عراقة وأصالة

المطبخ اللبناني قصة نجاح وتميّز
إعداد: د. تراز منصور

د. تراز منصور

مَن لم يعشق الأطباق اللبنانية لحظة المذاق الأول؟ عشاق مازات المطبخ اللبناني وأطباقه، هم من كبار الذوّاقة، وهم كل السياح الذين يفِدون إلى لبنان من مختلف وجهات الأرض وثقافاتها، للاستمتاع بجماله وسحره، وبموائده أيضًا. وها هو المطبخ اللبناني يغزو العالم ويحقّق أعلى المراتب، إذ احتلّ المرتبة الأولى عربيًا والخامسة والعشرين عالميًا، بعد تقييم أطباقه الشهيرة وفق موقع Taste Atlas وهو دليل سفر على الإنترنت. وقد جاء تصنيفه السنوي من أفضل مطابخ العالم للعامَين 2023 و2024 استنادًا إلى عدة عوامل، من بينها جودة الطعام وتنوّعه وسهولة الوصول إليه.

 

أصناف وأطباق تحظى بشعبية واسعة

يتميّـز المطبخ اللبناني باليخاني على أنواعها، وتجذب مازاته الشهيرة الباردة والساخنة المتذوقين على اختلاف ثقافاتهم. في طليعة المازات الباردة نجد: الفتوش، التبولة، البابا غنوج، الحمص بالطحينة، ورق العنب بالزيت… وللمازة الساخنة شعبيتها أيضًا، كما أضيف إلى وجبات المطبخ صحن يومي متعدد الأصناف والنكهات.

 

حلويات المطبخ اللبناني

تتنوّع حلويات المطبخ اللبناني بأشهى الأصناف ومنها: البقلاوة على أنواعها، زنود الست، القشطلية، القطايف بالجوز أو بالقشطة، المفروكة بالقشطة، التمرية، المدلوقة، الأرز بالحليب، عيش السراي، العثملّية، ليالي لبنان…

تعود جذور المطبخ اللبناني إلى العصور القديمة قِدَم الحضارات المختلفة التي تعاقبت في لبنان على مرّ العصور. وتُعدّ الحضارة الفينيقية من أهمّ العناصر التي تركت بصمتها في المطبخ اللبناني، إذ شهدت وضع تقنيات خاصة بالزراعة واستخدام الأعشاب الطبيعية فضلًا عن التوابل التي تاجر بها الفينيقيون.

يُعتبر لبنان بلدًا سياحيًا بامتياز بفضل تنوّع الفصول فيه واعتدال مناخه بالإضافة إلى جمال طبيعته وغناه بالآثار، وهذا ما دفع كثيرين إلى الاستثمار في القطاعات السياحية والفندقية في المناطق اللبنانية كافة. مما لا شك فيه، ان قطاع المطاعم في لبنان يمثل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد، حيث يساهم بشكل كبير في خلق فرص العمل وتعزيز الســياحة. ويعتبر هذا القطاع محركاً رئيســيًا للنمو الاقتصادي، إذ يدعــم الكثير من القطاعات المحلية مثل الزراعة، والصناعة، والنقل، والتجارة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب دورًا بارزًا في تعزيز الثقافــة و الحفاظ على التقاليد.

ومع انتشار المطاعم بأطباقها المميزة ومازاتها الشهيرة في المناطق التي يقصدها السياح، حقّق المطبخ اللبناني شهرة واسعة وبات من أهم عوامل الجذب السياحي.
يؤكدّ الشيف أنطوان الحاج لمجلة «الجيش» تَشابُه أطباق الطعام على ساحل شرق المتوسط الممتدّ من طرطوس إلى فلسطين. ويوضح أنّ غنى لبنان بالحبوب والخضار والبقوليات، دفع شعبه إلى ابتكار عدة أطباق من هذه المكوّنات، وهي أطباق شهية وصحية في آن.

