- En
- Fr
- عربي
سلامتكم تهمنا
من الواجب جعل الثقافة المرورية مادة من المواد التعليمية والتربوية إذ إنه ثمة ما يمكن تسميته بـ«الأمية المرورية» التي تستحوذ على نسبة عالية من الأفراد في مجتمعاتنا العربية، وأساس هذا الجهل عدم الاهتمام الكافي ببناء شخصية مثقفة مرورياً! فجميع الإحصاءات التي تكشف عن مخالفات السير التي تُرتكب والحوادث المرورية التي نتعرض لها، تؤكد على جهلنا حتى لأبسط قواعد المرور وآدابه.
ألف باء المرور منذ الصغر
إشكالية الأمية هذه تبدأ منذ الصغر، فالبرغم من أن التلميذ الذي يذهب الى مدرسته يعبر طرقاً، ويركب باصاً أو سيارة، إلا أنه مع ذلك لا يدرك كيف يسير بشكل سليم، كي لا يعرّض نفسه لأخطار الطريق، فهو ليس على دراية بوسيلة النقل التي يرتكبها ولا كيف يجب أن يتعامل معها بصورة صحيحة، والكم الهائل من الحوادث التي يتعرض لها التلاميذ دليل دامغ على ذلك...
وتشير غالبية الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع، الى أن «نسبة كبيرة من التلاميذ يذهبون الى مدارسهم سيراً على الأقدام، وبعضهم يضطر الى عبور الشوارع الرئيسية أو المزدحمة، وليس لديه القدر الكافي من المعلومات التي تساعده على تجنّب مخاطر السير...».
من هنا ندرك وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة والقيام بالخطوات الفاعلة لرفع مستوى السلامة عند التلاميذ والحد من الخطورة التي يتعرضون لها!
ولا شك أن الحديث عن منهج دراسي متكامل هدفه خدمة الوطن والإرتقاء بالمواطن، يجب ألا يغفل «الثقافة المرورية» بل يفترض النظر اليها باعتبارها جزءاً رئيسياً من أجزاء هذا المنهج، يجب السعي الى غرسه في نفوس التلاميذ منذ التحاقهم بالصفوف الأولى من التعليم، ولكي تؤتي هذه الثقافة ثمارها لا بد من تأسيسها على ثلاث قواعد جوهرية:
- الضبط النظامي:
يُمثل الضبط النظامي قاعدة السلامة المرورية، ولا يمكن تحقيق جهود تنظيمية أو سلوكية إلا من خلاله، فعند تطبيق «النظام» يمكن تشكيل السلوك المروري.
- الضبط الذاتي:
الإنسان عدو ما يجهل! فمن جهل عوامل السلامة المرورية لن يستجيب لندائها! وضبط الذات أساسه «المعرفة» وتعزيز هذه المعرفة، فلكل شيء آفة وآفة العلم النسيان! وهناك عوامل عديدة تؤدي دوراً في سلامة المرور، ولا بد من معرفتها بصورة سليمة من خلال برامج التعليم والتوعية المستمرة، حتى لا يؤدي النسيان دوره! والقاعدة العامة تقول: التعليم الهادف يُهذّب السلوك، والتوعية المستمرة تعزز المعرفة، لذلك فإن إفرازات التعليم والتوعية حول سلامة المرور تجعل الفرد أكثر وعياً بها فيستجيب من ذاته لندائها.
- الضبط الاجتماعي:
«المجتمع مجموعة من الأفراد يشكلون في مجموعهم سلوك ذلك المجتمع، فحينما يسلك أغلبية هؤلاء الأفراد سلوكاً معيناً، فإن ذلك السلوك يصبح سمة من سمات المجتمع»، وقد ثبت في ما يتعلق بسلامة المرور أن تهذيب سلوك الأفراد من خلال برامج التعليم والتوعية أفرز سلوكاً اجتماعياً يتوق نحو السلامة المرورية، وأصبح هذا السلوك الإجتماعي يمثل رادعاً موازياً للضبط النظامي، فالفرد في تلك المجتمعات يضع في حساباته نظرة المجتمع، ونقد المجتمع لما قد يبدو منه من سلوك مروري، وهذا يُمثل له رادعاً ويحد من ذلك السلوك.
ولا شك أن هذه مرحلة متقدمة من مراحل نمو ونضج المجتمع، يتم الوصول إليها من خلال جهود هادفة متكاملة من الضبط النظامي والتعليم والتوعية، فحينما يصل المجتمع الى مرحلة الضبط الاجتماعي في ما يتعلق بسلامة المرور، فإن الفرد يجد نفسه محاطاً بأفراد المجتمع الذين تشكل لديهم سلوك مروري، والخروج عن هذا السلوك لا يراقبه رجل المرور وحده إنما يقوم به أفراد المجتمع جميعهم.
ولا بد من التأكيد على أن التركيز هنا يجب أن ينصب على سلامة المرور وليس على مهارة القيادة، فسلامة المرور تعني كل فرد في المجتمع، سواء كان سائقاً أو راكباً أو راجلاً أو مستعملاً للطريق بأي شكل من الأشكال! أما مهارة القيادة فتعني كون الفرد قائداً للمركبة، وليس كل أفراد المجتمع يقودون مركبات، لكنهم جميعاً يقومون باستعمال الطريق، لذا يجب نشر التعليم والوعي بالسلامة المرورية بين مختلف طبقات المجتمع وفئاته وأعماره.
