بيئتنا

النادي اللبناني لليخوت من الرياضة الى البيئة
إعداد: ليال صقر

«حملة النقيب الطيار الشهيد سامر حنّا للتحريج من الجوّ»
تقنية غير تقليدية لإعادة تكوين الغطاء الأخضر

أطلق النادي اللبناني لليخوت بالتعاون مع وزارة البيئة «حملة النقيب الشهيد الطيار سامر حنّا للتحريج من الجوّ». هدف الحملة تحريج المناطق المحروقة في لبنان، وهي تندرج في سياق إستراتيجية جديدة يعتمدها النادي في مواجهة الكوارث التي تتعرّض لها
غابات لبنان وأحراجه.
لماذا التحريج من الجوّ؟
وكيف تتم هذه العملية وما هي نسبة نجاحها؟
رئيس النادي اللبناني لليخوت يتناول التفاصيل معرّفاً بالنادي الرياضي المندفع الى المساهمة في الحفاظ على البيئة ونشاطات أخرى.


من الرياضة الى البيئة
تأسس النادي اللبناني لليخوت في آب 2005، وهو يعنى أصلاً بالنشاطات الخاصة بالمراكب البحرية في لبنان، وينظّم السباقات.
رئيس النادي هو الكابتن البحري ربيع سالم الحائز شهادات محلية ودولية (بطل لبنان عن فئة الألواح الشراعية العام 1995) يعاونه على إدارة النادي فريق عمل متكامل ومتميّز في عمله.
منذ إنطلاقه سعى النادي الى تحويل هواية ورياضة حيازة اليخوت والألواح الشراعية (وما يتعلّق بهذه الرياضة) من رياضة للأغنياء الى رياضة بمتناول الفئات الإجتماعية كافة. وفي هذا الإطار يأتي إنشاؤه مدارس مجانية تعلّم المهتمين رياضتي الإبحار والملاحة البحرية (من هذه المدارس مدرسة الـ«Sailing School» في البترون).
وبالعودة الى حملة النادي أو النشاط الأخير الذي اضطلع به، وهو كما سبق وذكرنا حملة «النقيب الشهيد الطيار سامر حنّا للتحريج من الجوّ»، يشرح الكابتن سالم أنها تهدف الى رشّ بذور مؤهلة زراعياً في المناطق الحرجية التي طالتها الحرائق في المواسم السابقة. تقدّر المساحة المزروعة اليوم بـ3 ملايين و500 ألف متر مربع،  بحيث يتمّ رشّ كمية تغطي مساحة تراوح بين 400 ألف الى مليون متر مربع في كل طلعة. وقد تمّ اختيار تقنية الرشّ من الجوّ لاختصار الوقت وتكثيف عملية الزراعة، وللوصول الى المناطق التي يتعذّر الوصول اليها بالوسائل التقليدية، والتي إذا تكبّدنا عناء الوصول اليها للزراعة مرة، فلن نتمكن من الوصول اليها ثانية لريّها. أما في ما خص تكثيف الزراعة فيكفي القول إنه في كل طلعة يتمّ رشّ 600.000 حبة صنوبر إذ تتّسع الطائرة لحمولة نصف طن من بذور الصنوبر ويمكنها نثر 8 ملايين حبة لأن الطن الواحد يتألف من 16 مليون حبة.
«الحاجة أمّ الإختراع»، مرة جديدة يطابق هذا المثل الواقع، فقد استطاع القيّمون على الحملة بالتعاون مع المؤسسة العسكرية إبتكار جهاز لرشّ البذور. فالأجهزة الجديدة التي تمّ إحضارها من الخارج تعذّر تركيبها على طوافات الجيش بسبب عائق تقني، كما أوجب إبتكار جهاز يتلاءم مع الإمكانات المتاحة. وقد تمّ تركيب هذا الجهاز على الطوافات العسكرية بشكل يتيح الإستفادة من الهواء الذي تحدثه مروحيات الطوافة لنثر البذور بشكل أشمل.
الوصول الى هذه النتيجة تطلب جهوداً إستمرت أكثر من أربعة أشهر من التدريب والعمل مع قاعدة بيروت الجوية، قبل التأكد من صلاحية هذا الجهاز وهو الوحيد والفريد من نوعه في لبنان.

 

مميّزات التقنية الجديدة
أهم ما يميّز هذه الحملة أن البذور المستعملة محلية، أي أنها «بنت الأرض» وبالتالي تتأقلم مع التربة بسهولة، كما تستطيع تأمين الرطوبة التي تلزمها من الجوّ لتتقي العطش.
البذور التي تمّ نثرها من الجوّ، إستطاعت إجتياز المرحلتين الأولى والثانية من عملية الإنبات الطبيعية أي أنها غرست نفسها بالتربة أولاً، ثم نبتت لها غرسة صغيرة، هذا ما شهدته المناطق التي زرعت أولاً (كفيفان ورشميّا). يبقى للنباتات أن تجتاز المرحلة الثالثة وهي الأصعب (جفاف الصيف) لتكون عملية الإنبات قد نجحت 100٪، نسبة الشتول التي قطعت المرحلتين الأولى والثانية من هذه العملية وصلت الى 70٪ في كل المناطق، ويتوقع أن تؤثر حرارة الصيف على 40٪ من الشتول، لكن القيّمين على الحملة يعتبرون أنه يكفي أن تصمد نسبة 10٪ منها، لتكون الحملة حملة ناجحة نسبياً.
المناطق التي تمّ رشّها بالبذور حتى الآن هي: كفيفان، رشميّا، عندقت، القبيّات، كرم سدّة، البترون (جربتا - جران)، الدبية، دير القمر، القرعون، بكيفا وضهر الأحمر.
البذور المستعملة شملت الصنوبر الجوّي (70٪)، البلوط (10٪)، إضافة الى بذور الصنوبر البري، الخرّوب، العفص والسنديان...
تمّ شراء هذه البذور من السوق المحلي، أولاً لأنها تتلاءم مع طبيعة التربة في لبنان وتحترم خصائصها، وثانياً تنفيذاً لمعاهدة الأمم المتحدة التي تمنع شراء هذه المواد من السوق الخارجي. وقد تمّ شراء النوعية الأنسب، للحصول على أكبر نسب من الإنبات.

