واﻗﻊ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ واﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ

واﻗﻊ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ واﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺘﻼﺣﻘﺔ
إعداد: اﻟﻌﻤﻴﺪ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﻤﺘﻘﺎﻋﺪ ﺻﻼح ﺟﺎﻧﺒﻴﻦ

المقدمة

الاتحاد الأوروبي هو تكتل سياسي واقتصادي بدأ مساره منذ العام 1951، ومرّ بعدة مراحل توسع خلالها ليشمل 27 دولة أوروبية. تأسس بناءً على معاهدة ماستريخت الموقعة في العام 1992، لتعزيز التكامل السياسي والاقتصادي. ارتكز المشروع الأوروبي على ثلاثة أهداف، تمثلت في القضاء على التنافس الاقتصادي والصناعي، والنعرات الوطنية عبر بناء مؤسسات فوق وطنية، ترسيخ أهداف ومواقف متقاربة، وقف سباق التسلح وبناء هوية مشتركة. يتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرًا لأمانته العامة وللمفوضية الأوروبية، ومدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرًا لبرلمانه.

توالت منذ القدم على القارة الأوروبية الكثير من الأوبئة والحروب والأزمات، فكان أبرزها مرض الطاعون في العام 1347، ثم الإنفلونزا الإسبانية بعد الحرب العالمية الأولى 1918، مرورًا بالحرب العالمية الثانية 1939 وويلاتها من دمار وخسائر بالأرواح قدّرت بالملايين والتي استمرت ست سنوات، وصولًا إلى مرض الإيدز الذي انتشر في أوروبا في العام 2000، ومرض المتلازمة النفسية الحادة الوخيمة أي السارس الذي ظهر في العام 2002. وعند بروز الاتحاد الأوروبي، ظهرت تحديات جمّة أيضًا، تمثّلت بالأزمة اليونانية 2013 التي أوشكت على إعلان إفلاسها وخروجها من منطقة اليورو، مرورًا بالبريكست 2020 أي خروج بريطانيا من الاتحاد، وصولًا إلى فيروس كورونا المستجد الذي ظهر في الصين في كانون الأول 2019 وشكّل تهديدًا عالميًا، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية 2022 وتداعياتها.

تبرز إشكالية الدراسة في إظهار تأثيرات بعض الأزمات على الاتحاد الأوروبي، بخاصة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية لناحية إدارة الأزمات الصحية، وتعقيدات السياسات الداخلية والتأثيرات الاقتصادية، وقدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات فعّالة وتكاملية. كما التحدّيات الخارجية التي يواجهها الاتحاد مع شركائه الدوليين، سواء في مجال السياسة الخارجية أو التجارة والهجرة، بالإضافة إلى التحولات الجيوسياسية في المنطقة، ما يتطلّب استراتيجيات متكاملة لإدارة كل تلك التحدّيات المالية والاقتصادية والعسكرية المستجدة.

تبرز أهمية البحث، في تناوله لموضوع يعتبر تحدّيًا للعالم أجمع، وللاتحاد الأوروبي الذي عانى مشاكل كبرى، على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، وفي تأثير هذه المشاكل على مستقبله. تمَّ تناول الموضوع من قبل العديد من المفكرين والكتّاب نظرًا لأهميته، وإن بطرق وعناوين وأساليب وآراء مختلفة، ما يعطيه أهمية في وجوده كمرجع إضافي يسلط الضوء على أزمات هددت الكيانات الدولية، بما فيها دول الاتحاد  الأوروبي.

يتطرق البحث إلى تداعيات الأزمات التي تعرض لها الاتحاد الأوروبي، بدءًا بنشأته والقوانين التي تحكمه، والأوبئة التي هددت القارة الأوروبية، إلى الأزمة اليونانية وانسحاب بريطانيا من الاتحاد، وصولًا إلى فيروس كورونا المستجد، مرورًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية والصحية والعسكرية التي واجهته، مع التطرق إلى التأثيرات الاقتصادية والسياسية الكبرى على الاتحاد، وتبيان المعالجات التي اتخذت والتي لم تعط النتائج المرجوة لوقف التدهور، ما شكل خطرًا على تماسك الاتحاد.

القسم الأول

الوحدة الأوروبية المتصدّعة

1- أوروبا من التفكك والحروب نحو الوحدة

خرجت الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية منهكة، تعيش تمزقات، فوارق اجتماعية واقتصاد مدمر، راغبة بتشكيل تعاون عبر مؤسسات الدولة التقنية والاقتصادية لتحقيق السلام الذي يعيد إليها استقرارها الطبيعي. الأمر الذي أدى إلى تشكيل مجموعة أوروبية للحديد والفحم، كوسيلةٍ لمنع المزيد من الحرب بين فرنسا وألمانيا، متخذة شعارًا «لن نجعل من الحرب أمرًا غير وارد فحسب، بل غير منطقي أيضًا»، وقد تمّ التوقيع على معاهدة المجموعة الأوروبية للفحم والصلب وهي معاهدة باريس في 18 نيسان 1951، وكانت بداية الطريق نحو الوحدة الأوروبية.

2- تأسيس الاتحاد الأوروبي

في العام 1990، دخلت مرحلة الاتحاد الاقتصادي والنقدي حيّز التنفيذ، والاتحاد السياسي الذي انتهى بتوقيع معاهدة ماستريخت 1992 وتأسيس الاتحاد الأوروبي. وبذلك بدأت مرحلة جديدة في عملية إنشاء وحدة أوثق بين شعوب أوروبا، فتوجه الأوروبيون لحماية المحيط والقيام بإجراءاتٍ مشتركة في مجالَي الأمن والدفاع، فبدأت العائلة الأوروبية بالتوسع، ثم وقّعت معاهدات أمستردام التي اهتمت بالديموقراطية، الأمن والتطوير، نيس للتدابير المؤسساتية، اتفاقية شنغن لفتح الحدود، ثم معاهدة ليشبونة التي شكلت دستور الاتحاد 2007، وتوالى من بعدها انضمام الدول حتى أصبح العدد الإجمالي 28 دولة بانضمام كرواتيا في العام 2013  (العدد الحالي ٢٧ دولة).

3- المشاكل والأزمات المتلاحقة

عرف الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية منذ القدم العديد من المشاكل، منها الوبائية كالطاعون 1347 الذي قضى على حوالى ثلث سكان أوروبا، ثم الإنفلونزا الإسبانية جرّاء الحرب العالمية الأولى 1918، فمرض الإيدز القادم من القارة الأفريقية. أما الاتحاد بصورته الوحدوية، فقد تعرّضت دوله لمرض المتلازمة النفسية الحادة الوخيمة أي السارس في العام 2002، وفيروس كورورنا المستجد 2019، كما تعرّض للمشاكل والأزمات الاقتصادية والبنيوية المتمثلة بالأزمة الاقتصادية اليونانية 2013، ثم البريكسيت أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي 2020 والذي زاد التصديع في ركائزه، فتهديد المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود التركية، بالإضافة إلى الحرب الروسية -الأوكرانية وتداعياتها على مختلف الصعد الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والعسكرية.

فمع كل هذه التطورات، وُضع الاتحاد الأوروبي في امتحان صعب، تجاوز اختباراته التمهيدية من الأزمة اليونانية إلى البريكست بصعوبةٍ، فصارت الدول المنضوية في فلكه تفكر في صوابية الانضمام والذي كانت ركيزته تجاوز الأزمات بالوحدة. ثم تلتها أزمة كورونا 2019 التي أظهرت ثغرات في مواجهة انتشاره من قبل دول الاتحاد منفردة بدلًا من اتحادها، وتلتها الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعياتها الانقسامية، ليس على وحدة الاتحاد فحسب، بل على الأقطاب الكبار في العالم كالصين، الهند، روسيا والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهم الذين يدورون في فلك كل منهم. فكيف أثرت هذه التحديات على دول الاتحاد الأوروبي؟ وما الدروس المستقاة من المعالجات؟ نعمل على الإجابة عن هذه التساؤلات، عبر دراسة هذه المشاكل، وربطها بالواقع الأوروبي وأسباب تأسيس الاتحاد الأوروبي وتاريخه، مع انعكاساتها على دول الاتحاد في حال ظهور أي عامل مكمّل قد يؤثر في الهيكل جرّاء مثيل هذه الأزمات.

