مناورات وتمارين

Resolute Union 2021: المرونة والاندفاع والخبرات المُضافة
إعداد: ندين البلعة خيرالله

خلال قيام إحدى الشركات بالتنقيب عن النفط قبالة الشاطئ اللبناني، وردت معلومات عن تهديد إرهابي بحري يستهدف هذه المنشأة النفطية، بالتزامن مع تحرك للخلايا النائمة في الداخل واستهدافها لمواقع عسكرية ومدنية حساسة، لزعزعة الاستقرار وتشتيت جهود القوى العسكرية.

 

اختارت قيادة الجيش هذا السيناريو المحتمل لمعالجته في النسخة الحادية عشرة من التمرين البحري المُشترك Resolute Union 2021، الذي امتدّ على مدى ١٢ يومًا من التدريبات والمناورات النهارية والليلية، بالتعاون مع عناصر من الجيشَين الأميركي والأردني.

يأتي هذا التمرين في إطار الأهمية الكبرى التي توليها القيادة للتدريب الذي هو عصب الجيوش وزادها اليومي، ومن ضمن استراتيجيتها الآيلة إلى صقل مهارات العسكريين وزيادة قدراتهم القتالية، وخصوصًا في مجال العمليات المشتركة ومواجهة التهديدات الإرهابية في الداخل.

 

ما هو التمرين؟

يوضح مدير التمرين العقيد الركن البحري مصطفى العلي أنّ هذا التمرين السنوي الذي يتمّ تطويره بحسب الحاجات التدريبية للوحدات المشاركة، هو عبارة عن تراكم خبرات تكتسبها هذه الوحدات من خلال التعاون مع بعضها ومع فرق التدريب الأميركية.

أبرز تجليات التطور الذي عرفه هذا التمرين، إلى جانب مشاركة عناصر من الجيش الأردني، هو إشراك جميع الوحدات الخاصة في الجيش (أفواج: المغاوير ومغاوير البحر والمجوقل والمكافحة) في نسخة هذا العام، بالإضافة إلى أفواج: المدفعية الثاني، النقل، الهندسة، الإشارة والأشغال المستقل، والشرطة العسكرية والطبابة العسكرية، ومديرية التعاون العسكري - المدني CIMIC. كما تمّ توسيع بقعة العمليات المحددة التي كان يُنفَّذ عليها التمرين في النسخات السابقة، ليشمل نطاقًا جغرافيًا يمتدّ من صيدا جنوبًا إلى الشاطئ الشمالي، حيث نُفِّذت تمارين نهارية وليلية، في حنوش، الكفور، فيطرون وعدّة أماكن أخرى في الوقت نفسه، مع عدة سيناريوهات للتكيّف مع الظروف المختلفة. وقد تم تنفيذ تمرين مهاجمة خلية إرهابية في منشآت نفط طرابلس، لمحاكاة التهديدات التي قد تطال المنشآت النفطية.

 

أهداف التمرين

يمكن تحديد أبرز أهداف التمرين بالآتي:

- التمرس في العمليات المشتركة التي تقوم من خلالها وحدات برية وبحرية وجوّية بتنفيذ مهمات بتعاونٍ وثيقٍ تحت قيادة موحّدة، بالتعاون مع قوات عربية شقيقة، وفرق تدريب من الجانب الأميركي، لما لهذا الأمر من أهمية أثبتتها التجارب العملانية السابقة.

- تأمين قدرة فاعلة للدفاع عن الساحل اللبناني والتحضير لحماية المنشآت النفطية مستقبلًا، ومواجهة التهديدات التي قد تطال الأمن البحري.

- تدريب القوات البحرية على معالجة أهداف إرهابية في البحر، بالإضافة إلى التحضير لمواجهة خطر استخدام الزوارق غير المأهولة في تنفيذ الهجمات الإرهابية بحرًا، بالسبل اللازمة (البحرية، الجوية أو المدفعية).

 

التدريب عصب الجيوش

في ختام التمرين الذي حضره قائد الجيش العماد جوزاف عون وسفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان السيدة دوروثي شيا وسفير المملكة الأردنية الهاشمية في لبنان السيد وليد الحديد ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية اللواء الركن يوسف الحنيطي ومساعد قائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الأميركية Rear Admiral Curt A. RENCHAW وعدد من الضباط، شدّد العماد عون على أنّ التدريب هو عصب الجيوش. وأكّد مرة جديدة أنّ الجيش اللبناني مستمر بأداء مهماته بدقة وحرفية لضبط الأمن وحماية الاستقرار، وذلك رغم تأثره بالأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا.

ما لا يقل عن ٧٠٠ عسكري بين ضابط وفرد، شاركوا في هذا التمرين الذي شكّل قيمة مضافة وأثبت مرة جديدة أنّ الجيش اللبناني يمتلك قدرات عالية نتيجة الخبرات العملانية المتراكمة. وهو يتبادل خبراته مع الجيوش الأخرى، الأمر الذي يتسم بأهمية كبيرة خصوصًا في ظل توحيد الجهود العالمية لمكافحة التهديدات الإرهابية التي لا تحدّ تأثيراتها حدود.

