بين الأمس واليوم

66 عاماً... ونستمرّ في العطاء

موعده مع المصاعب ثابت لا تعديل فيه، ولقاؤه بالنّجاح مضمون وأكيد،
فلا مكان لكلمة «تراجع» في قاموسه العسكري.
إنه ابن الميدان، لا يغادره إلاّ لمهمّة، ولا يبتعد عنه إلاّ لعمل في سبيل الوطن.
يبذل الجهد والعرق والدم، لكنّه لا يشكو.
ويسرف في السّهر والانتظار، لكنّ الغفوة مهملة عنده، ومؤجّلة إلى أمدٍ بعيد.
لخطوات أبطاله وقع تعرفه السّاحات، وثباته في مواجهة الأنواء والأخطار يحاكي صلابة الصخّر وخلود الأرز في الأعالي.
إنه جيش لبنان في عيده السّادس والسّتين، ذكرى تضيف إنجازاً إلى ما سبق،وتمهّد لأكثر من إنجاز، والحصاد دائماً هو الوطن، بوحدته وسلامة مؤسّساته وكرامة أبنائه، ورسوخ مكانته في كلّ زمان.

 

جيش على صورة الوطن
لم يخلُ تاريخ لبنان القديم من جندي يرخي بظلاله المؤنسة فوق بيت أهله، وحقول جيرانه، وحدود بني قومه، وكانت رسالته على الدوام مواجهة الطامعين والتّصدي للغزاة. إلاّ أن الانطـلاقة الحديثة لجيشه عرفت نواتها الأولى العام 1916، حين أنشأت السلطات الفرنسية ما عرف بـ«فرقة الشرق» التابعة للجيش الفرنسي، والتي انضمّ إليها عدد من اللّبنانيين مشكّلين كياناً لبنانياً تطوَّر يوماً بعد يوم، حتى كان العام 1926، تاريخ إنشاء «فوج القناصة اللبنانية»، الذي شكّل نواة الجيش اللبناني في المراحل اللاحقة.
إلاّ أنّ صراعاً حادّاً نشأ في أواخر الثلاثينيّات من القرن الماضي، بين طرفي القوات الفرنسية: تلك التابعة لحكومة فيشي من جهة، وتلك التابعة لحكومة ديغول (فرنسا الحرة) من جهة أخرى، مّما دفع الضبّاط اللبنانيين إلى عقد اجتماعهم المعروف في زوق مكايل العام 1941، مقسمين أنه لن تكون لهم علاقة إلاّ بحكومتهم الوطنية، ولن يعملوا إلاّ في سبيل وطنهم لبنان، وموقّعين على وثيقة تاريخية بهذا الخصوص.
العام 1943 تمّ ضمّ الوحدات العسكرية اللبنانية المنتشرة عملانياً في قطعة واحدة عرفت باسم اللواء الخامس، استأنفت العمل بمعظمها في جهازية القوات الفرنسية باستثناء فوج القنّاصة، أي الفوج الثالث، الذي تمّ وضعه بتصرف الحكومة اللبنانية غداة إعلان الاستقلال.
تلت ذلك، مفاوضات صعبة بين السلطات اللبنانية والحلفاء حول تسلّم الجيش اللبناني بشكل كامل، أفضت إلى صدور قرار عن هيئة أركان حـرب القيادة المختلطة الفرنسية - الإنكليزية، قضى بانتقال الجيش اللبناني إلى كنف الدولة اللبنانية بقيادة الزعيـم فــؤاد شهـاب، وذلك اعتباراً من السّاعة صفر من الأول من آب العام 1945، وهو التاريخ الرسمي لتأسيس الجيش اللبناني.
ولهذه المناسبة أقيم احتفال عسكري أمام وزارة الدفاع الوطني في منطقة المتحف - بيروت، حضره رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، وذلك بالتزامن مع رفع العلم اللبناني بصورة نهائية فوق جميع المؤسسات الحكومية، هذا العلم الذي أقسم جيش البلاد برمّته «أن يقوم بواجبه كاملاً حفاظاً عليه...».

