- En
- Fr
- عربي
تواصل استراتيجي
العميد الركن الياس عاد
انعكست التغييرات في بيئة المعلومات نتيجة التطوّر الرقمي والتكنولوجي والاتصالات على عالم اليوم في نواحيه كافةً، فحوّلته إلى قرية كونية تقوم عبر منصّاتها بنشر القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وغيرها. وقد أصبحت بيئة المعلومات حاضرة في مختلف مجالات الحياة ومنها المجال الأمني، وبالتالي تؤثر في بيئة العمليات بذاتها وتشكّل أحد أهم التحديات التي تعترض جهود التأثير في الأفراد والمجموعات والمنظمات بهدف كسب العقول والقلوب وتغيير المواقف والقرارات.
وسائل عمليات المعلومات
تتزايد أهمية عمليات المعلومات في القرن الحادي والعشرين، إذ إنّ انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يسهّل نشر المعلومات والتأثير في الرأي العام على نطاق عالمي ومضاعفة الوقع )Impact(.
أمّا أهم وسائل عمليات المعلومات فهي:
الأخبار المفبركة أو المعلومات المضللة: يتم نشر معلومات كاذبة أو مضلّلة للتأثير في الرأي العام أو صنع القرار. ويشمل ذلك التلاعب الإعلامي للتحكّم في السردية أو التأثير فيها من خلال التلاعب بالتغطية الإخبارية أو الرقابة أو الدعاية.
عمليات التأثير: تُستخدم المعلومات لتشكيل الرأي العام والتأثير في صنع القرار في كثير من الأحيان كجزء من استراتيجية سياسية أو عسكرية أكبر. كذلك تنطوي عمليات التأثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي على استخدام منصات التواصل لنشر الدعاية أو تضخيم روايات معينة أو التلاعب بالخطاب العام. فعلى سبيل المثال، من خلال ربط إعجاب الأشخاص على Facebook، وبناء الملفات الشخصية، وجمع البيانات، يمكن لـكامبريدج أناليتيكا (Cambridge Analytica) وهي شركة متخصصة في «استراتيجيات إدارة الانتخابات» و«عمليات المراسلة والمعلومات»، تحديد جنس الفرد ومعتقداته السياسية وسماته الشخصية. تستخدم هذه الطريقة أيضًا الذكاء الاصطناعي (AI) لمعرفة المزيد عن صفات الفرد وأهوائه الشخصية، وهي قادرة على إجراء تنبؤات دقيقة حول كيفية إقناعه باتخاذ إجراءات معينة مع النوع المناسب من الإعلان.
العمليات النفسية: يُستخدم الاتصال للتأثير في المشاعر والسلوك والدوافع والتفكير الموضوعي للخصوم والأحزاب المحايدة والجماعات أو الأفراد داخل السكان المستهدفين.
بيئة المعلومات وتعديل المواقف والسلوك
تُنقل الأحداث في العالم كمعلومات عبر شبكات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها، وبأشكال مختلفة كالصور والفيديوهات والأصوات والكتابات أو مزيج منها. تتلقّى الحواس البشرية هذه المعلومات وتدخل في أذهان الناس، إذ تخضع بعد ذلك للتصوّرات المسبقة والتفسير والتحيّز وتدخل في جداول الأعمال والتكيّف، فتتحوّل إلى إدراك تكون نتيجته تعديلًا في الموقف والسلوك. هذا هو مجال بيئة المعلومات، الذي يتألف من مجموعة الأشخاص والمنظّمات والمنظومات التي تجمع، تعالج، تنشر أو تعمل على المعلومات.
وتشمل هذه البيئة الوسائل التقليدية مثل الصحف والتلفزيون والراديو، وكذلك الوسائط الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والتطبيقات. وقد أدّى ظهور الإنترنت وانتشار الأجهزة الرقمية وكثافة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى توسّع بيئة المعلومات بشكل كبير وجعلها أكثر تنوّعًا. وبالتالي، وبسبب سهولة تداول المعلومات واستخدام المنصّات بكثافة من قبل الناس عمومًا في مختلف أنحاء العالم، أصبح من السّهل نشر المعلومات المضلّلة والمغلوطة، بل ومشاركتها أيضًا من دون الرجوع إلى مصدر هذه المعلومات. يُضاف إلى ذلك تراجع أهمّية وسائل الإعلام التقليدية كمصادر موثوقة للمعلومات، لمصلحة وسائل الإعلام المستحدثة بخاصة المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
من الضروري أن يفهم القادة الناجحون وأركانهم هذه البيئة وما تقدّمه من أفضليّات، إضافة إلى نقاط الضعف، والحوافز، والنوايا، والطرق التي تستعملها الجماهير المختلفة. بشكل عام، تلعب بيئة المعلومات دورًا حاسمًا في تشكيل كيفية فهم الأفراد والمجتمعات للعالم من حولهم واتخاذ القرارات. ومن المهم أن ندرك تعقيداتها وتحدياتها، من أجل تهيئة بيئة إعلامية منفتحة ومتنوعة وجديرة بالثقة.
