الأزمة المالية بين 1929 و2008 عِبر، وتغيّرات

الأزمة المالية بين 1929 و2008 عِبر، وتغيّرات
إعداد: د. عبد الله رزق
أستاذ في كلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية

إن الأزمة المالية وهي تسير في تداعيات لا تبقي ولا تذر، سادها ويسودها، جوٌ لا يستهان به من "الأدلجة" في النظر إلى الأزمة من حيث أسبابها ونتائجها، فتكثر الاستنتاجات المسطَّحة التي تركّز على أن الرأسمالية تسير إلى نهايتها، فتحل بذلك "الرغبة" مكان الواقع وقوانينه، و"التمني" بدل القراءة العلمية المتأنية.

لهذا وعلى الرغم من أطنان الأوراق التي حُبِّرت، والساعات الطويلة من البث الإعلامي التي طويت، فإن آليات المواجهة تسير ببطء، لكن بثقة، وبخبرة مستقاة من التجارب التي سبقت. ولا يغيِّر من هذا بعض الاختلافات وحتى التناقضات بين مراكز القوى الاقتصادية، ومحاولة تحقيق مكاسب خاصة للاقتصادات الناشة منها، وكذلك الدفاع المستميت عن الامتيازات والمواقع من قِبل أصحاب السطوة والسلطان في السوق المالي المنهار. على الرغم من ذلك سرعان ما تبوأت المصالح المشتركة مركز الصدارة، تعاونًا وتفاعلاً، خططًا وتدابير. فتقاطعت الإجراءات وتواصلت اللقاءات وعقدت المؤتمرات من أجل المعالجة، خصوصًا وأن الأزمة وتداعياتها، لم تبق أحدًا في منأى عنها، ولن تستبعد من آثارها السلبية دولة مهما كان حجمها. كما أن تحولاتها المنتظرة على الصعيد الاقتصادي أصابت وستصيب أكثر الاقتصادات دينامية ونموًا وحيازة الموارد الطبيعية أو المستويات التقنية، فهي، أي الأزمة، موضعية في انطلاقتها وأسبابها وشاملة في نتائجها وتردداتها.

عرف تاريخ الرأسمالية أزمات مالية متعددة، منها الموضعي ومنها الشامل.

ما هي الأزمة المالية؟ وما هي الأشكال التي تظهر بها؟ وما هي أوجه التطابق والاختلاف بين الأزمتين العالميتين الشاملتين 1929، و2008؟ أسئلة تتوالد، ونحن نعيش في هذا الخضم الفكري الاقتصادي لفهم الأزمة المالية وأبعادها واحتمالات تأثيرها.

 

الأزمة، والأزمة المالية

حسب الموسوعة الحرة "ويكيبيديا": "الأزمة هي اضطراب فجائي يطرأ على التوازن"، وعلى المستوى الاقتصادي، تُطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، ويستعمل الاقتصاديون الغربيون اصطلاح الدورة "Cycle" بدلاً من كلمة "Crise". على الرغم من ملاحظة الفرق بين التعبيرين فالأزمة تدل على الاختلال بينما الدورة تدل على الانتظام في التعاقب الذي تخضع له الظواهر الطبيعية.

وقد جاء في "حظوظ الأزمة وشروط تخطِّيها"، وهو المؤلَّف الذي ضمَّنه الدكتور شربل نحاس والدكتور مكرم صادر، خطة التصحيح المالي في لبنان على خمس سنوات (1999 – 2003): "الأزم يعني لغوياً العضَّ، وبالتالي الشدّة، والأزمة سنة القحط وتاليًا زمن الصيام، والمأزوم هو الممر الضيق الصعب بين الجبال. هذه المفردات كلها تجمع بين معنيي الشدّة والظرفية..."[1].

وفي الصفحة نفسها يقول: "يأتي استخدام كلمة أزمة مدعمًا باستخدام مرادفها في اللغات الغربية (Crise) وقد دخل في العامية "اللبنانية" "كريزة". أما إذا نظرنا في أصل هذه المفردة، نرى أنه فعل يعني باليونانية التمييز بين الأشياء واتخاذ القرار حيالها، ومن مشتقاته في اللغات الأجنبية التي تثبت دلالته الأصلية كلمة Critère، وهي التي ترجمت إلى العربية "معيارًا أو "معايير"، وكلمة Critique التي ترجمت إلى العربية نقدًا وانتقادًا.

ولم تدخل كلمة "كريزة" اللغات الغربية إلا أواخر القرن الرابع عشر حين جاء أول استعمال لها من حيث هي مفردة علمية يقتصر استخدامها على مجال الأدبيات الطبية بمعنى حرج الطبيب أمام ظواهر المرض وصعوبة تشخيصه لأسباب التمييز بين المناسب من المعالجات له. وانتقلت في القرن السابع عشر إلى مجال اللغة العادية، بمعنى تألم المريض واشتداد المرض عليه مع أمل انتقاله الوشيك إلى الشفاء... الخ"[2].

هذا التعريف العام للأزمة، الذي يفيد معنى الاضطراب واختلال التوازن وكما يستدل منه إلى الشدة والظرفية، لا يختلف كثيرًا عن الحاصل اليوم في الحال المالية العالمية، والموصوفة بالأزمة، فهي اضطراب حاد ومفاجئ في بعض التوازنات الاقتصادية في عدد من المؤسسات المالية، تمتد آثاره إلى القطاعات الأخرى.

 

لماذا الأزمات المالية؟

تتعدَّد النظريات المفسّرة الأزمات المالية وتختلف من حيث تحديد نوع تلك الأزمات وحدّتها وتأثيرها ومداها الزمني، فمنها ما ينتج عن ذعر مصرفي يترتَّب عليه كسادًا أو انكماشًا اقتصاديين، ومنها قد يكون سببه انهيار حاد في أسواق الأسهم وفي أسعار بعض الأصول أو أزمة عملة وانهيار سعر الصرف وما ينتج عنه على المسار التنموي للاقتصاد.

وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى جدل يدور حول إلقاء ظلال المسؤولية على النظام الرأسمالي، فهناك من يرفض النظام الرأسمالي برمته (غير الفهم الماركسي) فوفق نظرية "فينسكي"، يتسم القطاع المالي في الاقتصاد الرأسمالي عامة بالهشاشة - أو ما أسماه "Financial Fragility" - التي تختلف درجتها باختلاف المرحلة التي يمر بها الاقتصاد وفق مراحل الدورات الاقتصادية، فتزيد خطورة حدوث أزمة في ذلك القطاع على الاقتصاد ككل. تدور نظرية "فينسكي" في تفسير الأزمات المالية في النظام الرأسمالي على أن أي اقتصاد يمرُّ بالمراحل المعروفة للدورة الاقتصادية، فبعد مرور الاقتصاد بمرحلة كساد تفضل الشركات تمويل أنشطتها بحرص وعدم تحمل مخاطر كبيرة في تعاملها مع القطاع المالي، وهو ما يسمى "التمويل المتحوِّط". وفي مرحلة النمو، تبدأ التوقُّعات المتفائلة فتنتظر الشركات ارتفاع الأرباح، ومن ثم تبدأ في الحصول على التمويل والتوسع في الاقتراض، بافتراض القدرة المستقبلية على سداد القروض بلا مشكلات تذكر، وتنتقل "عدوى" التفاؤل بعد ذلك إلى القطاع المالي، ويبدأ المقرضون في التوسع في إقراض الشركات من دون تحوط كافٍ أو التحقق من قابلية استرداد القروض مجددًا، ولكن بناء على توقعات مستقبلية. وفي هذه الحال يكون الاقتصاد قد تحمل مخاطرة معنوية في نظام الائتمان. وفي حال حدوث مشكلة مادية أو أزمة مالية لكيان اقتصادي كبير، يبدأ القطاع المالي الدخول في مرحلة الخطر ما يؤثر على قابليته للإقراض، الأمر الذي يؤثر بدوره على قدرة معظم الكيانات الاقتصادية على سداد التزاماتها، وتبدأ الأزمة المالية التي قد لا يتمكن ضخ الأموال في الاقتصاد من حلها. وتتحول إلى أزمة اقتصادية تؤدي إلى حدوث كساد فيعود تاليًا الاقتصاد إلى نقطة البداية مجددًا، وهذا ما تشير إليه نظرية اللعبة "game theory".