القسم الثاني

نشأة الاتحاد الأوروبي وتنظيمه

يُعدّ الاتحاد الأوروبي من أبرز مظاهر التعاون والشراكة بين الوحدات السياسية التي ظهرت في منتصف القرن العشرين، وتوسعت بعد انتهاء الحرب الباردة 19901، وشكّل ذلك أكثر معالم الانسجام الإقليمي في العلاقات الدولية في التاريخ المعاصر، لما يمتلكه الاتحاد من مقومات اقتصادية، عسكرية واجتماعية، تعطيه دورًا واضحًا على الصعيد السياسي في النظام العالمي، على الرغم من التنوّع بين دول الاتحاد في العديد من المقومات2.

أولاًً: بداية الوحدة الأوروبية

بعد المعاناة الأوروبية والدمار الهائل والاضطرابات الاقتصادية التي حلّت بها من جرّاء الحرب العالمية الثانية، كانت الفكرة الرئيسة وراء الوحدة، هي تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي بهدف التعاون لتعزيز الاستقرار السلمي بين الدول الأوروبية.

1- محاولات عسكرية فاشلة

حدثت محاولات كثيرة لتوحيد أوروبا تحت قيادة واحدة منذ قرون خلت، وقبل ظهور الدولة القومية الحديثة المتمثلة بالإمبراطورية الرومانية الممتدة حول البحر المتوسط، ثم محاولة نابليون بونابرت في بداية القرن التاسع عشر، مرورًا بمعاناة الحرب العالمية الأولى، ومحاولات أدولف هتلر في أربعينيات القرن الماضي إبّان الحرب العالمية الثانية. وهي محاولات لم تستمر إلا لفتراتٍ قصيرة وانتقالية، اتسمت بصبغاتٍ عسكرية إجبارية لإخضاع الأمم الرافضة، فكان مصيرها الفشل في النهاية لأنها اتخذت صورة الاحتلال العسكري.

2- محاولات سياسية واقتصادية واعدة

لقد كانت الوحدة الأوروبية مشروعًا فكريًا تَشكّل في أذهان مفكرين، حكماء، فلاسفة، رجال قانون ومصلحين اجتماعيين، قبل أن تتحول إلى مشروع سياسي تسهم في بنائه مؤسسات تحظى بدعم رؤساء الدول والحكومات، وقطاع كبير من النخب السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأوروبية. وهكذا كانت أول مبادرة لإنشاء الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد وضع أفكار حول إنشاء إطار لمنظماتٍ إقليمية تساعد الشعوب الأوروبية في مواجهة المشاكل الإقليمية، وتكفل لهم نوعًا من الأمن والتعاون، بما يضع الدول الأوروبية كمنظومةٍ دولية موحدة.

هكذا تكتلت دول أوروبا في شكل منظمات إقليمية لحل مشكلاتها، فتم تأسيس المجلس الأوروبي 19493، لخلق أواصر قوية للترابط، وتدعيمها بين الدول الأعضاء ثقافيًا، اجتماعيًا واقتصاديًا. بعد ذلك، قامت الدول الأعضاء بإنشاء المجموعة الأوروبية للفحم الحجري والصلب 19514، وكانت الصورة الأولى للاتحاد الأوروبي المصغر بهدف تطوير هذه الصناعة في الدول الأعضاء، ويتعلق الأمر ببلجيكا، فرنسا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا وألمانيا الغربية، فكانت بداية طريق الاتحاد الذي اعترضت تعبيده العديد من المشاكل والأزمات، التي تفرعت من المشاكل الوبائية إلى المشاكل البنيوية السياسية.

ثانيًا: التمهيد للاتحاد بتشكيل الجماعة الأوروبية ودمجها

هي منظمة تكونت من ست دول هدفت إلى توحيد أوروبا الغربية خلال الحرب الباردة، ووضع أساس للتطورات الحديثة فيها. تعد الجماعة أول منظمة تستند إلى مبادئ أعلى من مبادئ القوميات، إذ كان وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول من اقترح تأسيسها في 9 أيار 1950 كوسيلةٍ لمنع اندلاع حرب جديدة بين فرنسا وألمانيا، لا بل جعلها مستحيلة5.

1- إنشاء السوق المشتركة

تم تأسيس الجماعة رسميًا بموجب معاهدة باريس 1951، ولم تُوقّع من جانب فرنسا وألمانيا الغربية فحسب، بل وُقّعت من جانب إيطاليا، بلجيكا، لوكسمبورغ وهولندا أيضًا، وذلك على أمل أن تقوم بإنشاء سوق مشتركة للفحم والصلب. كانت الجماعة تدار بواسطة سلطة عليا تخضع لرقابة الهيئات التي تمثّل الحكومات، أعضاء البرلمان والقضاء المستقل6. وقد شكّلت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي التي نمت وتطورت لتمرّ في عدة مراحل حتى بلغت ذروتها بإعلان معاهدة ماستريخت في العام 1992، التي تشكّل بموجبها ما يعرف الآن بالاتحاد الأوروبي7.

٢- دمج المجموعات الأوروبية ببعضها

جرى في العام 1967 دمج الجماعة الأوروبية للحديد، الصلب والفحم الحجري، التي استفادت من مناطق الحدود الفرنسية-البلجيكية-الألمانية الغنية بمصانع الحديد، الصلب والفحم الحجري، مع المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية والسوق الأوروبية المشتركة8، لكنها احتفظت بهويتها المستقلة. وبنتيجة هذا الدمج، باشرت مفوضية المجـموعة الأوروبية أعمالها في مدينة بروكسل، وأوقفت أنشطة الجماعة الأوروبية، وبذلك مهّد لقيام الاتحاد الأوروبي.

القسم الثالث

الأسس السياسية والاقتصادية لقيام الاتحاد الأوروبي

(المعاهدات والاتفاقيات)

قام الاتحاد الأوروبي على مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات التي وضعت أسسه السياسية والاقتصادية، كمعاهدة روما 1957، اتفاقية ومعاهدة ماستريخت 1957 التي جمعت بين جماعة الفحم والصلب ECSC، المجموعة الاقتصادية الأوروبية EEC، المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية Euratom، لتشكيل ما يعرف بالمجتمعات الأوروبية. كذلك معاهدة أمستردام 1997 التي عدّلت معاهدة ماستريخت وأعطت الاتحاد الأوروبي صلاحيات جديدة، بما في ذلك توسيع نطاق التكامل السياسي والاقتصادي، معاهدة نيس 2001 التي عدّلت هياكل الاتحاد الأوروبي، اتفاقية لشبونة 2007 التي حدّثت هياكل الاتحاد لمواكبة التحديات المعاصرة وزيادة فعاليته في مجالات التنمية المستدامة والشؤون الخارجية، ومعاهدة لشبونة 2009 التي أدخلت تعديلات على معاهدة الاتحاد الأوروبي لتعزيز الديموقراطية وزيادة التأثير الفعّال للبرلمان الأوروبي، كما في العام 2016 أعطت إشارة للتحولات المستقبلية في هياكل الاتحاد بعد الخروج البريطاني منه. كل تلك الاتفاقيات وغيرها من المعاهدات التي سنأتي على ذكر البعض منها، كانت حجر الأساس لتطوير الاتحاد بهدف تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء.

