- En
- Fr
- عربي
طبابتنا
معروفٌ عن المستشفى العسكري المركزي أنّه مركز حركة لا تهدأ ولا تستكين على مدار الساعة، أقسامه وعياداته تعجّ بالمستفيدين الذين تضاعف عددهم في السنوات الثلاث الأخيرة بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد. فكيف تلبّي هذه الأقسام والعيادات التضخّم الكبير بأرقام المستفيدين؟ وكيف يتكيّف عاملوها من ضباط وعسكريين وأطباء وموظفين مع هذا الضغط؟ أسئلة كثيرة بحثنا عن أجوبتها خلال جولة طويلة في المستشفى العسكري المركزي في بدارو شملت أقسام الطوارئ وجراحة اليوم الواحد والعناية المركزة وفرع الأمراض المستعصية.
انطلقت جولتنا من مكتب رئيس الطبابة العميد الركن ماهر أبو شعر الذي نوّه بعمل الأقسام وبالجهد المبذول من الطاقم لتقديم أفضل خدمة من منطلق أنّه عمل إنساني قبل أن يكون عملًا مدفوع الأجر يقدّمه الفريق العامل في المستشفى. برأيه «خدمة المريض الذي يطرق باب المستشفى واجب، بلسمة آلامه مكافأة لنا، وثوابٌ نكسبه بمجرّد أن نسمع مريضًا يدعو لنا بالخير عندما تهدأ آلامه، أو يؤمّن دواءه الدائم، أو يجد له سريرًا في المستشفى متى استدعت حالته الصحية ذلك، أو يحظى بالعناية الطبية اللازمة عندما يحدث معه أمر طارئ، في النهار أو الليل وحتى في ساعات الفجر الأولى».
كلام العميد الركن أبو شعر ملخّص لما نعيشه يوميًا، فدخول الطوارئ والاستفادة من خدماتها أصبح في يومنا هذا امتيازًا لا بل ترفًا لا يحصل عليه كثيرون. فكم مرة نسمع خلال اليوم عن أطفالٍ قضوا على أبواب الطوارئ بعد حوادث ألمّت بهم ولم تستقبلهم المستشفيات، وعن مرضى يناشدون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من يؤمن لهم علبة دواء أو حتى بضع حبات منه؟
يشكر العسكريون وعائلاتهم الله على نعمة الطبابة العسكرية التي توفّر لهم الأمان الصحي، وهذا الأمان لم يكن نتيجة صدفة، وإنما ثمرة جهود كبيرة تُبذل وإصرار من القيادة على اعتبار صحة العسكري وعائلته أولوية
مطلقة، وأمر لا يمكن التهاون فيه. وعلى هذا الأساس يستمر السعي لتأمين الاحتياجات الطبية كافة لجميع المستفيدين. أما إذا تعذّر في بعض الأوقات الحصول على دواء معيّن مثلًا، فالمشكلة تكون من خارج إطار المؤسّسة (كتأخّر مصرف لبنان مثلًا في صرف الاعتمادات المالية للشركات المصنّعة للأدوية، التي تبدأ بصناعة الأدوية وتوضيبها وتسليمها للجيش في الحال متى حصلت على ثمن أدويتها).
من رئاسة الطبابة انطلقنا، وجهتُنا الأقسام التي تشهد ضغطًا أكثر من غيرها، نسأل عن حال العاملين فيها ونشدُّ على أيديهم، ندرك حجم الضغط الذي يعيشونه، الوضع صعب على الجميع نعم، لكنّهم في عين الأزمة، ضغط خارج عملهم فالحياة أصبحت حلبة ركضٍ، نركض ولا نصل. وضغط في عملهم، مريض يسأل، وآخر يستدلّ وثالث ينتظر توقيعًا، ورابع يحتاج من يوصله إلى وجهته... شخصيًا لست بغريبة عن هذا الواقع، كوني ممّن يستفيدون من خدمات الطبابة العسكرية. لكنّ الصورة لا تتّضح فعليًّا بتفاصيلها ما لم تكن نتيجة رؤية شاملة ومعايشة لما يجري يوميًا داخل العيادات والأقسام. لذلك كانت لنا جولة في المستشفى العسكري المركزي على مدى يومين رافقنا فيها رئيس قسم الصحّة والسلامة العامة النقيب الطبيب كلود الحايك.