ومن التفسيرات الحديثة للأزمات المالية ما طرحته نظرية المباريات حول "مباريات التنسيق بين اللاعبين في الأسواق المالية"، إذ تؤكد أدوات التحليل الاقتصادي وجود علاقات موجبة بين القرارات التي يتخذها لاعبو الحلبة الاقتصادية (المضاربون، المستثمرون... الخ). ويكون قرار المستثمر في كثير من الأحيان باتخاذ الاتجاه الذي يتوقَّع أن يتخذه الآخرون، بمعنى، قد يكون شراء أصل ما، بناءً على التوقع بزيادة قيمته. وقد أكد بعض النماذج الرياضية التي استخدمت لتحليل ذلك السلوك ما يسمى "بأزمات الصلة" مثل نموذج "بول كروجمان".

وعلى سبيل المثال قد يحتفظ نظام سعر الصرف الثابت باستقراره لفترة طويلة، ولكن قد يحدث له انهيار سريع لمجرد وجود عوامل يتوقَّع من خلالها الآخرون انخفاض سعر الصرف، حيث يبدأ السعر بالانخفاض، وربما الانهيار فعلاً.

ومع اختلاف صور الأزمات المالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي يبقى أن هناك عدة عوامل قد تزيد من حدة تلك الأزمات أو تأثيرها، كعدم المواءمة بين حجم الأصول وحجم الالتزامات للمؤسسات المالية أي عدم تناسب المخاطر التي تتحملها المؤسسات مع أصولها، خصوصًا مع ارتفاع الوزن النسبي لحجم الأصول الطويلة الأمد في ميزانية تلك المؤسسات، حيث يظهر إمكان التعرض للتعثُّر. وخير مثال على تلك الوضعية حين تتيح البنوك سحب الودائع في أي وقت بينما تتوسَّع في الإقراض الطويل الأجل كقروض "التمويل العقاري". وكذلك الحال بالنسبة إلى الدول، حيث تلجأ إلى إصدار سندات قيمتها الإسمية مقيَّمة بالدولار أو اليورو ما يؤدي أحيانًا إلى عدم تناسب القيمة الإسمية لالتزاماتها مع الأصول المتمثلة في الضرائب المحصلة بالعملة المحلية فتعجز عن سداد التزاماتها وتتعثر فتحدث أزمات مالية.

وهناك من الأسباب ما يسمى بأثر العدوى، كما يحصل في أسواق الأسهم وانتشار مسارها الهبوطي في دول أخرى حين حصول ذلك في دولة ما كبيرة الحجم أو الوزن الاقتصادي. ويختلف الاقتصاديون حول ما إذا كان حدوث أزمة في أكثر من دولة في الوقت ذاته نتيجة انتشار غير مبرر للعدوى أم بسبب مشكلات حقيقية تعانيها تلك الاقتصادات التي انتقلت إليها الأزمة سواء اختلفت تلك الأسباب في ما بينها أم تشابهت. وهذا ما تطرحه الأزمة الحالية.

 

هل أزمة 2008 تذكّر بأزمات سابقة؟

الأزمة التي يتعرَّض لها العالم اليوم تعتبر الأسوأ بعد أزمة الكساد الكبير العام 1929.

فمنذ مطلع العام 2008 كانت المؤشرات الاقتصادية والمعطيات تشير إلى حدوث ركود في النشاط الاقتصادي. وكان منها خصوصًا تلك المتعلِّقة بالارتفاع المطَّرد لأسعار البترول، وتكرار الأزمات الائتمانية في الأسواق العالمية، وكذلك انفجار الفقاعة العقارية الأميركية وتردداتها على الرهونات، وارتفاع معدل البطالة، وارتفاع معدل التضخم، خصوصًا في البلدان المصدرة للبترول والتي ارتفعت فيها الاحتياطات النقدية الأجنبية مع الافتقار إلى حزمة من السياسات النقدية المناسبة. وتجدر بالإشارة كذلك الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية عالميًا.

كل ذلك مؤشرات تفاوتت من بلد إلى آخر لكنها كانت سمات واتجاهات هيَّأت و"بشَّرت" بانفجار الأزمة المالية التي كانت نارًا تحت الرماد منذ بدايات العام 2007 في الاقتصاد الأميركي (أكبر الاقتصادات العالمية وأكثرها تأثيرًا على حركة المبادلات العالمية)، إلى أن كان سبتمبر/أيلول 2008، والإفلاسات التي أعلنت مع "ليمان برذرز" و"فريدري ماك" و"فاي ماي" وتهديد "ميريل لينش" وشركة التأمين العالمية "A.I.G." وسلسلة الانهيارات التي ما زالت متواصلة في معظم أسواق الأسهم العالمية، حيث تؤكد كل دولة تكرارًا أن بورصاتها تواجه أسوأ موجة منذ عشرات السنين. إذن ثمة أزمة مالية في الأسواق المالية الأميركية تنتشر في معظم أسواق العالم وتؤثر في معظم الاقتصادات كبيرها وصغيرها وإن بنسب متفاوتة.

 

1929 أزمة الكساد الكبير

جاء في موسوعة "ويكيبيديا" الموسوعة الحرة: "الكساد الكبير أو الانهيار الكبير، هو أزمة اقتصادية شهدتها أميركا العام 1929 أدَّت إلى توقُّف المعامل عن الإنتاج، ونتج عن ذلك انتشار للفقر والبطالة". وتمّ الانهيار في "وول ستريت" شارع المال والبورصة في 24 أكتوبر/تشرين الأول العام 1929، أو ما سمي حينها "الخميس الأسود" يوم كان التهافت الكبير على بيع الأسهم التي وصل عددها إلى 13 مليون سهم على لائحة البيع. فانخفضت أسعارها إلى قيم خيالية وغير واقعية لا تعكس قيمة الشركة ولا التوازن بين العرض والطلب. ومع استمرار تفوُّق العرض على الطلب وصلت قيمة الأسهم إلى القاع، الأمر الذي جرَّ أغلبية المستثمرين إلى ديون طائلة، فوقعت المصارف في حفرة عميقة من القروض الهالكة، وأعلنت عشرات منها إفلاسها، وأغلقت المصانع أبوابها، فوصل عدد العاطلين عن العمل إلى 30 مليون عاطل عن العمل في أميركا. ولم تنحصر نتائج الكساد في الولايات المتحدة وحدها بل انتقلت إلى جميع الأسواق المالية العالمية، الأمر الذي أدَّى إلى انهيار النظام الاقتصادي العالمي، الذي لم تعد العافية إليه إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أثمر الكساد الكبير على مستوى الفكر الاقتصادي إعادة النظر بكلاسيكية آدم سميث الداعية إلى عدم تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي، "مبدأ اليد الخفية"، وساد تطبيق نظرية "كينز".