أولاًً:  المعاهدات والاتفاقيات ما قبل 1990

1- معاهدة روما 1957 وإنشاء السوق الاقتصادية المشتركة

وقّعت ست دول أوروبية: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، لوكسمبورغ وهولندا يوم 25 آذار1957 في قاعة الكابيتول بالعاصمة الإيطالية روما، على معاهدة المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي عُرفت لاحقًا بمعاهدة روما، والتي شكّلت فاتحة التعاون التدريجي والتصاعدي باتجاه الخطوات الدستورية المهمة، وفي طليعتها صياغة الدستور الأوروبي وقيام البرلمان الأوروبي، وسواها من المنطلقات التي نجحت في صياغة مواقف سياسية دولية موحدة.

احتوت معاهدة روما على أسس اقتصادية تحت اسم معاهدة تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وهي اتفاقية أدت لاحقًا إلى تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية في الأول من كانون الثاني 1958، والهدف اللاحق منها كان خلق سوق أوروبية مشتركة، والإسهام في تحسين الوضعية المعيشية للشعوب الموقعة على الاتفاقية المذكورة حسب البند الثاني منها، والتي كانت تعاني من ظروف عيش متدهورة نتيجة الآثار التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية على البنية الاقتصادية الأوروبية9.

نصت المعاهدة على توسيع التعاون الاقتصادي بين الدول الأوروبية، تخفيض الرسوم الجمركية، تأسيس اتحاد جمركي، كما نصّت على تأسيس أسواق مشتركة للسلع والعمال والخدمات ورؤوس الأموال داخل الدول الأعضاء، بالإضافة إلى تأسيس سياسات مشتركة للنقل والزراعة، وصندوق اجتماعي أوروبي. والأهم من ذلك كله، تجلّى في سقوط الحدود بين الدول الأعضاء وانطلاق العمل الأوروبي المشترك ضمن استراتيجية المحافظة على أمن الإنسان وسلامة البيئة، وفي هذا السياق، كانت خطوة اندماج المنظمات الأوروبية الرئيسة بعد عشر سنوات من التعاون في ما بينها.

إن أهم ما جاءت به اتفاقية روما هو تأسيسها لآليات عمل جديدة تهم الاتحاد الناشئ، التي نصّت على خلق لجنة أوروبية مستقلة عن حكومات البلدان المنشئة لها، وتتمتع بحق المبادرة الخالصة، ويُمنح مجلس الاتحاد الأوروبي داخلها سلطة اتخاذ القرار الملزم. ونصت على تكوين محكمة أوروبية للعدل أيضًا هدفها مراقبة تطبيق بنود الاتفاقية وإلزام الدول الموقعة باحترام تطبيق القانون المشترك. وقد سمح تطبيق بنود اتفاقية روما خلال الفترة الانتقالية ما بين 1958 و1970 برفع المستوى المعيشي للأوروبيين.

2- معاهدة شنغن 1985 وفتح الحدود

هي اتفاقية تمّ توقيعها في العام 1985 في مدينة شنغن في لوكسمبورغ، الهدف منها وضع سياسة للتأشيرة المشتركة تسمح بحرية الحركة في أوروبا. بدأ تنفيذها في العام 1995 وضمت سبع دول من الاتحاد الأوروبي10، إذ استلزم توسيع فضاء شنغن على مستوى أوروبا معاهدة أخرى وُقّعت في 2 تشرين الأول 1997 في أمستردام بهولندا11.

نصت الاتفاقية على حرية الحركة للأشخاص ضمن الاتحاد الأوروبي، والسماح للمواطنين بالسفر والعمل كما العيش في أي بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي من دون أي إجراءات خاصة، إذ أتت الاتفاقية لتعزيز الحرية من خلال تمكين مواطني الاتحاد من رجال الأعمال والسائحين أو غيرهم من الأشخاص الموجودين بشكلٍ قانوني من عبور الحدود الداخلية للدول.

ولكي تتمكن الدولة من الانضمام إلى الاتفاقية، يجب أن تظهر قدرتها على تنظيم حدودها بكفاءةٍ عالية، كما يجب عليها تفعيل أنظمة تبادل المعلومات، والبيانات اللازمة للمشاركة الفعالة في الشنغن. إذ يتم من خلالها تنظيم الحدود الداخلية، وذلك بسماح الاتصال بين دول الشنغن في نفس الوقت، كما يكون هناك تنسيق بين شرطة هذه الدول، والذي يسمح بمراقبة الأشخاص والبضائع عبر الحدود، وقد أصدرت المفوضية آنذاك قائمة تضم عدة تدابير جرى تطبيقها بنهاية العام 1992 من أجل إزالة الحواجز غير الجمركية وإتمام السوق الموحدة12.

ثانيًا: المعاهدات والاتفاقيات ما بعد 1990

وُضع العديد من المعاهدات والاتفاقيات التي تأثر فيها الاتحاد الأوروبي EU بعد العام 1990 ووقّعها الاتحاد مع دول أخرى، جاءت لتعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي وتأسيس السوق الأوروبية الداخلية، كما ركّزت على تعديل هيكل الاتحاد الأوروبي لتمكينه من التوسع وتطوير التعاون بين الدول، وزيادة قدرات الاتحاد في مجالات الدفاع، الأمن، والسياسة الخارجية.

1- معاهدة ماستريخت 1992 واستكمال التوسع

وُقّعت معاهدة ماستريخت في العام 1992، ودخلت حيّز التنفيذ في العام 1993، لترسم بذلك شكل أوروبا الجديدة التي انتقلت من مرحلة التعاون التي مثلتها المجموعة الأوروبية، لتصل إلى مرحلة الاندماج والوحدة، وذلك بتشكيل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولتضع أسس المواطنة الأوروبية التي تمنح الحقوق للجميع، كما تلزمهم بنفس الواجبات في خطوة جديدة للتكامل والاعتماد المتبادل لم يسبق لها أن نُفّذت من قبل13.

عُرفت المعاهدة بالاتفاقية المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي، وأهم تغيير في تاريخ التعاون الأوروبي. حملت اسم المدينة الهولندية التي وُقّعت فيها في العام 1992، وقد تأجّل دخولها حيّز التنفيذ بسبب تأخر قبول الدانماركيين بها، إضافة إلى اعتراضات قانونية على بعض بنودها التي أقيمت ضدها في ألمانيا. أدخلت معاهدة الاتحاد الأوروبي عدة تغييرات على قوانين المجموعة الأوروبية التي كانت نواة تأسيس الاتحاد الأوروبي، وأساس دستوره الذي أُقر لاحقًا في العام 2004.

بحسب ديباجة المعاهدة، فإن الاتحاد يتكون من ثلاثة أركان رئيسة: المجموعة الأوروبية، سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية المشتركة، والتعاون الأمني والقضائي. طرحت المعاهدة عددًا من المفاهيم القانونية الحديثة، كجنسية الاتحاد ومواطنيته التي لا تبدل أبدًا الجنسية الوطنية، وإنما تكمِّلها، وبموجبها يحصل كل مواطن في الدولة العضو على الجنسية الأوروبية تلقائيًا، ويصبح من حقه الإقامة والعمل في أي مدينة داخل الاتحاد، كما يحق له الترشح أو انتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي بغض النظر عن مكان إقامته.

2- معاهدة أمستردام 1997

وُقّعت هذه الاتفاقية في الثاني من تشرين الأول 1997، ودخلت حيّز التنفيذ في العام 1999. ركّزت على المواطنة وحقوق الأفراد وعلى المزيد من الديموقراطية في شكل زيادة سلطات البرلمان الأوروبي، كما تشكيل عنوان جديد عن العمالة، تحقيق الحريات الاجتماعية، الاهتمام بأمور الأمن والعدالة، العمل على تحقيق السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وتحقيق الإصلاح في المؤسسات العامة للتحضير لتوسعها14.

