- En
- Fr
- عربي
طفولة وتربية
التواصل والحنان من أبرز عوامل تطويـر القدرات في الطفولة المبكرة
يخضع نمو الطفل جسدياً وذهنياً لتغيرات متسارعة في مراحل الطفولة المبكرة، لا سيما خلال الأشهر الأولى وصولاً الى عامه الأول.
ويختبر الوالدان طوال هذه الأشهر الكثير من المشاعر المختلفة من دهشة وفرح وتعجب فيما هما يراقبان نمو طفلهما ويعززان قدراته ومهاراته الذاتية.
من الشهر الأول حيث تكون ردود فعل الطفل طبيعية وعفوية، وحتى عامه الأول حيث تظهر بوضوح علامات تواصله وتجاوبه مع الآخرين، رحلة ممتعة في عالم الطفل مليئة بالتشويق والترقّب.
الطفل المولود حديثاً
ينام الطفل المولود حديثاً نحو 16 ساعة يومياً، ويقوم أثناء اليقظة بحركات جسدية هي عبارة عن ردود فعل أو انعكاسات لا إرادية صادرة عن جهازه العصبي.
من ضمن ردود الفعل هذه، رضاعة الثدي أو القنينة، تحريك الرأس أثناء الاستلقاء على المعدة، تقريب اليدين من العينين والفم، ومسك إبهام الآخرين والقبض عليه بإحكام.
في هذه المرحلة المبكرة جداً، يعبّر الطفل عن احتياجاته عبر وسيلة واحدة هي البكاء. وفيما يعتقد الأهل بداية أن بكاء طفلهم متشابه في جميع الأوقات، يكتشفون لاحقاً "نغمات" مختلفة يعتمدها وفقاً لاختلاف احتياجاته من طعام أو شراب أو إحساس بالوحدة أو الإنزعاج.
في جميع الأحوال، يفترض بالأهل الإستجابة لبكاء الطفل في هذه المرحلة بالكلمات واللمسات المهدئة بغية منحه الشعور بالحب والأمان.
وتجدر الإشارة الى أن الطفل في هذا العمر يفضل الأحاسيس الناعمة ويكره أن يمسكه أحد بقوة أو بشكل مفاجئ. ولعل أفضل طريقة لحمله هي بتقريب وجهه من وجه أمه، والتحدث إليه بنغمة ودية أو الغناء بصوت حنون لأن ذلك من شأنه تعزيز شعوره بالدفء والأمان.
الأشهر الثلاثة الأولى
ما إن تبدأ مرحلة النمو خلال الأشهر الثلاثة الأولى حتى يلاحظ الأهل تطورات مذهلة في قدرات طفلهم على الصعيدين الذهني والجسدي. فبعد غياب ردود الفعل اللاإرادية تدريجياً، يختفي أيضاً تشنج العضلات شيئاً فشيئاً ليبدأ الطفل ببسط يديه ورجليه براحة أكبر.
في هذه الفترة، يصبح بإمكان الطفل أن يرفع رأسه وصدره عندما يستلقي على معدته. كما يلاحظ الأهل أنه يفتح يديه ويغلقهما، ويضرب بعنف على الأشياء المتدلية، ويمسك بالألعاب ويهزها.
وفي إطار التفاعل مع الآخرين، ينمو إدراك الطفل لمحيطه، فيبتسم للوجوه والأصوات المألوفة، ويستمتع باللعب، كما يبدأ بالثرثرة وبتقليد بعض الأصوات وتعابير الوجه، في حين تلاحق عيناه الأشياء المتحركة.
خلال هذه الأشهر، يساهم الأهل في تطوير النمو الذهني والعاطفي لطفلهم عن طريق تهدئته وطمأنته باستمرار، والتحدث إليه بحنان أثناء الطعام أو الاستحمام أو خلال أي من النشاطات الخاصة به.