إن أهم سبب لأزمة 1929 هو تقليص حجم القروض من جراء إفلاس المصارف التجارية، وقد سبقت أزمة القروض هذه مرحلة انهيار أسواق الأسهم بعدة شهور.

بلغت الأزمة ذروتها نهاية العام 1930 مع إفلاس 608 مصارف، ومن الملاحظ حسب "ميلتون فريدمان" أنه كان في مقدور الاحتياط الفدرالي لجم الأزمة حينذاك عن طريق خفض نسبة الفوائد، وتوفير القروض وشراء السندات، لكنه قام بعكس ذلك حيث قلَّص حجم قروضه للنظام المصرفي ما أسهم في تفاقم الأزمة ودفع المصارف الأميركية إلى بيع أصولها من أجل الحصول على السيولة، ما أفضى إلى موجة ثانية من الإفلاسات المصرفية العام 1931. وقد انخفض كذلك حجم الودائع المصرفية التجارية حوالى 2,7 مليار دولار، أي 9% من إجمالي الودائع(3). ومن كانون الثاني/يناير 1932، أشهر حوالى 1860 مصرفاً إفلاسه، ولم تستطع محاولات الاحتياطي الفدرالي وقف الموجة الثالثة من الانهيارات المصرفية نهاية العام 1932، حيث وصل العدد في آذار/مارس 1933 إلى 2500 مصرف.

 

الدروس والعبر

نعم قبل ثمانين عامًا قادت تلك الأزمة العالم إلى كارثة اقتصادية، وقد كتب "جون كنت غالبريت" عن هذه الأزمة كتابًا "كان كلما أعاد طباعته أضاف إليه شيئًا بسيطًا ومما كان يجعله ينفد بسرعة شعور الناس بأهمية موضوعه. يوضح ذلك الكتاب أن أزمة 1929 أثبتت أن هناك خمسة عناصر داخلها، كل واحد منها يتحول لاحقاً ليصبح الآخر.

هذا وقد أوضحت صحيفة "ذي أندبندنت" هذه العناصر بالآتي:

  1. سوء توزيع الدخل، حيث كان 5% من الأغنياء يمسكون بنحو ثلث الدخل في الولايات المتحدة. وقد تكرَّر هذا الأمر ثانية في السنوات 2005 – 2006 – 2007، حيث أن نسبة 5% أمسكت بنحو 38% من الدخل.

والمعلوم أن اقتصادًا يعتمد على إنفاق قلة قليلة من الناس لا يمكن أن يتمتع بالكثير من الاستقرار.

  1. البنية السيئة للمؤسسة، ويسميها "غالبريت" "التخريب في طريق العودة"، وهذا ينتج عن تصرف تقوم به الشركات التابعة من أجل تفادي دفع بعض العوائد لشركاتها الأم، ما يدفع الشركات الأم إلى إيقاف الاستثمار في كل فروعها.
  2. البنية السيئة للبنوك، وهي مصدر الكثير من الممارسات المريبة والمستغرب أن اللوم يوجه للمودعين الذين يهبون لسحب ودائعهم عندما يرون ملامح تعسر بنكي، ولا يوجه إلى البنوك التي تقوم باستثمارات غير مضمونة فتهدِّد أموال المودعين أو تبدِّدها في أكثر الأحيان.
  3. حالة الميزان التجاري الخارجي المختلة. وهنا نذكر أن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى كانت دولة دائنة، أما اليوم فالعكس.
  4. الأفكار الاقتصادية أو النظريات الاقتصادية المعمول بها، حيث أنها في ذلك الوقت لم تساعد كما اليوم على تفادي الوقوع في الأزمة.

يتكرَّر اليوم بعض هذه الصور، حيث يؤكد العديد من المختصّين أوجه الشبه بين الأزمتين من حيث الأسباب والتداعيات، لكن على صعيد التعامل أو الإنقاذ فالخطوات تغيَّرت أولاً استيعابًا للتجربة وتاليًا لتغيُّر الظروف ومستويات العلاقات الدولية وعمق آليات العولمة.

على صعيد التشابه في الأسباب والتداعيات يمكن تحديد الآتي:

  1. لقد عرف الاقتصاد الأميركي انتعاشًا كبيرًا خلال عشرينيات القرن العشرين، حيث كان إنتاج المؤسسات وافرًا ومهمًا، بخاصة قطاع السيارات الذي كان في أوج ازدهاره.

كذلك عرف الدخل الفردي الأميركي في السنوات الأخيرة، ارتفاعًا محسوسًا قُدِّر بِـ 2,2% بخاصة العام 2007، وكان الارتفاع 2,9% في الاتحاد الأوروبي، أما العام 2006 و2005 فقد كان 3,4% و3,2% أميركيًا، أما أوروبيًا فكان 3%، هذا إضافة إلى الدور الحيوي الذي بات يؤديه الاقتصاد الآسيوي في تنشيط الاقتصاد العالمي.

  1. رافق هذا الانتعاش الاقتصادي في المرحلتين: العشرينيات واليوم، جنون مضاربة كبير.
  2. القروض السهلة: ففي عشرينيات القرن الماضي أثار انتعاش الاقتصاد شهيَّة العديد من الأفراد للدخول إلى عالم المصارف والبورصات وطلب القروض، وقد كانت نسب الفائدة ضئيلة جدًا، وكان يمكن للفرد دفع 10% من المعاملات ليأخذ دينًا بـ 90% المتبقية الأمر الذي أثر كثيرًا حينها على المالكين والمؤسسين الصغار مع حركة البورصة الهابطة ومؤشراتها السيئة.

هكذا هي وضعية اليوم تمامًا خصوصًا مع القروض السكنية التي منحت بسهولة كبيرة للأفراد في الولايات المتحدة وتركَّزت عليها الحركة الاقتصادية. إذن كانت البورصة سبب أزمة 1929 أما أزمة اليوم فالقروض السكنية.

وفي هذا السياق نشير إلى أنه في العشرين سنة الأخيرة يسيطر القطاع المالي على حركة الاقتصاد، والإقراض السهل سيد الموقف مع ما رافقه من المشتقات المالية، لذلك وصلت دورة الدولار الواحد إقراضًا إلى 32 مرة.

  1. كما سارت عليه تداعيات العام 1929 بالتحول من أزمة مالية (انهيار البورصة) إلى أزمة كساد عالمي، ها هي أزمة 2008، التي بدأت في القطاع المالي تنذر وتبشر بإرهاصاتها المتعدِّدة في التحوُّل إلى أزمة اقتصادية اجتماعية، حيث تحذِّر المؤسسات الدولية من تراجع نسبة النمو إلى نمو سالب في بعض البلدان، وحتى في الصين التي عرفت أعلى نسب النمو (11%) ستشهد، كما يؤكد البنك الدولي، أسوأ أرقامها في النمو منذ 19 عامًا.