هدفت المعاهدة إلى تهيئة وخلق المناخ السياسي والهيكلي والمؤسسي المناسب حتى يستطيع الاتحاد الأوروبي مواجهة التحديات المستقبلية كالتطور السريع على الساحة العالمية والعولمة وتأثيرها في العمالة، التنافسية، توفير فرص العمل، مكافحة الإرهاب والجريمة وتجارة المخدرات. وقد قُسمت إلى ثلاثة أجزاء وملحق وثلاثة عشر بروتوكولًا و59 إعلانًا تضمَّنهم الملحق الخاص بالإعلان الختامي، والتي نظَّمت العلاقة داخل المؤسسات الاتحادية، البيت القضائي، الأمن الداخلي والعلاقات مع الخارج.

ترتكز المعاهدة على ثلاث ركائز أساسية هي:

- توطيد أسس الديموقراطية، الحرية وحقوق الإنسان داخل بلدان الاتحاد، إذ نصّت المعاهدة على أهمية الحفاظ على الحقوق الأساسية للمواطن الأوروبي، ومنع كل نزعة عنصرية، مع تأكيد ضرورة الدفاع عن حقوق المستهلك الذي يشكل القاعدة الأساسية للاقتصاد الأوروبي.

- تحديد آليات العمل الأمني وتقوية أسس العدالة.

- تطوير هياكل الاتحاد ومجالات نشاطه، فقد جعلت من رفع مستوى التشغيل والتخفيض من عدد العاطلين عن العمل أولوية15.

أكّدت الاتفاقية على إعادة هيكلة مؤسسات الاتحاد الداخلية، كما حثَّت على خلق آلية تمكِّن من سهولة اتخاذ القرار الأوروبي في حالة توسيعه، وهو ما نصّت عليه اتفاقية نيس التي دخلت حيّز التنفيذ والتطبيق في الأول من شباط 2003. أما في إطار السياسة الأمنية، فكان قرار إنشاء هيئات دائمة كلجنة السياسة الأمنية، لجنة عسكرية وهيئة أركان عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي16.

زادت الاتفاقية من حجم المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي وصلاحياتهما، وأقرّت الاقتراع بالأكثرية، كما أنها أسست نظامًا جديدًا للتصويت في مجلس الوزراء، وحددت الأصوات التي تحصل عليها كل دولة في القضايا السياسية كافة، ووسعت من مدى ما يسمى بالاقتراع بالأكثرية المحددة، ما يتيح أمر اتخاذ المزيد من القرارات بأغلبية الدول الأعضاء بدلًا من إجماعها17.

3- معاهدة نيس 2000

تعد واحدة من المعاهدات المهمة التي شكلت أساسًا لتأسيس الاتحاد الأوروبي. وُقّعت في مدينة نيس الفرنسية في كانون الأول 2000 ودخلت حيّز التنفيذ في شباط 2003. أدخلت هذه المعاهدة تعديلات مهمة على معاهدتَي ماستريخت السابقة وروما، وقد قامت بتحسين بنية الاتحاد الأوروبي بما يتعلق بمؤسساته وعمليات اتخاذ القرار.

تهدف معاهدة نيس إلى تيسير عمليات اتخاذ القرار داخل الاتحاد الأوروبي، توسيع صلاحيات بعض المؤسسات، تحديد الإجراءات المتعلقة بالتعاون الأمني والدفاعي، كما تعزيز الديموقراطية وتوزيع الصلاحيات بين الدول الأعضاء.

٤- معاهدة ليشبونة أو معاهدة الإصلاح 2007

هي اتفاقية دولية تعدّل المعاهدتَين اللتَين تشكلان الأساس الدستوري للاتحاد الأوروبي أي معاهدتَي ماستريخت 1992 وروما 1957، تمّ التوقيع على معاهدة ليشبونة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في 13 كانون الأول 2007، ودخلت حيّز التنفيذ في 1 كانون الأول 2009، أما مشروع المعاهدة فكان نصًا جديدًا مستوحى من الإرادة السياسية، وحلّ محل المعاهدات السابقة كافة18.

تضمنت الكثير من التغييرات المتمثلة بالانتقال من الإجماع إلى التصويت بالأغلبية في ما لا يقل عن 45 مجالًا للسياسة في مجلس الوزراء، تغيير في حساب هذه الأغلبية إلى أغلبية مزدوجة جديدة، برلمان أوروبي أقوى يشكّل هيئة تشريعية مؤلفة من مجلسَين إلى جانب مجلس الوزراء، شخصية قانونية موحدة للاتحاد الأوروبي، إنشاء رئيس طويل الأجل للمجلس الأوروبي وممثل سام للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، السياسية والأمنية.

جعلت المعاهدة شرعة حقوق الاتحاد وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الذي حُرر في نيس 2000 ملزمة قانونًا. كما أعطت الحق القانوني الصريح للدول الأعضاء في مغادرة الاتحاد الأوروبي وإجراءات القيام بذلك، وقد كان الهدف المعلن للمعاهدة هو إكمال العملية التي بدأت بموجب معاهدتَي أمستردام ونيس. بدأت المفاوضات الرامية إلى تعديل مؤسسات الاتحاد الأوروبي في العام 2001، ما أدى إلى إبرام معاهدة لأوروبا، والتي كان من شأنها إلغاء المعاهدات الأوروبية القائمة واستبدالها بـدستور الاتحاد19.

على الرغم من تصديق غالبية الدول الأعضاء، تم التخلي عن هذا بعد رفضه من قبل 54.67٪ من الناخبين الفرنسيين في 29 أيار 2005 ثم من قبل 61،54٪ من الناخبين الهولنديين في 1 حزيران 2005. بعدها وافقت الدول الأعضاء على إنقاذ عدد من الإصلاحات التي تم تصوّرها في الدستور، إذ وضعت معاهدة تعديل الإصلاح وتوقيعها في ليشبونة 2007 وصودق عليها في تشرين الأول 2009 بعد أن حصلت إيرلندا على عدد من التنازلات المتعلقة بالمعاهدة.

بعد كل هذا المسار، تأسس الاتحاد الأوروبي، وتكوَّن من المجلس الأوروبي، البرلمان، المفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، بعثات الاتحاد، البنك المركزي الأوروبي، بنك الاستثمار، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، لجنة المناطق، محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، ديوان مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي، مراقب حماية البيانات الأوروبية، الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون في مجال العمليات على الحدود الخارجية، الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران، السلطة المصرفية الأوروبية، الوكالة التنفيذية للتعليم والوسائل السمعية البصرية والثقافية20.

٥- اتفاقية البريكست 2020

تشير اتفاقية البريكست إلى الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتنظيم علاقتهما، بعد انفصال المملكة المتحدة بما سُمّي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. بدأت هذه العملية بناء على نتيجة الاستفتاء البريطاني في العام 2016، إذ قرر الناخبون البريطانيون بأغلبيةٍ ضئيلة مغادرة الاتحاد والخروج منه، وهو ما أطلق عليه بـالبريكست.

تمّ توقيع اتفاقية البريكست في 24 كانون الأول 2020، ودخلت حيّز التنفيذ في 1 كانون الثاني 2021. تشمل جوانب متعددة تتعلق بتنظيم العلاقات التجارية وقواعدها الحرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في بعض القطاعات، باستثناء تغييرات في الجمارك وبعض القوانين التجارية. كما تشمل الاتفاقية حماية حقوق المواطنين البريطانيين في الاتحاد الأوروبي والمواطنين الأوروبيين في المملكة المتحدة، بما في ذلك حقوق الإقامة والعمل، بالإضافة إلى التعاون الأمني بين الجانبَين للتصدي للجريمة المنظمة والإرهاب. أما بالنسبة لملف إيرلندا الشمالية، فقد حددت الاتفاقية حلًا لقضية الحدود بين إيرلندا وشمال إيرلندا، مع الحفاظ على الاتفاق السلمي الذي تم التوصل إليه من قبل الذي أنهى النزاع في المنطقة. غير أن الاتفاقية كانت محل جدل وتحفّظ من قبل بعض الأطراف، للتحديات التي اعترضت التنفيذ، كما في تكييف الأعمال والاقتصاديات للتغييرات الناتجة عن انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.

