عبارة

تعود ذكرى الاستقلال هذا العام في ظلّ صعوباتٍ وأزماتٍ جمّة تحيط بلبنان؛ هي أزمات تركت أثرًا جسيمًا على مختلف المستويات، بدءًا من الضائقة الاقتصاديّة الخانقة التي تلقي بثقلها على حياة المواطنين ومعيشتهم وقدرتهم الشرائيّة، مرورًا بجائحة كورونا وخطرها الصحيّ وقيودها المفروضة على تنقلات الناس حتّى باتوا محرومين من النشاطات المعتادة واللقاء والتواصل العائليّ والاجتماعيّ السليم. وجاءت كارثة انفجار المرفأ وما خلّفتْه من أضرار فادحة في الأرواح والممتلكات لتُضاعف معاناة اللبنانيّين وتُفاقِم مآسيهم. يُضاف إلى ذلك كلّه نتائج وجود النازحين السوريّين منذ سنوات، وهو بحدّ ذاته عبء مُرهق يصعب على أكبر الدول تحمُّلُه بالنظر إلى أعداد النازحين قياسًا بحجم بلدنا.
ليس سهلًا على المرء أن يستعيد الاستقلال وبهجته ورونقه الخاص وهو ينظر إلى هذا الكم من المشاكل التي ينبغي التعامل معها على صعيد الأفراد كما على صعيد الدولة ومؤسّساتها. ولا نقصد أنّ معاني الاستقلال ومكانَتَه السامية في النفوس قد تغيّرت، لكنّنا نجد من الضروري خلال أوقات الشدّة هذه أن نشير إلى مبدأ جوهريّ هو الوفاء للبنان.
وإذا كان من بديهيّات الأخلاق والفضيلة أن يكون الإنسان وفيًّا لمن أحسن إليه، فإنّه من الطبيعي أن يتحلّى بالوفاء تجاه الأرض التي وَلَدَتْه ومَنَحَتْه صفاته الشخصيّة، وإلى المجتمع الذي احتضنه أيام الطفولة والمراهقة وأعطاه الهويّة والفكر والذكريات ولحظات السعادة. أمّا لوازم هذا الوفاء، فأوّلها عدم التخلّي عن الوطن، والتطلّع الدائم إلى خلاصه من محنته، والعمل على ما يُعْلي شأنَه، وتقديم مصلحته على المصلحة الشخصية وحسابات الربح والخسارة، وبالطبع تربية الأجيال الناشئة على أسس وطنية سليمة تُنمّي الاعتزاز بالانتماء إلى بلادهم. ويغدو مبدأ الوفاء أكثر أهميّة كلّما ارتقى الإنسان في مواقع الوظيفة والمسؤوليّة، وكلّما ازدادت قراراته تأثيرًا في الحياة العامة.
خلاصة القول أنّ الوطن يستحقّ منّا الوفاء والعطاء والتضحية تمامًا كعائلتنا التي ربّتْنا ورعتْنا، فلا يجوز أن تكون محبّتنا له مقتصرة على أوقات السرور والرخاء. كما لا يصحّ أن تتقدّم أي مصلحة على المصلحة الوطنيّة العليا، لأنّ الخطر داهم والأوضاع تتطلب التكاتف لإيجاد الحلول التي تتيح لبلدنا الخروج من مأزقه، حتى يسترجع موقعه الطبيعي كمنارة للحضارة والعلم والتقدم.

العميد علي قانصو
مدير التوجيه