- En
- Fr
- عربي
أصلح نفسك يصلح الكون
تمر المنطقة العربية بتحولات تاريخية وأحداث مأسوية وتعاني أزمات عميقة ومتشعبة جعلت الشارع يتحرَّك في عدد كبير من دولها. وتتمثل هذه الأزمة في خلل التوازن في العلاقة بين نخب الحكم والمواطنين، وغياب قبول الشعب بمؤسسات الدولة وأدائها، وتعاظم أدوار القوى الخارجية، والنتيجة المؤكدة هي إعاقة التنمية، وتعثر مساعي التحوُّل نحو الديمقراطية، وتآكل السيادة الوطنية، وتفكُّك الدولة وتقطُّع أوصال المجتمع.
لقد غابت الدولة المدنية، وانعدمت مقوِّماتها الصحيحة كالمساواة بين المواطنين والمشاركة السياسية، ووجود مجتمع مدني فاعل من خارج أجهزة السلطة. أما أدوات إثارة هذه الأزمة فكانت أدوات التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر" والانترنت والهواتف النقالة وغيرها، وكان محتواها الوقوف ضد الظلم والقمع والاستبداد، وانعدام الحرية، وسوء توزيع الثروة بين أفراد المجتمع. واستمر الإنسان العربي يبحث عن ذاته، عن كفاح دائم ومستميت من أجل تحقيق حريته وكرامته في حياة مستقرة وآمنة.
ولكن هذه الأزمة لا تقف عند حدود المسؤولين بل تمتد لتشمل المجتمع والأسرة والمدرسة والسلوك الفردي والتربية والثقافة – مدنية كانت أم دينية – والنشاط الفكري والاجتماعي بمدلوله العام. فعالم اليوم يعيش أزمة الاستقالة من مسيرة التمايز الفردي، ورمي المسؤولية على مرجعية مضمونة تريح من يبحث ويسأل من عناء التمايز وتضمن له النتائج. وإنسان اليوم يحلم بالحصول على ضمانات فائقة الطبيعة، أبعد من المحسوس. وأمام تضارب القيم والمراجع يبرز تعطّش هذا العصر إلى الروحانيات، كونه عصر خيبة الأمل، حتى لو كانت هذه العودة إلى عالم الروح تُعاش، وبخاصة في الغرب، بطريقة غير منتظمة، وفي الشرق بطريقة فيها كثير من التعصُّب والأصولية.
وللتخلص من هذه الأزمات يجب تأكيد الولاء للوطن من دون غيره، وزيادة مساحة التنمية وإشاعة الديمقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة سلميًا، وأن تكون الشعوب هي صاحبة المصلحة الأولى في التنمية والتغيير والاعتراف بالآخر، وإغلاق كل أبواب مصادرة الحرية والرأي، والحفاظ على مؤسسات الدولة وحمايتها، ومحاربة الفقر والفساد وجميع أشكال الاضطهاد والتمييز على أساس ديني أو عرقي أو مذهبي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التغيير المطلوب يجب أن يتم ضمن إطار المؤسسات وعبر الحوار لا بغيرها من الوسائل لا سيما الدموية منها لان ما أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ، وعاقبة الفوضى هي خراب للجميع.
أخيرًا يجب أن نعيَ أن الجاهل والشرير ليسا فردًا وإنما هما تجسيد لمنطق يعتنقه الكثيرون، وهو منطق المجموعة والأكثرية بموازاة البارِّ الفرد.
ويبقى الحل في معاني القول المأثور: "أصلح نفسك يصلح الكون".