٦- تداعيات اتفاقية البريكست

للاتفاقية التي تّم توقيعها بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تداعيات كبيرة على كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، منها:

- تأثير كبير في الاقتصاديات في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ يمكن أن يؤدي الفصل عن السوق الأوروبية الموحدة إلى تقليل حركة التجارة والاستثمار بين الجانبَين وزيادة التكاليف الجمركية.

- تُشكّل الاتفاقية تحديًا للاتحاد الأوروبي، إذ يتعيّن عليه مواجهة الخسائر المالية المحتملة نتيجة لخروج ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد. بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر الخلافات بين الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع الأوضاع الجديدة.

- التأثير في القوى السياسية الداخلية في المملكة المتحدة، ما يؤدي إلى تقويض الوحدة السياسية، اشتداد الخلافات بين الأطراف المؤيدة والمعارضة للاتفاقية وتشكيل ديناميات سياسية جديدة.

- تؤدي الاتفاقية إلى تغييرات في السياسات والقوانين في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يستلزم توجيه الجهود لإعادة تنظيم العلاقات التجارية، الاقتصادية والسياسية بين الأطراف.

- تتأثر القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والخدمات المالية بشكلٍ كبير بناء على شروط الاتفاق والعلاقات الجديدة التي ستنشأ بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بشكلٍ عام، يتعيّن على الجانبَين إدارة التحديات والتغييرات الطارئة بشكلٍ فعال لضمان استقرار الاقتصادات والسياسات بعد البريكست.

القسم الرابع

المشكلات والأزمات التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي

شهدت أوروبا صراعات وحروب متعددة، كما مرّت بفترةٍ من عدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية والاجتماعية في القرنَين الرابع عشر والخامس عشر. كما شهدت الثورة الفرنسية تحولات كبيرة في النظام السياسي، تبعتها الثورة الصناعية التي أحدثت تحولًا اقتصاديًا هائلًا. تلتها الحربان العالميتان الأولى والثانية، اللتان أسفرتا عن دمار هائل وخسائر بشرية ضخمة، من ثم الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، والانقسام الذي وقع بين الاتحاد السوفياتي والغرب، ما أدى إلى الكثير من الصراعات والتوترات.

ومع طلائع القرن العشرين، شهدت أوروبا جهودًا لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، ما أدى إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي، الذي تأثر بدوره في كثير من الأزمات والتحديات التي تمثّلت بأزمة الديون، الأمراض، الهجرة كما الأزمات السياسية، العسكرية والانقسامات العامودية بين الدول وبخاصةٍ بين الأقطاب أميركا، روسيا، الصين،... ومن يدور في فلكهم من الحلفاء.

أولاًً: الأزمات الصحية والوبائية

1- مرض الطاعون

بدأت الأوبئة بالطاعون الذي وصل إلى غرب أوروبا في العام 1347، ثم إلى إنجلترا في العام 1348. واختفى في بدايات خمسينيات القرن الرابع عشر21. يُعدّ الطاعون أسوأ كارثة سُجلت في التاريخ، نظرًا لمعدل الوفيات التي تسبب به للناس والأرواح التي حصدها. تفشّى المرض في الشرق، وانتقل إلى الشمال والغرب بعد أن ضرب البحر الأبيض المتوسط، إيطاليا، إسبانيا وفرنسا، ثم وصل إلى بريطانيا، فإسكندنافيا وروسيا، وقد سبّب كارثة إنسانية كبرى22.

2- الإنفلونزا الإسبانية

ظهرت الإنفلونزا من النوع الجديد للمرة الأولى في فرنسا في العام 1918، كما سُجّل في كل من أميركا وأوروبا حالات مشابهة، وبخاصةٍ في إسبانيا وبشكلٍ لافت، إذ أثار البلبلة والهلع بين الناس، ما أُطلق عليها اسم الإنفلونزا الإسبانية23 التي اعتُبرت الأشد فتكًا لما تسببت فيه من وفيات24.

حصدت الجائحة آنذاك أرواح ما يقرب 50 مليون شخص بينما أصيب بها نحو 500 مليون شخص حول العالم25. هذا الفيروس الوبائي الشرس، الذي لم يعرف سببه آنذاك وقتل أكثر بخمسة أضعاف من عدد الذين أودت بحياتهم الحرب العالمية الأولى، كان سريع التفشّي والانتشار26.

3- الإيدز

تمّ تحديد فيروس نقص المناعة البشرية، المعروفة بمتلازمة نقص المناعة المكتسبة الإيدز لأول مرة في العام 1981، إذ توفي 20 مليون شخص بسببه27. وقد ظهر هذا المرض بداية في القارة الإفريقية، ثم سرعان ما تابع انتشاره إلى كل العالم، ومنها القارة الأوروبية، حيث وصل عدد الأشخاص المصابين بالفيروس إلى 75 مليونًا في العام 2018.

لمكافحة هذا المرض جعل الاتحاد الأوروبي هذا الأمر ضمن أولويات سياساته الصحية؛ ومساهمة منه في مواجهة أخطاره، أطلق المركز الأوروبي للوقاية والسيطرة حملة كبيرة للتعريف بهذا المرض وأهواله، وذلك في محاولة للسيطرة عليه والوصول إلى تصور شامل عن حجمه في المجتمع الأوروبي28. فقد تبنّى الاتحاد زيادة الاستثمار وتسريع خطى البحوث في مجال تطوير لقاحات الفيروس، بما في ذلك البحوث الطبية الإحيائية، بحوث العمليات، البحوث الاجتماعية، الثقافية، السلوكية وفي مجال الطب التقليدي، وذلك بهدف تحسين النُهج الوقائية والعلاجية29.

4- فيروس كورونا، من السارس إلى الكوفيد 19

يُعدّ السارس مرض تنفّسي يسببه فيروس كورونا، ظهر في آسيا في العام 2003، وبدأ بالانتشار بعد مرور عدة أشهر من ظهوره، نتيجة حداثته ولعدم وجود معلومات عنه في أكثر من 12 دولة في أميركا الجنوبية والشمالية، حيث وصل بعدها إلى أوروبا، قبل أن يتم احتوائه في العام 200330، بعد أن أودى بحياة 922 شخصًا، مع 8422 حالة مؤكدة في جميع أنحاء العالم31. لكن سرعة الاحتواء جعلت الخسائر المترتبة عنه محدودة من النواحي البشرية، الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا، فلم يشكّل تهديدًا بتداعياتٍ مستقبلية، من دون الحاجة إلى تشكيل تكتل موسع للعمل على مواجهته32.

في العام 2013، لم تكن دول الاتحاد الأوروبي جاهزة أمام أي تحدٍ وبائي، نظرًا للتحديات المتمثلة بالأزمة الأوروبية الروسية حول أوكرانيا، فقد كانت أوروبا منشغلة في حل الخلافات مع الدولة الروسية، لعدم تأثير الموضوع في العلاقات المستقبلية. كما ولم يرْقَ السارس إلى مستوى الأوبئة التي هددت الكيان الأوروبي في تاريخه، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية على حدٍ سواء، ولم يختبر الاتحاد الأوروبي في جوهر وجوده، ما جعل تهديده على دول الاتحاد محدودًا جدًا، على عكس التحدي الكبير في أواخر العام 2019 عندما تفشّى فيروس كورونا المستجد الذي عُرف بالكوفيد 19، وما لبث أن أحدث أزمة صحية اقتصادية وسياسية كبرى وبخاصةٍ في الاتحاد، إلى حين البدء باكتشاف لقاحات فعالة له في نهاية العام 2020، والذي سبّب مشاكل كبرى، وأظهر خللًا كبيرًا في الأنظمة العالمية الصحية، وفي طليعتها النظام الصحي الأوروبي33.

