- En
- Fr
- عربي
كلمات
ما اجمل الحديث عن حقوق الانسان. انه تعبير يتضمن إعادة المساواة الى البشر، واعطاءهم، مهما كانت أعراقهم، حقوقاً تحفظ لهم الكرامة والكيان. وما أكثر لجان حقوق الانسان في العالم تراقب الالتزام بشرعة حقوق الانسان التي اعتمدتها الأمم المتحدة وجعلت منها قفزة نوعية في تاريخ البشرية، كونها وثيقة دولية تبين حق كل فرد في العالم، وفي أية دولة أو أي نظام سياسي، بحياة حرّة كريمة. فإبّان الحرب الباردة كانت التهمة الكبرى التي توجّه الى المعسكر الاشتراكي هي خرق حقوق الانسان ومنع الحريات. وجرى التداول بهذه التهم حتى اضحت مادة للصراع السياسي وللاستغلال الاعلامي اكثر منها لتحقيق الحرية والحفاظ على الحقوق ووقف خرقها.
وأخذت منظمات حقوق الانسان، الحكومية منها وغير الحكومية، وما اكثرها، تنشط. وافردت لها مساحات واسعة في الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع لتطلق الاتهامات وتشهّر بمن يخرق مبادئ الحقوق الانسانية. واخذت وزارة الخارجية الاميركية تصدر تقريراً سنوياً عن الالتزام بتلك الحقوق، وبناء على ذلك توزع المساعدات الخارجية بحيث تحرم منها كل دولة فيها سلطة تخرق مضمونها.
وهكذا اصبحت حقوق الانسان سيفاً مصلتاً على الرؤوس السياسية في العالم وحجة اخلاقية وقانونية للتغيرات المطلوبة اساساً لهدف سياسي.
لكن ما جعل هذ الهدف السامي ينحرف عن مساره هو الانتقائية الواضحة في حقوق الانسان، بحيث اصبحت كما قال الشاعر:
قتل امرئٍ في غابة جريمة لا تغتفر وطرد شعب آمن مسألة فيها نظر
وإذ تعالت اصوات الاعلام وابواق حقوق الانسان تهدد بالويل والثبور لاعتقال انسان هنا، ومنع آخر من السفر هناك، وهكذا دواليك، مما يوظف الحملة لأغراض سياسية واضحة، فيما الاصوات تخفت وتكاد تتلاشى حيال ما يظهر من فظاعات وارتكابات شنيعة بحق البعض في اكثر من مكان في العالم.
لقد سمعنا هذه المنظمات تتباكى اذا اعتقل شخص في دولة ما، لكننا بحثنا عن صوتها عندما دام الاحتلال الاسرائيلي لاراضٍ عربية، وطُرد الشعب الفلسطيني بالقوة من ارضه. فتشنا عنها عندما كانت العصابات الصهيونية ترتكب مجزرة إثر اخرى ترهب فيها الشعوب العربية والشعب الفلسطيني خصوصاً، من دير ياسين الى كفرقاسم الى بحر البقر الى مجازر لا تحصى في الضفة الغربية وغزة ومجزرة صبرا وشاتيلا وقانا وسحمر... أين هي منظمات حقوق الانسان الاميركية من إقدام جرافة اسرائيلية على جرف ناشطة حقوق الانسان الاميركية راشيل كوري وقتلها؟ بحثنا في الاعلام علّنا نجد استنكاراً في اميركا وغيرها لما حصل كون الضحية تحمل جنسية اميركية، وهي من اهالي ولاية واشنطن، فلم نجد. لقد ذهبت دماء راشيل مع ريح الكذب والتضليل.
وعندما ارتكب السفّاح شارون مجزرة صبرا وشاتيلا تصاعد الاستنكار في العالم، وأدانته لجنة تحقيق اسرائيلية وأقيل من منصبه كوزير للدفاع. أين الاستثمار السياسي والقانوني والانساني والأخلاقي في هذه الإدانة؟ واليوم، وبعد عشرين عاماً يستقبل شارون في دول العالم كداعية سلام. بطل المجازر يريد ان يحارب الإرهاب، وينشط لإحلال السلام! هكذا يحاول المضلِّلون والمضلَّلون محو آثار الإجرام والإرهاب لمرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا.
لم يعد هناك هيبة لقانون وأخلاق وقيم في عالم اليوم. هذا عالم تقوده مشاعر التعصب والحقد والكراهية، إذ كيف يتحول الجزار المجرم الى داعية سلام؟ وفي ظل ذلك، من يكفل الاّ يتحول المظلوم المحتل، في المستقبل، الى ارهابي؟ ان التلاعب بهذه الصيغ لم يعد ينطلي على الرأي العام، ولم يعد الناس يصدقون الأضاليل، واصبح التلاعب بموضوعٍ نبيل هو حقوق الانسان ضرباً من الخداع السياسي والقانوني.
نعم، إن لحقوق الإنسان شرطاً، وهو ان تشمل كل الناس، وألاّ يسمح فيها بتغليب مصالح القلة على مصالح الاكثرية، خصوصاً ان كانت هذه الأخيرة واضحة المعالم وتنتهك يومياً.
نعم ان اكبر انتهاك لحرية الإنسان ولحقوقه هو الاحتلال، وطالما بقي الاحتلال جاثماً، فعلى الأصوات الحرّة الحقيقية الصادقة ان تعلو من اجل إنهاء الإحتلال الاسرائيلي لأراضي الدول العربية، وإعطاء الشعب الفلسطيني حريته. وطالما ان التهويل الإسرائيلي العسكري، النووي والتقليدي، قائم ضد كل الدول العربية، فهذا يعني ان حرية العرب منتقصة ومنتهكة ومهددة بشكل دائم. أليس ذلك خرقاً لحقوق الانسان الذي جعلته إسرائيل يعيش في جو تهديد دائم وعدم استقرار؟
... إن النظرة الى كل صغيرة على حساب كل كبيرة هو ضرب من التآمر السياسي والأخلاقي على حرية الشعوب، فالحرية ليست سلعة في سوق المصالح، وحقوق الانسان ليست مادة للإبتزاز السياسي.