- En
- Fr
- عربي
أزمات العالم: هل من تحوّل؟
تزداد مشكلات الدنيا وتتواصل، وتحتدم خلافاتها وتطول، من بلاد البلقان إلى السودان، ومن العراق إلى أفغانستان، ومن فلسطين إلى لبنان... وتزداد بالمقابل محاولات الحل التي لا تبلغ الهدف في الغالب، خصوصاً حين تواجه بالدسائس والتحريض والتخريب، ورغبات التفرقة واللعب في الماء العكر.
ليس الصراع غريباً على الكون، لقد وجد بوجود الإنسان، ومنذ اليوم الأول لوجوده، لكنه كان بطيء الانتشار، قياساً على الحاضر، نظراً إلى المسافات التي كانت تفصل بين الجماعات البشرية، ونظراً إلى بدائية وسائل الاتصال التي كانت تربط في ما بينها.
ومع تقدم الإنسان وتطور علومه وزيادة أعداد ذريته، بدأت الأرض تضيق بساكنيها، واحتدم الصراع أكثر وأكثر في البر كما في البحر كما في الفضاء، إلى أن كان العصر الحديث، وكانت الحروب العالمية الكبرى التي عرفت البشرية بنتيجتها مؤسسات دولية تعنى بالشأن السلمي وتلقّي الشكاوى والاقتراحات وتسوية الخلافات في حدود الممكن البسيط. عصبة الأمم لم تتمكن من إنهاء ذيول الحرب العالمية الأولى، أو من إلغاء رواسبها، بحيث أدى ذلك الفشل إلى نشوب حرب ثانية أشد تخريباً وتدميراً. كما أن منظمة الأمم المتحدة، هي الأخرى، لم تستطع أن تفعل ذلك أيضاً، وحصلت الحرب الكونية الثانية وتلتها الأزمات الكبيرة المختلفة، من نشوء دولة إسرائيل إلى أزمة السويس إلى أزمة كوريا إلى أزمة كوبا إلى أزمة فيتنام... حتى إن شرعة حقوق الإنسان التي جاءت تتويجاً للمحاولات الإنسانية المذكورة لم تفد في التوصل إلى النتائج السلمية المطلوبة.
وجاءت نظرية العولمة في الزمن المعاصر لتزيد الأمور احتداماً، إذ وجدت القوى الصغيرة في العالم نفسها مهددة بالتهميش والإلغاء والزوال، في مقابل تسابق القوى الكبيرة على الاستئثار بأكبر قدر ممكن من السيطرة بالعنف المباشر مرة، والضغوطات الاقتصادية والسياسية مرات.
لكن، على الرغم من الكبوات العديدة التي تعرضت لها، فإن المؤسسات التوفيقية العالمية لم تفقد دورها الإيجابي، ولم تخسر قيمتها الحضارية. صحيح أن إنجازاتها تأتي ناقصة في الغالب، لكنها لا تغيب، ولو لم تكن تلك المؤسسات موجودة لازدادت الأوضاع سوءاً بالتأكيد. وفي المثل على ذلك ما يقوله المارة من المواطنين حين يفترضون أن شرطي السير لا يسهم في معالجة ازدحام السيارات على الإطلاق، لا بل إنه يزيد في تفاقمها وفقاً لزعمهم، أما حين يغيب فإن المارة هؤلاء يتيقنون من أن وجود الشرطي كان ضرورياً في تخفيف الأزمات وتدبير الأمور.
إن السؤال الذي لا يغيب عن البال هنا هو: هل نشأت المنظمات السياسية العالمية ضعيفة هزيلة، أم هل أصابها الضعف والهزال لاحقاً، أم هل إن حجم مشكلات العالم قد زاد في الطول وفي العرض بازدياد تخمة المتخمين وطمع الطامعين وظلم الظالمين، فأوصدت الأبواب وتعذرت الحلول؟