ايقاع الحياة

علم “الكرونوبيولوجيا” ساعات توقيت بيولوجية تضبط إيقاع حياتنا
إعداد: د.الياس الشويري
ممثل منظمة السلامة العالمية لدى الأمم المتحدة

لاحظ أبوقراط وأفلاطون منذ القدم وجود علاقة بين الإنسان والوقت، وكان علينا الإنتظار حتى القرن الثامن عشر ليُبرهن العلماء أن عالم الأحياء تحكمه أنماط (RYTHMES) حيوية (بيولوجية) محددة.

ما هي هذه الأنماط؟ كيف تؤثر في حياتنا؟ أين تكمن  ساعات التوقيت  المنظمة لوظائفنا الحيوية؟ يُجيب عن هذه الأسئلة علم جديد يدعى علم النمط البيولوجي أو  الكرونوبيولوجيا ، وقد ظهر هذا العلم بفضل ثلاثة علماء هم: الأميركي فرانز هلبرغ   (Franz Halberg) ، والألماني يوغن أشوف (Jugen Aschoff) ، والفرنسي آلان رينبرغ (Alain Reinberg) .

 

الكرونوبيولوجيا والنوم

• مراحل النوم الخمس:

- ­ المرحلة الأولى: هي الفترة الإنتقالية بين اليقظة والنوم، ويقول  50%  من الأشخاص الذين جرى إيقاظهم في هذه المرحلة إنهم لم يناموا بعد.

- ­ المرحلة الثانية: مرحلة النوم الخفيف حيث نستيقظ عند سماعنا أدنى ضجة.

-­ المرحلتان الثالثة والرابعة: ندخل في نوم عميق يصعب اختراقه، لا نقوم بأية حركة، ويصبح التنفس بطيئاً وعميقاً. ­

- المرحلة الخامسة: هذه المرحلة هي مرحلة النوم  المتناقض  حيث يصعب ايقاظ النائم، ويكون الجسم مسترخياً تماماً، ولكنه (وهنا المفارقة) ينطوي على نشاط كثيف وغير منتظم: نبض القلب وضغط الشرايين يرتفعان وينخفضان على التوالي.

 تحدث معظم الأحلام في المرحلتين الثالثة والرابعة، غير أن الشخص يتذكر بصورة أفضل أحلام المرحلة الخامسة.

 وتتضمن كل ليلة من ليالينا 4 الى 6 دورات (حسب طول مدة النوم)، وهذه الدورات غير موحدة الطول ولا العمق. فقبل منتصف الليل مثلاً، تطول المرحلتان الثالثة والرابعة (مرحلتا النوم العميق) ، أما في الصباح الباكر فتطول فترة النوم  المتناقض  (الخامسة) . لذلك، من المهم أن نعرف إنه لا يكفي أن ننام عدداً وافراً من الساعات لنستعيد نشاطنا، بل يجب أن ننام في أوقات محددة، كما بيّنت التجارب أيضاً أن الاستيقاظ يكون أكثر تلقائية وعفوية في نهاية المرحلتين الثانية والخامسة.

 

• هل تستيقظ في الساعة المناسبة؟

 تكون ساعة نهوضك مناسبة إذا:

- ­ كنت تستيقظ من دون حاجة الى منبه.

-­ كنت تشعر أنك استيقظت تماماً خلال الساعة التي تلي نهوضك.

-­ شعرت بالجوع حال نهوضك.

 

•  أنت بحاجة الى مزيد من النوم إذا:

-­ كنت تستيقظ متأخراً في عطلة الأسبوع.

- ­ شعرت بالتعب خلال الساعة التي تلي نهوضك.

-­ كنت غير قادر على ممارسة الرياضة بعد ساعة من نهوضك.

 

•  للحصول على نوم أفضل: ­

- عشاء خفيف، حمام فاتر، درجة حرارة الغرفة 19. ­

- ممارسة السباحة في المساء والإمتناع عن الركض أو تقوية العضلات فهي ترفع الحرارة بشكل ملحوظ.

- عند البدء بالتثاؤب والإحساس بأن الجفون ثقيلة، يُفضّل الخلود الى النوم في غضون ربع ساعة وإلا لن يتمكن الشخص من النوم قبل ساعة ونصف وهو موعد المرحلة التالية من النوم.

- المحافظة على مواعيد ثابتة للنوم. ­ النهوض في وقت ثابت ومحدد.

- كـل ما يرفـع الحرارة فـي الصباح يمنـح الراحـة فـي المساء: حمـام ساخن، فطـور متـوازن، تمـارين رياضـية...   

 

• هل التوقيت الصيفي مضرّ؟

- يُجمع العلماء على ان الإنتقال من التوقيت الشتوي الى التوقيت الصيفي، أو العكس، لا يؤثر إطلاقاً في صحتنا، هذا بالرغم من إعتراضات مناهضي تغيير التوقيت، خاصة الأهل الذين يشكون من أن أولادهم يتعبون عند الإنتقال الى التوقيت الصيفي، غير أن التعب لا يعود الى التوقيت الجديد وإنما الى نشاط الأولاد المفرط، فقد أصبح النهار أطول وبات الأولاد يحبون الخلود الى النوم متأخرين. كما يرى علماء الكرونوبيولوجيا إن الإنتقال الى توقيت جديد يجب أن يتمثل بفارق خمس ساعات على الأقل ليكون له تأثير ملموس على أنماط الإنسان البيولوجية.

