روابط وجمعيات

سنبقى أوفياء...
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

دأبت ”رابطة قدماء القوى المسلّحة اللبنانية“ منذ تأسيسها على الاهتمام بشؤون العسكريين المتقاعدين، وعملت جاهدة من أجل تحقيق أهدافها، وجعلت رأس أولوياتها الحفاظ على حقوق المتقاعدين. وهؤلاء إذ يعتبرون تقاعدهم فصلًا من فصول الخدمة، يحافظون على روابط تحفظ التواصل بينهم من جهة، ومع من هم في الخدمة الفعلية من جهة أخرى. تُشكّل الرابطة امتدادًا طبيعيًا للمؤسسات العسكرية والأمنية الأم، وحلقة وصل بينها وبين مَن باتوا في التقاعد. وهي بذلك تؤمن من جهة، إطارًا مؤسساتيًا لمتابعة شؤون المتقاعدين الإدارية وملاحقتها لدى هذه المؤسسات التي توفّر لها الدعم المالي (عبر موازنة وزارة الدفاع الوطني) واللوجستي، علمًا أنّ غالبية مراكز الرابطة موجودة ضمن الثكنات والمراكز العسكرية. ومن جهة أخرى، تحافظ الرابطة على التفاعل بين المتقاعدين ومَن هم في الخدمة.

كيف تواكب الرابطة المرحلة الحالية الحافلة بالصعوبات الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل استطاعت أداء دور في الحدّ من معاناة العسكريين المتقاعدين؟ هذا ما حاولنا استكشافه خلال زيارة إلى مقر الرابطة حيث كان لنا لقاء مع رئيسها اللواء الركن المتقاعد نقولا مزهر، لنغادر بانطباعٍ أساسي: الإيجابية والتصميم على مواجهة الظروف الصعبة.

 

نمو سريع

في البداية، لا بدّ من نظرة سريعة إلى الرابطة التي تتألّف هيئتها التنفيذية من 30 عضوًا من المتقاعدين: 19 ضابطًا و11 رتيبًا من الأجهزة الأمنية كافة (جيش، أمن داخلي، أمن عام، أمن دولة، المديرية العامة للجمارك وشرطة مجلس النواب)، منتخبون من الأعضاء المنتسبين إلى الرابطة والمسدّدين اشتراكاتهم السنوية. أما عدد المنتسبين فقد نما باطّراد في الفترة الأخيرة، إذ ارتفع من 11740 منتسبًا عند انتخاب الهيئة التنفيذية الحالية في العام 2022 إلى نحو 23 ألف منتسب. هذا النمو الذي كان نتيجة الأوضاع من جهة، والجهود التي تبذلها الرابطة الساعية لتأمين ما أمكن من خدمات وحقوق للمتقاعدين في ظل الظروف الراهنة من جهة أخرى.

علاوةً على الهيئة التنفيذية واللجان الإدارية المركزية للرابطة، تتضمن هيكليتها خمس أمانات مناطق (بيروت، جبل لبنان، الشمال، البقاع والجنوب)، وتتبع لأمانات المناطق دوائر تتفرع عنها مندوبيات. وتسهيلًا لأمور الأعضاء، عملت الرابطة على استحداث مراكز جديدة لدوائر عرسال والهرمل وجزين وصور وحلبا والنبطية، وهي تسعى لاستحداث مراكز جديدة في حال تأمنت المقوّمات المادية والبشرية لذلك.

مؤخرًا، وبدعمٍ مطلق من قيادة الجيش، تمّ ربط أمانات المناطق إلكترونيًا بمقر الرابطة الأم، وبات بإمكانها تبادل المعلومات الإدارية عبر شبكة الإنترنت. هذه الخطوة سهّلت كثيرًا إنجاز المعاملات المختلفة خصوصًا بالنسبة لمن هم في مناطق بعيدة، كما ساعدت في تعميم بعض المعلومات والمذكّرات وإطلاع المنتسبين على الخطوات والإجراءات المتخذة التي تهمّهم والتي تصب في مصلحتهم.

 

خطوات ومساعٍ

تعمل الرابطة على عدة جبهات، إذ تقوم بسلسلةٍ من الاتصالات واللقاءات مع المراجع المعنية لتحصيل حقوق المتقاعدين العسكريين، من خلال المشاركة في لجنة في رئاسة الحكومة بالتنسيق مع قيادة الجيش. كما يتم التحضير لمواكبة إصدار سلسلة رتب ورواتب جديدة بالتعاون مع المجلس التنسيقي لمتعاقدي القطاع العام وقيادة الجيش.

