آفاق العلوم

2005 عام الآمال الكبرى
إعداد: رويدا سمرا

سنة عالمية للفيزيـــــــاء يتخلّلهـــــا الكشف عن كثير من أسرار الكون

خطوات الى الأمام تجعل العالم أفضل. هذا ما يعدنا العلماء به لسنة 2005، في مجال الفضاء، وأيضاً في مجال مكافحة الأمراض كما في مجالي المواصلات والطاقة. ويعدنا العلماء كذلك بتحسينات على صعيد البيئة والكشف عن بعض أسرار الحياة.

 

السنة العالمية للفيزياء

في العام 1905 أي منذ مئة عام بالتحديد، أعلن عالم فيزيائي يُدعى ألبرت انشتاين عن قانون النسبيّة، واضعاً بذلك أسساً للكون الذي أصبح اليوم مألوفاً بالنسبة إلينا. وقد مهّد اينشتاين منذ ذلك الحين، الطريق أمام علم الفيزياء بكامله، مرتكزاً على ثابتة لا يمكن تخطّيها، وهي سرعة الضوء. واليوم، وبعد مرور مئة عام، سوف تختبر هذه السنة «صدق تنبّؤاته»، حتى تتمكن من تخطّيها في ما بعد. وسوف يتم ذلك عبر تجارب علمية كبيرة تتناول المكان - الزمان، وطبيعة الطاقة السوداء وأيضاً موجات الجاذبية. وتشكل نتائج هذه التجارب تتويجاً لسنة 2005، التي أعطتها الأونيسكو لقب «السنة العالمية للفيزياء»، احتفاء بالحقبة المئوية التي شهدت مسيرة علمية ضخمة، ولكن لا يمكن مقارنتها بالآفاق التي تنتظرنا!

 

الكشف عن موجات الجاذبية

في العام 2005، يأمل العلماء أخيراً بمراقبة موجات الجاذبية. فبماذا يتعلق الأمر؟ إنها موجات تولّدها انفجارات عنيفة تحدث في الكون وتنتشر في الزمان - المكان، فتغيّر شكله مثلما تفعل الموجة على سطح البحيرة. وكان انشتاين قد تنبّـأ عام 1916، بوجـود مثل هذه الموجات. لكن الكشف عنهـا كان مستحيلاً. واليوم، أصبح بالإمكان القيـام بذلـك عبـر جهـاز خـارق، اسمـه «ليغو» (LIGO: Laser Interferometer Gravitational - Wave Observatory) وهو عبارة عن آلة قياس بواسطة التداخل الضوئي، يمكنها أن تلتقط وللمرة الأولى، الإشارة المتناهية في الصغر، التي تصدر عن موجات الجاذبية. ويأخذ جهاز «ليغو» شكل مثلّث يبلغ طول ضلعيه أربعة كيلومترات، يعتمد قياسهما على أشعة الليزر. وعند مرور موجات الجاذبية، يتطاول أحد ضلعي المثلث، بينما ينكمش الضلع الآخر. ويتم ذلك بنسبة ضئيلة للغاية، اذ يكون الفرق بين طول الضلعين، أصغر بمليار مرة، من قطر أصغر الذرّات!! وكان التحدّي يكمن كله في جعل الجهاز حسّاساً لمثل هذه المقاييس المتناهية في الصغر. ويبدو ان جهاز «ليغو» أصبح اليوم جاهزاً، بعد أربعة أعوام على ضبطه ليصبح مثالياً في حساسيته عند مرور أي موجة من موجات الجاذبية.

 

الكشف عن منشأ النظام الشمسي

سوف تبقى ذكرى الرابع من تموز 2005 في الأذهان طويلاً. إذ يعد علماء النازا، في العيد الأميركي الوطني، بحدث فضائي من دون سابقة: سوف تسبر المركبة «Deep Impact»، التي أطلقت في العام 2004، أغوار المذنّب «Tempel 1». أما الهدف، فهو الكشف عن بنية هذا المذنب وتركيبته الداخلية. ولكن لماذا الإصرار على الدخول الى عمق المذنب؟ يقول العلماء إن المذنبات لا تزال تحتفظ بداخلها، بالمادة الأولية بشكلها الخام، وهي المادة التي شكّلت أساساً «لبناء» نظامنا الشمسي. والجدير بالذكر أن العلم تمكّن حتى اليوم من الكشف فقط عن السطح الخارجي للمذنبات، التي يسمّيها العلماء أيضاً كرات الثلج الوسخ. أما الثلج، فلأنها تتألف من عدة أنواع من الجليد (الماء، اوكسيد الكربون، الميتان..)، وأما المظهر الوسخ فمرده إلى حبيبات الغبار.