مستشفى مُصغّر قائم بحد ذاته
أولى المحطات كانت قسم الطوارئ حيث استقبلنا رئيسه العقيد الطبيب جورج خليل الذي شرح كيف زاد عدد المستفيدين منذ عامين حتى اليوم من ٨٠ مستفيد إلى ما يزيد عن ١٢٠ يوميًا. يعمل القسم ٢٤ ساعة يوميًا مقسمة إلى ٦ مناوبات يؤمنها ما يزيد عن ٥٥ عسكريًا و٢٥ موظفًا مدنيًا وطبيبين اثنين (طب عام وطب طوارئ)، يساعدهم غالبًا أطباء مقيمون يغطون قسمًا من الفراغ. في القسم ١٤ سريرًا جاهزًا يوميًا لاستقبال المرضى، ويمكن أن يصل عدد الأسرة إلى ٢٠ في الحالات الكارثية (كما حدث بعد انفجار ٤ آب). وتتوزع العيادات في القسم بين استعلامات وعيادة الفرز، وعيادة الصحّة والأشعّة، عناية الطوارئ، والمختبر، وفي كل منها ممرّضون جاهزون لاستقبال أي حالة والتصرّف بحسب خطورتها. بالمختصر المفيد، الطوارئ في المستشفى العسكري المركزي في بدارو مستشفى مُصغّر قائم بحد ذاته.
الملازم جوانا دلّة كانت حاضرة، تنتقل من عيادة إلى أخرى تراقب سير العمل وتتابع أمور المرضى، تستمع إلى الشكاوى، تحلُ بعضها وتحوّل بعضها الآخر إلى الشخص المعني مباشرة، طبيب، ممرّض... خليّة النحل لا تهدأ في المكان، صالون الانتظار يعجُّ بالمرضى. المؤهل أول وليد الهباوي كان أيضًا من بين العسكريين الحاضرين لخدمة القسم، ينتقل من عيادة إلى أخرى، يحمل الأوراق، يدقق في السجلات، يجيب على الهاتف. العمل هنا شاقّ يقول، لكنّه يضيف، في النهاية أخدم أبناء المؤسّسة التي «لحم كتافي من خيرها» وأنا راضٍ، أخلد إلى النوم مرتاح الضمير، فعملنا إنساني والتضحية عنوانه الأساسي.
ديبة الهاشم أم عسكري من سكّان شليفا – البقاع، عمرها يناهز الـ ٨٣ عامًا، تعثّرت ووقعت ليلًا، وأبى ابنها أن يدخلها أي مستشفى سوى المستشفى العسكري. تروي لنا قريبتها، وصلنا إلى الطوارئ في وقت متأخّر، استقبلونا بكل اهتمام ولطف، ونُفّذ بروتوكول القسم بحذافيره، فحوصات كورونا، كانت أولى الخطوات، قبل توجيه المريضة إلى أقسام أخرى. لسوء الحظ كانت النتيجة إيجابية، فتم عزلها إلى حين تصبح نتيجتها سلبية، فتُحوّل إلى الأقسام الأخرى وتجرى لها العمليات المناسبة (بيّنت صورة الأشعّة التي أجريت في قسم الطوارئ أنّها تعاني كسورًا في الرجلين والأوراك). عائلتها مطمئنّة، هنا كل شيء مؤمّن، صور، تحاليل، أدوية، مراقبة، لا يمكن أن تستفيد من كل هذه التقديمات في مكان واحد إلّا في المستشفى العسكري المركزي.
إلى أن يأتي الفرج نحن هنا
طبيب الطوارئ جورج الهد وطبيبة الصحّة العامة فاطمة حميّة كانا من الفريق الحاضر، رأيتهما خلال ساعتين قضيتهما في القسم أكثر من ثلاثين مرّة... يسألان، يدققان في التفاصيل، يراقبان تحاليل الدم ويجيبان عن أسئلة المرضى ويصفان الأدوية... نتحدّث إليهما عن التعب الكثير والضغط الكبير، ويأتي الرد واحدًا من الاثنين: «لسنا بجديدين في المؤسّسة، عمر تعاقدنا معها يزيد عن عشرين عامًا، حفظنا طريقة العمل، وبتنا فردًا منها، صحيح أنّنا نقدّم أكثر ممّا نتقاضى، لكنّ الحياة ليست بالأمور الماديّة فقط، سيأتي الفرج علينا جميعًا يومًا ما، ومن الآن حتى هذا الوقت، نحن في الخدمة، الجيش على راسنا».