مفاهيم مرورية
إن مرحلة الروضة والتمهيدي والإبتدائي هي المرحلة الأولى التي يبدأ فيها الطفل التعود على ترك مسكنه، والتعامل مع «متغيرات خلاف ما هو موجود في محيط بيته، وهو بذلك يتعامل مع الشارع والمركبة، ويتعرض لما بهما من مخاطر؛ ففي الشارع يتعرض لحركة المرور، ولا بد من التعرف على عناصر هذه الحركة، بما فيها من مركبات وإشارات وعلامات وممرات عبور المشاة... وفي المركبة لا بد وأن يعرف كيف يركب هذه المركبة وكيف يتصرف وهو بداخلها...». من هنا أهمية الدعوة لإدخال مفاهيم السلامة المرورية للتعامل مع الطريق والمركبة في منهج هذه المرحلة التعليمية، التي من أهم سماتها سرعة تقبل التوجيهات التي يقدمها الأساتذة والمربون، باعتبارهم القدوة والمثل الأعلى لتلاميذ هذه المرحلة، ومن أهم المفاهيم التي يجب التركيز عليها بصورة مبسطة ومشوقة ما يلي:
- الاشارات الضوئية لعبور المشاة ومدلولاتها، بحيث يعرف التلميذ كيف يمشي على الطريق، ومتى يقف، ومتى وكيف يعبر الطريق؟
- معابر المشاة، وكيفية استخدامها بشكل صحيح.
- الرصيف، تعريفه، كيفية السير عليه، وفي حالة عدم وجوده، كيفية التصرف السليم! والتأكيد على التلاميذ بأن السير يجب أن يكون دائماً على جانب الطريق وبعكس اتجاه حركة السيارات والمركبات.
- النقطة السوداء، وهي المنطقة التي لا يستطيع أن يرى السائق فيها ما يقع على جانبي الطريق، فيجب على الطفل الإبتعاد عنها، لذلك لا بد من شرح ماهيتها للتلاميذ.
- المسافة الآمنة للوقوف، من المعلوم أن سائق المركبة لا يستطيع الوقوف بمجرد رؤية الطفل في الطريق اذ يحتاج الى مسافة قبل أن يتمكن من إيقاف المركبة، وعلى الطفل أن يدرك خطورة هذا الامر للقيام بالتصرف السليم في مثل هذه الحالة.
- دور البيئة في سلامة المرور، وهي من المواضيع المهمة التي يجب أن يعرفها التلميذ بشكل مبسط في هذه المرحلة، لكي يدرك أن القيادة أثناء المطر مثلاً تقلل من كفاءة القيادة وتؤدي الى حوادث مرورية.
{ دور الرؤية في سلامة المرور، يجب أن يعلم الطفل أن كثيراً من السائقين لا يحسنون الرؤية، ويزداد الأمر سوءاً حينما يقل الضوء.
ومن المفاهيم المهمة التي يجب أن يعرفها تلميذ هذه المرحلة أيضاً، ما يتعلق بكيفية التعامل الصحيح مع السيارة أو الباص، وأماكن الإنتظار، وعدم التزاحم عند الركوب أو النزول من الباص، وأن يكون الركوب من جهة الرصيف وليس من جهة حركة المركبات، وربط حزام المقعد بمجرد الركوب، وعدم تشتيت انتباه السائق، والنزول بانتظام والابتعاد تماماً عن النقطة العمياء...
وأما بالنسبة للمرحلة المتوسطة، فهي تتصف بأنها «أصعب مراحل الطفولة، حيث تزداد رغبة الأطفال في الإعتماد على أنفسهم، وكذلك رغبتهم في التقليد والشعور بالاستقلالية، وقد تكون هذه المرحلة مرتعاً خصباً لنمو سلوكيات أقل ما يقال عنها أنها غير مقبولة»! وهنا قد تكون مسؤولية المربين مضاعفة في إحداث نوع من التوازن بين الإستقلالية وتنميتها، وبين التوجه الصحيح.
وهنا يكون من المناسب تعريف المراهق بأساليب القيادة السليمة وخطورة القيادة المتهورة، مع شرح موجز لأهم أسباب الحوادث، وكيفية تلافي حدوثها، مع تعريف موجز بالمركبة وديناميكية حركتها. ونهاية هذه المرحلة تتداخل مع بداية المرحلة التالية حيث يكون من المفترض أن المراهق قد بلغ الخامسة عشرة من العمر بنهاية هذه المرحلة وبرزت لديه الرغبة الجامحة لتعلم القيادة، فلنرسخ في نفوس المراهقين أن القيادة فن وأخلاق وذوق وقواعد وأصول ومبادئ أيضاً.
خطة متكاملة متجانسة
إن المفاهيم المذكورة أعلاه لن تؤتي ثمارها الا من خلال الإعداد الجيد «للمعلّم» ويكون ذلك بطريقتين:
- الأولى، وتتم على المدى القصير، من خلال عقد دورات تدريبية منتظمة للمعلمين الذين سوف يعهد إليهم تدريس المفاهيم المرورية.
- الثانية، وتتم على المدى الطويل من خلال ادخال برامج تعليم سلامة المرور في المراكز التي تتولى إعداد المعلمين وتدريبهم.
وأخيراً، من البديهي التسليم أن اي نشاط في مجال السلامة المرورية لن يحقق الغاية المرجوة منه ما لم يكن ضمن إطار خطة متكاملة ومتجانسة يسعى كل فريق (الأهل المدرسة، رجل المرور، مشرعو النصوص المتعلقة بالمرور، وسائل الإعلام، المعنيون في هذا المجال...) للقيام بما يجب عليه القيام به على أكمل وجه، وهنا لا بد من الاشارة الى أن ملامح السلامة المرورية قد بدأت تظهر في المناهج التربوية، ونأمل أن نصل الى اليوم الذي تصبح فيه من المواد الأساسية التي يعوّل عليها للنجاح، كما أن ثمة جهات تبذل الجهد أيضاً في سبيل إبراز هذه الرسالة النبيلة.