أما على صعيد الفروقات فمن الواضح اختلاف التعامل السياسي للحكومات والمؤسسات حيث يظهر أن زمن الحلول الفوضوية والتعامل مع كل حالة أو مؤسسة بصورة مستقلة قد انتهى، خصوصًا أن الاقتصادات المتضرِّرة مباشرة تشكِّل أكثر من نصف الناتج العالمي، لهذا كان لا بد من التصدي لحالة الهلع والإسراع في:

  • تقديم الضمانات الكاملة أو الجزئية للمطلوبات والتي لا يمكن سحبها إلا حين تنتهي الأزمة كي تتشجَّع المؤسسات المالية على الإقراض في ما بينها، وكي تستطيع طمأنة المودعين والمدخّرين إلى مصائر إيداعاتهم وادخاراتهم.
  • تأمين السيولة اللازمة عبر تحركات وقرارات للبنوك المركزية حيث تمّ عبر خططها "الإنقاذية" إعادة رسملة بعض المؤسسات المنهارة، وتأميم بعضها الآخر. وكي تعود حركة الائتمان إلى مسارها لا بد من خطوات أكثر جذرية تقوم على الضبط والمراقبة وإصدار التشريعات اللازمة للحد من فوضى الممارسات المالية وفلتانها، وكذلك من أجل إعادة النظر بالنظام المالي العالمي ومؤسساته المالية (وهذا ما يُعمل عليه حاليًا عبر إعادة النظر باتفاقية "بريتون وودز" واستتباعاتها).

هذا الاستنفار المتكافل اليوم – على الرغم من كل التناقضات والتباينات - للحد من آثار الأزمة وتداعياتها يختلف عن عمليات الإنقاذ العام 1929 حيث بقيت قاصرة ولم تصل إلى مستوى من التعاون والتكامل.

والسؤال هنا: هل سيكون لهذا النمط الجديد نتائج تحدُّ من الآثار السلبية الحالية والمحتملة للأزمة وتداعياتها؟ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة الشافية.

 

الفوائض المالية والأزمة

شهد العالم الرأسمالي منذ نشوئه ما لا يقل عن 250 أزمة مالية تختلف من حيث نشوئها وعمقها وامتدادها وحجمها. وكانت السنوات الثلاثون الأخيرة الأكثر تواترًا في تراكم الأزمات. والحاصل اليوم في سلسلة الأزمات وما يواجهه العالم اليوم يمكن أن ينظر إليه كأحدث تطور في سلسلة الأزمات المالية التي ضربت العالم، على فترات، خلال السنوات الثلاثين الماضية.

ومن أجل المساعدة في فهم كيفية معالجة الأزمة الراهنة يبدو من المفيد العودة إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي حيث تمّت إعادة تدوير الدولارات البترولية من خلال البنوك الغربية إلى اقتصادات ناشئة أقل ثراء، لا سيما في أميركا اللاتينية. وقد أدَّى ذلك إلى أولى الأزمات الكبرى في التاريخ الحديث، حين أعلنت المكسيك العام 1982 عن عجزها عن خدمة ديونها. والآن معاقل المال في نيويورك ولندن تجثو "لأن معظم الاقتصادات الناشئة يتمتَّع بفوائض ضخمة في الموازنات الجارية، ما دفع إلى تدوير نسبة عالية من الأموال إلى الاقتصاد الأميركي الذي صب أكثر من تريليون دولار في سوق الرهون العقاري المكوَّن من أفقر المقترضين، وأدناهم ملاءَةً، علمًا أن الارتباطات بين الهشاشة المالية في الولايات المتحدة، والأزمات السابقة في الأسواق الناشئة، تعني أن الجروح المصرفية والاقتصادية الحالية يجب أن لا ينظر إليها كمجرد نتيجة لسياسة نقدية تميل إلى المخاطرة، ولا إلى تشريعات متراخية وسلوك مالي غير مسؤول فحسب. فعلى الرغم من أهمية كل هذه الأمور، فإن أي بلد يتلقى تدفقًا ضخمًا ومستدامًا من الإقراض الأجنبي، يعرِّض نفسه لمخاطر أزمة مالية كون الهشاشة المالية الخارجية والمحلية ستزداد، وهذا بالضبط ما تشهده الولايات المتحدة اليوم، إضافة إلى عدد من الدول المرتفعة الدخل. والأزمة الحالية ترتبط بتلك التي سبقتها، لا سيما منها الأزمة الآسيوية (1997 – 1998) حيث لم تصبح الاقتصادات الناشئة مصدِّرة غزيرة للرساميل إلا بعد تلك الأزمة. وقد تمّ تعزيز هذا النهج باختيار الصين مسار تنمية قائمًا على التصدير، والسبب يعود جزئيًا إلى خوفها مما أصابها خلال الأزمة الأسيوية. هذا وقد زاد من تخندقها القفزات الأخيرة في أسعار النفط وما نجم عنها من انفجارات في فوائض الموازنات الجارية للدول المصدرة للنفط.

والجديد المؤثر في الاقتصاد العالمي على المستوى الكلي يتمثَّل في بروز الولايات المتحدة، وعدد آخر من الدول المرتفعة الدخل كجهات إنفاق، وكملاذ أخير للاقتراض، حيث مارست الأسر الأميركية التي غذتها الديون اندفاعًا إنفاقيًا ليس له مثيل، وتوجَّهت نحو الاقتراض بشراهة من بنوكها الإسكانية غير المراقبة.

وقد ترافقت الميزة الحالية (طفرة الإدخارات) في الاقتصاد الصناعي مع دخول الألفية الجديدة، مع بروز سمات مفاجئة تمثلت في المستوى المتدني لأسعار الفائدة الاسمية والحقيقية على المدى الطويل، في وقت كان يشهد النمو الاقتصادي سرعة عالية. فأنتجت الأموال الرخيصة فورة من الابتكار المالي والاقتراض والإنفاق الذي كان من الأسباب الأولية للارتفاع الشديد في أسعار المنازل ضمن جزء واسع من العالم المرتفع الدخل، وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا.

إن طفرة الادخارات أدت إلى تكدّس الفوائض الكبرى في الاقتصادات بكميات تفوق ما يمكن أن يستوعبه الاستثمار، وهذا هو حال الاقتصادات الآسيوية والدول المصدرة للنفط التي وصلت فوائضها إلى 2% من قيمة الناتج المحلي العالمي، كما أعلن صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أن الصين مستورد كبير للنفط إلا أنها برزت أيضًا كصاحبة أكبر فائض عالمي (العام 2007، بلغ 372 مليار دولار، أو ما يساوي تقريبًا مجموع فائضي اليابان وألمانيا). وبلغت مجموعة الفوائض العالمية العام 2007 حوال 1,680 تريليون دولار حسب بيانات صندوق النقد الدولي، وكان نصيب الدول العشر الأولى (الصين، اليابان، ألمانيا، السعودية، روسيا، سويسرا، النروج، الكويت، هولندا، والإمارات) أكثر من 70% من هذه الفوائض.

وقد استوعب العجز الأميركي حوالى 44% من هذا المجموع، وإذا أضفنا إليها بريطانيا وأسبانيا وأستراليا (الدول ذات الفقاعات العقارية حينها) لوصلت النسبة إلى 63% من فوائض الموازنات الجارية عالميًا.

