تربية وطفولة

لماذا يرفض الطفل سلطة والديه وكيف نتعامل مع الأمر؟
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

بين الطفل والسلطة التي يمارسها عليه ذووه نزاع يومي. فالعلاقة بين الطفل وأهله لا تقوم على الحب والاحترام فقط، وإنما أيضًا على السلطة، وهو يرفضها في مرحلة معيّنة بحرّيته واستقلاليته.


تتجلّى التربية الصحيحة في فرض سلطة الأهل على أولادهم، ووضع حدود لهم تنظّم حياتهم، وتسهّل تكيّفهم مع المجتمع المحيط بهم. إلّا أنّ الأطفال في مرحلة معيّنة وخصوصًا عند اقترابهم من مرحلة المراهقة، يرفضون هذه السلطة، ويعيشون نزاعًا بين التبعيّة المتمثلة بالطفولة والرغبة في الاستقلالية.
تسبّب سلطة الأهل أحيانًا ضياعًا أكبر للطفل، فمن جهة هو يحتاج إلى هذه السلطة الممزوجة بالحب والحنان والتي تشعره بالأمان، ومن جهة أخرى يرفضها مطالبًا بحرّيته واستقلاليته ومعلنًا رغبته في تحقيق ذاته بعيدًا من والديه.
إنّ رفض الطفل سلطة والديه قد يحدث مبكرًا حتى قبل بلوغه مرحلة المراهقة. ويعود السبب أحيانًا إلى شعور الطفل بأنّ هذه السلطة ليست عادلة، وفي أحيان كثيرة يكون السبب عجزه عن تمييز مصلحته ورغبته في تلبية حاجاته بغضّ النظر عما إذا كانت مفيدة أو لا، أو ربما خطيرة.

 

ما العمل؟
يقدّم الخبراء والاختصاصيون بعض النصائح التي تُسهّل قبول الطفل لسلطة والديه. ومن هذه النصائح:
• يجب اتّخاذ مواقف عادلة لا شوائب فيها والتزام الوعود والحفاظ عليها، خصوصًا أنّ الطفل يعدّ أهله المثل الأعلى له فيقلّد تصرفاتهم وأفعالهم، لذلك يجب أن يكونوا قدوةً له.
• من الضروري الثبات في المواقف الحاسمة والحفاظ على الرأي وعدم الخضوع لرغبات الطفل. فالامتثال مرة واحدة لرغبته التي يمانعها الأهل بشدةٍ، سيصعّب في المرّة المقبلة رفض طلباته، ويؤدي إلى فقدان الصدقية أمامه.
• ليبسط الأهل سُلطتهم على أطفالهم، عليهم تجاهل نوبات غضبهم. فلا شك في أنّ الطفل يعلم نقاط ضعف والديه، وأنهما سيسارعان إلى احتضانه متى بدأ بالصراخ وانتابه الغضب. لكن إذا تجاهلاه سيكتشف أنّ تصرفاته هذه غير مفيدة وسيكُفّ عن الصراخ ويمتثل لإرادتهما. لذا يجب عدم التّدخّل إلا في حال كان الطفل في خطرٍ.
• التريّث والصبر ضروريان، ففي حال فرض قاعدةٍ جديدةٍ على الطفل، قد يتطلّب بعض الوقت حتى يستوعبها ويفهمها ويطبّقها. لا تيأسي ولا تتراجعي من المحاولة الأولى، فالصبر يؤدي إلى النتيجة المبتغاة.
• عند محاولة الأهل بسط سلطتهم على الطفل وفرض بعض الحدود، عليهم اختيار ألفاظ جيدة والابتعاد قدر الإمكان عن قول «كلا»، لأن كثرة ترداد سماع هذه الكلمة تساعده على إدخالها في قاموسه، وهذا ما يصعّب المهمة. لذلك يجب محاولة استبدال الرفض الصريح المباشر بكلمات وتعابير أخرى تحمل المعنى ذاته، ولكن وقعها أخف عليه تجعله يفكّر في تصرفاته وسُبل تحسينها. مثلًا، يمكن الاستعاضة عن الرفض الواضح بسؤال «هل تعتقد أنّ ما تقوم به لائق؟».
• سواء كان الأهل صارمين أم لا في تعاطيهم مع طفلهم، عليهم فرض بعد القواعد والحدود التي تعزّز شعور الطفل بالأمان. والقاعدة الأنسب هي تلك الواضحة التي لا تحمل الالتباس فتكون قصيرة ومباشرة ومنطقية ومشتركة بين أفراد الأسرة جميعًا. ومنها على سبيل المثال: عدم تناول الحلويات قبل العشاء.
ثمة مواقف يعجز الطفل فيها عن احترام كل القواعد المفروضة عليه، ومنها مثلًا «الخلود إلى النوم عند الساعة السابعة حتى في فصل الصيف». وفي هذه الحال، فإنّ التعامل معه بمرونةٍ يعلّمه مبدأ وجود استثناءات في الظروف الطارئة.

 

التسويات أمر ممكن
اعتماد التسويات مع الطفل لا يزعزع سلطة الأهل وصورتهم مثلما هو شائع، بل يؤكّد له انفتاحهم واستعدادهم للاستماع إلى رأيه، وهذا ما يجعله يصارحهم بكل ما يجول في فكره.
• تشجيع الطفل والثناء على سلوكه عند التّصرف جيدًا ضروري أيضًا. فكلمات التشجيع والمديح تخدم نموّه النفسي وتعزز ثقته بنفسه أكثر، فعند الثناء على تصرّفٍ جيدٍ قام به الطفل، سيكتشف أنّ لا ضرورة لمعارضة كل شيء يفعله. أما في حال عدم ملاحظة جهوده المبذولة فإنه سيمانع ويقف في وجه السلطة ويعارضها.