مبادرات

الاغتراب اللبناني: مبادرات أسهمت في الصمود ولكن...
إعداد: د. تراز منصور

د. تراز منصور

 

هربًا من المآسي أو سعيًا إلى عيش كريم ضاقت سبله، انتشر المغتربون اللبنانيون في أصقاع العالم. اجتهدوا، حقّقوا نجاحات باهرة، أسهموا في نمو البلدان التي حلّوا فيها، ومدّوا بلدهم بالدعم الذي شكّل شريان حياة أساسي لصمود أهلهم في الفترات الحرجة، وخصوصًا الأزمة الأخيرة التي نمرّ بها منذ سنوات. وإذا كان معروفًا أن تحويلات المغتربين إلى أهلهم في لبنان تتراوح بين 7 و 8 مليارات دولار سنويًا، فإنّ هذه التحويلات ليست كل ما يدعم به المغتربون وطنهم، إذ ثمة إلى جانبها مبادرات كثيرة أسهمت في صمود اللبنانيين المقيمين، الذين ضاعت أموالهم وجنى أعمارهم.

وهكذا تنعم هذه البلدة أو تلك بتوافر التيار الكهربائي بفضل مشاريع الطاقة الشمسية التي موّلها مغتربون، ويحكي أهالي بلدات نائية عن مستوصف هنا وبئر ارتوازية هناك، ناهيك عن توفير فرص عمل للشباب وسوى ذلك من مبادرات.

في حديث لمجلة «الجيش»، يؤكد رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم روجيه هاني أنّ هذه المنظمة الاغترابية المعنية بهموم الوطن، تعمل بشكلٍ دؤوب للمحافظة على الثقافة اللبنانية والتراث اللبناني، ولتعميق الروابط بين المغتربين والمقيمين. وتأتي في هذا السياق البرامج التي تنظمها للشباب المتحدّرين من أصل لبناني، والتي تتضمن زيارات صيفية للبنان لتعزيز الرابط بينهم وبين وطنهم الأم لبنان. تشمل هذه الزيارات برامج ثقافية، سياحية واجتماعية، بالإضافة إلى التعرف على التقاليد والعادات اللبنانية، ما يعمّق انتماءهم الوطني ويرسّخ هويتهم اللبنانية.

 

مبادرات مستمرة

في ما يخص المبادرات التي أسهم من خلالها الانتشار اللبناني في دعم صمود أهله، تواصل فروع الجامعة في مختلف القارات إرسال المساعدات العينية والأدوية، ومستلزمات الإنارة لكثير من البلدات والقرى التي لا تتوافر لبلدياتها الإمكانات اللازمة، ومتابعة المختصين فيها مساعدة اللبنانيين عبر التوجيهات المتعلقة بالطاقة الشمسية والطاقة المستدامة.

وفي السياق نفسه، تُذكر التبرعات المادية والعينية التي قُدّمت بشكلٍ خاص عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت من فروع الجامعة في بوسطن ونيوجرسي ونيويورك وباريس. كما وردت إلى لبنان الأدوية ومستلزمات الطاقة بكمياتٍ كبيرة جدًا من أستراليا ودول أخرى. ومن المبادرات الفاعلة تأمين فرص العمل عن بُعد للشباب اللبنانيين في شركات يملكها مغتربون، وذلك بالاتفاق مع الجامعات في لبنان. ونشير هنا إلى أنّ هذه المساعدات مستمرة على مدار الساعة، على سبيل المثال إسهام المغتربين في تجهيز مستشفى عين إبل، وتأسيس مستوصف في منطقة بيروت – الجعيتاوي بالتعاون مع جمعية «بيتي بيتك»، وتجهيز مستوصفات في كثير من القرى.

 

الحاجة إلى الثقة

تبعًا للأرقام الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان، يرسل المغتربون إلى لبنان سنويًا بين استثمارات ومساعدات للأهل، ما لا يقل عن 7 مليارات دولار سنويًا. وهم أسهموا في إعمار بيروت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد دفعوا ثمن الحرب من أملاكهم واستثماراتهم إبّان سنوات الحرب المؤلمة. لكنّهم مع انتهاء هذه الحرب عادوا للاستثمار في بلدهم، وأسهموا في إعادة بنائه، وكان العامل الأساس لذلك هو الثقة بلبنان وباقتصاده الحر. وبعد الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، وخسارة اللبنانيين مقيمين ومغتربين لودائعهم، تبدو عودة الاستثمارات الاغترابية صعبة، رغم الجهود التي تبذلها الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم على هذا الصعيد.

عقدت الجامعة المؤتمر الاقتصادي الاغترابي في بيروت في آب 2022، وقد اتخذ المؤتمر توصيات عديدة لمساعدة لبنان، ومنها توصية بإنشاء الصندوق الاغترابي، التي تبنّاها مؤتمر الجامعة العالمي في شباط 2023 في المكسيك، وتمّ وضع الأسس لهذا الصندوق الذي يهدف إلى تقديم المساعدة لمشاريع في الأرياف، على أن يُستكمل وضع مندرجاته الإدارية والقانونية والمالية، وسيرى النور في القريب العاجل.

 

ثقة وأمل

للمغتربين دور مهم في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان والتخفيف من تداعياتها، فأموال صندوق النقد الدولي والصناديق الدولية ليست سوى ديون، وعودة الثقة ضرورية لعودة استثمارات المغتربين وأموالهم إلى لبنان من جديد، ما يشكل بارقة أمل لحل الأزمة.