 

أسرار الإشعاع الكوني

في حزيران 2005، يتم انجاز أكبر جهاز مراقبة للإشعاع الكوني، بعد اثني عشر عاماً من الجهد، نُشرت خلالها معدّات تقنية لاقطة، على مساحة ستة آلاف كيلومتر مربع في الأرجنتين. ويتمكن هذا الجهاز من التقاط أقوى الإشعاعات الكونية الآتية الى الأرض، والكشف بالتالي عن خفاياها. ولكن ما هي الإشعاعات الكونية؟ إنها جزئيات عادية جداً، فقد تكون مجرّد نوى (جمع نواة) ذرية، أو نوترونات أو جزئيات من الطاقة الضوئية.
ولكن ما يميّز هذه الإشعاعات، هي الطاقة التي تُقذف بها الى كوكبنا، إذ تفوق بمليون مرة، أكبر مسرّع للجزئيات! ويقول العلماء إن ما يسبّب الإشعاعات الكونية، هي ظواهر كارثية تتعرّض لها الكواكب. غير أن العلم لم يشهد بعد أي آلية قادرة على إحداث مثل هذه الطاقة العنيفة. وهو اللغز الذي يأمل المراقبون في الأرجنتين من إيجاد تفسير له خلال العام 2005.

 

الكشف عن طبيعة الطاقة السوداء

منذ سبع سنوات، كان لهذا الخبر أصداؤه المدوّية في المجتمع العلمي: إن التمدّد الذي واكب الكـون منذ حدوث الانفجـار الكبيـر (Big Bang)، أي منذ ما يقارب الأربعة عشر مليار سنة، هو في تسارع مستمر. وبمعنى آخر، نحن نعيش فترة من تاريخ الكون يتوسّع فيها الفضاء أكثر فأكثر. كيف توصّل الباحثون الى هذا الاستنتاج؟ عبر مراقبة انفجار النجوم في قلب المجرّات البعيدة: فالطاقة الضوئية لهذه النجوم وبالتالي للمجرّات التابعة لها، كانت أبعد بكثير عن كوكبنا، من الطاقة الضوئية التي تفرضها الحسابات التي ترتكز على نظرية التمدّد الثابت للكون. وهذا يعني وجود طاقة مسؤولة عن «تمغيط» الفضاء. ومنذ الاعلان عن هذا الواقع العلمي الجديد، أصبحت فكرة الكشف عن طبيعة هذه الطاقة السوداء الغامضة، الشغل الشاغل لعلماء الفضاء. وسوف تكون سنة 2005، أول شاهد على بوادر الحل، لهذا اللغز الكوني. أما الطريقة لذلك فسوف تأتي عبر قياس دقيق لسرعة تباعد الانفجارات النجمية، وهو تباعد ينتج - كما سبق وذكرنا - عن حركة تمدّد الكون. وانطلاقاً من هذه القياسات الدقيقة، يتوصّل العلماء الى معرفة القيمة النسبية بين ضغط الطاقة السوداء وكثافتها، تماماً كما يجري الأمر بالنسبة إلى أي نوع من الغاز. وهكذا يمكن الكشف بالتالي عن مؤشرات قيّمة حول طبيعة هذه الطاقة. أما الجهاز القادر على إعطاء مثل هذه القياسات الدقيقة، فهو مركّز اليوم على معدّات التلسكوب في مرصد للمراقبة، أنشئ على قمة بركان «مونا كيّا» في هاواي، وسيبدأ عمله في منتصف العام 2005.

 

في العدد القادم، الانفجارات العلمية الأخرى المتوقعة للعام 2007 في مجالات
الطب والطاقة وتحسين البيئة.