 

الدراسة التي سبقت الحملة والمساهمون فيها
أعدّت الدكتور ليديا عبيد المهندسة الزراعية الدراسة للحملة، ووسّعت دراستها لتشمل أصنافاً محلية أخرى كالبلوط والخروب والصنوبر البري، كما وضعت الدراسة بتصرّف بعض الصناعيين، لاستخراج حبّ الصنوبر البري من «الأكواز» تمهيداً لزراعتها السنة المقبلة. كذلك أسهمت منظمة الـFAO بتزويد القيّمين على الحملة معلومات إضافية تفيد منها لنتائج أفضل.
ويؤكد سالم:
«كان لتعاون قيادة الجيش دور أساسي في إنجاح الحملة، إذ لم يكن باستطاعة المختصين رشّ البذور من الجوّ لولا مساهمة قيادة الجيش بتقديم المروحيات العسكرية وتسخيرها لهذه الغاية. هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن المؤسسة العسكرية كونها شاركت في إطفاء المناطق المحروقة سابقاً، تعرف كيفية الوصول اليها مجدداً لتتمكن من نثر البذور فوقها.
أكثر من ذلك، تغيّرت مع هذه الواقعة نظرة المدنيين الى الهليكوبتر فقد كان تحليقها نذير  حدوث الحرائق، وإذا بها تظهر لتنشر الأمل بعودة الإخضرار الى مناطق خسرته.
وزارة البيئة أسهمت عبر رعاية الوزير الشخصية للحملة إذ اعتبرها من أولويات إهتماماته. كذلك, شارك الدفاع المدني في الحملة عبر تزويدها الخرائط الطوبوغرافية، عن المناطق المحروقة، إضافة الى مواكبة المدير العام للدفاع المدني العميد الطيار المتقاعد درويش حبيقة الحملة يوماً بيوم.
وايضاً، يعاون بعض الجمعيات اللبنانية لإنجاح الحملة، كما تعاونت بلديات المناطق وساهمت مدرسة الحكمة بنهار رمزي في رشميّا.

 

من الرياضة الى مدى أوسع
تحوّل نشاط النادي من نشاط رياضي الى نشاط إجتماعي ليشكّل رسالة من نادي اليخوت اللبناني الى كل المنظمات الأهلية في لبنان معنية كانت أم لم تكن بالنواحي البيئية، كي تعمل على الشقّ البيئي وبالتحديد على إعادة التحريج. وبالتالي يتمنى النادي أن تخصّص كل من هذه المؤسسات أو المنظمات قسماً من وقتها وجهودها لهذه الغاية. شعار الحملة بعنوان «Go To Green»، تفسيراً لما سبق.
تتوزّع نشاطات النادي بين نشاطات محلية وأخرى دولية. على الصعيد المحلي يذكر من نشاطاته: تنظيم بطولات وإقامة مدارس تعليم مجانية لرياضتي الإبحار والملاحة البحرية والمساهمة بمهرجانات صيفية على طول الشاطئ وإقامة نشاطات إجتماعية. يذكر هنا أن النادي كان من أوائل المبادرين الى تكريم شهداء المؤسسة العسكرية الذين استشهدوا في معركة نهر البارد، وذلك عبر زرع غرسات أرزٍ بأسمائهم في منطقة الأرز.
على مستوى النشاطات ذات الطابع الدولي، يسعى النادي الى تنظيم «يوم بيروت لليخوت» (Beirut Sailing day)، العام المقبل، حيث سيرسو عدد من السفن التاريخية (52 سفينة من العالم)، على طول الشاطئ اللبناني، نشاط يعتبر الأضخم من نوعه في تاريخ لبنان على المستوى السياحي، وستطلق خلاله السفينة الفينيقية التي يعمل النادي على إنشائها.

 

الحملة مقارنة بالطرق التقليدية
إذا قدّرنا مساحة المناطق المحروقة بـ217 ألف هكتار، فإن كلفة تشجير هذه المناطق بالطرق التقليدية تتعدى الـ300 مليون دولار، إنما من خلال الطريقة التي تعتمدها حملة «النقيب الطيار الشهيد سامر حنّا للتحريج من الجوّ»، أي عبر إستخدام المروحيات التابعة للجيش اللبناني في رشّ البذور من الجوّ، فالكلفة تقدّر بما بين 20 و30 مليون دولار فقط. والحملة التي بدأت أعمالها مطلع كانون الأول 2008 انتهت في الخامس من نيسان 2009، وكانت مناطق القرعون، بكيفا، ضهر الأحمر آخر المناطق التي تمّ نثر البذور فيها، على أمل توسيع عمل الحملة ودائرة نشاطها في السنة المقبلة لتشمل أصنافاً جديدة.