تمارين ومناورات

Pegasus Cedar تمرين لبناني بريطاني مشترك
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

أرزة لبنان الخالدة وحصان الأساطير اليونانية المجنّح تعانقا ليشكّلا معًا عنوانَ تمرينٍ مشترك نفّذه الفوج المجوقل والفوج الثاني من اللواء المجوقل البريطاني. شكّل التمرين سابقة هي الأولى من نوعها بين الجيشين، وخطوة جديدة على مسار التعاون وتبادل الخبرات بينهما، وهو بالإضافة إلى ذلك أكّد المستوى المتقدّم الذي بلغه عناصر الجيش اللبناني.


تمّ إطلاق التمرين المشترك Pegasus Cedar في قيادة الفوج المجوقل بمشاركة أكثر من 65 عنصرًا من الفوج الثاني من اللواء المجوقل البريطاني، مع 125 عنصرًا من الفوج المجوقل في الجيش يدعمهم سلاح الجو اللبناني. ونُفّذت خلاله نشاطات تهدف إلى اختبار وتعزيز قدرة قوات البلدين في بيئة مليئة بالتحدّيات.

 

اهتمام لافت
الاهتمام الكبير الذي أولَته المملكة المتحدة لهذا التمرين كان لافتًا، وقد ظهر من خلال بيان أصدرته سفارتها في بيروت، ومن خلال مواكبة السفير البريطاني Hamish Cowell المباشرة لفعالياته، وزيارته محميّة أرز الفوج المجوقل في ثكنة عيون السيمان، حيث زرع أرزة، ومن ثم حديثه عقب حضوره المناورة التي نفّذتها القوى المشاركة في ختام التدريب.
في هذا السياق يلفت مدير التمرين، قائد الفوج المجوقل العميد الركن مارون بو هلّون، إلى أنّ تمرين Pegasus Cedar كان الخطوة الأولى في مسار جديد للشراكة اللبنانية – البريطانية، وهو يُعرب عن سروره لمشاركة سريّة كاملة من الجيش البريطاني بتنفيذ تمرينٍ مع الجيش اللبناني، الأمر الذي يُشكّل سابقة على صعيد التعاون بينهما، وبداية لمستوى آخر من هذا التعاون.
ويوضح قائد الفوج أنّ تنفيذ هذا التمرين هو نتيجة تنامي خبرات الفوج القتالية التي تطوّرت في عدة ميادين وبات ينافس بها، وهي: العمليات الخاصة، التكامل العملاني الأرضيّ – الجوّي، إدارة حقل المعركة (خبرات اكتسبها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي وتجّار المخدرات)، وملاحقة المتسلّلين بطريقة غير شرعية عبر الحدود البريّة.


نظراء لا متدرّبون
في السابق كان الأجانب يدربوننا، يقول العميد الركن بو هلّون، أما اليوم فكان التمرين "جنبًا إلى جنب" لأنّنا بلغنا المستوى العسكري نفسه. وقد أثبتت الأحداث والتمارين على الأرض أنّه لا ينبغي أن نستقبل الجيوش الأجنبية لتدريبنا فقط، بل أصبحنا على مستوى موازٍ لمستوياتها، ننفّذ وإياها تمارين مشتركة، وبذلك حلّت كلمة نظير Counterpart)) بدل كلمة مدرّب (Trainer).
وهو يلفت إلى "أنّ هذا التمرين وخلافًا للمناورات التي تكون وقائعها في العادة مدروسة ومتوقّعة، كان في حدّ ذاته تحدّيًا لنا كفوج قبل المشاركين الآخرين، وأتت النتيجة ممتازة على قدر التوقعات؛ فقد تنقّل عناصر لفيف مشترك من الجيشين اللبناني والبريطاني ولمدة ثلاثة أيام، بحسب الأوامر الآنيّة من مكان إلى آخر: من استطلاع وتنفيذ عملية في العاقورة، إلى إعادة تنظيم في عيون السيمان، وصولًا إلى عملية إغارة في اليوم الأخير في قناة باكيش، متجاوزين عدة عقبات مستجدّة.