رأي الموظف المدني حسن عباس لم يختلف كثيرًا عمّا سمعناه من الطبيبين، يمرّ علينا عشرات الأشخاص يوميًا يقول، منهم المتفهّم ومنهم المتألّم الذي يريد الشفاء متى وطأت قدماه القسم، نفهم الجميع ونحتوي المرضى على اختلاف مشاكلهم، بالنهاية خدمة المرضى واجب علينا والضغط ننساه عندما نغادر في إجازاتنا، «فنشرّج» طاقة إلى حين الخدمة المقبلة.
الأدوية المفقودة موجودة
ثاني محطاتنا كان قسم الأمراض المستعصية / قسم أمراض الدم، وفي كلمة من رئيسه المقدّم الطبيب أحمد يونس صدمنا من عدد المستفيدين اليومي من العلاج الكيميائي، ٤٥ مريضًا يزورون القسم يوميًا لخمسة أيام في الأسبوع. زاد عددهم كالآتي خلال الأعوام الماضية:
خلال العام ٢٠١٨: ٤٣٠٠ مريض علاج كيميائي و٧٠٠٠ معاينة، وفي العام ٢٠٢١: ٥٦٠٠ مريض علاج كيميائي و٧٠٠٠ معاينة، وفي العام ٢٠٢٢: ٦٤٩٤ مريض علاج كيميائي و٧٩٥٤ معاينة.
أرقام مرتفعة يفسّرها واقع واحد: الدواء كان متوافرًا على الدوام، وحتى يومنا هذا، لم يعانِ مرضانا بحسب المقدم الطبيب يونس من فقدان الدواء، يكفيهم ما يعانون، أقل واجب علينا أن نخفّف آلامهم، ونقدّم لهم أبسط حقوقهم في الطبابة. مرضى كثر كانوا يتوجّهون إلى المستشفيات والعيادات المدنية، ولكن مع الأزمة الاقتصادية ومشكلة فقدان الأدوية وخصوصًا العلاج الكيميائي، انصبّ أغلب مرضى السرطان على القسم. رافقنا المقدّم الطبيب يونس خلال الجولة في القسم: صالة واسعة تضمّ ٢٤ سريرًا تفصل بينها ستائر تضمن خصوصية المريض، أسرّة كانت مشغولة بنسبة ١٠٠٪، ٢٤ مريضًا تمدّدوا عليها، يأخذون علاجهم الكيميائي. حيّيتهم ولم أنتظر أن أسمع التحية بالمثل، عصر قلبي ألمًا لرؤية أعمار متفاوتة تعاني آلام المرض الخبيث، وجوه متألّمة شاحبة، لكنّ ما يطمئن أنّها تحظى بالعلاج المناسب، ودواؤها مؤمن لفترة طويلة.
١٤ عسكريًا و ٦ موظفين مدنيين و ٦ أطباء مدنيين متعاقدين (اختصاص دم وأورام) يتناوبون على الخدمة من الإثنين حتى الجمعة. بطبيعة الحال هو عدد قليل بالنسبة لعدد المرضى، والقسم بحاجة إلى عدد أكبر من العاملين، لكن ما يسهل العمل في القسم الذي يعتمد على المعايير العالمية هو الـ Automated System الذي حقّقه المقدّم الطبيب يونس في العام ٢٠١٣ وهو برنامج يتيح معرفة اسم المريض وبياناته الشخصية، وتاريخ تلقيه العلاج، وتاريخ علاجه المقبل ونوع الدواء الذي يتلقاه، والأدوية التي يستفيد منها والمشرف على علاجه، ويصل البرنامج القسم بالصيدلية فينسّق معها كمية الأدوية ومواعيدها.