 

مهمّات ثابتة
المهمَّة الرئيسة التي يتولى الجيش القيام بها، هي الدفاع عن لبنان ضد العدو الإسرائيلي، الذي يتربص به، ويتحيّن الفرصة تلو الأخرى، للانقضاض على خيرات أرضه، ومنجزات شعبه. إلاّ أن ذلك لم يدفع المؤسسة العسكرية إلى تقليص اهتمامها بالأوضاع الأمنية، خصوصاً أن هذا العدو قد دأب في الماضي ولا يزال، على بث سمومه في نسيجنا الوطني المميّز، تبريراً لوجود كيانه العنصري الذي يرفض الآخر ولا يعترف بحقوقه.
كما أنّ الإرهاب، وهو الخطر الشامل باعتراف العالم كلّه، وإلى جانبه العابثون بالأمن والخارجون على القانون، قد حتّموا تخصيص جهد كبير للداخل، حفاظاً على المؤسسات وحمايةً للمواطنين. وبالإضافة إلى ما سبق، يطلّ الجندي اللبناني أيضاً على أبناء مجتمعه من نوافذ الإنماء والإعمار في قطاعات واهتمامات مختلفة، مع إبقاء بندقيته قريبة منه، تحت نظره، وفي متناول ساعديه.


• الدفاع عن الوطن:
يقسم الجندي فور انضوائه إلى الحياة العسكرية أن يحمي علم بلاده، وأن يذود عن وطنه لبنان، الذي كان من أقداره أن تنشأ على حدوده دولة عنصرية، ما انفكت تمارس الاعتداء تلو الآخر على أرضه وشعبه، كما قامت بتهجير قسم كبير من الأشقاء الفلسطينيين إلى أرضه، ولا تزال حتى يومنا الحاضر تمنع عنهم حق العودة إلى ديارهم، ضاربة عرض الحائط بجميع المواثيق والقرارات الدولية التي ترعى حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وتأمين مطالبها المشروعة.
ولقد كان الجيش دائماً على قدر المسؤولية في تنفيذ واجبه الدفاعي، بحيث خاض وهو لم يزل فتياً خلال العام 1948، أولى معاركه البطولية في بلدة المالكية، التي استطاع تحريرها من العدو الإسرائيلي، على الرغم من عدم التكافؤ في موازين القوى، ثم توالت بعد ذلك سلسلة المواجهات مع هذا العدو، لا سيّما في منطقة سوق الخان العام 1970، وعلى محوري بيت ياحون - تبنين وكفرا - ياطر العام 1972، وفي صور العام 1975، مروراً باجتياحي العام 1978 والعام 1982، وعمليتي تصفية الحساب العام 1993، وعناقيد الغضب العام 1996، ومواجهات عرب صاليم وأنصارية العام 1997، وعدوان تموز العام 2006 وصولاً إلى مواجهة العديسة في شهر آب من العام الماضي، حيث تصدى الجيش بكلّ شجاعة وبسالة لدورية إسرائيلية معادية اجتازت الخط التقني في خراج البلدة المذكورة إلى أراضٍ متحفظ عنها لبنانياً، وقد حصل اشتباك استمر لعدة ساعات، استخدم فيه العدو الأسلحة الثقيلة ضد مراكز الجيش ومنازل المدنيين، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عسكريين اثنين ومواطن إعلامي وإصابة آخرين بجروح، فيما سقط للعدو عدد من القتلى والجرحى. وقد انتهت المواجهة بانسحاب الدورية المعتدية إلى مراكزها، وبقيت قوى الجيش في حالة جهوزية تامة تحسباً لأي طارئ.
وبمناسبة يوم النكبة في الخامس عشر من شهر أيار المنصرم، أقدمت قوات العدوّ على إطلاق النار على عدد من المحتشدين الفلسطينيين العزّل عند الحدود الجنوبية، المطالبين باستعادة أرضهم وحق العودة إليها، ما أدّى إلى استشهاد عدد منهم وجرح آخرين. وقد وضعت قوى الجيش في حالة استنفار قصوى إثر تلك المجزرة، كما قامت بإجراء التنسيق اللازم مع القوات الدولية لمنع تمادي العدو في استهداف الجموع، وانتهاك السيادة اللبنانية.
وفي الخامس من شهر حزيران، يوم النكسة، حرصت القيادة على عدم تكرار ما حصل في المناسبة السابقة، حفاظاً منها على سلامة الأخوة الفلسطينيين، ومنعاً لإعطاء إسرائيل أيّ حجة للتمادي في ممارسة همجيتها المعروفة، سواء بالاعتداء على المحتجّين بالقتل والخطف، أو بتنفيذ عدوان جديد على لبنان تكون قد حضّرت له من قبل، وتنتظر الذريعة للبدء به على الفور.
وقد أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي في أمر اليوم الذي وجهه إلى العسكريين بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للمقاومة والتحرير، أن انتشارهم عند ثغور الوطن في الجنوب دفاعاً عن أهله وترابه ضد أي عدوان إسرائيلي، وحفاظاً على الاستقرار في المنطقة بالتلاحم مع شعبهم المقاوم، وبالتعاون الوثيق مع القوات الدولية المؤقتة في لبنان، هو في صلب واجبهم الذي نذروا أنفسهم له منذ البداية وأقسموا في سبيله يمين الولاء.

