نحو مجتمع أفضل

كيف يتعامل القانون اللبناني مع متعاطي المخدّرات والمدمنين عليها؟
إعداد: المحامية تريز حنا عون

المحامية تريز حنا عون

يُشكّل تعاطي المخدّرات والإدمان عليها حالة تراوح ما بين العقوبة والعلاج، فالعقوبة وحدها لا تُفضي إلى نتيجة إيجابية. ومن أجل تحقيق العدالة يُعتمد في القضايا الجزائية مبدأ جوهري هو التناسب بين الجريمة والعقوبة، وهذا ما حاول القانون رقم 673 الصادر في العام 1998 تحقيقه، عبر بناء منظومة قانونية جديدة للعلاج، ففرّق ما بين التعاطي والإدمان، وما بين تسهيل التعاطي والإتجار بالمواد المخدّرة.

من أجل فهم مضمون القانون لا بد من الإضاءة على بعض العبارات لتحديد مفاهيمها؛ فقد عرّف القانون رقم 673/1998 عبارة «مدمن مخدرات» بأنه كل شخص في حالة ارتهان جسماني أو نفساني لعَقار مخدّر خاضغ للمراقبة. أما «العلاج من الإدمان» فهو «العلاج الذي يهدف إلى إزالة حالة الارتهان للعَقار».

تعمل جمعية سي.دي.أل.أل في مجال تنمية المجتمع والوقاية وكذلك علاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية والإدمان.

من خلال برامجها المتعدّدة، تقدم خدمات اجتماعية متكاملة للأطفال والمراهقين والشباب ومقدّمي الرعاية، في المدارس وفي المجتمعات وفي مراكز ي وث كاب التابعة لها في بيروت وحالات.وتهدف من خلال تعاونها مع مجلة «الجيش » إلى المساهمة ببناء وطن متعافٍ وخالٍ من المخدّرات.

 

المواد المخدّرة الممنوعة

المواد المخدرة الممنوعة والتي تقع تحت القانون 673/1998 كما حددها في مادته الأولى هي «جميع النباتات والمواد الطبيعية والتركيبية والمنتجات الموضوعة تحت المراقبة والخاضعة لتدابير رقابية بموجب أحكام هذا القانون». وهي محددة ضمن جداول سندًا لمضمون الاتفاقيات الدولية، تحت عنوان «المخدرات والسلائف والمؤثرات العقلية». وكل مادة غير مذكورة في هذه الاتفاقيات لا تشكل الجرم المعاقب عليه في قانون المخدرات، وهذه الجداول يجري تحديدها وتعديلها بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية وموقّع من رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة.

وقد حدد القانون 4 جداول بموجب الاتفاقيات الدولية معتمدًا معيار التفريق بينها بحسب شدة خطورتها وفائدتها الطبية.

تراوح عقوبة زراعة هذه المواد وإنتاجها والإتجار بها وتسهيل تعاطيها، ما بين الأشغال الشاقة والسجن لمدة خمس سنوات تبعًا للجرائم المتّهم بها الفاعل.

أما في حالة تعاطي المواد المخدّرة للاستهلاك الشخصي، فقد سمح القانون للفاعل بطلب العلاج حتى الحصول على قرار بعدم الملاحقة أو بكفّ التعقّبات. وسندًا للمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، له الحق بحضور محامٍ لدى استجوابه أمام الضابطة العدلية، وبالاتصال بذويه والحق بالصمت وبطلب طبيب عند الاقتضاء أو مترجم. وله الحق أيضًا بطلب الخضوع للعلاج بحسب القانون 673/1998.

 

التعاطي والإدمان والعلاج

فتح القانون 673/1998 باب خلاص للمتعاطي والمدمن فأخرجهما من دائرة العقوبة السجنية إلى مراكز علاج تشكل انطلاقة جديدة في الحياة بعيدًا من المخدرات. فقد بدا واضحًا أنّ الإقامة في السجن لمتعاطي المخدرات ولو بشكل عرضي، تُحوّله إلى مدمن على عدد متنوع من المواد المخدرة، في حين أنّ ما يحتاجه هو مرافَقة متنوعة الاختصاصات، تُصغي إلى جروحاته وتواكبه في صنع مستقبل جديد. تبدأ رحلة العلاج من المستشفى حيث يتم التخلّص من التسمّم الجسدي ومن ثم يجري العمل على متابعة التخلّص من الارتهان في مراكز متخصصة، يتولّى فيها المعالجون النفسيون والتربويون والروحيون والاجتماعيون مساعدة المدمن على التخلص من الارتهان النفسي وإعادة الاندماج في المجتمع. وهذا الباب العلاجي الجديد يشترط عدم التكرار والخضوع لإجراءات قضائية، عبر تحويل الملف من القاضي الناظر فيه (في أي من مراحل التحقيق أو الحكم) إلى لجنة متخصصة يرأسها قاضٍ، سُميت لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات. تُصدر هذه اللجنة «شهادة شفاء»، تؤهل حاملها بعد إبرازها في ملف دعواه إلى محو جنحة التعاطي والإدمان بصدور حكم كفّ تعقّبات، ما يجعل سجله العدلي نظيفًا وخاليًا من أي حكم إدانة بجرم التعاطي والإدمان.