«تعي يا بنتي سجلي عندك»
٩ أسرّة أخرى توجد في غرف منفصلة، كلّها كانت مشغولة كذلك، المريض يوسف واحد من المرضى الذين طلبوا أن
يدلوا بكلمة «للجيش». أنا لم أتجرّأ على التقدم من المرضى لسؤالهم، جلّ ما نطق به لساني خلال الجولة كان «الله يشفيكم»، قلتها بصوت خافتٍ لا أعلم إذا كانوا سمعوه حتّى. قال: «تعي يا بنتي، سجّلي عندك: أنا بحكي الواقع ما بلبس قناع، نحنا أشخاص الله ناعم عليهم بنعمة اسمها «الجيش»، هي المؤسسة الوحيدة اللي حاملة أولادها وخايفة عليهم، الله يبعد عنها الأيادي اللي بدّا تؤذيها، والله يخليلنا القائد يلّلي لولا منه كنّا رحنا من زمان. بنتي بالجيش وأنا باخذ العلاج كلّ ١٥ يوم بوقته، ما تأخّروا علينا بالعلاج ولا يوم، بجي باخذ علاجي وبفلّ، غير كلمة حلوة ما بسمع من الضباط والعسكر والموظفين. الطاقم التمريضي ممتاز، بيردّوا علينا لو مهما طلبنا رغم إنو الضغط كتير عليهم، بدي إشكرهم وإشكر القائد يلّي سهران على صحّتنا. أنا كنت إشتغل بالمقاولات، تركت لما أصبت بالمرض، ولولا إنّي على عاتق بنتي، ما كنتي شفتيني اليوم، كنت رحت من زمان، كل الشكر لهالمؤسّسة الحاضنة.»
في عيادات قسم الدم «حدِّث ولا حرج» عن الضغط، عن أكثر من سبعين مريضًا يقصدون الأطباء للمعاينة (يستقبل المقدّم الطبيب يونس ٤٠٪ من هؤلاء المرضى بطلب شخصي منهم)، تزايد هذا الرقم ليبلغ الضعف بعد الأزمة. يتناوب على المعاينات ٦ أطباء (مقسّمون بحسب جدول يغطي أيام الأسبوع من الإثنين حتى الجمعة) يعاونهم على الكمبيوتر عسكري واحد هي الرقيب أول مارينا شهدا وبديلتها موظفة مدنية (لم تشأ أن يُذكر اسمها). أشهد لهما بالصبر وطول البال واحتواء المرضى ومن يرافقهم وما أدراكم كم عددهم؟ كل مريض يرافقه أكثر من ثلاثة أشخاص، يريدون أجوبة فورية ومواعيد قريبة ولا يريدون الانتظار دقيقة واحدة، تتفهمان قلق المرضى وأهلهم ولا تتذمّران. «نعلم الخوف الذي يعيشون، نضع أنفسنا في مكانهم، ربّما كنا سنفعل ما يفعلون، كان الله في عونهم». الدكتور الياس شمعون كان مناوبًا خلال جولتنا، هو من الأطباء الجدد في القسم، لا تتجاوز فترة انضمامه إلى الطاقم الطبي في القسم أربعة أشهر. يقول لنا: «أنا أقدّم خبرتي للمؤسسة بكل قناعة ورضى، ليست هي المستفيدة الوحيدة في هذه المعادلة. كطبيب أنا أيضًا أستفيد من نتائج عملي، ألمس شفاءً يفرحني وأضيف إلى خبرتي خبرة، لا أدوية في الخارج، هنا كل شيء موجود. كيف ألمس نجاحي المهني في معالجة الحالات في المستشفيات المدنية والعيادات الخارجية في غياب العلاج والدواء؟ العمل هنا لا تشوبه شائبة، فلا غش ولا تلاعب بالأدوية، النتائج واضحة. ضغط العمل كبير نعم، لكنني راضٍ تمامًا».