 

• التعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان:
أكّدت القيادة باستمرار حرص الجيش على استقرار المناطق الجنوبية، وتنفيذ القرار 1701 بصورة كاملة وذلك بالتنسيق والتعاون الدائمين مع القوات الدولية، لافتةً في الوقت عينه، إلى أن الحفاظ على هذا الاستقرار لا يقتصر على التزام الجانب اللبناني القرار المذكور، بل يرتبط أيضاً بسلوك ونيّات الجانب الإسرائيلي الذي يستمر في احتلاله أراضٍ لبنانية في الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ويواصل إطلاق تهديداته ضد لبنان والتمادي في انتهاك سيادته، بحيث بلغت خروقاته الجوية والبحرية والبرية الأراضي اللبنانية منذ مطلع هذا العام ولغاية الأول من شهر تموز الفائت نحو 625 خرقاً.
وفي إطار هذا التعاون بين الجانبين ولتأكيد تمسك الجيش بكلّ شبر من تراب الوطن، تواصل إحدى اللجان التقنية التابعة له، بالتعاون مع القوات الدولية، عملية إعادة تعليم الخط الأزرق عند الحدود، حيث أنهت القسم الممتد من اللبونة حتى بليدا، وقد بلغ مجموع النقاط التي تم تعليمها منذ بدء عمل اللجنة وحتى تاريخه 83 نقطة.
من جهة أخرى، يجري الجيش من وقت إلى آخر، تدريبات ومناورات ورمايات مشتركة مع القوات المذكورة، بهدف رفع مستوى التنسيق الميداني بين الجانبين، والتحقق من القدرة على مواجهة أي طارئ، إضافة إلى تعزيز الكفاءة القتالية لدى العسكريين.

 

