- En
- Fr
- عربي
إدارات ومؤسسات
سعى الرئيس فؤاد شهاب خلال عهده، إلى إرساء دعائم دولة المؤسسات وتحديث الإدارة العامة في لبنان. فدعا العالِم الاقتصادي والإنمائي الأب لويس جوزف لوبريه، منشئ مؤسّسة «إيرفد» ورئيسها، للقيام بعملية مسح شامل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ونتج عن ذلك وضع برنامج إنمائي كان الأول من نوعه في لبنان، وهو ما عُرف بخطة بعثة «إيرفد». وفي هذا السياق، أصدر الرئيس شهاب 150 مرسومًا اشتراعيًا من بينها مرسوم إنشاء المعهد الوطني للإدارة والإنماء، في العام 1959.
للتعرّف أكثر إلى هذا المعهد ودوره في تنمية الإدارات في لبنان، كان لـ«الجيش» لقاء مع رئيس مجلس إدارته البروفسور جورج لبكي.
معهد للمميّزين
يستهل البروفسور لبكي حديثه قائلًا: كان المعهد يستقطب منذ بداية تأسيسه، تلامذة من أهم الجامعات اللبنانية وأكثرها عراقة، لأنّ العمل في القطاع العام كان يجذب الشباب، خصوصًا وأنّ الرواتب كانت جيّدة جدًا، وكان الإداري يعمل بمهنية من دون التأثر بأي ضغوطات. كانت إدارة المعهد تابعة لمجلس الخدمة المدنية، وبقي ناشطًا حتى التسعينيات حين مرّ بفترة جمود بسبب الأوضاع العامة في البلد. ثم عاود نشاطه، إلى أن تحوّل في العام 2000 من إدارة مركزية إلى مؤسّسة عامة ذات شخصية معنوية تتمتّع بالاستقلال المالي والإداري، تحت اسم المعهد الوطني للإدارة Ecole Nationale D’administration - ENA، وهو يخضع لوصاية مجلس الخدمة المدنية.
صلاحيات
عن مهمات المعهد يقول البروفسور لبكي: يُعنى المعهد الوطني للإدارة بإعداد موظفين للإدارات العامة على مستوى فئات الملاك الإداري العام (الثانية والثالثة والرابعة).
كذلك، يقوم المعهد بتدريب موظفي الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات المشمولة بصلاحيات مجلس الخدمة المدنية، إضافة إلى التعاون مع معاهد الإدارة العامة في الدول العربية والأجنبية التي ترتبط مع الدولة اللبنانية باتفاقيات تبادل الثقافة والمعلومات. وهو ينظّم الاجتماعات والندوات والأبحاث والدراسات في مختلف فروع الإدارة العامة، ويصدر منشورات وكتبًا ومجلات... في مواضيع تهمّ الإدارة العامة وتعالج مشاكلها.
يتولّى إدارة المعهد مجلس إدارة يتألّف من رئيس وخمسة أعضاء يُعيَّنون بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
التدريب هو أساس الإصلاح...
يشدّد البروفسور لبكي على أهمية الدور الذي يؤدّيه المعهد الوطني للإدارة في تحصين الإداريين بأخلاقيات المهنة والمعرفة على حدّ سواء، بهدف تنشيط عملية الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.
صحيح أنّ الإصلاح الإداري يقتضي وجود قرار سياسي، لكنّ تنفيذه بحاجة إلى موظفّين أكفّاء، شفّافين، أصحاب اختصاص وذوي مستوى مهني رفيع، لإعادة النظر في الهيكليات والصلاحيات والتشريعات، وأداء العمل المطلوب، لذا تعتبر عملية الإصلاح الإداري متلازمة مع تدريب الإداريين.