 

دعم أميركي لجيش على مستوى الوطن

في ختام التمرين، أكّدت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان السيدة دوروثي شيا أنّ بلدها يؤمن بأنّ الجيش اللبناني هو المدافع الوحيد عن سيادة لبنان، ودعمه لهذا الجيش هو أمر يفخر به الأميركيون. وأشارت إلى أنّ هدف الولايات المتحدة كان وما زال، مساعدة المؤسسة العسكرية التي تمتد على مستوى الوطن، على الاحتراف وبناء القدرات والطاقات.

كما أشادت السفيرة شيا بالجيشين الأردني واللبناني مشيرة إلى أنّ هذا التمرين المشترك هو الأكبر مع الجيش اللبناني إذ ينفّذ للمرة الأولى بين ٣ جيوش. وأعلنت عن تقديم ١٢٠ مليون دولار أميركي للمؤسسة العسكرية في مجال التدريب والوسائل الدفاعية، إضافة إلى تقديم ٣ زوارق خفر سواحل، و٥٩ مليون دولار أميركي لدعم قدرات الجيش في حماية الحدود وضبطها.

مساعد قائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الأميركية Rear Admiral Curt A.RENCHAW أوضح أنّ هذا التمرين البحري يسعى إلى جعل البحار أكثر أمانًا ويحمي حرية الملاحة والتجارة ويهدف إلى مواجهة الأزمات، مؤكدًا العلاقة المميزة التي تجمع الجيشين الأميركي واللبناني والمبنية على التعاون والتنسيق.

 

خبرات وانطباعات

تُجمع الوحدات المشاركة في التمرين على المهارات الاستثنائية التي تمّ تبادلها، وخصوصًا في إطار العمل والتنسيق المشتركَين اللذَين يفعّلان الأداء ويرفعان الجهوزية في وجه التهديدات الإرهابية. وهنا نبذة عن بعض هذه الخبرات والانطباعات.

- فرع مكافحة الإرهاب والتجسس: تبادل الخبرات والمعارف مع الفرق الأجنبية يؤدّي إلى التطور على المستوى الفردي وعلى مستوى الوحدة والقيادة والسيطرة. ولكن الدرس الأهم هو تخطي هذه التحديات من خلال الاجتماعات المتتالية والتنسيق والتحضير.

- الفوج المجوقل: كان التمرين مهمًا جدًا للفوج ويحاكي مهمات واقعية نُفِّذت كأنّها حقيقية. وقد استفاد العناصر من خبرات القوات الخاصة الأردنية، ومن المشاركة إلى جانب باقي الأفواج الخاصة اللبنانية، ما عزّز التعاون والتنسيق والعمل المشترك.

- فوج الأشغال: كان له اختبار مميز مع الفريق الأميركي في تبادل الخبرات الفنية وإلقاء الضوء على المهارات والإمكانات المهنية التي يمتلكها عناصره، خصوصًا وأنّ الفريق الأجنبي أقام داخل ثكنة الفوج ممّا زاد فرص التبادل خلال أوقات التدريب وخارجها.

- فوج الهندسة: كان التمرين فرصة لعناصر الفوج للتعرف على عتاد وطرق وتقنيات حديثة، واختبار جهوزيتهم من خلال مهمات مفاجئة. وقد أفاد الفريق الأميركي أنّه اكتسب معارف جديدة نظرًا لتنوع الذخائر الموجودة على الأراضي اللبنانية وخبراتنا في معالجة هذه الذخائر.

- التعاون العسكري - المدني CIMIC: كان الاختبار الأهم للعناصر هو تنفيذ مهمات فجائية ما صقل مهارات العسكريين في مجال العمل في ظروف عملانية مختلفة وجهوزية فكرية وجسدية لاحتواء الصعوبات.

- مديرية التوجيه: غطّت التمرين منذ اليوم الأول بكل تفاصيله، ليلًا ونهارًا، وللمرة الأولى نقلت الأحداث اليومية للتمرين على وسائل الإعلام بالصور، ما ألقى الضوء على دور الصورة في إظهار أهمية التمرين، وأكّد الجهوزية لتغطية أي حدث طارئ.

 

العقيد ديفيد هاسكل:

يدهشني الجيش اللبناني بمرونته واندفاعه!

لقائد القوات الخاصة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا Col. David Haskell خبرته الخاصة في لبنان منذ عام تقريبًا. فهو عايش وحدات الجيش، ويبدي انذهاله من اندفاع عناصره ومرونتهم، وأكثر ما يلفته وما يميّز الجيش اللبناني هو صموده في ظل كل هذه الصعوبات التي تعصف بالبلد. Haskell تحدث إلى «الجيش» عن التمرين قائلًا: «تمرين Resolute Response، الذي نجريه منذ ١٢ عامًا، هو دلالة على شراكتنا الطويلة مع الجيش اللبناني ولبنان. ووفق علاقتنا الوثيقة مع القوات الخاصة في الجيش اللبناني، قررنا توسيع هذا التمرين ليصبح Resolute Union ويشمل القوات البحرية والقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية من جهة، والقوات الخاصة والجوية في الجيش اللبناني من جهة أخرى».