وبما أن الطفل بات أكثر إدراكاً، فمن المفيد إسماعه أصواتاً مختلفة (صوت الساعة، الريح، الموسيقى الخفيفة، الخ...)
ومناداته باسمه، إضافة الى إعطائه ألعاباً ناعمة الملمس زاهية الألوان.
بين الأربعة والستة أشهر
في هذه المرحلة تنمو القدرات الاجتماعية لدى الطفل وتصبح تحركاته هادفة وذات معنى. فهو يبدي تجاوباً لتعابير الآخرين السارة والحزينة، ويستمتع بالألعاب الإجتماعية، كما يبدي اهتماماً ملحوظاً بالمرآة. في موازاة ذلك، تنمو قدراته الجسدية، فيصبح بإمكانه الجلوس بمساعدة ثم من دون مساعدة، كما يحافظ على توازن رأسه فلا يميل الى الوراء إذا لم يسند، ويستطيع الطفل أيضاً في هذه المرحلة نقل الأشياء من يد الى أخرى والمجاهدة للوصول الى أشياء بعيدة عن متناوله. كما تتطوّر رؤيته للألوان، واستجابته للأصوات بإصداره أصواتاً وألحاناً، ويبدأ بمد يديه طلباً لأن يُحمل.
في هذه المرحلة، يساعد الأهل طفلهم على تطوير قدراته عن طريق تشجيعه على تقليد الأصوات، والضحك واللعب معه على الأرض، إضافة الى أخذه في نزهات خارج المنزل وتعريفه بأطفال وأشخاص جدد. ومن المفيد خلال هذه الأشهر قراءة القصص للطفل والإشارة بالإصبع الى الصور الموجودة داخل القصة، إضافة الى تشجيعه على اللعب بالدمى على أن تكون مصنوعة من القماش كي لا يصاب بالأذى.
بين السبعة والتسعة أشهر
إبتداءً من الشهر السابع، تتطوّر القدرات الجسدية لدى الطفل بصورة ملحوظة، فيصبح كثير الحركة ما يجعله عرضة للحوادث المختلفة، لذا فإن المراقبة المستمرة من قبل الأهل تصبح أمراً ضرورياً خلال هذه الفترة، خصوصاً وأن الطفل بات قادراً على إنجاز خطوات عدة من ضمنها التدحرج في مختلف الاتجاهات، والوثوب بسرعة لدى مساعدته على الوقوف، ووضع كل ما تطاله يداه في فمه، إضافة الى قدرته على الشرب بواسطة الكوب. كذلك يتمكن الطفل خلال هذه الفترة من التقاط الأشياء مستخدماً كلتي يديه في البداية وصولاً الى استخدام الإبهام والأصابع في نهاية الشهر الثامن.
وتشهد هذه المرحلة تطوراً لغوياً لا بأس به خاصة وأن الطفل بات قادراً على التلفّظ بعبارتي "ماما" و"بابا" حتى ولو لم يطلقهما على الشخص المناسب. يرافق هذا التطوّر نمواً ملحوظاً في إدراك الطفل، فهو الآن يستجيب عند مناداته بإسمه، ويفهم بعض الكلمات التي تقال له خاصة كلمة "لا". اضافة الى ذلك، فهو يستجيب لبعض الأوامر البسيطة إذا ما رافقها دليل على كيفية تنفيذها، كأن يطلب إليه مثلاً إحضار الطابة مع الإشارة إليها بالإصبع.
أما المميز في هذه المرحلة فهو قدرة الطفل على جذب الإنتباه من خلال السعال والشخير المفتعلين.
كيف يمكن تطوير قدرات الطفل في هذه المرحلة؟
يتم ذلك عبر خطوات عدة، أبرزها ما يلي:
- تزويده بالألعاب التي تغنّي أو تصدر أصواتاً وأضواء.
- اللعب معه أمام المرآة ومناداته باسمه أثناء النظر الى انعكاس صورته فيها.