وهكذا توجَّه رأس المال إلى بعض أغنى دول العالم، وظهرت الفوائض كنتيجة لسياسات متعمَّدة في مراكمة الاحتياطات الرسمية من العملات الأجنبية، ولزيادة أحجام الصناديق السيادية.

 

الأموال الساخنة وتفاقم الأزمة

الأموال الساخنة "Hot money" تعبير يُطلق على الأموال التي تتحرَّك بسرعة شديدة من استثمار إلى آخر على مستوى العالم، مستبقة تغيرات أسعار الصرف أو مقتنصة فرصًا استثمارية ذات عائد أعلى في المدى القصير.

العام 1998 كان لانسحاب الأموال الساخنة دور كبير قي الأزمة الآسيوية. فماذا فعلت وتفعل في الأزمة الحالية؟

  • الهلع والخوف اللذان سيطرا على المستقرضين جعلاهم يبحثون عن ملاذٍ آمن لاستثماراتهم فكانت سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي تسبَّب بانسحاب سريع ومتواصل من الأسواق الناشئة كروسيا والهند وكوريا الجنوبية ودبي وغيرها، ما دفع إلى التراجع الحاد في الأسواق المالية لتلك الدول.

ولأن الضغط كان شديدًا على سوق العملات، والسيولة ضعيفة في بنوكها (نتيجة هروب الاستثمارات الأجنبية العالية السيولة) اضطرت السلطات النقدية في تلك البلدان إلى اللجوء إلى فوائضها المالية لتأمين نظامها البنكي وحماية عملاتها.ما سبب استنزافًا كبيرًا لاحتياطات تلك الدول.

  • تسبَّب هروب المستثمرين إلى سندات الخزينة الأميركية في زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع كبير في سعر صرفه أمام معظم العملات الرئيسة. وإذا أخذنا بالاعتبار أن التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأميركي في الفترة السابقة للأزمة الحالية، كان بفضل انخفاض سعر صرف الدولار، حيث أدى ذلك إلى نمو الصادرات الأميركية، فإن الارتفاع الذي حصل على أثر انفجار الأزمة سيعني تراجعًا في الصادرات الأميركية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأميركي الركود الحاد نتيجة تراجع الطلب المحلي. هذه الحال ستزيد من أسعار السلع، وإذا كانت توقعات المستهلكين بالانخفاض العام للأسعار ستدفعهم إلى تأجيل قراراتهم الاستهلاكية، فإن هذا سيزيد من فائض السلع المنتجة، وهذه حالة لا تقل سوءًا عن التضخم، حيث تعمق الركود الاقتصادي والزيادة في تراجعات أسعار العقارات، سيفاقم من مشكلة الرهن العقاري والأزمة المالية.
  • إن تراجع الأسعار يحدث عادة بسبب وجود فائض إنتاج، وتتم معالجته بتخفيض أسعار الفائدة، لكن عندما يكون تراجع الأسعار ناتجًا عن توقعات المستهلكين، فلن يعود تدبير كخفض الفائدة نافعًا، لذلك يكون الحل الأنسب بتراجع سعر الصرف لتعزيز الصادرات ما سيتسبَّب بضغوطات تضخمية على الأسعار، ما يخالف توقعات المستهلكين بتراجع الأسعار، فيقبلون على معاودة الاستهلاك، الأمر الذي يقلل من الركود الاقتصادي، ومن فرص سحب المنازل من المقترضين بسبب العجز عن السداد. غير أن توجه الأموال الساخنة إلى سندات الخزينة الأميركية دفع بالدولار إلى الارتفاع بدلاً من الانخفاض كما كان متوقعًا في ظل هذه الأزمة ما أسهم ويسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية ويزيد من صعوبات حلها.

وهكذا إن ابرز سلبيات الأموال الساخنة هو أنها تدخل عندما يكون الاقتصاد في حالة انتعاش، وبغير حاجة إليها، يجتذبها فقط فرص الربح السريع. إلا أنها تخرج في أحلك الظروف وأكثرها حرجًا، حين يكون الاقتصاد بأمس الحاجة إليها وإلى بقائها فيتسبب خروجها بضغط على النظام المالي وهدر الفوائض المالية دفعًا عن العملة المحلية.

 

هل العالم أمام كساد جديد؟

إن هذا السؤال الذي يبدو تعبيرًا عن القلق، فهو عدا عن كونه احتمالاً يحاول أن يتلمس نهاية مرحلة وبداية جديدة نتيجة الإجماع الدولي، والاستنفار النشط لمعالجة التداعيات المحتملة، وعلى الرغم من كون جملة التدابير "الإنقاذية" المحصورة في بلدٍ ما أو على صعيد التجمعات والمؤسسات الدولية لم تقدم حتى الآن ما يطمئن ويعيد الثقة، والدليل استمرار هبوط المؤشرات وتهاوي المؤسسات. فإن مرحلة الهيمنة المالية على الاقتصاد العالمي انطلاقًا من أميركا قد انتهت، والأنظار متجهة إلى إعادة الاعتبار للاقتصاد الحقيقي، التي تغيب عن دور القائد للسنوات العشرين الماضية. فالبلدان المتقدمة اقتصاديًا كافة، والتي تشكل ليس أقل من 55% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، دخلت في حالة من الركود. والأسواق الناشئة التي لم ترتبط في مستهل الأمر بهذه المحنة إلا حين بدأ المستثمرون الأجانب في سحب أموالهم فانتشر الذعر في أسواق الائتمان، وأسواق المال، وأسواق العملة.

صحيح أن هذا الأمر قد سلَّط الضوء على نقاط الضعف التي تعانيها الأنظمة المالية والشركات في عديد كبير من البلدان النامية، لكنه أيضَّا هدَّد مشهد النمو والازدهار للاقتصادات الناشئة التي عرفت نسبًا عالية في حركة الاقتصاد الحقيقي – السلعي. أما البلدان التي تعاني عجزًا تضخميًا في حساباتها الجارية أو تعيش عجزًا ماليًا ضخمًا، أو تلك الملتزمة ديونًا ضخمة قصيرة الأمد بالعملة الأجنبية، فقد بانت الهشاشة في اقتصادياتها.

إن نسبة تراجع النمو استنادًا إلى الأرقام التي يصدرها بعض الدول، والتي تدأب المؤسسات المالية والنقدية الدولية على التبشير بها، ما زالت تشير إلى مرحلة الركود الاقتصادي. والخوف كل الخوف في انتقال هذه الأرقام إلى المنحى السلبي ليتحوَّل الاقتصاد العالمي إلى الانكماش ومن ثم الكساد. هذا المحذور، ومن أجل عدم الوصول إليه، يتطلَّب الأمر الانتقال من التعاطي الصدموي (من صدمة) إلى الاستراتيجي، على صعيد الفكر الاقتصادي وعلى صعيد الخيارات الإنتاجية، والأنظمة المالية، والتشريعات الرقابية، وتطوير أو تغيير وجهة عمل المؤسسات الدولية الناظمة لحركة العولمة الحالية.

 

أسئلة حول المطلوب

السؤال الأول: ينطلق من صدقية إمكان استعادة العافية الاقتصادية أولاً في الولايات المتحدة وتاليًا في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. ومن المعلوم أن هذا الأمر يحتاج إلى إستراتيجية جديدة تعيد النظر بدور الحكومات في التمويل عبر الإنفاق الواسع.