يد واحدة وقلب واحد
ثالث محطاتنا كان قسم جراحة اليوم الواحد، حيث تحدثنا مع الملازم بولين عازار التي أجابت بالنيابة عن رئيس قسم التخدير والإنعاش المقدم الطبيب حمزة الريشوني. شرحت لنا: تُجرى في القسم أكثر من ٣٠ عملية يوميًا، عمليات متنوعة من بينها الماء الزرقاء، شبكية العيون، المناظير، استئصال الكتل الدهنية، العظم، تحرير العصب، كسور الأنف واللحميّة، بيت الشعر، الدوالي... وغيرها الكثير. ويضم القسم ١٢ سريرًا تستقبل المرضى يوميًا، يتلقون علاجهم قبل العملية (الأدوية اللازمة، المصل، الحرارة، الضغط...) ويغادرون إلى قسم العمليات، وعند الانتهاء وبعد الاستيقاظ من البنج، يعودون إلى قسم جراحة اليوم الواحد فتتم مراقبتهم مجدّدًا (ضغط الدم، الحرارة، البول، يمشون قليلًا) ويغادرون عندما يأذن الطبيب بذلك.
٤ عسكريين و ٤ مدنيين يتناوبون على الخدمة في القسم، الضغط عليهم كبير لكن التنسيق في ما بينهم يخفف وطأة العمل، يعملون يدًا واحدة وقلبًا واحدًا. المعاون أول عباس ترحيني والموظفتان المدنيتان سوسن جواد وإلهام العرب كانوا من ضمن الفريق المناوب خلال جولتنا، أسأل سؤالي يجيب الثلاثة معًا، فريق واحد فعلًا وقلب واحد. ينادي مريض فيهرع إليه جميع أفراد الطاقم، يلبون احتياجاته: نقدّر أوجاع الناس، نضع أنفسنا مكانهم، سنكون حينها ممنونين متى وجدنا من يستمع إلى حاجاتنا ويلبّي مطالبنا. الجيش عائلتنا الكبيرة، والعسكريون وعائلاتهم إخوتنا، لا يبخل أخ على أخته أو أخيه بعمل خيرٍ والإنسانية واجب وليست استعطافًا.
كلام أكّده الجندي علي سبليني الذي أجرى عملية جيوب أنفية وغضروف ولحميّة قبل بضع ساعات، «الخدمة في القسم ممتازة، قلبهم علينا، يسألون عن حالنا بعدد الدقائق، كأننا بين أفراد أسرتنا، الله يخلّي اللي جامعنا بكنف مؤسسة وحدة، وسهران علينا وعلى راحة عيالنا».
دقة والتزام وجدية وعطاء
آخر المحطات كان قسم العناية المركّزة الذي التقينا رئيسه الرائد الطبيب ميّاس مشيك. نسأله عن سير الأمور فيجيب باختصار منوّهًا بجهود العاملين فيه وعملهم الدؤوب على خدمة المرضى بكل كفاءة ومسؤولية وإنسانية. نلتقي السيدة سوسن سويد التي تعمل في القسم منذ أكثر من ٢٢ عامًا وهي المدنية الوحيدة في طاقم القسم المؤلف من ٣١ عسكريًا.
الهدوء هنا سيد الأجواء على عكس باقي الأقسام، معظم المرضى نائمون في غرف منفصلة تتسع لـ ٧ أسرة، تتم مراقبتهم من خلال شاشات تنقل صورهم إلى عدد من العاملين في القسم، بينما يراقب آخرون المرضى في غرفهم. الوضع دائمًا تحت السيطرة، والزيارات بمواعيد محدّدة، من الثانية عشرة ظهرًا حتى الواحدة، ومن الخامسة من بعد الظهر حتى السادسة منه. يستطيع الأهل الاطمئنان عن حال مرضاهم إمّا من خلال الحضور والسؤال شخصيًّا، أو عبر الهاتف.
يعمل المعاون جعفر يوسف في القسم منذ ١١ عامًا، يقول إنّه اختار هذا القسم دون سواه لأنّه يحب الدقة، ويضيف: «تأقلمت مع العمل هنا، أشعر أنّني أنتمي إلى هذا القسم وأستطيع أن أعطي فيه بلا حدود، وزملائي يُتكل عليهم، نشكل فريقًا متميزًا، لا أخطاء، بل دقة والتزام وجدية...»
بكلام هذا المعاون نختصر ما شاهدناه في المستشفى العسكري المركزي، «دقة والتزام وجدية»، ونضيف إليه أنّ الالتزام مضمخ بعطر العطاء اللامحدود، وهذا العطاء هو أحد المكونات السحرية التي تجعل الصمود في الأزمات ممكنًا.