 

الكرونوبيولوجيا والتغذية

• ضربة الساعة 11.00:

يرغب الجسم صباحاً في السكر، لذلك فإنه يستهلك بسرعة السكريات التي أخذها من وجبة الفطور، ومع مرور الساعات يستفحل نقص السكر في الجسم وتقل نسبته في الدم، وهذه الظاهرة تظهر بوضوح إذا أهملنا في فطورنا السكر البطيء أو المركّب (الذي نجده في الحبوب) لصالح السكر السريع (الذي نجده في المربيات والسكر) . وفي الساعة 11.00 ينفذ الوقود  ونحس بالتعب الذي يأتي مفاجئاً كأنه ضربة مدوّخة، ولمواجهة هذه الضربة هناك نصيحتان: ­

- تناولوا وجبة حقيقية متوازنة في الصباح مع بعض الحبوب.

- إذا حصلت  الضربة  إشربوا كوباً من العصير الطازج إذا أمكن أو إحملوا معكم بعض الفاكهة الى عملكم. يحسّ الأولاد بهذه العوارض نفسها وفي الوقت ذاته، لذلك لا تنسوا أن تضعوا بمتناولهم وجبة من الفواكه الطازجة.

 

•  أعداء على مائدة الغداء:

 هناك نوعان من الغداء ينبغي تجنبهما والأفضل  محاربتهما  وهما السندويشات والوليمة. فالغداء الذي أساسه السندويشات لا يحترم أصول الأكل، كالأكل ببطء وتناول الطعام الخفيف والمغذي في آن. فالخبز يملأ المعدة، ويبقى السندويش ضاغطاً على القلب طوال فترة بعد الظهر! والوليمة ليست أفضل، صحيح أنها تتيح الأكل ببطء، ولكن الشخص يتناول شتى أنواع المأكولات (الشهية) الدسمة، وهذا ما يدفع بالجهاز الهضمي الى تجنيد كل طاقة الجسم لهضمها، مما يبعث الخمول في أنحاء الجسم لساعات عدة.

 

الكرونوبيولوجيا والنشاطات الفكرية

• استراحة كل ساعة ونصف: في العام 1948 درس عالم الكرونوبيولوجيا الياباني أوكاوا تطوّر يقظة مجموعة من الأشخاص لعدة أيام بدءاً من الساعة 9.00 صباحاً لغاية الساعة السابعة مساءً، فتبين أن الخط البياني لنشاطهم كان مُطابقاً لخط حرارتهم مع فارق واحد: لوحظ هبوط محسوس كل 90-110دقائق في حرارة الأشخاص الذين روقبوا. وقد لاحظ العالم الفرنسي لوكونوت التغييرات نفسها في دراسات مشابهة، ولا يزال هذا النمط الدوري لغزاً في نظر العلماء. ولكن هنالك شيء مؤكد وهو ضرورة أخذ فرصة صغيرة من 5 الى 10 دقائق كل ساعة ونصف أو ساعتين، وهذه الإستراحة لا تُقلل من العمل بل على العكس تحافظ على جودة الإنتاج.

 

الكرونوبيولوجيا والوقاية من الحوادث عند الأطفال

 تأتي حوادث الطرقات والحوادث المنزلية في طليعة أسباب الوفيات عند الأولاد الصغار، ويؤكد علماء الكرونوبيولوجيا أن حوادث الأطفال تقع في أوقات محددة يكونون فيها سريعي العطب.

 قام الدكتور أوليفيه راينبرغ بدراسة على 4000 ولد تعرضوا لحوادث مختلفة، فوجد ما يلي: 38.2% من الحوادث وقعت في البيت، 23.6% وقعت أثناء قيامهم بنشاطات رياضية، 18.5% سببها ألعاب مختلفة، 8.6% حصلت أثناء سيرهم على الطريق. تتغير هذه النسب حسب العمر ولكن حتى عمر الخامسة تطغى الحوادث المنزلية.

 أما توقيت حصول الحوادث فيتركز حوالى الساعة 11.00 صباحاً وبين الساعة الرابعة والخامسة بعد الظهر. والمراقبة الدقيقة تسمح بتحديد ساعة معينة لكل حادث عند الأولاد، فحوادث الطرق تقع ما بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً، وحوالى الساعة السادسة مساءً. أما حوادث التسمم فتحصل حوالى الساعة 11 و12 ظهراً ثم بنسبة أقل ما بين الساعة الخامسة والسابعة مساءً. أخيراً من المهم أن نعرف أن الأولاد يمرون بفترة إنخفاض في الأداء وفي الإنتباه عند منتصف النهار.

 لتكن هذه الدراسة بمثابة مفتاح لكل من يرغب في خوض غمار كل ما هو جديد ومفيد ولنفتش سوياً عما يمكن أن يزيد حياتنا وحياة من نحب إشراقاً وبهاءً... وسعادة.