كانت فكرة جورج دبليو بوش عن الاقتصاد تتلخَّص في تخفيض الضرائب ثلاث مرات وتعزيز الإنفاق على الحرب في الوقت نفسه، الأمر الذي أدى إلى عجز هائل في الميزانية يُتَوَقَّع أن يتسع في غضون العام المقبل (أكثر تريليون دولار) تحت الضغوط الإضافية التي يفرضها الركود، وعمليات إنقاذ البنوك، وتدابير الحذر المالي.

لذلك سوف يكون لزامًا على أوباما، الرئيس الأميركي، أن يضع خطة مالية في المديين القصير والمتوسط، لاستعادة قدرة الحكومة على التمويل عبر إيقاف الحرب العراقية وزيادة الضرائب على الأغنياء (كما عبر أكثر من مرة) وفرض ضرائب جديدة على الاستهلاك، كما أعلن يوم 5/12/2008 خلال مقابلة مسجَّلة على شبكة "أن.بي.سي". الأميركية: "أن مساعدة أصحاب المنازل الذين يواجهون حبس رهونهم هي أحد الخيارات المقترحة". وإن كان قد تجنَّب الإجابة عن سؤال حول نيته زيادة الضرائب على الأغنياء، فإنه أكد أن الاقتصاد سيسوء قبل أن يتحسَّن. وقد دعا إلى الإنفاق الأوسع على الأشغال العامة التي لم ينفق عليها منذ إنشاء الطرق السريعة بين الولايات المتحدة قبل نصف قرن.

وانطلاقًا من عدم الوضوح في مسالك التمويل الحكومي ووقف الإنفاق غير المجدي "العسكري تحديدًا" يطرح السؤال الثاني إمكان وقدرة اتخاذ التدابير اللازمة للاستعاضة عن قلق القطاع الخاص، وخوفه من المغامرة أو المخاطرة، "في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى السيولة والإنفاق وإيجاد فرص العمل". هذا مع حالة الاتحاد الأوروبي غير القادر على بلورة سياسة مالية موحدة لاعتبارات عديدة منها: عدم وجود مؤسسات مالية موحَّدة، ونتيجة الخلافات التي ما زالت قائمة في وجهات النظر حول دعم الاقتصاد الأوروبي بخاصة بين ألمانيا وفرنسا.

إذن السؤال الأول، على الرغم من بوادر وقابلية الإجابة الإيجابية عنه، فما زال يتعثَّر، والانتظار سيد الموقف.

 

السؤال الثاني: يدور حول الخيارات المتاحة في إعادة توزيع الحركة الاقتصادية والتنمية على الصعيد الدولي، وهل هناك من إمكانات لتدارك بعض الانعكاسات السلبية على الاقتصادات الضعيفة؟ حيث أنه مع التطورات الدراماتيكية التي حدثت في المراكز الاقتصادية الرئيسة يظهر أنه لا بد من أن ينظر إلى مناطق العالم الفقيرة باعتبارها فرصًا للاستثمار وليس مصادر للتهديد أو مناطق تستحق التجاهل. وفي هذا الوقت حيث أصبحت الشركات الكبرى العاملة في مجال إنشاء وتشييد البنية الأساسية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تمتلك قدرات فائضة، فسيكون لزامًا على البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي وبنك التصدير والاستيراد الأميركي، وبنك التنمية الأفريقي، وغير ذلك من صناديق الاستثمار عامة ومنها الصناديق السيادية الخليجية، أن تتوسَّع في تمويل الإنفاق على البنى الأساسية في أفريقيا والشرق الأوسط، كشق الطرق ونشر محطات الطاقة والموانئ وأنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية، من أجل تعزيز المداخيل، وكي تتمكن من استعادة شركاتها وتوظيفاتها وعمالها المهرة إلى العمل فيها من جديد، وكي يعاد توزيع الثروة عبر توسيع الاستثمارات وتنويعها، كي تتخفف الاقتصادات المصابة اليوم من أحمال وأعباء الركود الاقتصادي السائر نحو الانكماش، وكي تستعاد أولوية الاستثمار باتجاه الاقتصاد الحقيقي، وباتجاه التنمية.

إنه سؤال مقلق، يبدو منطوقه غير مدرك حتى الآن، لأسباب عميقة الجذور في نظريات وأساليب النمو والتنمية التي كانت متبعة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث ما زال النظر إلى المناطق الفقيرة كأسواق للسلع أو بأحسن الأحوال مصادر لليد العاملة الرخيصة والمواد الأولية المطلوبة. إن المطالبة بالتغيير على مستوى إدارة الأسواق المالية والمؤسسات الدولية ونظام العلاقات المالية والدولية من دون التطرق إلى نمط العلاقات الاقتصادية الدولية، واستبدالها من علاقات هيمنة واستغلال إلى هواجس إنماء وتنمية، قد يكون مقصِّرًا عن إيجاد المخارج البعيدة المدى للأزمات الاقتصادية المحتملة، خصوصًا مع مظلة العولمة. فمن غير الجائز أن تستمر المغانم في مكان والمغارم في مكان آخر.

 

السؤال الثالث:، وهو أكثرها حضورًا في المناقشات والمداولات على الصعيد الفكري والنظري: هل الأزمة الراهنة أزمة السوق المالي أم أزمة الرأسمالية كنظام اقتصادي – اجتماعي؟ وهل الأزمة فيه بنيوية، أم أزمة اشتغال لمستوى من مستوياته؟ وهل هذه الأزمة هي مؤشر الانهيار المقبل أم أزمة طارئة سرعان ما سيعيد النظام تجديد نفسه؟

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتجربة الاشتراكية، وبعد أن جدَّدت نفسها الرأسمالية، ظهرت في العقدين الأخيرين وكأنها خيار التاريخ، وقد عزَّز هذا الرأي القول بإن عهد الثورات الاجتماعية قد انتهى، والرهان اليوم هو العولمة، والإصلاح التدريجي؟

لكنه جاز للبعض المختلف أن استعار من الأزمة الحالية قوة ويقينًا بأن الرأسمالية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن أزماتها الدورية لا بد من أن تؤدي إلى الانهيار الشامل والكامل. طبعًا، غاب عن بالهم عدم وجود قوى بديلة، لا بل اعتبروا أنفسهم القوة البديلة (الإسلاميون، الماركسيون التقليديون). وكان التلاقي بين هذين الاتجاهين في نعي الرأسمالية واضحًا وبيِّنًا. لكن التدابير التي اتخذت، والتنادي العالمي الذي حصل، والتشابك المعقود دفاعًا عن المصالح الذي ظهر، وضعت هذا الرأي في خانة التمنيات الإيديولوجية، أكثر من أن يكون حقائق ووقائع. فلا شك أن الهيمنة التي حصلت للقطاع المالي في النظام الرأسمالي، بعد دخول أنظمة ومجتمعات كانت مختلفة إلى نادي اقتصاد السوق، وهجرة الرأسمالية الصناعية إلى البلدان النامية، وتعديل مفهوم وحلقات السلسلة السلعية، وشيوع الاستهلاك المفرط. كل هذا جعل المفارقة مفزعة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي، فوصلت الدورة الاقتراضية للدولار الواحد إلى 32 دولارًا. على الرغم من ذلك بانت الأزمة أزمة اشتغال وليس أزمة وجود، أزمة في غياب التشريعات والقوانين المقيدة للانفلات، وفقدان رقابة على المؤسسات والآليات التي تدير الاقتصاد الحر للأسواق والذي أدى إلى الغياب الكامل لدور الدولة.