5- آثار انتشار فيروس الكورونا على الاتحاد الأوروبي

أثّر انتشار فيروس كورونا بشكلٍ كبير في وحدة الاتحاد الأوروبي وتماسكه، تمثّلت بــ:

- تحديات صحية كبيرة عابرة للحدود، ما تطلّب تعاونًا قويًا بين الدول الأعضاء، غير أن الاستجابة للوباء كانت متفاوتة بين الدول، ما أدى إلى توترات وخلافات حول إدارة الحدود، سياسات الإغلاق وتوزيع اللقاحات.

- شهدت بعض الدول في الاتحاد الأوروبي تباينًا اقتصاديًا كبيرًا في مواجهة الجائحة، ما أدى إلى تفعيل آلية الاستقرار الاقتصادي والمالي في الاتحاد الأوروبي لدعم الدول الأعضاء المتضررة، على الرغم من الجدل الحاصل حول فعاليتها.

- تسببت المشاكل والتحديات الصحية والاقتصادية المرتبطة بكوفيد-19 في تصاعد التوترات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، مع تصاعد الانتقادات للقيادات الوطنية والاتحادية بسبب إدارة الأزمة.

- أدت الجائحة إلى تغييرات في سياسات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك سياسات الصحة العامة، الأمن الصحي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.

- تسببت الجائحة في تفاقم الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية داخل الدول الأعضاء، ما أدى إلى تأثيرات سلبية في التماسك الاجتماعي في الاتحاد الأوروبي.

ثانيًا:  التحديات والأزمات الاقتصادية والسياسية

1- الأزمة اليونانية

بدأت الشرارة الأولى لهذه الأزمة في العام 2004 عندما تم الإعلان بأن اليونان لم تكن مؤهلة لتكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي، بسبب تزوير البيانات الاقتصادية التي أُعطيت للجهات الأوروبية المسؤولة عن صحة أداء الاقتصاد اليوناني آنذاك34. والمشكلة تعود إلى سنوات سابقة، عندما كان الأداء الاقتصادي لليونان سيئًا قبل انضمامها إلى منطقة اليورو، فكانت دائمًا تعاني من مشكلة المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي والرفاهية لمواطنيها، والسيطرة على النفقات العامة لمواجهة على زيادة الديون. وفي تشرين الأول من العام 2009، اعترفت الحكومة اليونانية بأن الحكومة السابقة قد زيّفت الحسابات، والحكومة الحالية تعاني من عجز في الميزانية تخطت 13% من الناتج المحلي، ويمثل خمسة أضعاف ما هو مسموح به في منطقة اليورو35.

ما شجع اليونان على المزيد من الاقتراض من الدول الأوروبية، هو انتماؤها وعضويتها في الاتحاد الأوروبي وبالتالي أصبح من الصعب عليها تسديد ديونها36. وبذلك عمل الاتحاد الأوروبي بشكلٍ مكثف لمنع انهيارها الاقتصادي والمالي، وبالتالي الإفلاس، كون ذلك يؤدي إلى خروجها من منطقة اليورو، ما يشكل خطرًا على بقية الدول الأعضاء، وضربة لأسس الاتحاد في تكاتف الدول لحل الأزمات التي تصيب إحداها.

٢- الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي

منذ سقوط جدار برلين في بداية التسعينيات، عبّرت بريطانيا في الكثير من المناسبات عن امتعاضها من انضمام الدول الناشئة إلى الاتحاد الأوروبي، وكان يزعجها أن تتساوى مع الأعضاء الجدد فيه، بالإضافة إلى أن القارة الأوروبية شهدت في العام 2015 سيلًا من الأزمات، الأمر الذي جعل اتحادها في حال يرثى له، ولأن المعالجة لم تكن مجدية، كثر الحديث عن معنى وجود بريطانيا فيه37.

بعد سبعة وأربعين عامًا من الحياة المشتركة وعقب أزمة سياسية عميقة استمرت ثلاث سنوات، خرجت بريطانيا رسميًا في منتصف ليل 31 كانون الثاني 2020 من الاتحاد الأوروبي، ليخسر الأخير للمرة الأولى أحد أعضائه38. مثّل هذا الأمر صدمة كبيرة لصورة الاتحاد، ومكانته العالمية، وهو ما يؤدي بالتالي إلى إضعاف الاتحاد وقدراته وإمكاناته.

٣- خطر خروج جديد من الاتحاد الأوروبي

يتجه المجريون نحو الشرق بشكلٍ متزايد، في أكبر تراجع بين أعضائه، وفق تقرير بلومبرغ. إذ تبلغ نسبة دعم الاتحاد الأوروبي في المجر للعام 2023 حوالى 39%، ما يضع البلاد في خامس أدنى مرتبة بين الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، بجانب تشيكيا وسلوفاكيا لنفس الجهة المستَطلِعة، علمًا أنه في العام 2022 كان لدى 52% من المجريين وجهة نظر معاكسة وإيجابية تجاه الاتحاد39.

٤- تدفّق اللاجئين

أَحرجَت المبادئ الإنسانية للاتحاد الأوروبي النافذين السياسيين في هذه الدول، على اعتبار أن المنطق الإنساني المعمول به في أوروبا يحتم قبول موجات اللاجئين ومنحهم حق اللجوء، في الوقت الذي لا ترغب فيه هذه الدول بإحداث أي تغييرات ديموغرافية وثقافية جديدة، قد تعمّق بعض مشاكلها القائمة، وتزيد من الأخطار الاقتصادية الضاغطة. فقد استقبلت أوروبا أكثر من مليونَي شخص فرّوا من الحرب الجارية منذ العام 2011 في سوريا واليمن، وما قبلها من الحروب وتداعياتها في لبنان والعراق، وما تلاها في العام 2022 في أوكرانيا، ناهيك عن الهجرة من ليبيا وتونس عبر البحر قبل الحرب الليبية وبعدها40.

يمكن استنتاج الأمور الآتية:

بدأت الأزمة الاقتصادية في اليونان بالتحولات الاقتصادية السلبية قبل انضمامها لمنطقة اليورو، وتفاقمت في ما بعد بسبب تزوير البيانات الاقتصادية. إذ كان من الضروري تدخّل الاتحاد الأوروبي لمنع انهيار الاقتصاد اليوناني من جهة، ومنع خروجها من منطقة اليورو من جهة ثانية، ما يؤثر سلبًا في الاتحاد بشكلٍ عام.

إن خروج بريطانيا من الاتحاد كان نقطة تحوّل مهمة وأثرت سلبًا في صورة الاتحاد الأوروبي وقوته، كما أنه مثّل خطرًا كبيرًا على استقرار الاتحاد وتحديًا لتماسكه ووحدته، وبخاصةٍ الخروج المحتمل للمجر، ما يهدد بتصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في الدول الأعضاء.

الخلل الكبير وعدم التوازن ما بين المبادئ الإنسانية والمخاوف الديموغرافية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي من جراء تدفّق اللاجئين والتوترات الداخلية بسببه، كما أن استقبال اللاجئين يشكّل تحديًا للدول الأعضاء، ما يؤثر في وحدة الاتحاد وتماسكه.

