تكريم

المجلس الثقافي في بلاد جبيل يكرّم مؤسسيه

مجرد تحية من زمن الحصاد
تحت عنوان " مآثركم منائر التكريم" كرم المجلس الثقافي في بلاد جبيل مؤسسة الاثنين والعشرين في حفل حضره مدير عام وزارة التربية الدكتور فادي يرق ممثلاُ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وممثل الرئيس أمين الجميل، وممثل العماد ميشال عون، بالإضافة الى نواب المنطقة ورؤساء أحزاب وبلديات وفعاليات ثقافية وقضائية ودينية واجتماعية وجمع من المدعوين.
أقيم الاحتفال في مسرح البطريرك الحويك "جبيل" بمشاركة اوركسترا موسيقى قوى الأمن الداخلي بقيادة النقيب انطوان طعمه وحضور الرائد زياد مراد. وعزفت الفرقة اولاً النشيد الوطني ثم قدمت خلال الكلمات وفي الختام، مقطوعات رحبانية ورافقها في بعض الأغنيات الفنان الجبيلي شادي عيدموني.

 

إفتتاح وكلمات
تولّت التعريف افتتاحاً المهندسة المعمارية ماري تريز مرهج (مسؤولة الإعلام) ونمر نمر (نائب الرئيس) الذي قال في كلمة التقديم:
«جبيل والثقافة موانئ مد ونُزْرُ جزر. معلمو معلمي العالم، هنا مطلُّهم، الذي بعدهم، جمراً تحت الرماد خبى. منه انطلقتم... خبأتم لآلئ الكلِم في أكياس الفقراء، وبالجنى أطللتم على الدُنى. أربع وأربعون سنة على العلم والخبر... في مجلسكم الأول جمعتم الثقافة وجبيل معاً، مجدداً؛ وما وضعتم سراجاً تحت مكيال. كنتم معاً والستينيات ثورات جمال في كل مجال. لها فقدُها والنوستالجيا. في لحظات الرجوع، تغمرنا أجنحة الذكريات باسمة دامعة كموناليزا رسمتها ريشة الوقت المتداعي على حيطان السيَر وحفافي الصور. فِكر يأخذنا على رحيلكم، وفكر يردّنا الى بقائكم. لكنكم لم تغادروا، أليس كذلك. ها مآثركم منائركم تعود إلينا عند الحصاد، حين امتشاق السنابل... حين تكدّس العُمر. بغلال أعمالكم وغلالة السنين نغادر البيادر. نغربل أفكاركم وتذكارات وما كُتب. في المعجن خميرة... ويختمر العجين ويتقمّر خبز الحنين.
إنكم الآن هنا في اختلاجات رفيقة درب، تستدعي في ذكرى تأسيس رابطة، بدايات رابط آخر جمع اثنين. إنكم الآن هنا في عيون أولاد وأحفاد، في جيناتهم تسكنون من الماضي، ليأتي - مهما تأخر - الآتي. إنكم الآن هنا في اشتياق أقارب وأحباب وأصحاب وطلاب، تعيدون إلينا لحظات حب كأنها شمع الهياكل. على أضواء مَن حضروا نعبر الى أفياء من رحلوا... وربما نغار من الذين عرفوهم مجتمعين، لكنها بريئة هذه الغيرة.
ها نحن نؤم حفل التكريم - يا الثلاثة الباقون من زمن التأسيس - ولا خيل عندنا نهديها... غير أن الفرح يغمرنا لأننا أدّينا تحيتنا عرفاناً، وأنتم أحياء بيننا ترزقون، متمنين لكم العمر مديداً. ها نحن نقف معكم في استعادة الغياب. أنروح نلملم أوراقاً تناثرت سهواً هنا وهناك، أم بتحية نكتفي لأن بذوراً لهم نبتت جذوراً في السماء، وتغلغلت في عروق العمل الثقافي فاستحال سمات في جينات الحضارة؟ منكم تعلّمنا أن المجلس عمل تطوعي لا يفتعل المظهر والمنبر، بل طبيعياً إليه ينساب كي يكون الإثمار من مسك وعنبر.
أجمل العطاء عطاء بلا سؤال... هل سألت الأزهار يوماً عن عطرها والطيور عن لحنها والريشات عن لونها؟ وهل القلم سأل عن ألم له سال؟ لا تُقاس الأعمال بالأعمار. ولا تُقام صلاة الاستسقاء في الأرض المطيرة. ولا الشجر قادر على خزن كل مطر العاصفة... ولكن هذه مجرد تحية متواضعة منا، من زمن الحصاد».
ثم كانت كلمة رئيس المجلس الثقافي الأستاذ طنوس نصار وفيها:
«يشرّفنا في الهيئة الإدارية الجديدة للمجلس أن تكون باكورة أعمالنا تكريم مؤسسي المجلس الثقافي في بلاد جبيل، ويزيدنا إيماناً بقناعاتنا حضور فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان ممثلاً بسعادة الدكتور فادي يرق. يوم زرنا فخامة الرئيس في القصر الجمهوري أوصانا بالاستمرارية والوفاء، وها نحن اليوم نجمع صدى الأقلام والحناجر في جعبة الأيام والضمائر، صدى إبداع المؤسسين بالفكر والفن والعلم، فصاروا لوناً خمرياً وعطراً عابقاً لحدائق جبيل، وصارت لهم جبيل سوراً من الثقافة يحمي مآثرهم ويصون إبداعهم ويقرّ لهم بالجميل.
لم يبقَ من هؤلاء الكبار إلا ثلاثة أطال الله بعمرهم: السيدة عبلة أبي عبدالله والمحامي فيليب أبي فاضل والأستاذ فكتور الهاشم، وما زالوا يضيفون الى ذلك الصدى نغماً مباركاً يختلط بأجراس الكنائس وتكبير المآذن وهي تتعانق في سماء جبيل».
وألقى المحامي فيليب أبي فاضل كلمة المؤسسين وفيها:
أقف أمامكم بشعورين متناقضين: أسف وحزن، ورضى وامتنان. الأول، أن أقف متكلماً في تكريم رفاقي مؤسسي المجلس الذين سبقوني إلى الدار الأخرى، فتراجعني صورهم صورة صورة من عهد ما سبق التأسيس إلى عهد التأسيس إلى اليوم الذي رحلت فيه الوجوه وجهاً بعد آخر، غير أن ما يعزّي هو أنهم عاشوا مستقيمين مخلصين لمؤسستهم ومحبتها وملتزمينها، فخورين بمسيرتها نادمين على أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا أكثر، لا لنقص في قدراتهم الثقافية والمعرفية بل لضعف الموارد. أما شعور الرضى والامتنان فمصدره المؤسسة نفسها ومسيرتها المرفوعة الرأس المستقلة الملتزمة الرافضة الإلزام.
أما سيرة التأسيس، فباختصار كلي قد بدأت على أثر ما عرف يومذاك بثورة 1958 إذ تنادت مجموعة مثقفة من منطقة جبيل يتقدّمها الرئيس الأول المرحوم نسيب عازار، عاقدة عدة إجتماعات لتأسيس «رابطة ثقافية» لبلاد جبيل. واللافت في المؤسسين أنهم لم يدخلوا الحديث السياسي الى المجلس في يوم من الأيام، ولم يمتنعوا بالمقابل في يوم عن البحث في فلسفة السياسة. هكذا هي الثقافة، تهتم بالكليات ولا تنزلق إلى مزالق الجزئيات، تبحث المبادئ والأسس، وتبتعد عن الحالات الخاصة التي تُعرف في عالم التلمذة بـ«الاستثناءات».