ويتابع قائلًا: «تركّز قوة المهام الخامسة (Task Force 5) على تعزيز قدرات الجيش اللبناني من خلال تبادل الخبرات والتدريبات. والهدف الأساس من جميع التمارين التي ندعمها هو اختبار فاعلية برامجنا التدريبية، بالإضافة إلى تفعيل العمليات المشتركة والقدرة على القيادة والسيطرة. لنأخذ مثلًا أحدث معركة خاضها الجيش اللبناني، «فجر الجرود»، حيث شكّل قوة مشتركة للقيادة والسيطرة، وذلك لتحقيق التناسق بين العمليات العسكرية المتعددة وعمليات القوات الجوية. هذا الأمر يتطلب التدريب المستمر للبقاء في جهوزية تامة لمواجهة الأخطار الداخلية».

 

تحديات تخطّيناها

ويتابع العقيد هاسكل مجيبًا عن الجزء الثاني من السؤال، فيقول: لقد تغلبنا على التحديات بتعاون كبير وبكثير من العمل الجاد. العمل مع القوات المسلحة في الجيش اللبناني أمرٌ سهل، خصوصًا مع وجود التعاون بين فريقنا المركزي والملحق العسكري الأميركي والقوات المسلحة الأردنية والجيش اللبناني. أما التحدي الأكبر في تمارين معقدة مثل تمرين Resolute Union فهو الصعوبات اللوجستية، وخصوصًا حين نعمل مع شركاء من بلدان أخرى.

كيف تقيّمون أداء الجيش اللبناني وتطوره؟

يجيب العقيد هاسكل: «خلال فترة عملي مع الجيش اللبناني، شهدتُ تقدمًا استثنائيًا. على سبيل المثال، كان تمرين Resolute Union جديدًا وصعبًا على المستوى العملاني، لكن الجيش اللبناني كان متجاوبًا للغاية ونفّذ بشكل استثنائي ومميّز، في حين اقتصرت مهمّتنا كقوة مهام خامسة على تقديم النصائح وتبادل الأفكار. يذهلني تمامًا مدى مرونة الجيش اللبناني واندفاعه في هذا الوضع الصعب للغاية، لا أعتقد أنّ العديد من الجيوش، بما في ذلك جيشنا، يمكنها أن تحافظ على الإرادة والمعنويات والمهارة للاستمرار في ظل كل الأحداث التي حصلت خلال العام الماضي!

 

تعزيز المفاهيم المشتركة

سفير المملكة الأردنية الهاشمية في لبنان السيد وليد الحديد أشاد في ختام التمرين بالعلاقات الاستراتيجية بين الجيوش العربية، شاكرًا الولايات المتحدة الأميركية على دعمها المستمر لجهود السلام في المنطقة ومؤكدًا أنّ الجيش اللبناني هو ضمانة للاستقرار والوحدة في لبنان.

وفي حديث خاص لمجلة «الجيش» اعتبر رئيس شعبة الملحقين العسكريين (الأردن) العقيد الركن خلدون عبد الفتاح خليفات هذا التمرين فرصة حقيقية للتعاون وبناء مفهوم عمليات مشترك ضمن مجتمع القوات الخاصة الإقليمي والدولي وتعزيز المفاهيم المشتركـة. بالإضافـة إلى القـدرة على تنفيـذ عمليات مشتركـة متعـددة الجنسيـات ضـد أهداف مشتركـة تحاكـي سيناريوهـات التهديدات الحالية (مكافحـة الإرهـاب والتطـرف). وأشـاد العقيـد الركـن خليفـات بقدرات الجيش اللبنانـي البدنيـة والذهنيـة على الرغـم من محدوديـة الإمكانـات الماديـة.

 

القوة المشتركة

تعمل الوحدات المختلفة المشاركة في هذا التمرين (بحرية وجوية وخاصة وبرية...) في إطار قوة بحرية مشتركة لتنفيذ مهمة محددة. وهو مفهوم جديد في القيادة والسيطرة يتم تطبيقه في التمرين. هذه القوة تكون بقيادة قائد القوات البحرية وتضم ضباطًا من الوحدات المشاركة لدراسة المعطيات المتوافرة عن أي اعتداء إرهابي محتمل، وتقييم الخطر، وتقدير الموقف وصولًا إلى إعطاء الأوامر للوحدات المعنية بالتنفيذ.

يلتمس التمرين الواقعية في التنفيذ إلى أقصى حد من خلال فصل عملية التخطيط عن عملية التنفيذ. إذ تُعطى القوة المشتركة مهمة للتنفيذ من دون أن تكون على علم مسبق بالهدف، فتقوم بتقدير الموقف وتكليف قوة تابعة لها بالتنفيذ. كما تتجلى الواقعية من خلال استخدام خلايا مثيل العدو تقوم بمقاربة نمط عمل الخلايا الإرهابية. كما أنّ استخدام ذخيرة مطاطية خاصة نوع UTM يعطي مقاربة أكثر واقعية في التنفيذ.