أبعاد بيئة المعلومات
- البعد المادي: يتألف البعد المادي من عناصر ملموسة وهي: شبكات الاتصال، أنظمة المعلومات وبناها التحتيّة، وحدات معالجة الكومبيوتر، الحواسيب المحمولة، الهواتف الذكيّة، الحواسيب اللوحيّة، منظومة القيادة والسيطرة، المنشآت الإذاعية، أبراج الاتّصالات، أماكن الاجتماعات، المنشورات والمطبوعات، الإعلانات، التماثيل، الأشياء الرمزية، المنظمات، المجموعات، الأشخاص، صانعو القرار الأساسيون، والبنية التحتية التي تمكّن الأشخاص والأجهزة من خلق التأثيرات. فالعناصر الملموسة هي الوسائل والطرق المستعملة لتسهيل دفق المعلومات ما بين منتجيها ومستخدميها والجماهير والأنظمة.
- البعد الافتراضي (المعلوماتي): يتألّف البعد الافتراضي من المعلومات بحدّ ذاتها، سواءٌ أكانت جامدة Static، أو في طور الانتقال Dynamic. يرمز البعد الافتراضي إلى المحتوى ودفق المعلومات كالنصوص والصور والمعطيات التي يمكن جمعها، ومعالجتها، وخزنها، ونشرها وعرضها. وهناك نطاق واسع من الصفات التي يمكن أن تميّـز البعد الافتراضي كالدقّة والكمال والأمانة والنوعيّة والمصداقيّة والتوقيت والتوافر والأهمّية. ويؤمّن البعد الافتراضي حلقة الاتّصال الضروريّة ما بين البعد المادي والبعد الإدراكي.
- البعد الإدراكي: هو عبارة عن قيم ومعتقدات ومفاهيم ونوايا وإدراك الأشخاص أو المجموعات التي ترسل وتستقبل معلومات. ويركّز هذا البعد على السياقات الاجتماعيّة، الثقافيّة، الدينيّة والتاريخيّة التي تؤثّر في إدراك أولئك الذين ينتجون المعلومات والجماهير التي تتلقّاها. وفي هذا البعد، فإنّ صانعي القرار والجماهير المستهدفة هم الأكثر تعرّضًا للتأثير ولإدارة الإدراك. يضمّ هذا البعد العقول التي تبثّ وتتلقى وتتجاوب مع المعلومات أو تعمل عليها، كما يشير إلى الأشخاص أو المجموعات التي تعمل في آليّة معالجة المعلومات، من تصوّر وحكم أو آلية صنع القرار. تتأثّر هذه العناصر بعدّة عوامل، من معتقدات شخصيّة وثقافيّة، ثوابت، إعورارات، حوافز، عواطف، تجارب، أخلاقيّات، ثقافة، صحّة عقليّة، هويّات وأيديولوجيّات.
وفي الختام، يؤدي كل بعد من أبعاد بيئة المعلومات دورًا حاسمًا في تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم من حولنا ونتفهّم ذلك. مع استمرار تقدم التكنولوجيا، من المهم أن نفهم الأبعاد الثلاثة من أجل الاستفادة الفعالة من المعلومات المتاحة لنا وتوحيد الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة.
وحدة الجهود في بيئة المعلومات
تشكّل وحدة الجهود في بيئة المعلومات حجر الزاوية للنجاح في عالم اليوم المعقّد والمترابط. ومع استمرار التقدم التكنولوجي في إعادة تشكيل المشهد، يصبح إدماج مختلف العناصر في مجال المعلومات أمرًا حاسمًا لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. تتنافس مختلف الجهات الفاعلة في بيئة المعلومات كمساحة معقدة وديناميكية خصبة لتشكيل التصورات والمواقف والسلوكيات. وفي هذه البيئة، يعدّ تحقيق وحدة الجهود أمرًا أساسيًا لتحقيق الفاعلية المتوخاة. وتشير وحدة الجهود إلى تنسيق وتكامل مختلف جهود الاتصال لتحقيق هدف مشترك.