إلى ذلك، تشهد الإدارة اليوم ثورة هائلة، فعلم الإدارة هو في تطوّر دائم، وبات يضمّ مفردات جديدة لم تكن موجودة سابقًا، مثل: الحكومة الإلكترونية، تبسيط المعاملات الإدارية، إعادة النظر بالهيكليات، الانتقال من إدارة الموظّفين إلى إدارة الموارد البشرية، تحفيز الموظف العام، التخطيط للحاجات الوظيفية المستقبلية، وإعداد كوادر تتمتّع بالكفاءة لتسلّمها... إنها عملية متواصلة.
فقد تحوّلت الإدارة منذ التسعينيات وحتى اليوم من إدارة تقليدية تكتفي بالتقيّد بالقوانين والأنظمة، إلى إدارة تتوخّى تحقيق الأهداف المرسومة وأفضل النتائج. فمن حق المواطن أن يحصل على أفضل خدمة، بأسرع وقت، وأفضل نوعية، وبأقل كلفة ممكنة. وللوصول إلى هذه النتائج لا بد من إعداد الإداريين.
أساليب التدريب
يتمّ التدريب في المعهد من خلال طريقتَين: الإعداد الأساسي (Formation Initiale) والتدريب المستمرّ (Formation Continue).
الإعداد الأساسي يتابعه الموظفون الجدد الذين نجحوا في مباراة أجراها مجلس الخدمة المدنية. وهؤلاء يحتاجون إلى تدريب قد يمتدّ لفترة سنتَين. فإن من المهمات الأساسية للمعهد، تدريب الطلاب الذين ينجحون في مباراة الفئة الثانية في الإدارة العامة (من حَمَلة الإجازات في الحقوق أو ما يعادلها). وهؤلاء يصبحون رؤساء دوائر، ويلتحقون بالإدارات العامة المركزية (الوزارات).
في ما يتعلّق بالتدريب المستمرّ، ينظّم المعهد دورات تتيح لمن يتابعها بأن يُرفَّع إلى فئة أعلى. فبعد متابعة دورة تدريبية في المعهد، يُدرج اسمه على جدول الترفيع. ويتمّ اختيار رؤساء المصالح من بين رؤساء الدوائر الذين أتمّوا دورة الترفيع هذه في المعهد.
ينظّم المعهد أيضًا دورات تدريبية لمصلحة مختلف المؤسّسات العامة، ويتمّ التنسيق مع المؤسّسة في ما خصّ برنامج التدريب الذي ينطلق من حاجاتها التدريبيّة.
مواد متخصّصة
مواد التدريب عديدة وحديثة، فبالإضافة إلى علم الإدارة Management، هناك مواد مثل: لغة الجسد، الإدارة تحت الضغط، إدارة محيط الموظف، الإبداع في الإدارة... وجميعها مواد متخصّصة، دخلت حديثًا إلى المناهج ومعظمها لا يُدرَّس حتى في أهم معاهد الإدارة.
يقوم بالتدريب أساتذة جامعيّون، وقضاة كبار وقادة في مجال الإدارة (في الخدمة أو متقاعدين)، وأشخاص يتميّزون بالإبداع ويملكون خبرة واسعة.
دورات فريدة
ينظّم المعهد اليوم دورات فريدة من نوعها، مثل دورة الدبلوماسيين الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية، وهي الدورة الأولى من نوعها منذ تأسيس المعهد. ففي العام 1964، تابع دبلوماسيون عرب (عمرو موسى ورياض جمعة وغيرهم)، مجموعة محاضرات فيه. أمّا الدورة الحالية فتكتسب أهمية مزدوجة: تخصّص المواد من جهة، والتدريب من جهة أخرى.
تتضمّن هذه الدورة المواد الآتي ذكرها: البروتوكول والعلاقات العامة، إدارة البعثات الدبلوماسية، مالية السفارات، أعمال القنصلية, Savoir - vivre Etiquette وكلها مواد لا تُدرَّس في كتب تقليدية أو جامعية، بل يدرّب عليها أشخاص ذوي خبرات عملية وعلمية. من هنا لجأ المعهد إلى التعاون مع منتدى سفراء لبنان الذي وفّر عددًا من السفراء المتقاعدين يُغنون الطالب بعلمهم وخبرتهم في هذا المجال، إضافة إلى الاستعانة بجامعيين ومتخصّصين في مواد أخرى، كالإدارة العامة والمراسلات الإدارية.
