مناورات وتمارين

Lebanon Wide 2021 مواجهة أزمة على الصعيد الوطني
إعداد: ندين البلعة خيرالله

على الرغم من كل التحديات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها جيشنا، يبقى همّه الأول والأخير الجهوزية الدائمة لمواجهة أي خطر قد يهدّد أمننا وسلامنا. من هنا تولي القيادة الأهمية القصوى للتدريب، «عصب الجيوش»، على حدّ قول قائد الجيش العماد جوزاف عون.

 

هذا الجيش المتواضع بإمكاناته المادية واللوجستية، لا يضيّع فرصةً للّحاق بالتكنولوجيا والتطور، والاستفادة من خبرات الجيوش المتقدمة. آخرها في الجيش الفرنسي، نظام التشبيه SOULT.

 

من JANUS إلى SOULT

افتُتح قسم المشبه التكتي في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الجيش اللبناني، في العام ٢٠٠٥ مع نظام JANUS، بدعمٍ من الجيش الفرنسي. هذا النظام هو تشبيه لكل القوى التي تنفّذ تمارين على الأرض (حتى مستوى لواء).

استمرّ التدريب على هذا النظام إلى العام ٢٠١٥، حين طوّرت شركة MASA Group (العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي) للجيش الفرنسي نظام SOULT - Simulation pour les Opérations des Unités Interarmes et de la Logistique Terrestre، وهو نسخة مُحدَّثة من سابقه.

يشرح رئيس قسم المشبه التكتي في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العقيد الركن فؤاد الحايك، نقاط الاختلاف بين النظامَين:

- اختلف المحيط الذي نعمل ضمنه، فامتدّت بقعة العمليات من بقعة محدّدة، لتشمل كامل الأراضي اللبنانية. تصبح هذه البقعة أكثر واقعية باعتماد SOULT الذي يوفّر التقنية ثلاثية الأبعاد ٣D بعد أن كانت ثنائية ٢D مع Janus.

- كانت التمارين تُنفَّذ على مستوى لواء كحدٍّ أقصى، وبات بالإمكان إشراك كل الجيش اللبناني إلى جانب باقي القوى الأمنية والمؤسسات المعنية بالعمليات المُنفَّذة في الوقت عينه.

- للذكاء الاصطناعي دور مهم جدًا في هذه النسخة الجديدة من النظام، في تحريك القوى، إذ يتمّ إدخال المهمة، فيقوم النظام بتحليل المعطيات وميزان القوى، ويقدّم التقارير ذات الصلة.

 

لَبنَنة النظام

تستند عقيدة تحليل المعلومات وتنفيذ المهمات في نظام SOULT إلى المعطيات الفرنسية وعقيدة الـNATO. من هنا برزت الحاجة إلى لبننة نظام التشبيه من حيث المهمات وتنفيذها والأسلحة المُستخدمة، لتتلاءم مع الواقع والحاجات اللبنانية. ولهذا الهدف، زوَّدت الشركة المطوّرة للنظام MASA الجيش اللبناني كل التراخيص اللازمة لإجراء التعديلات.

الإنجاز الأهم في هذا المجال، يتحدّث عنه الملازم أول علي جمّول (مسيّر أعمال الفرع التقني): استحصل فريق العمل في القسم على كل الخرائط اللازمة من مديرية الشؤون الجغرافية، وقام بتحويلها وتحميلها على شكل رسومات ومعطيات رقمية يستطيع النظام SOULT قراءتها، وصولًا إلى تحميل المعطيات الرقمية الخاصة بالأراضي اللبنانية، وإعطاء واقعية أكثر للتمارين المُنفَّذة.

هذا العمل ليس سهلًا البتة، يقول الملازم أول جمّول، فقد عمل الفريق التقني على مدى أشهر متتالية، من دون كللٍ ولا ملل، أمام الشاشات، ليصبح النظام جاهزًا لتنفيذ التمارين المخططة على صعيد أركان قيادة الجيش وكلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان.