ثالثًا: التحديات والأزمات الأمنية والعسكرية

1- المخاوف من تمدد التنظيمات الإرهابية

تتخوّف الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي من تمدد التنظيمات الإرهابية ومن أعمالها، وبخاصةٍ بعد التفجيرات والهجمات التي حصلت في تشرين الثاني 2015 في باريس، وتفجيرات آذار 2016 في بروكسل، التي نُفّذت من قبل مواطنين أوروبيين تدرّبوا وقاتلوا مع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. كذلك تتخوّف من آثار التفجير الانتحاري الذي وقع في أيار 2017 في حفل موسيقي في المملكة المتحدة والذي نفّذه شاب بريطاني من أصل ليبي، كما من أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية وسعيه إلى توجيه هجمات مماثلة انطلاقًا من ليبيا.

2- تحديات الأمن السيبراني

يمثّل الأمن السيبراني تحديًا جديدًا يستهدف الأنظمة الحاسوبية، الشبكات الإلكترونية والبنية التحتية لعمل الحكومات، الشركات والمؤسسات في الاتحاد الأوروبي، كما يعد التهديد المستمر للأمن القومي والسياسي للدول الأعضاء في الاتحاد. فقد تعرضت من قبل عدة دول لاختراقاتٍ سيبرانية كبيرة تسببت في تسريب بيانات ومعلومات حساسة من مؤسسات حكومية واقتصادية مهمة، ما هدد استقرار الدول وقدرتها على الحفاظ على الأمن القومي. فقد تسببت أزمة الأمن السيبراني في تكاليف هائلة على الاقتصاد الأوروبي، إذ يتعيّن على الشركات والمؤسسات القيام بعمليات التصدي ومواجهة تلك الأخطار، في كل مرة يتعرّض فيها نظام أو شبكة لاختراقٍ سيبراني ما يكلفها موارد مالية وبشرية كبيرة.

3- تداعيات أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية

أحدثت الحرب الروسية-الأوكرانية تداعيات جيو-سياسية مهمة وأثارت قلقًا دوليًا، لا سيما من حيث الاصطفافات ما بين مؤيد للحرب ولأوكرانيا بشكلٍ خاص، وآخر معارض للحرب أو مؤيد لروسيا بطريقةٍ غير مباشرة، وبخاصةٍ داخل الاتحاد الأوروبي. فقد عارض العديد من الدول الأعضاء الصراع الدائر، وأبدت دعمها لأوكرانيا. فكان موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب الروسية-الأوكرانية مدفوعًا بمبادئ التمسك بالقانون الدولي، ودعم وحدة أراضي أوكرانيا، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، كما ينظر العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تصرفات روسيا على أنها انتهاك للسيادة الأوكرانية وتهديد لهيكل الأمن الأوروبي الأوسع.

لقد عارضت كل من بولندا، ليتوانيا، لاتفيا وإستونيا الحرب القائمة بسبب قربهم التاريخي والجغرافي من أوكرانيا، كما لأنهم عايشوا نزاعات واحتلالات في الماضي، ولديهم مصلحة راسخة في ضمان استقرار جيرانهم في أوروبا الشرقية. فقد دعموا أوكرانيا من خلال تدابير عملية، كتقديم المساعدات الإنسانية، استضافة اللاجئين الأوكرانيين وتعزيز التعاون الأمني في ما بينهم41.

كما اتخذت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، فرنسا والمملكة المتحدة، موقفًا حازمًا ضد تصرفات روسيا، على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بُذلت للتوسط في النزاع وتعزيز الحوار بين أوكرانيا وروسيا للبحث عن حل سلمي للأزمة. غير أن الاتحاد الأوروبي كمؤسسةٍ أظهر معارضته للحرب الروسية-الأوكرانية، وأصدر المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي العديد من البيانات التي تدين العملية العسكرية الخاصة، وتؤيد سيادة أوكرانيا، بالإضافة إلى فرضهم عقوبات مستهدفة على الكيانات والأفراد الروس الذين يُعتبرون مسؤولين عن الصراع.

انطلاقًا من هذه المعطيات، يمكن استخلاص الأمور التالية:

- قلق الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي من تزايد التنظيمات الإرهابية وتنوعها، وبخاصةٍ بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها عدة مدن أوروبية، ومن ضمنها باريس، بروكسل ومانشستر، ما يحتّم تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، تعزيز الأمن الحدودي وتطوير استراتيجيات الاستخبارات.

- التهديد المتنامي للأمن السيبراني الذي يواجه الاتحاد الأوروبي، والذي يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة للشركات والحكومات، ما يحتّم تعزيز القدرات السيبرانية وتطوير استراتيجيات الدفاع السيبراني.

- تباين كبير في وجهات النظر داخل الاتحاد الأوروبي بخصوص الحرب الروسية-الأوكرانية، بسبب دعم بعض الدول الأعضاء لأوكرانيا ورفضها للتدخل الروسي، بينما تتبنّى دول أخرى مواقف أكثر حذرًا كتدخلها للتوسط في النزاع. وهذا دليل على تحديات السياسة الخارجية المشتركة في الاتحاد الأوروبي وضرورة تحقيق التوافق بين الدول الأعضاء حول هذه القضايا الحساسة.

الخلاصة

يُظهر تاريخ الوحدة الأوروبية العديد من التحديات والإنجازات، منذ بداياتها المتواضعة وحتى تأسيس الاتحاد الأوروبي الحالي. فقد تجاوز الاتحاد عقبات كثيرة وتحديات جمّة، ونجح في بناء إطار سياسي واقتصادي يجمع بين الدول الأعضاء ويعزز التعاون والتضامن بينها.

إن نشأة الاتحاد الأوروبي كانت نتيجة لرغبة الدول الأوروبية في تجاوز الأزمات والصراعات التي شهدتها القارة العجوز، وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا من خلال معاهدة روما 1957، ومعاهدة ماسترخت، وغيرها من الاتفاقيات التي كان لها الدور الكبير في تكوين هيكل الاتحاد الأوروبي الحالي. فقد تمّ تحديد أسس الاتحاد الأوروبي وتنظيمه، تحديد مجالات التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات السياسية والأمنية المتمثلة بالتعاون الأمني، مواجهة الإرهاب، مكافحة الجريمة المنظمة، كما التنسيق والتعاون حول الصراع في أوكرانيا وتوتر العلاقات مع روسيا، بالإضافة إلى المجالات الاقتصادية التي تمثّلت بإنشاء السوق الأوروبية الموحدة واعتماد عملة اليورو أسسًا قوية للتكامل الاقتصادي، ليصبح إحدى أبرز المؤسسات الإقليمية على الصعيدَين السياسي والاقتصادي.

مع ذلك، واجه الاتحاد الأوروبي مجموعة من التحديات الخطيرة، من بينها الأزمات الصحية والوبائية مثل جائحة كوفيد-19 التي ضربت العالم، وكشفت عن ضعف الهياكل الصحية والتوجيه السياسي في بعض الدول الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الاتحاد تحديات اقتصادية تتمثل في التباينات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، البطالة والتدهور الاقتصادي الناجم عن الأزمات المالية العالمية. ومع وجود تهديدات أمنية متزايدة، مثل الإرهاب الدولي، الهجرة غير الشرعية والتهديدات السيبرانية، فإن التعاون الأمني والعسكري يعد أمرًا حاسمًا للحفاظ على استقرار المنطقة. بالتالي يتطلّب تحقيق تطلعات الاتحاد الأوروبي وتجاوز التحديات الراهنة، تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي، والتعاون في المجالات الأمنية، الصحية والاقتصادية، والتوجّه نحو إصلاحات هيكلية مدعّمة بالشفافية والديموقراطية الداخلية في الاتحاد الأوروبي، ما يسهم في تدعيم الثقة بين الدول الأعضاء وتحقيق أهدافه المشتركة في السلام والازدهار.

