من القلب

نسر هوى
إعداد: العميد الركن المتقاعد جوزيف روكز

غدر بك قدر الزمان وقست عليك يد المنون فهويت كالنسر من عليائك، فكانت الفاجعة أليمة ونزلت الخسارة جسيمة، ولم نصدّق الناعي الذي أذهلنا بكسوف شمس وجهك الصبوح وخسوف قمر جبينك الوضاء عن إثنين وثمانين عاماً من عمر الزمان، لنفتقد بذلك صلابة الجندية وعنفوان الرجولة وعزم الشباب.
خمسة عشر عاماً قضيتها في خدمة العلم والبلاد متولّياً بامتياز قيادة سرب في سلاح الطيران، مسجّلاً في حنايا سجلات الجيش الذكريات المرتكزة على الضمير المهني الحيّ والإخلاص والتفاني للمهنة الشريفة التي أحببتها مدى الحياة.
عرفك مَن كانوا بإمرتك ملازماً متواضعاً فصادقوك وعرفوك قائداً طياراً باسلاً فأحبوك، لأنك كنت لهم الأب والأخ والمرشد والمربي. كما كنت للرؤساء محط أنظار وموضع ثقة وفخر وكنت القائد العادل الذي يقرن الحزم بالحلم والشدّة باللين وتحلّيت بالشجاعة والمناقبية العسكرية،  فتشابكت على منكبيك نجوم الوفاء فحملتها باعتزاز وإباء لأنك أحببت شعار جيشك الميمون «شرف - تضحية - وفاء»، كما رصّعت صدرك العارم بثلاثة أوسمة وطنية لتفتخر بها وتفخر بك وتخلّد ذكراك وبسالتك في تاريخ الجيش الأبيّ، وتابعت الدورات الدراسية العليا في لبنان والخارج، فكنت المميّز والمجلّي واستحققت الثناء والتقدير والاعتزاز والإكبار.
ناداك الجيش فلبّيت ونادتك العائلة فربّيت، فماذا نقول للعائلة المفجوعة عن مزايا أخ وفيّ خلوق وعن صديق مخلص صدوق عاشرناه دهراً لا يُنسى. منحك الله من نعمه ثلاث زنابق فوّاحات واقتبسوا عنك حكمة العقلاء فكنت الزوج الحنون والأب الرؤوف والأخ الشفوق، أهديتهم العزّة والإباء وغرست في نفوسهم النبل والكبر فنشأوا منذ نعومة أظفارهم على الإخلاص والمحبة والإيمان وحب الجيش وعبادة لبنان.
وإن عائلتك يا أخي أمانة في عنق رفاقك، بسيوف العزّ يحمونها وبأخوة السلاح يحيطونها، وعداً على أنفسنا قطعناه وقسماً بشرفنا أدّيناه أمام الله والعالم والتاريخ «سنبقى أوفياء». فأنت لم تمت بل انتقلت من دار الفناء الى دار أزليّة خالدة مودّعاً أرصون المفجوعة، حاملاً معك حفنة من ترابها وغرسة من أرز لبنان لتغرسها في النعيم الأبدي كما غرستها في قلب كل عسكري حرّ كريم أبيّ.

 

الى الصديق النقيب الطيار
المرحوم جوزف قرطباوي