• الحفاظ على الأمن والاستقرار:
انطلاقاً من إيمانها الراسخ، بأن الأمن السليم يشكّل الضمانة الأولى للحفاظ على مناخ الحرية الذي ينعم به لبنان، أكّدت القيادة غير مرّة، أن تباين مواقف اللبنانيين وآرائهم تجاه القضايا السياسية الداخلية المطروحة، هو في الأساس ظاهرة ديمقراطية صحيّة، خصوصاً إذا كان لا يمسّ بالثوابت والمسلّمات الوطنية، لكن ربط هذا التباين بمصطلحات الانقسام والتشرذم، هو الذي يشكّل خطراً على الوطن، ومن غير المسموح إسقاط الخلافات على الأرض، وتحويلها إلى فتنة تهدد أمن المواطنين، وتضرب المكتسبات الوطنية في الصميم. فالخلاف السياسي يُحلّ بالطرق السياسية، أمّا الأمن فهو حق مقدّس للجميع، ومن واجب المؤسسة العسكرية الحفاظ عليه مهما بلغت التضحيات.
والمهمات الأمنية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية، تزداد كثافة يوماً بعد يوم، ليس لدقّة المرحلة وتشابك الأحداث في الداخل والخارج فحسب، بل أيضاً لازدياد الثقة بالجيش، واعتبار الاعتماد عليه أمراً طبيعياً عند كلِّ استحقاق وغداة أي حدث.
ويرتكز الجيش في أدائه هذه المهمّة على الأسس التالية:
- التنسيق الدائم مع القوى الأمنية، والحرص على تكامل العمل في ما بينها.
- الحضور الفاعل للوحدات العسكرية في مختلف المدن والبلدات والقرى اللبنانية.
- التقصي المستمر عن نشاطات عناصر شبكات الإرهاب والعمالة، والعابثين بالأمن، وملاحقتهم حتى توقيفهم وتسليمهم إلى القضاء.
- التدخل الفوري لدى حصول حوادث أمنية، بغية محاصرتها وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها بالسرعة القصوى.
- عدم جعل لبنان مقراً أو ممراً لتصدير الفتنة إلى الدول العربية الشقيقة، وفي المقابل تحصين الوطن من انعكاسات ما يجري من أحداث خارج حدوده.
وقد كان من حصيلة الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش ما يأتي:
- توقيف عدد كبير من الأشخاص المطلوبين للعدالة، وآخرين لارتكابهم جرائم ومخالفات مشهودة، تتعلق بالإخلال بالأمن، وحيازة المخدرات أو الإتجار بها، وممارسة التهريب وتداول العملات المزوّرة، وحيازة الأسلحة والذخائر، والتجوال من دون إقامات شرعية، وقيادة سيارات ودراجات نارية من دون أوراق ثبوتية.
- المشاركة الفاعلة في عمليات البحث والتحري عن المواطنين الأستونيين الذين كانوا قد اختطفوا خلال شهر آذار الفائت، وما اقتضى ذلك من إقامة نقاط تفتيش، وتنفيذ عمليات دهم أماكن مشبوهة، وجمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بهم حتى تحريرهم خلال شهر تموز الفائت.
- المساهمة في إعادة فرض النظام في عدد من السجون التي شهدت احتجاجات عنيفة من قبل بعض الموقوفين، والتعامل مع هؤلاء بمسؤولية كبيرة ودقة فائقة، منعاً لوقوع إصابات في صفوفهم.
- مساندة قوى الأمن في قمع التعديات على الأملاك العامة والخاصة.
- التشدد في ضبط الحدود البرية والبحرية وتعزيز القوى العسكرية خصوصاً على الحدود الشمالية، بهدف منع أعمال التسلل والتهريب بالاتجاهين، والحفاظ على سلامة المواطنين في ظل الأحداث الأمنية التي حصلت بالقرب من تلك المنطقة.
- مؤازرة القوى الأمنية في عملية إتلاف المزروعات الممنوعة في بعض المناطق.

 