من هنا يطرح اليوم العودة إلى الكينزية التي أنقذت الرأسمالية بعد أزمة العام 1929، العودة إلى الدور التدخلي للدولة، وفي هذا قد يكون الإنفاق الحكومي الواسع اليوم أحد الخيارات الأساسية لمواجهة الركود الاقتصادي ونتائجه الاجتماعية.

لكن السؤال يبقى ماثلاً: هل قوة النظام الرأسمالي في غياب البديل، أم أنه خيار التاريخ؟ وهل من خلال بعض السياسات المحلية والتعاون الدولي وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة، وبدور الدولة الراعية والموجهة، يمكن تجاوز الأزمة، على الرغم من تردداتها وآثارها الكبيرة اقتصاديًا واجتماعيًا؟

 

السؤال الرابع: وهو آني الطابع يدور حول توافر فرصة الخروج من شرنقة الأزمة؟

فقد علمنا أن "الاقتصاد الجديد" الذي نشأ في العقود الثلاثة الأخيرة، والقائم على تأمين السيولة المفرطة لاقتصاد مبني على الريوع، استخدم الأدوات الضرورية لهذا "الجديد"، فكان تحرير الأسواق المالية من قيود الرقابة، واعتماد الإنترنت كوسيلة أساسية في التجارة والأسواق المالية، وتضخيم عمل المصارف الاستثمارية التي تعمل من دون رقابة، معتمدة على مبدأ أن السوق في النظام الرأسمالي الصرف تصحِّح نفسها، من دون تدخل حكومي، وذلك عكس المصارف التجارية التي تخضع لرقابة لجان تابعة للاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ومع الجشع وتبسيط شروط فرص نجاح وإهمال الخبرة أصبح نجاح كل من يعمل في إدارة الأموال في الأسواق المالية (البورصة) أكيدًا لسهولة الاستثمار في المشتقات المالية التي تعتمد على فوارق بسيطة في السعر نتيجة فروقات المخاطر وبالتالي الفائدة التي تحددها مؤسسات التصنيف. وكان اعتماد مبدأ تسنيد القروض العقارية بخلق سيولة ورقية، وببيع سندات دين مبنية على سندات أساسية عدة مرات. لم تؤثر هذه السيولة الورقية على معدلات التضخم، لبقائها متداولة ضمن مجموعة المصارف الاستثمارية، مغرية المصارف التجارية بالانغماس في هذه المخاطر لإظهار أرباح في ميزانيتها، وبالتالي عوائد عالية لمساهميها، وارتفاع في أسعار أسهمها، وبالتالي مداخيل أسطورية لمديريها وموظفيها، ناهيك عن الضرائب الهائلة التي جنتها الحكومات من تلك المؤسسات المتخمة بالأرباح الكاذبة.

أما وقد وصلت هذه المغامرة المالية إلى نهاياتها، وانفجرت فقاعتها بأزمة مهددة بالأسوأ، هل الإجراءات التي اتخذت لكبحها كافية؟ الإجابة المتفائلة عن هذا السؤال تناقضها التطورات المتلاحقة، فها الإفلاس والانهيار يهددان قطاع صناعة السيارات، ولم تفلح حتى الآن مشاريع الإنقاذ، ولم تعد الثقة إلى الأسواق المالية، وما زالت مؤشراتها تتجه هبوطًا.

وانسجامًا مع ترددات الفشل في المعالجة، تعيد مؤسسات المجتمع الدولي مراجعاتها لتوقعات سابقة في شأن المؤشرات الاقتصادية الخاصة بنمو الناتج الإجمالي العالمي، فالتباطؤ والركود ينتشران في كل الاقتصادات بما فيها تلك الناشئة (صاحبة القوة الناهضة). لذلك كله، هل التدابير التي اتخذت حتى الآن هي مجرد بداية، ولا بد من إكمال المهمة؟ وما هي المهمات المقبلة والملحة، المطلوبة تقنيًا وإداريًا واقتصاديًا على صعيد السيولة والضمانات والائتمان المصرفي؟ هل يمكن تقسيم الإجراءات إلى مراحل ومستويات؟ أم أن الكل المعقد يحتاج إلى شبكة معقدة من التدابير والسياسات والإجراءات الجذرية؟

 

السؤال الخامس: ينطلق من احتمال إعادة النظر بالنظام المالي العالمي، هل لا بد من ذلك، أم لا تعدو المسألة بعض التعديل الطفيف الملطف؟

حين دمر ريتشارد نيكسون نظام "بريتون وودز" المالي الدولي العام 1971 من خلال إقفال "نافذة الذهب" في وزارة الخزانة الأميركية، قطع آخر ارتباط بين الدولار والذهب، وتبع ذلك (كما قلنا سابقًا) انتشار هائل لطيف من أدوات الإئتمان في عملة من دون أساس، وكان أبرز مثالٍ وأشدها سطوعًا هو نمو المشتقات المالية غير الخاضعة للضوابط، والتي انتفخت لتبلغ 600 ألف مليار دولار، أي ما يعادل 100 ألف دولار لكل شخص على وجه البسيطة.

طبعًا هذا النمو في الائتمان تحت راية الدولار أدى إلى تعزيز النمو الاقتصادي وارتفعت نسبة الائتمان في الولايات المتحدة مقابل الناتج المحلي الإجمالي من 150% إلى 350% العام 2007، وأدى الاستهلاك المموَّل من جانب الائتمان إلى زيادة الواردات، ما أثر على الميزان التجاري الأميركي، ليبلغ عجزه نحو 850 مليار دولار العام 2007.

وحين غمر معيار الدولار العالم بأموال مشكوك في مصادرها انتشر عدم الاستقرار الاقتصادي، وأدت إعادة استثمار الدولارات النفطية إلى الانتعاش الاقتصادي الأميركي اللاتيني في السبعينيات، ثم إلى أزمة ديون العالم الثالث في الثمانينيات، وأدى الفائض التجاري الياباني مع الولايات المتحدة إلى ارتفاع أسعار العقارات في اليابان أواخر الثمانينات، حتى أصبحت حينها قيمة الحدائق الإمبراطورية في طوكيو أعلى من قيمة كاليفورنيا، ليحل بعد ذلك عقد التنمية المفقودة في اليابان، حتى انفجرت تلك الفقاعات العام 1990. ثم جاء بعد ذلك نهوض "المعجزة" الأسيوية وسقوطها. ثم كانت فقاعة الإنترنت في الولايات المتحدة، وها هي أزمة الرهون العقارية الأميركي تؤدي إلى انفجار الأزمة المالية العالمية، وتضع العالم أمام الكارثة شبه المحققة.

