وجهة نظر

مسلسل النّكبات متواصل من فلسطين إلى القدس والمقدّسات
إعداد: جورج علم

العبث المتمادي بالتاريخ والجغرافيا


قبل 70 عامًا، وقف على أدراج القدس ثلاثة: التواطؤ، والطمع، وتشويه الحقائق، فتقمّص القدر مصائر ثلاثة: فلسطين. القدس. والأماكن المقدّسة. مسار يتحكّم بمصير، ومصير يقرّره التسلّط المدعوم بفائض القوّة...

 

أطلّت وهرة التاريخ على هذه المنطقة المنكوبة ببشرها وحجرها فجر 29 تشرين الثاني من العام 1947، عندما صدر عن الجمعيّة العامة لهيئة الأمم المتحدة قرار يقضي بتقسيم فلسطين، ويحمل الرقم181، صوّتت معه 33 دولة، مقابل 13 ضده، وامتناع 10. من مفاعيل هذا القرار، إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات:
1– دولة عربيّة، تبلغ مساحتها 11000 كيلومتر مربع (ما يمثّل 42.3 بالمئة من فلسطين)، وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربيّة، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أشدود إلى رفح جنوبًا، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2– دولة يهوديّة، تبلغ مساحتها 15000 كيلومتر مربع (أي ما يمثّل 57.7 بالمئة من مساحة فلسطين) وتقع على السهل الساحلي من حيفا إلى جنوب تل أبيب والجليل الشرقي، بما في ذلك بحيرة طبريا وأصبع الجليل والنقب، وضمنه أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليًا.
3– القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دوليّة.
جُوبِه القرار برفض عربي مكلف، ومعارضة مغمّسة بالدم لا تزال تنزف حتى يومنا، ففلسطين دولة عربيّة خضعت للانتداب البريطاني منذ العام 1923 وحتى 1948، ومع انتهاء الانتداب البريطاني، قررت الحكومة البريطانية تسليمها إلى اليهود.

 

القرار على ضوء اتفاقيات جنيف
استندت المعارضة العربيّة آنذاك إلى اتفاقيات جنيف، وفيها: لايجوز للأشخاص المحميّين أنفسهم التنازل عن حقوقهم (المادة 8 من الاتفاقيّة الرابعة). وبحسب القوانين والتشريعات المتعارف عليها عالميًّا، يجب إعادة تسليم البلاد إلى أصحابها الحقيقيين بعد انتهاء الانتداب. إلّا أنّ الضغوط السياسيّة على هيئة الأمم المتحدة لقبول خطة التقسيم كانت كبيرة، وبينما استحسن معظم اليهود مشروع القرار، وبخاصة الوكالة اليهوديّة، رفضه متشدّدون من أمثال مناحيم بيغن رئيس منظمة «الأركون» الصهيونيّة، وإسحاق شامير عضو عصابة «الشتيرن» المتطرّفة. وأعلن بيغن في 30 تشرين الثاني 1947 بطلان شرعيّة التقسيم، وأن كل أرض فلسطين (بما في ذلك شرقي الأردن) ملك لليهود، وستبقى كذلك إلى الأبد.
رفضت المرجعيات العربيّة، خطة التقسيم، ووصفتها بالمجحفة في حق الأكثريّة العربيّة التي تمثّل 67 بالمئة مقابل 33 بالمئة من اليهود، خصوصًا أن المشروع أعطى 56.5 بالمئة من فلسطين لليهود الذين كانوا يملكون 7 بالمئة فقط من التراب الفلسطيني. تخوّف العرب من المستقبل، واعترتهم خشية من أن تكون خطة التقسيم نقطة البداية لاستيلاء اليهود على المزيد من الأراضي العربيّة. ولم تأتِ تلك المخاوف من فراغ، فقد أعلن فبن غوريون كان قد أعلن في حزيران 1938 في كلام أمام الوكالة اليهوديّة نيّته الاستيلاء على كل فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم.