ومن الإجراءات المتخذة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية على المتقاعدين، تلك التي أثمرت إنجاز تطبيق قاعدة البيانات الشخصية للأعضاء المنتسبين إلى الرابطة، وقد بات بإمكانهم الدخول إليه بواسطة رابط، وإدراج المعلومات الشخصية الخاصة بهم. يهدف هذا التطبيق إلى الوقوف على الأوضاع الاجتماعية والمادية والصحية للمتقاعدين وعائلاتهم. ومن خلاله يتم فرز الكفاءات المهنية المتوافرة لدى المنتسبين وتعميمها على المتقاعدين، ما يتيح إيجاد فرص عمل للراغبين في مؤسسات رفاقهم، أو في سوق العمل بشكلٍ عام.

يُشار هنا إلى أنّ مؤسسات وجهات عديدة ترغب في توظيف عسكريين متقاعدين لديها نظرًا لما يتمتعون به من ثقة ومناقبية بالإضافة إلى كفاءاتهم وخبراتهم، وهي تتواصل مع الرابطة بهذا الخصوص. ومن الأمثلة على ذلك، إعلان شركة الأحدب للنقل في الآونة الأخيرة عن رغبتها باستخدام عسكريين متقاعدين للعمل لديها بصفة سائقين لحافلات النقل العام، الأمر الذي لاقى صدًى إيجابيًا بين المتقاعدين، وقد تقدّم عدد كبير منهم للعمل لدى الشركة المذكورة. في الإطار نفسه تطلب شركات أمن خاصة ومؤسسات مختلفة من الرابطة تزويدها أسماء عسكريين متقاعدين يرغبون العمل لديها. وتسعى الرابطة حاليًا لدى وزارة الاتصالات وشركتي الخلوي Touch و ALFA إلى تحسين الخدمات التي تتضمنها الباقة المحددة لخط الهاتف العسكري الذي حصل عليه المتقاعدون منذ العام 2018 أسوة برفاقهم في الخدمة الفعلية.

على صعيد آخر، تعمل الرابطة على إبرام اتفاقيات مع شركات تحويل الأموال في لبنان ليصبح بإمكان المنتسب تسديد اشتراكه السنوي من أقرب مركز إلى مكان سكنه من دون أن يتكبد عناء الانتقال إلى مراكز الرابطة لتسديد الاشتراك.

 

قريبًا ميغاسنتر انتخابي

تطمح الرابطة إلى تحقيق أوسع تمثيل ممكن للمتقاعدين، وهذا ما دفعها إلى خطوة تنظيمية لافتة عبر إنشاء الميغاسنتر الانتخابي الذي سيصبح جاهزًا خلال أشهر قليلة. سيسهّل الميغاسنتر على المنتسبين عملية انتخاب هيئة تنفيذية جديدة في حزيران من العام القادم، كلٌ من مقره من دون الحاجة إلى الانتقال إلى المقر الرئيسي، ما يحقّق نسبة اقتراع كبيرة، ويجعل الهيئة ممثِّلة لأوسع شريحة من المتقاعدين.

إلى ذلك، يُعمل حاليًا على إجراء التعديلات اللازمة على نظام الرابطة الأساسي لتطويره ووضع نظام انتخابي جديد، خصوصًا أنّ النظام والهيكلية الحاليين يعودان إلى فترة تأسيس الرابطة في أوائل التسعينيات. كذلك سيتم وضع خطة إعلامية بهدف تغطية نشاطات الرابطة، وإطلاع الرأي العام والمتقاعدين على المستجدات.

العمل واجب

في نهاية لقائنا، يلفت اللواء مزهر إلى الحرص على الأواصر العائلية التي تجمع القوى المسلحة بعائلات شهدائها، وهذه الأواصر حاضرة في برامج الرابطة ونشاطاتها. اليوم الترفيهي الذي دُعي إليه أولاد الشهداء من مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية خلال الأعياد كان مساحة تلاقٍ وفرح للجميع، وهو أصبح موعدًا يتجدد في شهر كانون الأول من كل سنة.

يعاني العسكريون المتقاعدون تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي يمرّ بها لبنان، ومع أنّ الجميع مدركون أن لا حلول سحرية، لكن يبقى العمل واجبًا لاستعادة حق العيش بكرامة، خصوصًا لمن أفنوا سنوات شبابهم في خدمة وطنهم.