• مكافحة التجسّس:
تمادياً في مخططاته الخبيثة، ورغبة منه في زعزعة استقرار الداخل اللبناني، لا يزال العدو الإسرائيلي يلجأ إلى الإيقاع ببعض الأشخاص من ذوي النفوس الضعيفة، بغية تنفيذ أعمال تجسسية وتخريبية هنا وهناك، لكنّ بقاء الجيش بالمرصاد كعادته لهذا الخطر، وتحلّي الشعب اللبناني بما يكفي من الحصانة والوعي، قد أدّيا إلى إفشال مخططات العدو، عبر توقيف عدد كبير من هؤلاء العملاء، وإحالتهم على القضاء المختص، ومتابعة التقصي عن آخرين مشتبه فيهم.
وفي سياق متصل، تمكّنت مديرية المخابرات في الجيش من كشف ثلاث منظومات إسرائيلية للتجسس والتصوير، الأولى زرعت في منطقة صنين، وهي تعمل بتقنية فنية عالية تصل إلى حد كشف أهداف بعيدة المدى بشكل دقيق، وتحديد إحداثيات أهداف أرضية لتسهيل ضربها.
والثانية زرعت في مرتفعات الباروك، وهي عبارة عن صخرتين مموّهتين تحوي إحداهما جهاز استقبال يغطي معظم بلدات البقاع الغربي والأوسط وصولاً إلى بعض المناطق السورية، وعدداً كبيراً من بلدات الجنوب وصولاً إلى حدود فلسطين المحتلة، أمّا الأخرى فهي عبارة عن حاوية تضم عدداً كبيراً من الركائم تكفي لتغذية الجهاز عدة سنوات.
والثالثة زرعت أيضاً بشكل صخرة مموّهة في منطقة شمع قرب مدينة صور، وهي تؤمّن تغطية الساحل الجنوبي من البياضة حتى صور، ويتم تشغيلها بواسطة طائرات الاستطلاع.

 

• التصدي للإرهاب:
يعتبر الإرهاب خطراً شاملاً يتهدّد دول العالم قاطبة، كونه يشكّل النقيض الواضح للتنوع الفكري والثقافي والعقائدي، ويسعى إلى منع التقارب الإنساني بين الشعوب، وفرض الرأي الواحد على الجميع، وهو بالتالي نقيض الصيغة اللبنانية القائمة على التلاقي والانصهار بين مختلف مكوّنات الشعب.
ولقد واجه الجيش اللبناني الإرهاب في مراحل متعددة، خصوصاً في معركة نهر البارد البطولية، التي قدم خلالها قافلة كبيرة من الشهداء والجرحى والمعوقين. واليوم، يواصل رصد هذا العدو الخطر والاستعداد لمواجهته، من خلال التحري المستمر عن خلاياه النائمة، وتنفيذ مناورات وتمارين قتالية خاصة بهذا الشأن، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والمعلومات حول هذا الموضوع مع الجيوش الشقيقة والصديقة، لأن القضية تهم الجميع.

 

• المساهمة في الأعمال الإنمائية والإنسانية:
تشكّل المهمة الإنمائية والإنسانية التي يضطلع بها الجيش، أحد وجوه ارتباطه الوثيق بالمجتمع المدني، وقد شملت هذه المهمّة ولا تزال، مساهمة الوحدات العسكرية في حملات تنظيف الشواطئ، وتأهيل المرافق السياحية والمواقع الأثرية، وإطفاء الحرائق وإعادة تشجير الغابات، وتركيب جسور مؤقتة وشق طرقات في القرى النائية، إلى جانب رفد بعض المؤسسات الرسمية والأهلية بالخبرات والوسائل والطاقات البشرية، وتنفيذ عمليات إخلاء وإنقاذ لدى حصول أحداث أمنية أو كوارث طبيعية، وتخمين الأضرار الناجمة عنها، وتقديم الخدمات الطبية كلّما دعت الحاجة.
وفي مجال يتصل بالأمن والإنماء معاً، يواصل المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام ووحدات الهندسة في الجيش بالتعاون مع منظمات غير حكومية وفرق تابعة لجيوش شقيقة وصديقة، أعمال إزالة الألغام والقنابل العنقودية التي خلّفها العدو الإسرائيلي وراءه في الجنوب، والبالغـة نحو 550،000 لغم وأكثر من مليون قنبلة عنقودية. وقد تم لغاية تاريخه، إزالة 140 ألف لغم ضمن مساحة تعادل 51٪ من المساحة العامة الملوثة بالألغام، و204000 قنبلة عنقودية ضمن مساحة تعادل 67٪ من المساحة العامة الملوثة بالقنابل العنقودية، بالإضافة إلى إزالة 523 قنبلة وصاروخ طيران، و45000 قذيفة من أنواع مختلفة.
وفي المجال الإنساني، يتواصل التدريب المشترك بين الجيش وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، والأجهزة الأمنية وعدد من الوزارات المختصة والهيئات الرسمية والمنظمات الإنسانية، حول فرضية وقوع زلازل مفاجئة، وإعلان حالة طوارئ إنسانية واسعة، وتدخل القوى لتنفيذ عمليات بحث وإنقاذ وإخلاء، بالإضافة إلى أعمال الإطفاء وإزالة الركام والتخلص من المواد المتفجرة.
 