يعطي المعهد إفادات في نهاية كل دورة، ويأمل البروفسور لبكي أن يتحوّل إلى مؤسّسة جامعيّة تعليميّة في الإدارة، فالدروس فيه توازي إجازة الماستر من حيث عدد المواد.
شروط الالتحاق بالمعهد
هناك شروط تتعلّق بالفئة والرتبة والأقدمية، بالإضافة إلى موافقة إدارة الموظف على التحاقه بالمعهد. ثمّة جداول تضمّ أسماء من يستوفون الشروط، والمعهد يعمل بأقصى طاقاته للتجاوب مع الحاجات، وفق برامج تدريبيّة بعضها يمتدّ حتى العام 2018.
ويضيف لبكي: هدفنا أن يصبح التدريب إلزاميًا لجميع موظفي القطاع العام، فيتحقّق إصلاح إداري فعلي وحقيقي بالتعاون مع أصحاب القرار.
اتفاقية مع الجيش
وقّع المعهد حديثًا اتفاقية مع المؤسّسة العسكرية يتمّ بموجبها التعاون بينهما من خلال طريقتَين، الأولى، ورش العمل التي تُدعى إليها المؤسسات والإدارات المعنية، ومنها الجيش. والثانية دورات متخصّصة، أولها في مجال «المفاوضات الفعّالة في العلاقات الدولية»، وقد بدأ العمل بها.
هذه الدورة فائقة الأهمية نظرًا للعلاقات التي تربط الجيش بعدد من الدول، والاتفاقات الدولية المُبرمة بينه وبينها، في عدّة مجالات. يتابع هذه الدورات عشرات الضباط من مختلف وحدات الجيش، والهدف منها هو اكتساب مهارات التفاوض. أمّا المواد التي يتابعها الضباط في هذه الدورة التي تمتدّ على أسبوعَين، فهي الآتية: القانون الدولي العام، المعاهدات الدولية، العلاقات الدبلوماسية، لغة الجسد في التفاوض، الوسائل البديلة لحل النزاعات، الشخصية القيادية للمفاوض، المفاوضات المحلية والدولية، وآلية وضع الاتفاقات.
ويؤكّد البروفسور لبكي أن التعاون مع الجيش مستمرّ، وهذا الاتفاق يفتح المجال أمام تبادل الخبرات التعليمية وتنظيم ورش العمل والمؤتمرات المشتركة.
اتفاقيات أخرى
إلى ما سبق، يضيف البروفسور لبكي: لقد وقّعنا اتفاقيات مع دول أجنبية لتبادل الأساتذة والخبراء بالمواد التعليمية والمؤتمرات. نحاول تفعيل هذه الاتفاقيات ولكن تركيزنا بالدرجة الأولى هو على الإدارات والمؤسسات العامة اللبنانية، فدورنا الرائد هو العمل في خدمة هذه الإدارات المحلية بالتوازي مع العلاقات الدولية. ونحن بصدد توقيع اتفاقيات أخرى مع منتدى سفراء لبنان ومع عدد من المؤسسات العامة والجامعة اللبنانية، لتبادل الخبرات والتجارب.
ويختم البروفسور لبكي حديثه مشيرًا إلى أن المعهد الوطني للإدارة هو أداة أساسية في العمل الإنمائي الذي يبقى الوسيلة المثلى والوحيدة لصهر المواطنين في بوتقة وطنية واحدة. فحين تنتشر ثقافة التنمية بين الناس، يشعرون بالعدالة والمساواة والأمان، ويتخلّون عن ولائهم للطوائف لمصلحة الولاء المطلق للوطن.