لقد اعتمد نظام "بريتون وودز" ميزان القوى العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وبات الدولار معيارًا وحيدًا العام 1971، وحصل ما حصل في القطاع المالي وفي الاستثمار والادخار. هل ما زال يبرر نفسه هذا النظام؟ أم لا بد من العودة إلى نظام الذهب؟ أم يجب الاستفادة من التطورات الحاصلة على صعيد موازين القوى الاقتصادية واعتماد سلة عملات معيارية؟ سؤال حتى الآن يطرح ولا إجابة عنه ولو مبدئية.

الأزمة المالية الحالية أشد وطأة وأكثر تعقيدًا من الأزمات السابقة، فالعالم تغيَّر، والرأسمالية ترسخت كنظام اقتصادي أحادي عالميًا، وما تعدد التلاوين المعروفة عالميًا، إلا استدراك للخصوصيات المحلية. وإذا كان النظام الرأسمالي قد أصيب اليوم في الرأس، وتداعت إليه سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فلأنه مع العولمة والنمط الذي ساد في العقود الأخيرة قد ربطت الأسواق المالية والسلعية وعوامل الإنتاج بشبكة من العلاقات المتداخلة، من الصعب أن لا تتأثر سلبًا، وإن كانت لا تتساوى جميعها في الغُنم والمكسب. لا شك أن الأزمة فتحت على مرحلة جديدة، تؤذن بنهاية سيادة قطاع (المالي تحديدًا) وتفتح لإعادة الاعتبار لقطاعات أخرى (الاقتصاد الحقيقي). وما الاستنتاجات المتسرعة حول الانهيار والإفلاس، سوى تمنيات إيديولوجية أو تسجيل نقاط سياسية، لكن بالمضمون الحقبة المقبلة ستشهد تغيرات وأشكال جديدة على الصعد كافة من النظرية إلى العلاقات والأطر والآليات والأساليب والوسائل، كون المصالح على المحك، وغياب البديل أو ضعفه لا بد من أن يكون عاملاً من عوامل إعادة التجديد والتطوير على قواعد ما تفرضه موازين القوى الصراعية لعالم واحد، ونظام اقتصادي – اجتماعي يحمل مشكلات كثيرة ولا عدالة واضحة، لكنه وعلى المدى المنظور، ما زال الخيار الأوحد.

 

المصادر والمراجع

  1. الاقتصادية الإلكترونية، أعيدوا الربط بين الذهب والدولار، العدد 5530، الموافق 1/12/2008.
  2. الاقتصادية الإلكترونية، الانتصار على أزمة بحاجة إلى تعاون، العدد 5537، التاريخ 8/12/2008.
  3. الاقتصادية الإلكترونية، عودة الثقة تستغرق وقتاً طويلاً، العدد 5516، التاريخ 17/11/2008.
  4. الاقتصادية الإلكترونية، من الانهيار المالي إلى الكساد المالي، العدد 5487، التاريخ 19/10/2008.
  5. البنك الدولي، نمو الناتج، صحيفة النهار، العدد 23557، 13/12/2008.
  6. الجزيرة نت، خطورة الأزمة المالية على الاقتصاد العالمي، الخميس 26/10/2008.
  7. جيفري ي شاس، التصافي المستدام، الاقتصادية الإلكترونية، 24/11/2008.
  8. د. قبانجي جاك، قراءة اجتماعية لأزمة الرأسمالية العالمية، محاضرة ألقيت في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، 13 ديسمبر/كانون الأول 2008.
  9. د. محمد بن محمد آل الشيخ، الأزمة المالية العالمية، الاقتصادية الإلكترونية، العدد 5517، التاريخ 18/11/2008.
  10. د. نحاس شربل، حظوظ اجتناب الأزمة وشروط تخطيها، النهار، بيروت، 2001.
  11. رفيق قاسم، الكساد الكير الجديد، صحيفة النهار، العدد 23534، 17/11/2008.
  12. رويترز، أوباما الاقتصاد سيسود، صحيفة النهار، العدد 23554، 8 ديسمبر/كانون الأول 2008.
  13. فيال فرغسون، مقالة اقتصادية، صحيفة الحياة، تاريخ 8/10/2008.
  14. كروغمان، يمكن تجنب الركود، صحيفة النهار، العدد 23444، 8/12/2008.
  15. موقع ميدل أيست أوفلاين، هل تكون الأزمة المالية محضرًا جديدًا للتعددية القطبية، com/id = 69511، التاريخ 11/12/2008.

 


(*) أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة ألأعمال – الجامعة اللبنانية.

[1] د. شربل نحاس، حظوظ اجتناب الأزمة وشروط تخطيها، دار النهار، بيروت, 2001، ص 111.

[2] - المرجع نفسه، ص 112.

(3) فيال فرغسون، صحيفة الحياة، 8/10/2008.

The financial crisis between 1929 and 2008 Lessons and changes

The financial crisis which is witnessing repercussions affecting the entire world is surrounded by a significant atmosphere of «ideological analysis» in discussing its causes and results. Therefore, shallow conclusions concentrating on the idea that Capitalism is on the brink of extinction are increasing. Thereupon, «desires» are replacing reality and its laws, and «hopes» are replacing deliberate scientific readings.
Therefore, in spite of an unlimited number of articles and long hours of media broadcast, the confrontation mechanisms are advancing slowly but confidently and with an experience drawn from previous experiments. This fact cannot be changed by some differences or even contradictions between the centers of economic powers and the attempt to gain profits especially in emerging economies in addition to the policy of desperate support to privileges and positions adopted by the influential figures in the collapsing financial market. Nevertheless, common interests soon became a priority and hence started the plans of cooperation and interaction, and measures were taken. Furthermore, measures intersected, meetings followed in succession and conventions were held to tackle the issue, especially since the crisis and its repercussions did not spare anyone and its negative effects will not exclude any state regardless of its size. Moreover, the prospective changes of the crisis on the economic level afflicted in the past and currently some of the most dynamically developing economies and the richest states in terms of natural resources and technical development. Hence, this crisis was local in its beginning and causes but its consequences and results were global.
The history of capitalism witnessed many financial crises. Some of them were local and others were global.
How do we define the financial crisis? What are the aspects of such a crisis? What are the points of compatibility and difference between the two global crises of 1929 and 2008? These questions are put forward in this intellectual and economic gathering to understand the financial crisis, its dimensions and the prospects of its effects.

La crise financière entre 1929 et 2008 : Leçons et changements


La crise financière est témoin d’un climat de discussions sur ses raisons et ses résultats. Les conclusions se multiplient surtout celles se rapportant au fait que le capitalisme va vers sa fin.
Malgré les tonnes de papiers et les longues heures de diffusion medias, les mécanismes d’affrontement cheminent lentement, mais avec confiance et expérience.
Ces différences et ces contradictions ne changent pas les positions de force économique, la tentative de réaliser des profits propres aux économies émergeantes, ainsi que la défense acharnée des spécifications et des positions des parts des personnes au pouvoir dans le marché financiers déchus. Mais les intérêts communs ont rapidement accédé à un emplacement meilleur ainsi qu’à des planifications et à des mesures. Les mesures et les rencontres se sont accélérés pour traiter la crise, surtout qu’aucun pays n’a été à l’écart de ses répercussions négatives.
L’histoire du capitalisme a connu par ailleurs plusieurs crises particulièrement celles qui sont partielles et d’autres globales.
Quelle est la crise financière ? Quelles sont ses formes ?  Cet article  économique nous aide à comprendre cette crise financières, ses conséquences et les champs de son influence.