إن دور الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الأزمات لا يقتصر على الأمثلة التي ذُكرت، لأن ذلك يختلف وفق الأزمة، السياق، المكان والزمان. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تتم الاستجابة للأزمات بالتعاون مع المنظمات الدولية الأخرى كالأمم المتحدة، وبمشاركة الدول الأعضاء في الاتحاد.

ومن المهم القول إنه على الرغم من جهود الاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمات، فقد واجه انتقادات لعدم قدرته على الاستجابة بالسرعة الكافية، أو النقص في التنسيق الفعال والتعاون بين الدول الأعضاء فيه، وبخاصةٍ التعامل مع أزمتَي اللاجئين ووباء COVID-19، كما الأزمات الأخرى التي تتعلق بالحروب المستعرة وتداعياتها الاقتصادية، وانقسام الشعوب بين مؤيد ومعارض. إلا أن الاتحاد أدى دورًا مهمًا سواء داخل دوله الأعضاء أو على الساحة الدولية، فلديه مجموعة من الأدوات والآليات تحت تصرفه بما في ذلك الجهود الدبلوماسية، المساعدات المالية ونشر البعثات العسكرية والمدنية. ومع ذلك، فإن واقعه وتعدد أزماته ومواجهته لها، لا تخلو من التحديات والعقبات، الأمر الذي يدفع باتجاه تعزيز قدراته وإمكاناته من أجل الاستجابة الفعالة للأزمات القائمة والمستقبلية.

قائمة المراجع

الكتب

1. برنت، د ف م ، رحلة الإنسان مع الفيروس، وكالة الصحافة العربية، الطبعة العاشرة، ناشرون، القاهرة، 2019.

2. بيندر، جون - أشروود، سايمون، الاتحاد الأوروربي مقدمة قصيرة جدًا، دار هنداوي، الطبعة الأولى، القاهرة، 2015.

3. ذهبي، عبد الحكيم - دبش، إسماعيل، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروربي: بين الأسباب المعلنة والارتباطات الأطلسية، جامعة الجزائر، الجزائر، 2020.

4. ويدوس سيمبو البوغيسي الأزهري، محمد، عواصف الأوبئة القاتلة من الطاعون إلى فيروس كورورنا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، ماليزيا، 2020.

التقارير والدراسات

1. المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، وحدة دراسة التقارير، معاهدة أمستردام، 18 كانون ثاني 2019، متوافر على الموقع: https://www.europarabct.com.

2. وزارة الاقتصاد الفلسطينية، الإفلاس المحتمل لليونان وتداعياته الاقتصادية، دائرة الدراسات، غزة، 2016.

الصحف والمجلات

1. الاتحاد الأوروبي يواجه شبح «بريكست» بنسخةٍ شرقية، دبي، الشرق، متوافر على الموقع https://asharq.com/ar تاريخ 28 نيسان 2023.

2. صفحة دوليات، أوروربا 50 عامًا على الاتحاد، صحيفة الأخبار، العدد 483، بيروت، 26 آذار 2007.

3. عبود، مازن ج، في الأزمة اليونانية، صحيفة النهار، العدد 25723، بيروت، 7/7/2015.

4. كاخيا، إسماعيل إبراهيم، الوحدة الأوروبية مصاعب وحلول، بيروت، مجلة الدفاع العربي، دار الصياد، تموز 2014.

5. ماري دو سومير، أوروبا لم تتجاوز انقساماتها بعد خمس سنوات من أزمة الهجرة، موقع صحيفة العرب، 01/09/2020، متوافر على الموقع: https://alarab.co.uk.

الاتفاقيات والمعاهدات

1. تعرّف على معاهدة روما نواة الاتحاد، 27/3/2017، متوافر على الموقع: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events.

2. سماء مسالمة، ما هي اتفاقية شنغن، 16 كانون الثاني 2019، متوافر على الموقع: https://www.mawdoo3.com/.

3. عبير حسين، معاهدة ماستريخت، إعلان لتأسيس الاتحاد الأوروبي، 1 تشرين الثاني 2017، متوافر على الموقع: https://www.alkhaleej.ae.

4. فاليري ديستان، فروق تميز معاهدة ليشبونة الأوروبية عن سابقاتها، صحيفة البيان، االرياض، 2007، ص2.

5. كريس موريس، معاهدة أمستردام، 2008، متوافر على الموقع

 http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid.

6. معاهدة شنغن، 11/8/2011، متوافر على الموقع:

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/events.

المواقع الإلكترونية

TRT .1 عربي، من الطاعون الأسود إلى كورونا. لماذا تظهر الأوبئة القاتلة في الصين، 25/12/2020، متوافر على الموقع https://www.trtarabi.com/explainers-human.

2. الاتحاد الأوروبي، 2020، متوافر على الموقع: https://www.esteri.it/mae/ar/politicaa.

3. ستيفن لارابي، ستيفاني بيزارد، روسيا والغرب بعد الأزمة الأوكرانية أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، نشرت بواسطة مؤسسة RAND، سانتا مونيكا، كاليفورنيا، 2017. متوافر على الموقع: www.rand.org/content/dam/research.arabic.pdf.

4. الأمم المتحدة، متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، 2019، متوافر على الموقع: https://www.un.org/ar/sections/depth.

5. الجماعة الأوروربية للفحم والصلب، متوافر على الموقع: https://www.marefa.org.

6. جيفري فرانكل، هل يشعل فيروس كورورنا شرارة ركود عالمي، 24 شباط 2020، متوافر على الموقع: www.project-syndicate.org/.

7. حسام أحمد، أزمة اليونان ومنطقة اليورو... 6 أسئلة تشرح لك، 19 كانون الثاني 2015، متوافر على الموقع: https://www.sasapost.com/greece-crisis.

8. ديلي صباح، نبذة عن أكثر الأوبئة فتكًا في التاريخ، 13/3/2020، متوافر على الموقع: https://www.dailysabah.com/arabic/arts-culture.

9. زياد منى، كتاب يستعيد الجائحة التي نكبت العالم في الحرب العالمية الأولى: كان يا ما كان... الإنفلونزا الإسبانية، 8 تشرين الثاني 2020، متوافر على الموقع: https://www.al-akhbar.com/Community/.

١٠. سيدريك كوتر، من الإنفلونزا الإسبانية إلى كوفيد 19، 12 أيار 2020، متوافر على الموقع: https://blogs.icrc.org/alinsani.

١١. صبرا المنصر، هل سيأخذ اختفاء فيروس كورونا نفس منحى اندثار فيروس الإنفلونزا الإسبانية، 17/4/2020، متوافر على الموقع: https://www.france24.com/ar.

١٢. عربي بوست، ما هو أسوأ من كورونا، 14/3/2020، متوافر على الموقع: https://arabicpost.net.

١٣. غسان أبو حمد، الحلم الذي تحوّل إلى واقع، 2020، متوافر على الموقع: http://al-akhbar.com/international/

١٤. فرانس24، بريطانيا تنفصل رسميًا عن الاتحاد الأوروربي وجونسون يتحدث عن بداية «عهد جديد»، 1/2/2020، متوافر على الموقع:

١٥. قحطان طاهر، الاتحاد الأوروربي...عظمة القدرات ومحدودية التأثير، 6/12/2019، متوافر على الموقع: https://al-sharq.com/opinion/، الإنترنت، الدخول:1/10/2020.

١٦. مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، إعلان التزام بشأن فيروس نقص المناعة المكتسبة /الإيدز، 27 حزيران 2001، متوافر على الموقع: https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest.

١٧. النشرة الإخبارية، كيف يعمل الاتحاد الأوروربي، 2016، متوافر على الموقع: https://openmediahub.com/ar/eu-.

١٨. هشام العدم، الاتحاد الأوروبي يتبنّى «خارطة طريق» لمواجهة مرض الإيدز، 2008، متوافر على الموقع: https://www.dw.com/ar