورة من ممارسات شاذة.


- إذا كانت عبادة الشيطان تمثل إحدى حالات التمرّد التي ينشدها المراهقون, فهل يعني ذلك أن جميع شبابنا مهدد بالإنحراف؟
­ أشرت سابقاً الى أن هذه الظاهرة تسترعي اهتمام عدد من المراهقين وليس جميعهم, لأن عدداً كبيراً منهم محصّن ضد الإنحراف بفعل التربية العائلية والبيئة التي نشأ فيها. أما المراهقون الأكثر عرضة للإلتحاق بمجموعات كهذه, فهم أولئك الذين يتصفون بضعف البنية النفسية والحصانة النفسية, ما يجعلهم عرضة لكل الأفكار التي يعتبرونها متنفساً لكبتهم. ولعل أخطر ما في المسألة أن البعض من هؤلاء يتعاطون مع الموضوع بناء على قناعة ذاتية بأنهم ينتمون الى مدرسة الشيطان وما ترمز إليه من فحش ودعارة ومخدرات وجرائم. والواقع أن هؤلاء يحيدون عن الخط الطبيعي الى آخر نتيجة تشنجات نفسية تعكس أمراً من إثنين, إما مشاكل نفسية علائقية إنعكست تصرفات عدائية أو نزوة تحولت الى ميل للإجرام.
فإذا كان السبب هو الأول, فهؤلاء أشخاص يحتاجون الى العلاج النفسي السريع. أما إذا كان السبب الثاني فيجب أن تتم ملاحقتهم ومعاقبتهم لكي يكونوا المثل لمن سيحذو حذوهم.


- أشرت في حديثك الى “ضعف في الحصانة النفسية” يدفع الشباب الى الإنحراف, فمن المسؤول عن هذا الضعف؟
­ من الطبيعي أن الأبوين هما المسؤولان بالدرجة الأولى عن تربية أبنائهما, لذا فإن معظم حالات الضياع التي يعاني منها المراهقون سببها غياب دور الأهل. فهناك فئة من الأهالي الغائبين تماماً عمّا يحصل مع أبنائهم وهم يعتبرون أن ما يصيب أبناء الغير لا يعنيهم نهائياً. هؤلاء يعيشون حالة جهل مطلق لما يدور في عالم أبنائهم وبناتهم, ويكتفون بإعطائهم التوجيهات القاسية والإكثار من الأوامر من دون إتاحة المجال للتواصل المثمر.
وهناك فئة أخرى من الآباء والأمهات “المستقيلين” من واجباتهم التربوية. فهؤلاء مشغولون بأمورهم الخاصة, ويعتمدون على الخدم لإدارة شؤون أولادهم.
المشكلة إذاً تكمن في استقالة الأهل من عالم التوجيه والتربية. وفي هذه الحالة يشعر المراهق أنه لا ينتمي لأي مجموعة أو عائلة, ما يدفعه الى البحث عن مجموعة أخرى, وطبعاً فإن إمكانية الوقوع في الخطأ تصبح واردة جداً, لا سيما وأن مناعة المراهق تضعف مع الوقت في ظل الضغوط الحياتية المستمرة وغياب الإرشاد والرعاية.

 

- في حال لاحظ الأهل لدى أبنائهم بوادر إنجراف في تيار عبادة الشيطان أو أي ميول لذلك, فما الخطوات الواجب عليهم اتخاذها؟
­ من واجبات الأهل خلق خط تواصلي مع أبنائهم بصورة مستمرة, وفي حال لاحظوا علامات حياد عن الخط الطبيعي, عليهم مراقبة الوضع عن كثب للتأكد أولاً من شكوكهم, فلا يلقون التهم جزافاً لمجرد رؤية وشم أو علامة شبيهة بأحد رموز عبادة الشيطان.
من واجبات الأهل أيضاً التنسيق مع المدرسة بصورة مستمرة, وعلى الأخيرة تحمّل مسؤوليتها التربوية بشكل جدي, فلا تختبئ وراء إصبعها أو تخشى على سمعتها, وإنما عليها أن تساهم مع الأهل في عملية الإرشاد والتوجيه وكشف الخطأ لدى حدوثه بغية معالجته بالشكل الصحيح.
في حال التأكد من حالة الإنجراف في تيار عبادة الشيطان, على الأهل متابعة الإبن أو الإبنة لمعرفة السبب وراء هذه الحالة. وغالباً ما تؤدي المتابعة النفسية المتخصصة الى “الشفاء”, وقد يوصي الإختصاصيون الأهل باعتماد القسوة مع أبنائهم لأن ما وصلوا إليه يكون نتيجة الإفراط في الدلال, وقد يطلبون منهم اعتماد اللين والكياسة إذا ما كان السبب هو القسوة. وقد يكون السبب عضوياً نتيجة خلل هرموني يجعل المراهق عرضة للإنحراف, وهي حالة تستدعي العلاج وليس العقاب.

 

كيف انطلقت هذه البدعة؟

ظهرت بدعة عبادة الشيطان في العام 1966 على يد الأميركي انطون لافاي الذي أسس “كنيسة الشيطان” وعنها صدر “إنجيل الشيطان” و”القداس الأسود” الخاص بأصحاب هذه البدعة.
يمارس عبدة الشيطان طقوساً تدل على انحراف شديد, من بينها الترتيب لجلسات استماع لأنواع معينة من الموسيقى, وممارسة الجنس بشكل جماعي واللواط وتعاطي المخدرات, إضافة الى الإجتماع في المقابر المهجورة لتنظيم المراسم الشيطانية التي يتخللها نبش القبور والبحث عن جثث الموتى ومن ثم الرقص فوقها. ومن عاداتهم أيضاً ذبح القطط باعتبار نفوسها من الشيطان, فيشربون من دمائها ويلطخون أجسادهم ووجوههم بها.
أما أبشع طقوسهم فهو “القداس الأسود” وفيه يجدفون على الله وعلى المسيح ويشتمونه في ما يشبه الترانيم في العبادة المسيحية, ويقومون بكسر الصليب وقلبه وحرق أكبر عدد من الكتب المقدسة تصل إليها أياديهم, ويقدمون الذبائح البشرية بما فيها الأطفال وهم يتعاطون الخمور والمخدرات, ويمارسون كل أنواع الجنس الطبيعي منها والشاذ, كما يعلنون رفضهم لله وطرقه ويعملون كل ما يأمرهم به إبليس إلههم.
يرتدي عبدة الشيطان عادة الثياب السوداء, ويطلقون شعرهم, ويرسمون وشم الصليب المعقوف أو نجمة داود على صدورهم وأذرعهم. وهم يتميزون بإشارات ورموز خاصة بهم من بينها علامتهم الخاصة وهي رفع إصبعين رمزاً للشيطان.