 

تكريم الأرزة رمز لبنان
"بيغاسوس" هو شعار لواء الهجوم الجوي 16 في الجيش البريطاني، والذي يصوّر حصانًا أبيضَ مجنّحًا من الأساطير اليونانية، يمتطيه البطل الكورنثي بيلليروفون. ويكرّم عنوان التمرين أرزة لبنان الخالدة، رمز لبنان التي تتوسط علمه، كما تظهر في شعار الجيش اللبناني.
يُذكر أنّ الفوج الثاني في اللواء المجوقل، هو وحدة ضمن اللواء المجوقل 16 في الجيش البريطاني، وهو لواء ذو جهوزية عالية قادر على الانتشار السريع في جميع أنحاء العالم في وقت قصير، وتنفيذ مجموعة متعددة من المهمات، بدءًا من عمليات الإجلاء وحتى الأعمال القتالية الحربية.

 

فترة تعارف وتواصل
وصلت السرية البريطانية إلى لبنان في التاسع من أيلول الماضي وتمركزت في ثكنة الفوج المجوقل، حيث أُتيح لها أن تمضي فترة من التعارف والتواصل وتبادل الخبرات مع عناصره، قبل تنفيذ التمرين الفعلي بين 18 و20 من الشهر نفسه، والذي سبقته عدة تمارين.
شملت هذه التمارين: تبادل الخبرات على الأسلحة العضوية، الرماية، المداهمة، الهبوط من الطوافة بواسطة الحبال (Fast Rope)، التخطيط وتقدير الموقف لاتخاذ القرار العسكري المناسب. وأعقبها إنشاء لفيف مجوقل مشترك بين الطرفين مؤلف من قيادة لفيف مشتركة، مجموعة استطلاع مشتركة، ومجموعة قتال مجوقلة مشتركة. كما تشارك الطرفان مباريات كرة قدم وديّة بهدف توطيد العلاقة بينهما.

 

السيناريو والتنفيذ
بدأ سيناريو التمرين التكتي المشترك بمهمة تقضي بتوقيف أحد كبار تجّار المخدرات في المنطقة، وتبيّن ارتباطه بأحد الإرهابيين الذي تسلّل إلى الأراضي اللبنانية من الحدود الشرقية، بهدف إعادة تنظيم ما تبقّى من الخلايا النائمة، وقد جمع حوالى 30 شخصًا وقام بتسليحهم، لإنشاء فصيل إرهابي، متّخذًا من جرود العاقورة مركزًا لتدريبهم.
كُلّف اللفيف التكتي المجوقل بمهاجمة هذا الفصيل والقضاء عليه، فجمعت قيادته المعلومات من خلال الاستطلاع الأرضيّ والجوّي، وعمليات التخطيط وإدارة المخاطر، وصولًا إلى اتّخاذ القرار المناسب ووضع أمر عمليات لتنفيذ عملية مجوقلة بدعمٍ جوّي.
تقاطع المعلومات وتحليلها كشَف معلومات مهمة حول وجود فصيل إرهابي ثانٍ، فكُلِّف اللفيف بمهاجمة هذا الفصيل الذي تمركز في منطقة قناة باكيش والقضاء عليه.
واجه التنفيذ عوائق تمّ تجاوزها، فقد طرأ عطل على إحدى الطائرات ما حال دون إقلاعها خلال عملية جرود العاقورة، كما أخّر الضباب انطلاق الطوافات 12 دقيقة، فاضطرت لتغيير مسارها وسلوك ممر مختلف. كما تكرّرت الحالة الضبابية في عملية قناة باكيش، واستُعيض عن الطوافات بالانتقال بواسطة الآليات المدولبة، وبذلك تحوّل الهجوم من جوّي إلى أرضي في خطةٍ سريعة أتاحت تنفيذ المهمة بنجاح.
أظهر التمرين التكتي أهمية الاستفادة من نتائج المهمات العسكرية، ومدى ارتباط الأحداث الأمنية وكيفية الاستفادة من كشف الترابط بينها، وتقارُب وجهات نظر الجيشين في مقاربتهما تنفيذ المهمات العسكرية. فرغم الاختلاف اللغوي، يتكلم الطرفان لغة عسكرية واحدة.