 

ردود الفعل
اجتمعت في حينه الجامعة العربيّة الناشئة، واتّخذت بعض القرارات، أهمها:
- مذكّرة شديدة اللهجة موجهة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.
- إقامة معسكر لتدريب المتطوعين على القتال في قطنة بالقرب من دمشق.
- تكوين جيش «الإنقاذ» العربي، وتعيين فوزي القاوقجي قائدًا له.
- رصد مليون جنيه لأغراض الدفاع عن فلسطين.
اعترضت بريطانيا على تدريب الفلسطينيين بقطنة وتشكيل جيش «الإنقاذ»، ووصفت هذا العمل ﺑ«غير الودّي»، فاجتمعت الجامعة العربيّة ثانية وتشاورت، واتخذت قرارًا بإغلاق المعسكر وسحب أسلحته وتسريح المتطوعين، والاكتفاء بتجهيز جيش «الإنقاذ» مع تحديد عدده ﺑ7700 جندي، وإمداده ببعض الأسلحة. أما الأموال فلم يصل منها إلى فلسطين إلّا الشيء القليل.
قام اليهود بحملة استجداء وإغاثة، فانهمرت عليهم الأسلحة من الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا الشرقيّة، وقدم ضبّاط من أميركا وتشيكوسلوفاكيا وروسيا لتدريب اليهود على الأسلحة الحديثة، واستعدت المنظمات اليهوديّة للقتال، وتجاوز العدد الذي تمّ تجنيده 70 ألف جندي مسلّح مدرّب. تمكّن الفلسطينيون من تحقيق تقدّم في عدّة مواقع ونقاط، لكن فارق التسليح والتدريب جعل الكفّة تميل لمصلحة اليهود.
تحرّك الشباب في الدول العربيّة، خصوصًا في مصر وسوريا، وطالبوا بحمل السلاح، والجهاد في فلسطين. رفضت الحكومات في البداية، ثم رضخت للضغط الشعبي، فخرجت الكتائب لتدافع عن فلسطين، وحققت انتصارات إلى حين، فيما كانت مدن عربيّة أخرى تسقط تباعًا. وقعت مذبحة دير ياسين، ومذابح أخرى غيرها، ورفضت الدول العربية إرسال أي تعزيزات للمجاهدين، ثم انقلبت الأمور حتى كانت حرب 1948.
تعاقبت الأحداث، وتوسّعت إسرائيل على الأراضي التي استولت عليها في نزاعها مع جيرانها، وهي كانت في العام 2004 تستولي على 50 بالمئة من الأراضي العربيّة بمقتضى قرار التقسيم، وتسيطر سيطرة تامة على النصف الباقي.

 

قرارات متناقضة
جاء في المادة 19 من الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرّته منظمة التحرير الفلسطينيّة في تموز 1968 ما يلي: «تقسيم فلسطين الذي جرى في العام 1947، وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن، لمغايرته إرادة الشعب الفلسطيني، وحقه الطبيعي في وطنه، ومناقضته للمبادىء التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمها حق تقرير المصير».
أما في «وثيقة إعلان الاستقلال» التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينيّة في تشرين الثاني 1988 فهناك نوع من الاعتراف المتحفّط بشرعية قرار التقسيم في العام 1947، إذ ورد فيها: «ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار الجمعية العامة رقم 181 في العام 1947، الذي قسّم فلسطين إلى دولتين عربيّة ويهوديّة، فإن هذا القرار ما زال يوفّر شروطًا للشرعيّة الدوليّة تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني».
في رسالة بعث بها إلى إسحاق رابين، ضمن تبادل رسائل الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينيّة ودولة إسرائيل، أكد ياسر عرفات تمسّك منظمة التحرير بقراري مجلس الأمن 242 و338، وأن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنفي حق إسرائيل بالوجود فقدت سريانها. أمّا في اتفاقية أوسلو (أيلول 1993)، فيشار إلى الضفة الغربيّة وقطاع غزّة فقط كأراضٍ مخصصة لاستقلال الشعب الفلسطيني.

 