في السياق العسكري، ينطوي تحقيق وحدة الجهود على التنسيق السلس لعمليات المعلومات والشؤون العامة والقدرات السيبرانية. يضمن هذا التآزر أن تكون الرسائل متماسكة، ويتجنب التناقضات، ويزيد من التأثير. وتتميّز العمليات العسكرية بدمج عناصر مختلفة، مثل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والعمليات الإلكترونية، والعمليات النفسية. وتنسيق هذه العناصر وتكاملها ضروريان لتحقيق وحدة الجهد والنجاح في صدّ حرب المعلومات المعادية وتبعاتها.
علاوةً على ذلك، تمتد وحدة الجهود إلى ما هو أبعد من المجال العسكري، وتشمل التعاون بين مختلف الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة والشركاء الدوليين. في كتاب «العمليات المشتركة في بيئة المعلومات»، يرى المؤلفان بول لوشينكو وديفيد سلوجيت أنّ وحدة الجهود تتطلب نهجًا حكوميًا كاملًا، يشمل عديدًا من أصحاب المصلحة الذين يعملون معًا لتحقيق الأهداف المشتركة. هذه الاستراتيجية الشاملة أمر حيوي لمواجهة التحديات المعقدة التي غالبًا ما تتجاوز الحدود التقليدية.
تحقيق وحدة الجهود في بيئة المعلومات يتطلّب أيضًا فهمًا واضحًا للهدف والجمهور والقنوات والمنصات التي سيتم استخدامها للوصول إليه، كما يتطلّب وضع استراتيجية مشتركة للاتصال وإنشاء آلية تنسيق لضمان تكامل الجهود وتزامنها. في بيئة المعلومات، حيث يمكن أن تساوي السرديات فاعلية وتأثير الإجراءات المادية وحتى تتخطّاها أحيانًا، فإنّ وحدة الجهود ضرورية لمواجهة المعلومات المضللة وصقل التصوّر لدى الرأي العام. يشكل وباء كوفيد-19 مثالًا حديثًا على ضرورة توحيد الجهود في بيئة المعلومات. إذ تحتاج الحكومات والمنظمات الصحية والمجتمعات في جميع أنحاء العالم إلى مواءمة رسائلها لمكافحة الأخبار المفبركة والمعلومات المضللة، وطمأنة الجمهور، وضمان التزام المبادئ التوجيهية للسلامة. وكان من الممكن أن يؤدي الافتقار إلى وحدة الجهود في عمليات المعلومات إلى تقويض الاستجابة العالمية للوباء.
في المحصّلة، إنَّ وحدة الجهود في ميدان المعلومات ضرورية لتحقيق النجاح في المجال المعقّد والديناميكي حيث تتنافس مختلف الجهات الفاعلة لتشكيل التصوّرات والمواقف والسلوكيات. وهو يتطلب فهمًا واضحًا للهدف والجماهير والقنوات والمنابر التي ستستخدم لبلوغها، فضلًا عن وضع استراتيجية اتصال مشتركة وإنشاء آلية تنسيق واضحة. من هنا أتت استراتيجية التواصل في الجيش اللبناني للعام 2024 كالتزام بالثقة والاحتراف في توحيد جهود التواصل بما يعكس الصورة الإيجابية للجيش. إنّ التزام نشر محتوى استراتيجي يتضمن رسائل واضحة ومتناسقة وثابتة، يدعّم موقف المؤسسة العسكرية ويحصّن سمعتها وصورتها الإيجابية لدى الجمهور. وهذا التوجّه يجعل من المؤسسة العسكرية مصدرًا شفّافًا وصادقًا وموثوقًا للمعلومات، لتوضيح أي غموض حول مختلف المسائل وبثّ الطمأنينة لدى المواطنين.
تكمن قوّة استراتيجية التواصل في فاعلية تطبيقها، من هنا ضرورة مساهمة كل المعنيين داخل المؤسسة ومن مختلف الوحدات العسكرية بنشر الرسائل التي تحملها، وإعطاء الأهمية اللازمة لضرورة التقيّد بمندرجاتها. والتزام التطبيق يسمح بمواءمة الأقوال والصور والأفعال، فيعزّز الثقة ويقوّي الروابط والعلاقات مع الرأي العام.