 

أجيال من المتخصصين
مع نمو قطاع المطاعم والفنادق برزت الحاجة إلى متخصصين في هذا المجال، فتأسست ”المدرسة الفندقية“ سنة ١٩٥٨ في منطقة الدكوانة وجرى افتتاحها في العام ١٩٦٢، وهي من أولى المدارس الفندقية في الشرق الأوسط.

وجّهت الحرب التي اندلعت في لبنان خلال العام 1975 ضربة قاسية إلى القطاع السياحي كما سائر القطاعات، لكنّ المدرسة الفندقية كما يخبرنا الشيف أنطوان، استمرت في تخريج طلاب متخصّصين في فن الطبخ اللبناني، وإدارة الصالات وخدمة الزبائن، بمعدل 200 متخرّج سنويًا.

 

هجرة الطهاة وانتشار المطبخ اللبناني عالميًا

خلال الأحداث، اضطر عدد كبير من الطهاة اللبنانيين إلى مغادرة لبنان، فانتشروا في أصقاع المعمورة، وباتوا سفراء المطبخ اللبناني في الدول التي أقاموا فيها، فعملوا في مطاعم لجاليات لبنانية أو أنشأوا مطاعمهم الخاصة في منطقة الخليج العربي ومصر والأردن، وفي أميركا وأوروبا… وبنتيجة الهجرة سُجِّلَت قصة نجاح للمطبخ اللبناني الذي أدرجت أصنافه في قائمة مأكولات أهم الفنادق والمطاعم في العالم، نظرًا إلى احتواء أطباقه كثيرًا من الخضراوات والبقوليات… وهو يعتبر مطبخًا صحيًا بامتياز. ولفت الشيف أنطوان إلى أنّ طريقة تقديم الطهاة اللبنانيين لأطباقهم تتميّز بلمسةٍ من الإبداع والذوق والرقي والكرم، وهذا ما يسهم أيضًا في جعل هذه الأطباق مرغوبة جدًا.

وفي السياق نفسه أشار إلى حيازة عدة أصناف في المطبخ اللبناني جوائز عالمية ومنها الحمص بالطحينة، الشاورما، والفلافل.

 

سفير للبنان وهويته

بدوره، يتحدّث رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي عن قصة نجاح المطبخ اللبناني واعتبره سفير لبنان في العالم وهويته، وأشار إلى تضمين أصناف الأطباق اللبنانية في قائمة المأكولات في أهم الفنادق والمطاعم العالمية، كالتبولة والفتوش والحمص بالطحينة…

ويوضح الرامي أنّ المطبخ اللبناني تأسّس في العام 1818 في منطقة البردوني في زحلة على فكرة المازة اللبنانية، ثم بات لكل قرية وبلدة النكهة و«النفس» الخاصَّين بها، بدءًا من المقبّلات الباردة والساخنة، والقواطع كورق العنب والهندباء، إلى التنوع في الفتوش والتبولة وسائر السلطات والحلويات. ويُعتبر المطبخ اللبناني مميزًا بأطباقه الصحية والخفيفة Med diet وبتعدّد النكهات الشهية.

ويرى الرامي أنّ المطبخ اللبناني جزء من هويتنا الثقافية وتراثنا، وهو من العلامات التجارية العالمية ويصدّر اليد العاملة الشابة والمتخصّصة في فن الطبخ، وقد بات انتشار المطاعم اللبنانية في العالم واسعًا، لا سيّما في فرنسا…

مطبخنا اللبناني هو أحد وجوه التعبير عن ثقافتنا وقيمنا وارتباطنا بأرضنا وجذورنا، ومن الضروري أن نسعى ليس فقط إلى تعزيز انتشاره في العالم، بل أن نعوّد أولادنا على تناوله منذ الصغر، وأن نشرح لهم أنّه طعام صحي بخلاف كثير من الأصناف المستوردة التي تستهويهم.