 

المتدرّبون

يتدرّب على هذا المشبّه الفريق التقني في القسم، بالإضافة إلى ضباط دورتَي الأركان وقائد كتيبة، والألوية والأفواج التي تحضّر خططًا وأوامر عمليات، يتم تحميلها على النظام لأخذ الدروس المستقاة وتفادي الأخطاء على أرض الواقع. هذا الأمر ينعكس إيجابًا في مجال تعديل الخطط عندما يلزم، كما يؤثّر في بقعة العمليات وكيفية انتشار القوى.

 

Lebanon Wide 2021

للمرة الأولى على صعيد الجيش، تمّ تنفيذ تمرين على مستوى متقدّم من خلال نظام SOULT بعنوان Lebanon Wide 2021. شكّل سيناريو التمرين محاكاةً لمواجهة أزمة على الصعيد الوطني، وشاركت فيه وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمديرية العامة للجمارك والدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني ومنظمتَا UNRWA وUNHCR، بالإضافة إلى عدد من الخبراء والضباط الفرنسيين.

يقول العميد الركن أمين القاعي من أركان الجيش للعمليات إنّ ما يميّز هذا التمرين هو أنّه، وللمرة الأولى، يتمّ ربط قسم المشبّه التكتي بغرفة عمليات القيادة، التي كانت تعطي الأوامر للقوى المنتشرة على الأرض من خلال Serveur وتتابع تنفيذ التمرين وكأنّه على أرض الواقع.

ويشرح مدير التمرين المقدم الركن جان داغر، أنّ هدف هذا التمرين تقييم قدرات الوحدات العملانية لتنسيق المهمات مع القوى الأمنية ومنظمات المجتمع المدني والدولي خلال الأزمات. وقد ساعد في التدريب على توزيع الأدوار وعدم تداخل المهمات.

كما تبرز أهميته من حيث التطور والانتقال من مرحلة التدريب على الأرض ومصروف الآليات والمحروقات والجهد، إلى مرحلة التنفيذ على المشبه، في ظل الأزمة المادية والاقتصادية. وبذلك يكون المشبه هو الوسيلة الأنسب لتهيئة القوى للتحديات والتهديدات المستقبلية، بالإضافة إلى الحد من الأخطاء والاعتياد على التخطيط الاستباقي للتهديدات.

 

Colonel Eric Philipp:

الجيش اللبناني التزام وتضحية مُطلقة

كان للدعم الفرنسي دور أساسي في استقدام النظام الجديد، وتمويل تحديثه وصيانته، وقد تحدّث المستشار العسكري الفرنسي في كلية القيادة والأركان Colonel Eric Philipp في حديث خاص لمجلة «الجيش»، عن أهمية التدريب على هذا النظام، وخصوصًا مع تمرين Lebanon Wide. فهو يلقي الضوء على أهمية مرحلة التخطيط قبل تنفيذ أي مهمة، بالإضافة إلى سرعة صياغة الأوامر وتحديد الاحتياجات لتنفيذها.

وأثنى Colonel Philipp على اندفاع الجيش اللبناني واستعداد عناصره الدائم للتقدّم، وقد لفته عدم ترددهم في طلب الاستشارة والمساعدة لتعلّم كل الأمور الجديدة والمفيدة. وأضاف أنّ الجيش يملك ما يُسمّى بالفرنسية «Le culte de la mission»، أي الالتزام الكامل بالمهمة من دون مناقشة، والاستعداد للتضحية المُطلقة من أجل إنجاحها، وهذا على الرغم من محدودية قدراته اللوجستية.

وأكّد أخيرًا على وقوف فرنسا الدائم إلى جانب الجيش اللبناني لمدّه بالدعم والمساعدة حين يحتاج لذلك.

مهما اشتدّت الصعاب وضاقت الأحوال، يبقى الجيش المؤسسةَ الوحيدة التي تتعالى على جراحها وتتخطى المصالح الشخصية، وتبذل الغالي والنفيس في سبيل اجتياز لبنان كل المحن التي تتهدّده. تبقى سمعة هذا الجيش والإجماع الوطني على رسالته السامية، الحافزَ الأول والأخير لكل الدول الصديقة لتبقى داعمةً له.