 

فيلم وكتيب ودروع
ختاماً، عُرض فيلم وثائقي يلخص حياة المؤسسين كما وُزَع كتيب يضم بعضاً من سيَرهم وصورهم. وقالت المهندسة مرهج تمهيداً لتقديم دروع الوفاء للمؤسسين: «أن تكرمهم: الوفاء مواكب ورد. التقدير تعب أيام أثمر ولن ينسى. أن تكرمهم، الواجب أن يبقى أثرهم ذخائر في القلوب. كم هو جميل أن نتذكّر مَن عمل في سبيل استنهاض مجتمع، مَن أسس مجلساً ثقافياً ليجمع نخبة من أهل الفكر والرأي تكوكبت حول نهج فكري سليم، وتعملقت كفورة غضب في وجه الظلم لتبقى الكلمة الحرة زعيمة كطهر المحبة ونبل السلم. أن تكرمهم، أعط وعداً بأن تحافظ على ما رسموه، وأن يبقى المجلس خليّة نحل. أن يبقى المجلس حالة ثقافية مستمرة فالكلمة الحرة إن لم تطلق كما الفرح لا تشع ولا تنبئ. الكلمة المرتهنة حبر مسموم. أيها المؤسسون، ما أخذنا منكم إلا مواقف كأجنحة نسور وما كتبنا إلا بما كتبتم بحبر أسود نوره مضيء».
والمؤسسون هم: الناقد نسيب عازار (1904 - 1982) والشاعر شكرالله الجر (1905 - 1975) والشاعر فؤاد ضومط (1907 - 1972) والطبيب جورج باسيل (1911 - 1975) والصحافي بديع شبلي (1911 - 1991) والأديب ڤكتور باسيل (1914 - 1996) والنحات حليم الحاج (1915 - 1990) والكاتب جوزف الهاشم (1918 - 1996) والشاعر نعيم يزبك (1919 - 2006) والاقتصادي مروان نصر (1920 - 2003) والشاعر أديب صعيبي (1921 - 1986) والإقتصادي منير برباري (1921 - 2007) والأديب سمير شيخاني (1923 - 2006) والقاضي نديم عبود (1924 - 2004) والمفكر الفلسفي نسيب نمر (1925 - 2001) والإقتصادي عبد الجليل ناصر (1926 - 2002) والمربية عبلة أبي عبدالله (1926) والمحامي إميل يزبك (1927 - 1983) والمهندس لويس قرداحي (1929 - 1992) والصحافي يعقوب خليفة (1930 - 1996) والمربي ڤكتور الهاشم (1931) والمحامي فيليب أبي فاضل (1937).