- التحدث إليه ثم التوقف لبرهة بانتظار أي نوع من الاستجابة، كما لو أن الحديث يتم بين راشدين.
- تسمية الأشياء أو النشاطات أثناء القيام بها، مثلاً: الآن سأطعمك هذه التفاحة.
- تدريب الطفل على الشرب بواسطة الكوب، وتحديد موعد ثابت للاستحمام والنوم.
بين العشرة أشهر والإثني عشر شهراً
مع تزايد نمو الطفل، يلاحظ الوالدان تطوراً مستمراً في قدراته على مختلف الأصعدة. من الخصائص التي تميّز هذه المرحلة، قدرة الطفل على الوقوف مستنداً الى الأثاث المنزلي، وقد يتمكن بعض الأطفال من التنقل داخل الغرفة بالطريقــة نفسهــا، كما يمكـن لآخريــن المشـي فيما هم يمسكون بأصابع أحد الراشدين، أو حتى من دون مساعدة الآخرين.
في هذه المرحلة يمكن للطفل أيضاً أن يدحرج الكرة ذهاباً وإياباً، وأن يلتقط بعض أنواع الأطعمة بيديه ويتناولها بمفرده.
وبالنـسبة الى ساعات النوم، فهي تشمل عادة قيلولتين نهاراً مع إمكانية النوم لمدة اثنتي عشرة ساعة ليلاً من دون طلب الطعام، إلا أن الطفل في هذه المرحلة قد يستيقظ ليلاً بحثاً عن والديه.
على صعيد التطوّر الذهني، يلاحظ الأهل خلال هذه الأشهر أن طفلهم بات أكثر إدراكاً لما يحيط به من أشخاص وأماكن. وفي حين نراه يهلل للوجوه المعتادة، فإنه يخشى الغرباء ويحتمي بوالدته باكياً كلما اقترب منه أحدهم.
من السمات المشتركة لمعظم الأطفال في هذه المرحلة: التعرف الى الأشكال والصور المألوفة، الحشرية للاكتشاف والمعرفة، الرغبة في الاستماع الى الموسيقى والتجاوب معها من خلال بعض الحركات كالتصفيق أو هز الرأس واليدين، التلويح باليدين لدى مغادرة مكان ما، والبكاء أو الصراخ عند المواجهة بكلمة "لا".
ويتمـيز الأطفـال في هذه المرحـلة بشـكل خاص بالخـوف من الإنفصـال عن الأهـل.
على صعيد التطوّر اللغوي، يلاحظ الأهل خلال هذه الأشهر أن عبارتي "ماما" و"بابا" تتوجهان بشكل صحيح الى كل منهما، كما أن بعض الأطفال يستطيعون التلفظ بكلمات وأسماء أخرى، وقسم منهم قادر على تقليد أصوات بعض الحيوانات وذلك رداً على سؤال يطرحه الأهل (مثلاً: ماذا تقول الهرّة؟).
يشير الخبراء الى أنه بإمكان الأهل زيادة قدرة الطفل على التعلم في هذه المرحلة وتعزيز شعوره بالأمان من خلال الخطوات التالية:
- ابتعـاد الأم عن الطـفـل لفتـرة قصيرة أثناء اللعب في بقعة آمنة ثم العودة إليه ثانية، بغية تعليمه أنها في كل مرة تغيب فيها لا بد وأن تعود مرة أخرى.
- إعطاء الطـفل بعـض الأطعمة التي يمـكنه أن يتـناولها بمفرده (كالبسكويت أو الخـبز)، حتى ولو أدى ذلك الى اتساخ ثيابـه ويديه لأن هذه الخبـرة ضرورية له.
- الاستجابة لنداء الطفل عندما يستفيق ليلاً عبر الكلمات المهدئة من دون حمله أو إضاءة النور في الغرفة.
- اللعب مع الطفل أثناء النهار وقراءة القصص له وإظهار العاطفة والحنان بغية تعزيز شعوره بالأمان.