نشاطات مختلفة
في إطار تعزيز التعاون الثقافي بين الجيشين اللبناني والفرنسي، وبغية رفع مستوى اهتمام العسكريين باللغة الفرنسية، نظّمت البعثة العسكرية لدى السفارة الفرنسية في لبنان، بالاشتراك مع مديرية التعليم في قيادة الجيش، مباريات في اللغة الفرنسية بمستويات مختلفة. وقد تم توزيع الشهادات على الفائزين خلال حفل أقيم في قصر الصنوبر - بيروت.
وفي نشاط لافت، نظم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش في فندق مونرو - بيروت، وبمشاركة نحو مئة باحث وأكاديمي من لبنان والدول العربية وتركيا وإيران وقبرص والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، المؤتمر الإقليمي الأول حول «القضايا الإقليمية الناشئة: تبادل الطروحات والأفكار في شؤون الشرق الأوسط». حضر حفل الافتتاح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني ممثلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وممثل عن كل من دولة رئيس مجلس النواب، ودولة رئيس مجلس الوزراء، وقائد الجيش إلى جانب حشد من الشخصيات الأكاديمية والثقافية والإعلامية.
وقد جاءت مبادرة قيادة الجيش إلى تنظيم المؤتمر تعبيراً منها عن واجب الإسهام في تعزيز مناخ الاستقرار على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، ولتأكيد دور لبنان الحضاري ورسالته الإنسانية، وهو الوطن الذي قدّم أمثولة للعالم في صموده أمام العدو الإسرائيلي، وفي مكافحته الإرهاب والتطرف، وفي تمسّك شعبه بالوحدة الوطنية على الرغم من التجارب القاسية التي تعرّض لها خلال عقود من الزمن.
وفي نشاط آخر، نظمت كلية إدارة الأعمال والعلوم التجارية في جامعة الروح القدس – الكسليك، ندوة بعنوان «ضباط القيادة يحاضرون في فن القيادة»، وذلك بحضور حشد من الشخصيات الرسمية والدينية والاجتماعية والثقافية، وممثلين عن مؤسسات محلية ودولية، وقد حاضر خلال الندوة عدد من الضباط القادة إلى جانب أساتذة الجامعة وشخصيات إعلامية وإعلانية، حيث عرض الجميع تجاربهم وخبراتهم في مجال إدارة الأزمات، وأساليب العمل المشتركة بين القادة العسكريين ومديري الأعمال.

 

 تطوير المؤسسة
إزاء التحدّيات التي يتعرّض لها الوطن في الداخل والخارج، ومع ضرورة أن تتناسب جهوزية المؤسسة العسكرية مع حجم المهمات الموكلة إليها، خصوصاً الدفاعية منها، وبمواكبة مستمرة من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وضعت القيادة في رأس أولويّاتها، مسألة تعزيز قدرات الجيش عديداً وعتاداً وتدريباً، بموازاة الاستفادة القصوى من الطاقات الوطنية الكامنة في الشعب والمقاومة، وذلك بما يتيح تأمين توازن الردع مع العدو الإسرائيلي، ويشكّل ضمانة لدرء الأخطار المحدقة بالبلاد.
وقد أشارت القيادة غير مرّة إلى أن أي مساعدة تتسلّمها المؤسسة العسكرية من دول شقيقة وصديقة، إنما تأتي إلى مكانها الصحيح، وتصب أولاً وأخيراً في خدمة الاستقرار المحلي والدولي، فالجميع يدرك ضريبة الدم الباهظة التي قدّمها الجيش في مواجهة الإرهاب، ويدرك أيضاً أنه لم يكن في يوم من الأيام في موقع الاعتداء على أحد، بل في موقع الدفاع عن النفس وحماية الشعب والأرض.
وفي هذا الإطار، زار العماد قهوجي كلاًَ من المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية والمملكة العربية السعودية وفرنسا، حيث أجرى مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في هذه الدول، مباحثات حول سبل تفعيل التعاون العسكري بين الجيش اللبناني وجيوشها، وقد كانت لهذه الزيارات نتائج مثمرة على أكثر من صعيد.
ولتأكيد أهمية تعزيز قدرات الجيش والأجهزة الأمنية، أشارت الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري إلى التزامها مواصلة دعم هذه القوى، وتوفير الإمكانات لها عديداً وتجهيزاً، بما يمكّنها من الاضطلاع بمهمّاتها في حماية المواطنين ودرء الأخطار المحدقة بالوطن.