القدس
فيما لا تزال قضيّة فلسطين مضرّجة في حقل الرماية، دخلت قضية القدس إلى أروقة الأمم المتحدة نتيجة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي نصّ على أن تدويل القدس أفضل وسيلة لحماية جميع المصالح الدينيّة في المدينة.
توالت منذ نكبة 1948 القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بشأن الانتهاكات الإسرائيليّة وإجراءاتها الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة لجعلها عاصمتها الموحّدة، لكن هذه القرارات ظلّت في معظمها حبرًا على ورق بسبب عدم التزام إسرائيل، ولأنها قرارات غير ردعيّة. وأبرز ما اتخذه مجلس الأمن في هذا الشأن:
- 19 آب 1948: نظر مجلس الأمن في وضع القدس، وصوّت على القرار رقم 56 الذي طلب فيه من الوسيط الدولي تجريد المدينة من السلاح لحمايتها من الدمار.
- 27 نيسان 1968: صوّت مجلس الأمن بالإجماع على القرار رقم 250، الذي يدعو إسرائيل إلى الامتناع عن إقامة العرض العسكري بالقدس، لأن ذلك سيزيد من حدّة التوتر في المنطقة ويكون له تأثير سلبي على التسوية السلميّة.
- 2 أيار 1968: صوّت مجلس الأمن على القرار 251، الذي أبدى فيه أسفه العميق لإقامة العرض العسكري بالقدس وتجاهل إسرائيل للقرار الذي اتخذه المجلس بالإجماع.
- 21 أيار 1968: درس المجلس شكوى أردنيّة ضدّ الإجراءات الإسرائيليّة الرامية إلى تهويد القدس، وصوّت على القرار رقم 252 الذي اعتبر فيه أن كل الإجراءات الإدارية والتشريعيّة والأعمال التي قامت بها إسرائيل، وبما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس، إجراءات باطلة. ودعا القرار إسرائيل إلى إلغاء هذه الإجراءات، والامتناع فورًا عن القيام بأي عمل آخر من شأنه أن يغيّر وضع القدس. كما طلب المجلس من الأمين العام تقديم تقرير عن تنفيذ هذا القرار، وبالفعل قدّم لاحقًا تقريرين (9194 و9199) أشار فيهما إلى أن إسرائيل مستمرة في القيام بتغيير معالم القدس.
- 30 حزيران 1969: اجتمع مجلس الأمن بناءً على طلب الأردن، وصوّت في الثالث من تموز على القرار رقم 267 الذي ندّد بكل الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير معالم القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات العربيّة، واعتبرها ملغاة.
- 15 أيلول 1969: أصدر مجلس الأمن القرار رقم 171 الذي دان فيه إسرائيل لتسبّبها بحريق المسجد الأقصى.
- 25 أيلول 1971: أصدر المجلس القرار رقم 298 الذي دعا فيه إسرائيل بإلحاح إلى إلغاء جميع الأعمال والإجراءات السابقة، وعدم اتحاذ خطوات أخرى في القطاع المحتل من القدس، قد يفهم منها تغيير وضع المدينة، أو يجحف بحقوق السكان ونصائح المجموعة الدوليّة، أو بالسلام العادل الدائم.
- 30 حزيران 1980: أصدر مجلس الأمن القرار 476، وأشار فيه إلى أنه في حال رفضت إسرائيل التزام هذا القرار، فالمجلس مصمّم على بحث الطرق والوسائل العملية التي ينصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة لضمان تنفيذه.
- 29 آب 1980: أصدر المجلس القرار رقم 478، ويتضمن عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس، ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسيّة من المدينة.
- 12 تشرين الأول 1990: أصدر القرار رقم 672 الذي يستنكر المجزرة التي وقعت داخل ساحات المسجد الأقصى والقدس، ويؤكد موقف مجلس الأمن الذي يعتبر القدس منطقة محتلّة.
- 30 أيلول 1996: أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1073 داعيًا إلى التوقف والتراجع فورًا عن فتح مدخل لنفق بجوار المسجد الأقصى، والذي أسفر افتتاحه عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بين المدنيين الفلسطينيين.
- 23 كانون الأول 2016: أصدر القرار رقم 2334 الذي يؤكد أن إنشاء إسرائيل المستوطنات بالأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ العام 1967 – بما فيها القدس الشرقيّة - ليس له أي شرعيّة قانونيّة، ويطالب تل أبيب بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية، مؤكدًا عدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من حزيران 1967.

 

قرار الرئيس ترامب
تعاقبت القرارات، وذهبت الاستحقاقات والمواعيد نحو المجهول، إلى أن كان فجر السادس من كانون الأول 2017، عندما ضرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربته القاضية، وأعلن القدس عاصمة لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأميركيّة إليها.
بالطبع، كانت ردود الفعل مختلفة ومتفاوتة، وكانت تواريخ جديدة، وتحركات لاستنهاض همم المرجعيات الدوليّة. كان 18 كانون الأول 2017، موعدًا للتصويت على مشروع قرار مصري في مجلس الأمن الدولي يرفض إعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد نال موافقة الدول الأعضاء جميعها، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو ضدّه، فيما توجّه الفلسطينيّون نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة قرار ترامب. لم تتخاذل الأخيرة، فقد اجتمعت، واعتمدت قرارًا أكدت فيه أن أي قرارات أو إجراءات يُقصَد بها تغيير طابع مدينة القدس أو وضعها أو تكوينها الديموغرافي ليس لها أثر قانوني، وتعدّ لاغية وباطلة، ويتعيّن إلغاؤها امتثالًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
أيّدت هذا القرار 128 دولة، وعارضته 9، فيما امتنعت 35 عن التصويت.
كذلك، أكّدت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في قرارها أن مسألة القدس هي إحدى قضايا الوضع النهائي التي يتعيّن حلّها عن طريق المفاوضات وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأعربت عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلّقة بوضع المدينة. وأهابت بجميع الدول أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسيّة فيها عملًا بقرار مجلس الأمن 478 الصادر في العام 1980. وطالبت الدول جميعها بالامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلّقة بمدينة القدس، وبعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات. كما كررت الدعوة لإزالة الاتجاهات السلبية القائمة على أرض الواقع، التي تعرقل حلّ الدولتين، وإلى تكثيف وتسريع الجهود الدولية والإقليميّة والدعم الدولي والإقليمي الهادفين إلى تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط من دون تأخير.
عارضت هذا القرار الولايات المتحدة وإسرائيل وجزر مارشال وميكرونيزيا وتوغو وبالو وهندوراس وغواتيمالا وناورو.