 

لحظة تاريخية ودهشة
عبّر السفير البريطاني في لبنان Hamish COWELL عن اعتزازه بالحدث، وقال في دردشة مع الإعلاميين: "إنّها لحظة تاريخية في شراكتنا القوية والدائمة مع الجيش اللبناني. وهي المرة الأولى في الذاكرة الحديثة التي تشارك فيها القوات البريطانية في مناورات مشتركة مع نظرائها اللبنانيين على الأراضي اللبنانية. وقد لمستُ بنفسي خلال التمرين مدى احتراف الجيش اللبناني ومهنيته. وأضاف "إنّ المملكة المتحدة تقف جنبًا إلى جنب مع أصدقائنا اللبنانيين وتقدّم الدعم لهم في عدة مجالات، من التجارة والتعليم إلى العمليات الإنسانية، وهي تفتخر بعلاقتها المميزة جدًا بالجيش اللبناني لكونه شريكًا رئيسيًا، وتدعمه منذ العام 2012 بالمعدّات والآليات والتدريب والبنى التحتية ومنها أبراج الحدود البرية؛ وسوف يعزّز هذا التمرين الشراكة القوية والعلاقات العميقة بين بلدينا."
وأثنى السفير البريطاني على جهود العناصر المشاركين بالقول: "أنتم روّاد في ما صنعتم... إنّها المرة الأولى التي ينفّذ تمرين على هذا المستوى، لم أتوقف عن الاندهاش والانبهار بما لمسناه من احترافية وتجانس بين الفريقين اللبناني والبريطاني.

 

فرصة رائعة
أما آمر السرية المجوقلة البريطانية الرائد Mark Stone أبدى حماسته بالقول: "أنا فخور جدًا وقد كانت فرصة رائعة لجنودنا للتدرّب مع نظرائهم والتعلّم منهم وتبادل المهارات والخبرات، من خلال قضاء الأسبوعين الماضيين جنبًا إلى جنب مع عناصر الفوج المجوقل... هذه الشراكة توفّر فرصًا تدريبية مهمة لكلينا".
بدوره شدّد الملحق العسكري البريطاني العقيد Lee Saunders على أهمية تبادل الخبرات بين الجيشين، مُبديًا إعجابه "بالمستوى العالي للجيش اللبناني، ومدى المثابرة والتضحية من قبل كل فردٍ منهم في وجه العقبات والظروف الصعبة للمحافظة على الأمن والدفاع عن حدود الوطن.
من التدرّب إلى المشاركة الفعلية ضمن تكافؤ القوى، ومن التحضير المسبق إلى ردّة الفعل الفورية وتجاوز العقبات الطارئة بنجاح، هكذا تطوّرت قدرات الفوج المجوقل لتصبح على ما هي عليه من مستوى رفيع جدًا.


خلايا ومهمات
وفق المقدّم الركن جورج حصري، رئيس الفرع الثالث في الفوج المجوقل، تمّ "جمع عناصر السريتين اللبنانية والبريطانية في لفيف تكتي مجوقل مشترك بقيادة قائد لفيف من الفوج المجوقل اللبناني. وتوزّع المشاركون في التمرين على خلايا ذات مهمات محددة.
وينوّه المقدم حصري بأداء عسكريي الجيش اللبناني، لافتًا إلى استثمار الدورات والتدريبات في الداخل والخارج بشكلٍ جيد للوصول إلى مستوى جيوش النخبة، فضلًا عمّا اكتسبوه من خبرة خلال تنفيذ مهماتهم اليومية التي تُشكّل قيمةً مضافة.