 

تكريم الجيش وقيادته
تقديراً لجهود المؤسسة العسكرية وموقعها الوطني كجسر تواصل بين جميع أبناء الوطن، ونموذجاً يقتدى به بين سائر مؤسسـات الدولــة، أقـام كلّ من جمعية محترف الفن التشكيلي، بالتعاون مع تجمع البيوتات الثقافية في لبنان، وفعاليات مدينة صيدا وأساتذة الجامعة اللبنانية في المدرسة الحربية وديوان المحاسبة، والمجلس البلدي لبلدة بعذران بالتعاون مع الرابطة الثقافية فيها، احتفالات تكريمية للجيش وقيادته، ألقيت خلالها عدة كلمات أشادت بدور المؤسسة العسكرية في تعزيز الوحدة الوطنية وحماية لبنان من الأخطار التي تتهدده باستمرار.

 

النائب السابق فايز غصن وزيراً للدفاع الوطني
بتاريخ 13/6/2011، صدر عن القصر الجمهوري مرســوم تشكيــل الحكومــة الجديدة برئاسة دولة الرئيس محمد نجيب ميقاتي، وقد عيّن فيها النائب السابق فايز غصن وزيراً للدفاع الوطني.
ولهـذه الغاية جرت في مبنى وزارة الدفــاع الوطني، مراسـم تسليم وتسلّم الوزارة بين الوزير الياس المــر مسلّمــاً والوزير غصن متسلـماً، والذي نوّه بالجهــود التي بذلها سلفه طوال فترة تولّيه مسؤولية الوزارة، وبالإنجازات التي حققها على أكثر من صعيد.
من جهته هنأ الوزير المر خلفه، متمنياً له النجاح والتوفيق في مسؤولياته الجديدة، كما أشاد بتعاون الجيش ونزاهة قيادته، معتبراً إياه المؤسسة الوطنية المثال التي يركن إليها جميــع اللبنانيين في كلّ الظروف والأوقات.
وعلى صعيد المؤسسة العسكرية، عيّن مجـلس الوزراء بتاريــخ 14/7/2011 العميد الركن وليد سلمان رئيساً لأركان الجيش بعد ترقيته إلى رتبـــة لــواء، وذلك خلفــاً للّـــواء الركــن شوقي المصــري الذي كان قد أحيــل على التقاعد بتاريخ 7/4/2011.

 

الأمل بالغد
في عيده السّادس بعد السّتين، يمضي الجيش اللّبناني في طريقه بخطىً واثقة، مدفوعاً بإرث من الدماء والتضحيات، وبإرادة يظلّلها الأمل بالغد، وهو يرى في عبارات المحبّة والإعجاب التي يرفعها الشعب في كلّ مكان، خير تأكيد على وحدة الهدف والمصير بين الجميع، وفي الرايات التي يلوّح بها أطفال البلاد عند مداخل مدارسهم، عهداً أنه متى اكتملت فتوّة سواعدهم، ونضجت ثمار معارفهم، فلا بدّ من أن يتناولوا بنادق جنوده، لإكمال المهمّة ومتابعة مسيرة الزّرع والحصاد...