 

كلمة الفصل للأقوى
لم يبالِ الرئيس ترامب، بل غضب من عدم التجاوب مع رغبته، وقرر تنفيذ ما وعد به، وسجّل التاريخ أنه في 15 أيار 2018، تمّ فتح مكاتب السفارة الأميركيّة في القدس كعاصمة لإسرائيل. سارع العرب إلى تسجيل موقف، وعقد مجلس وزراء الخارجية اجتماعًا طارئًا في مقر جامعة الدول العربيّة في القاهرة، وكلّف الأمانة العامة للجامعة إعداد خطة متكاملة لمواجهة قرار الولايات المتحدة، أو أي دولة أخرى، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل سفارتها إليها، بما في ذلك الطرق السياسية، والقانونيّة، والاقتصاديّة...
وطالب الوزراء العرب مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين العام للمنظمة الدوليّة، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم التي اقترفتها إسرائيل ضد المتظاهرين في قطاع غزّة، وتمكين هذه اللجنة من فتح تحقيق ميداني محدد بإطار زمني، وضمان اتخاذ آلية واضحة لمساءلة المسؤولين الإسرائيليين عن الجريمة، ومحاكمتهم، وعدم إفلاتهم من العقاب، كما طالبوا المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لضمان حماية دولية للمدنيين الفلسطينيين من جرائم الاحتلال الإسرائيلي. واقترح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن تستدعي الدول العربية سفراءها في واشنطن للتشاور... ولكن!...

 

... والآن.. الأماكن المقدّسة
قبل أن ينتهي زمن البكائيات، ويجفّ حبر القرارات، قام سفير الولايات المتحدة الأميركيّة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بزيارة معهد يهودي في حي «بني براك» ذي الغالبية اليهوديّة المتدينة في إسرائيل. أهداه ممثل منظمة يهوديّة تدعى «أحيا» صورة لمدينة القدس جرى تعديلها، عبر إزالة المسجد الأقصى ليحلّ مكانه «الهيكل». انتشرت صورة فريدمان على نطاق واسع، وتركت ردود فعل مستنكرة وشاجبة في العالمين العربي والإسلامي، فاضطرت السفارة الأميركيّة إلى إصدار توضيح، جاء فيه: «إن السفير يشعر بخيبة الظن من استغلال زيارته إلى المدينة لإثارة الجدل». سياسة أميركا واضحة جدًّا: «إننا متمسكون بالوضع القائم في الحرم الشريف».
انتهى الخبر هنا، لكن القافلة تمضي، ومعها التغيير، والإمعان في تشويه الحقائق، وسلب التاريخ عمدًا، وتشويه الجغرافيا. ما سِرّ هذه التراجيديا التي لا تشبع من نهم الدم؟ وكيف لها أن تشبع، وهناك من يصرّ على كتابة التاريخ بمداد فائض بالقوة المفرطة، واضعًا أهل القضيّة والعالم قاطبة أمام عناوين مصيريّة ثلاثة؟
- 29 تشرين الثاني 1947، تاريخ قرار تقسيم فلسطين.
- 15 أيار 2018، تثبيت القدس عاصمة لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة.
- 20 أيار 2018، الموعد الذي تسلّم فيه سفير الولايات المتحدة الأميركيّة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بفرح كبير، وابتسامة عريضة، صورة كبيرة لمدينة القدس غاب عنها المسجد الأقصى، ليحل مكانه «الهيكل!»...
إنه العبث المتمادي بالتاريخ والجغرافيا.. ولكن التاريخ لا يرحم!...