تتطلب هذه الإجراءات وقتًا إن لناحية متابعة الإجراءات القضائية أو لناحية متابعة العلاج، وهذا ما سنعرضه بشكل مختصر انطلاقًا من المادة 127 من القانون 673/1998 وحتى المادة 203 منه.

 

من العقوبة إلى العلاج

تُعاقِب المادة 127 على الاستهلاك الشخصي للمواد المخدّرة بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية، كما تسري العقوبة نفسها على إدمان هذه المواد، في حال عدم إذعان المدمن للعلاج. وتسمح بوقف تنفيذ العقوبة أو الإعفاء منها إذا كان قاصرًا أو لم يكن مكرِّرًا أو تعهّد بعدم التكرار وخضع لتدابير العلاج، وتُشدَّد العقوبة إذا كان الفاعل من المهنيين العاملين في مجال الصحة.

ويُعاقَب بالسجن من شهرين إلى سنتين وبالغرامة، من «حاز أو أحرز أو اشترى كمية ضئيلة من المواد الخطرة من دون وصفة طبية، وبقصد التعاطي، وكانت ضآلتها تسمح باعتبارها مخصصة للاستهلاك الشخصي، ويتعرض للعقوبة ذاتها من ثبُت إدمانه على تعاطي هذه المادة» سندًا للمادة 30، وتجري عليه ما تمّ شرحه من إعفاءات أو تشدّد في المادة 127.

إذًا، شرط استعمال المخدر للاستهلاك الشخصي هو الأساس لتحويل ملف الفاعل من أمام النيابة العامة الاستئنافية أو قاضي التحقيق أو الهيئة الاتهامية في معرض جناية، أو أمام قاضي الجنح أو محكمة الجنايات في معرض جناية مرتكبة مع الجنحة، أو حتى مع تنفيذ الحكم. وما على الفاعل سوى طلب إحالته أمام لجنة مكافحة المخدرات من أجل العلاج. ويحقّ للمدمن أن يتقدم تلقائيًا بطلب العلاج، كما يحقّ لذويه أو للوصي أو الولي أو أحد الزوجين القيام بهذا الطلب، أو يمكن لصاحب العلاقة أن يلتحق تلقائيًا بأحد المصحات التي تبلّغ لجنة مكافحة المخدرات. ويحقّ لأي شخص يعلم بحالة مدمن أن يتقدم ببلاغ من النيابة العامة الاستئنافية التي تُجري التحقيق وتُحيل الملف إلى لجنة مكافحة المخدرات.

وبدورها، تحيل لجنة مكافحة المخدرات الفاعل إلى أحد المصحات المتخصصة لمدة شهر، وفي نهاية الشهر تُقدّم مساعدة اجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية تقريرًا عنه إلى اللجنة للبتّ بأمره.
بعد إزالة التسمم الجسماني أو في حال ثبوت عدم الحاجة لإزالته لسببٍ من الأسباب، تُحيله اللجنة إلى عيادة نفسية، أو تكلّف مؤسسة رعاية تقديم المساعدة له.

أما إذا كان الفاعل مدمنًا، فتحيله اللجنة إلى مصح لإزالة التسمم الإدماني لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، يُصدر المصح بنهاية المدة تقريًرا عن المريض وتستمع اللجنة إليه، ومن الممكن تمديد المدة حتى ستة أشهر أو إخراجه من المصح، وإلزامه بالتردد على عيادة نفسية اجتماعية لمدة ثلاثة أشهر يصدر الطبيب بنهايتها تقريرًا عنه يبرزه للجنة التي تبتّ بأمره.

وسندًا للمادة 189، فإنّ المدمن الذي يثابر على متابعة العلاج وفق ما تقرره لجنة مكافحة الإدمان، تمنحه اللجنة شهادة اسمية تثبت شفاءه، وذلك بعد أن ترفع إدارة المصح تقريرًا بإزالة التسمم الإدماني لديه، وُيصدر طبيب العيادة تقريرًا آخر يفيد بتخلّصه من الارتهان النفسي للإدمان، وعندها يُعفى نهائيًا من الملاحقة، وتبقى نفقات العلاج على عاتق الدولة.

ومن الممكن أن يطلب الخاضع للعلاج من وزارة الشؤون الاجتماعية مساعدة مالية لإعالة عائلته في أثناء هذه المرحلة الطويلة من العلاج.
أما إذا انقطع عن العلاج ولم يثابر عليه حتى الحصول على الشهادة المذكورة، فيُصار إلى ملاحقته وفق الأصول، وتكون إدارة المصح والطبيب النفسي ملزمَين بإبلاغ اللجنة عند الانقطاع عن العلاج.
وتتابع اللجنة عملها بتحويل المدمن الذي شفي إلى مؤسسة رعاية لإعادته إلى الحياة الطبيعية.

وفي حال انقطع عن العلاج خلال إحالته إلى لجنة مكافحة المخدرات، تستعيد المحكمة صلاحياتها ويحاكم وفق الأصول.